المعوقات المتعلقة بالداعيات

الكاتب: المدير -
المعوقات المتعلقة بالداعيات
"المعوقات المتعلقة بالداعيات




يعزو كثير من المعلمات ضعف الجهود الدعوية المبذولة في المرحلة الثانوية إلى قلة الوسائل المتاحة والإمكانات الموجودة بين أيديهنّ، وعدم توفر الوقت الذي تقدّم فيه الدعوة، ويرون أن أهم سبل الارتقاء بالدعوة هو توفير الإمكانات، ومع أهمية هذا الأمر إلا أنه قد لا تكون له الأولوية، فهناك العديد من المعوّقات التي تؤثر على الدعوة ولها علاقة مباشرة بالنواحي الفكرية والنفسية والاجتماعية عند المعلمة، بالإضافة إلى وضعها الوظيفي، وقد أشارت نتائج إحدى الدراسات إلى بعض معوّقات الدعوة المتعلقة بالمعلم، وهي بالترتيب الآتي تبعا للنسبة المئوية:

1) عدم إدراك المعلم لمسؤولياته في الدعوة إلى الله، وعدم معرفته بالأساليب المختلفة التي تمكنه من تحقيق هذا الدور (96%).

2) زيادة أعباء العمل التدريسي بالنسبة للