المعثورات الأثرية في وادي الأحيسي بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المعثورات الأثرية في وادي الأحيسي بالرياض في المملكة العربية السعودية

المعثورات الأثرية في وادي الأحيسي بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
تكثر الأدوات الحجرية بجوار منشآت معمارية في وادي الأحيسي حيث توجد المنشآت المذيلة، ومنشآت مذيلة ألحقت بها منشآت أخرى.
وتتكون الأدوات الحجرية من أدوات مستعملة من قطع الحجارة، أو الرقائق الحجرية، والقطع الصغيرة، وشفرات مشحوذة نادرة، وكاشطات، ورقائق رؤوس سهام. وكان قد عثر في الموقع رقم 207 / 72 في وادي حرض على كمية كبيرة من الحصى في مكان واحد؛ ما يدعو إلى الظن بوجود مواقد صغيرة، وبعض المباني الأخرى المؤقتة. وبالإضافة إلى ذلك تظهر الأحجار المتصدعة والمتشققة بفعل النيران بكثرة في عدد من المواقع؛ ما يدل على وجود مواقد  .  ووجدت كذلك أدوات على شكل نصال ذات أكتاف مشحوذة الوجهين، وشظايا ورقية، وأخرى ثنائية الوجه، كبيرة الحجم، ونصال ذات سيلان، ومكاشط، وعدد من القدائم، والفؤوس الحجرية المصقولة والمشحوذة، وشظايا من الزجاج البركاني.
وتميزت صناعات العصر الحجري الحديث في هذه المواقع بوجود نطاق واسع من أشكال أحادية وثنائية الوجه مصنوعة بالترقيق الخفيف أو المضغوط، بالإضافة إلى عناصر متناهية الصغر من الشظايا والنصال المثلمة بشحذ حول طرف واحد منها. وتعود صناعة هذه الأدوات إلى فترة بين 9000 و 4000 ق.م  .  وعثر أثناء مسح المنطقة عام 1399هـ / 1979م على عدد من المواقع التي أرخت إلى العصر الحجري الحديث، ومنها الموقع رقم 207 / 38 الواقع في مركز سدوس، وعدد من المواقع في محافظة ضرماء. وتشتمل المادة الآثارية على: نويات الأحجار، والنصال، والمثاقب، والمكاشط، والشظايا. وتؤرخ تلك المادة إلى فترة ما بعد العصر الحجري الحديث، كما تؤرخ إلى فترة تسبق الألف الخامس قبل الميلاد. وتعود إلى هذه الفئة أدوات وجدت في موقعين في الدوادمي  
 
وتشتمل الأدوات الحجرية على الرؤوس المدببة من ذات النصل والشوكة مشحوذة الوجهين، وأطراف على شكل نصال ذات أكتاف مشحوذة الوجهين؛ بعضها مشحوذ بدقة كبيرة وله أكتاف زاوية، وأطراف مسننة، وأطراف طويلة مدببة الوجه سميكة إلى حدٍّ ما عند المقطع المستعرض؛ ونصال، وشوك لها أطراف مستديرة من الحجر البازلتي الأخضر العريض مشحوذ الوجهين، ورقائق ورقية مشحوذة الوجهين، بعضها مدببة الطرفين، ولبعضها طرف واحد مستدير، ولبعضها الآخر طرفان مستديران؛ ورقائق ثنائية الوجه  ،  ورقائق لها طرف مستدير وآخر مدبب، والنصال ذات السيلان، أي مشطوفة الجانبين، ورقائق ذات أسنان صغيرة، ونصال لها ظهور، وسكاكين من الخشب المتحجر، ورقائق لها ما يشبه الأجنحة، وقدائم؛ وفؤوس حجرية مصقولة ومشحوذة، بعضها مصقول كليًا وبعضها مصقول على الحافة  ،  وعدد من رقائق الزجاج البركاني الأسود، وشظايا من الزبديات المصنوعة من الحجر الصابوني. ويمكن أن تؤرخ هذه الصناعات إلى ما بين 9000 و 4000 سنة مضت، وهي الفترة الزمنية التي سادت خلالها ظروف مناخية معتدلة  
 
وعثر على الصخور التي شققتها النيران وحصى الأفران، كما عثر على أصداف بيض النعام المكسورة، وعدد من الأدوات الحجرية مثل: القطع الحجرية المستهلكة، والمكاشط، والرقائق، ورؤوس السهام رمحية الشكل، والشفرات، والمخلفات الناتجة عن تصنيع هذه الأدوات، وأدوات طحن، ورحي، وكثير من تلك الموجودات في الموقع 207 / 79 مصنوع من الجرانيت، وشظايا دقيقة لعظام حيوانات متحللة.
ووجدت خرزة من القنوس أو الصدف، وقطعة زخرفية نحتت ببراعة من الصدف، وهناك قطعة صغيرة من الخبث عثر عليها في الموقع رقم 207 / 102 ما يوحي بوجود صناعات نحاسية بدائية. كما وجد في الموقع رقم 207 / 102 كِسر من الفخار الأحمر الخشن بحبيبات كبيرة، ويمثل الموقع رقم 207 / 102 مجموعة متأخرة في العصر الحجري الحديث في المنطقة  
 
لقد استفاد الإنسان خلال العصر الحجري الحديث من أنواع كثيرة من الصخور في صناعة أدواته، ولعل أكثرها شيوعًا، الحجر البازلتي الأخضر، وحجر الشيرت الأبيض والأصفر والبني، وحجر الكوارتزيت الرقيق، وحجر الجرانيت  ،  والزجاج البركاني  
وتتميز الأدوات الحجرية في هذا العصر بوجود نطاق واسع من أشكال أحادية وثنائية الوجه. وتتمايز القطع في تقنية صناعتها وإنهائها، ووجدت قطع لم تكتمل صناعتها فأهملت؛ ما يدل على أنها صناعة محلية 
 
وبالنسبة إلى تأريخ وتشخيص هذه الأدوات والمواقع في المنطقة، فقد اعُتمد على عدد من المعايير العلمية الدقيقة. فأما تشخيص المواقع، فقد تم بموجب أنماط الأدوات الحجرية، وتقنية صناعتها، إضافة إلى المنشآت الحجرية التي يُظن أن لها صلة بإنسان العصر الحجري الحديث
 
وأما بالنسبة إلى التأريخ، فقد كان عن طريق كربون 14، ومقارنة الأدوات الحجرية بمثيلاتها من المواقع الأخرى المؤرخة بالعصر الحجري. وقد نفذت تحاليل كربون 14 على عينات من الأصداف والترسبات المتفحمة من الموقعين 211 / 4 و 212 / 44 الواقعين في محافظة وادي الدواسر، وكلاهما أعطى تاريخًا من أوائل الألف السادس قبل الميلاد؛ فقد أعطت العينة المأخوذة من الموقع رقم 211 / 4 تاريخًا هو 5726 سنة قبل الميلاد  .  أما العينتان المأخوذتان من الموقع رقم 212 / 44 فقد أعطتا تاريخين هما 5727 و 5725 سنة قبل الميلاد  
 
وبالنسبة إلى المقارنات فقد أجراها يوريس زارينس وآخرون عام 1399هـ / 1979م، وذكروا فيها أن الصناعات الحجرية في منطقة الرياض تتسم بالاستقلالية، إلا أن هناك بعض الصفات المشتركة مع صناعات سادت في بلدان الشرق الأدنى القديم وأرخت بشكل جيد ومنها السهام مشحوذة الوجهين، وذات السيلان، والشوكية التي ذكروا أنها سمة مميزة لصناعات أواخر العصر الحجري الحديث والعصر النحاسي في فلسطين بتاريخ يراوح بين 8000 و 6000 سنة، وفي الربع الخالي الذي تحدد تاريخه بوساطة كربون 14 بالألف الرابع قبل الميلاد. والقطع المشحوذة من الوجهين التي ذكر أنه يمكن مقارنتها بأمثلة من شبه الجزيرة القطرية، ومواقع في شرق المملكة العربية السعودية بتاريخ يعود إلى 6000 سنة قبل الميلاد. ويمكن أن تتطابق رؤوس السهام البيضاوية المصغرة، والطويلة الرفيعة، مع صناعات النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد خارج الجزيرة العربية  
 
ومما لا شك فيه أن التعاصر الزمني بين مواقع العصر الحجري الحديث، والأدوات التي عُثر عليها فيها أو حولها واضح، حيث وجد عدد من المنشآت في صفراء حقيل عُثر في داخلها على أدوات حجرية  ،  كما عثر على مواقع عند جذوع جبال في وادي الدواسر عليها رسوم محزوزة؛ ولذا ظُنّ أن من قام بحز الرسوم هم من استخدموا الأدوات الحجرية، وهو الشيء الذي يعني تعاصر الرسوم المحزوزة مع الأدوات ومستخدميها  .  وفي وادي الأحيسي تكثر الأدوات الحجرية حول المنشآت المذيلة، أي المنشآت الملحق بها منشآت أخرى، ويظهر أن بعض تلك المواقع مصادر للمادة الخام، وبعضها الآخر أمكنة لتصنيع الأدوات  
 
مدلولات المادة الآثارية العائدة إلى العصر الحجري الحديث:
 
تدل المادة الآثارية العائدة إلى ذلك العصر على وجود كثافة بشرية عمرت أجزاءً من المنطقة، وفي أغلب الأحوال انتشر الإنسان مكانيًا حول الأودية والبحيرات، ومنابع المياه. وفي بيئات مختلفة منها الصخرية والسهلية.
 
كما دلت المادة التي وجدت في ورش التصنيع على أن إنسان ذلك العصر كان يصنع أدواته بنفسه من المادة الحجرية المتوافرة لديه في بيئته في غالبية الأحوال. وتدل أيضًا على وجود مراحل تطور مرت بها الصناعات الحجرية العائدة إلى هذه الفترة، فهناك أنماط أرخت بالألف السابع، وأنماط أرخت بالألف السادس، وأنماط أرخت بالفترة الزمنية الممتدة بين 5000 و 3000 ق.م.
 
وتتوافر في المجموعة أدوات تدل على دخول الإنسان في صراعات مع بني جنسه، ومع الحيوانات والزواحف التي تشكل خطرًا عليه وتميل إلى مهاجمته. وتدل صناعة رؤوس السهام على حدوث مثل تلك المواجهة، بالإضافة إلى أدوات القتال المختلفة.
 
وفي نهاية العصر الحجري الحديث توصل الإنسان في المنطقة إلى الصناعات الفخارية التي عُثر على القليل منها؛ وتظهر البدائية على الكسر الفخارية التي عُثر عليها في إعداد الصلصال، وخشونته الواضحة، وتدني مستوى حرق الأواني، وعدم وجود حافة خارجية أو زخرفة، ما عدا بعض الحزوز على سطوح الأواني، كما يظهر أنها صناعة يدوية هشة.
 
ويدل وجود الحجر البركاني في عدد من المواقع في المنطقة على اتساع دائرة تحرك الإنسان داخل المنطقة؛ إذ حتم عليه استخدامه تلك المادة أن يجلبها من مواقع وجودها التي تقع بعيدة عن الأمكنة المناسبة لوجوده، أو أن تجلب إليه بوساطة متجولين. وتدل بعض القطع، وبخاصة شظايا الحجر الصابوني، ورقائق الزجاج البركاني على اتصال مع جنوب الجزيرة العربية  ،  كما عُثر في بعض المواقع على أرحية حجرية مصنوعة من حجر لا يتوافر في بيئة المواقع التي وجدت فيها.
 
وربما دلّ تمايز البيئات التي وجدت فيها مواقع العصر الحجري الحديث على تنوع نشاط إنسان ذلك العصر؛ فمن المحتمل أن الرعاة كانوا يقطنون على ضفاف الأودية وحول الرياض ومنابت الكلأ، والصيادون كانوا موجودين حول البحيرات وأمكنة الغطاء النباتي الكثيف، بينما يوجد المستقرون وشبه المستقرين على أطراف الواحات.
 
إن المنطقة كانت مأهولة بالإنسان خلال العصر الحجري الحديث، ذلك الإنسان الذي انتشر في بيئات متعددة ومتنوعة تاركًا مئات المواقع المليئة بأدواته ومخلفاته الأخرى. ويتبين أن صناعة الأدوات والأسلحة الحجرية قد تطورت تطورًا كبيرًا في هذه المنطقة. وإضافة إلى ما سبق أظهرت الدراسات العلمية أن إنسان ذلك العصر كان على اتصال مع المناطق المجاورة، ويتضح أن بيئة الإنسان المحببة هي أمكنة وجود البحيرات القديمة التي لا تزال بقاياها إلى اليوم متمثلة في العيون مثل: عيون الخرج، وعيون الأفلاج وكمّ من العيون المتناثرة في أنحاء كثيرة من المنطقة. وتبين أن الأودية الكبيرة مثل وادي الشوكي، ووادي الدواسر، ووادي حنيفة، من البيئات التي عشقها إنسان ذلك العصر
شارك المقالة:
54 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook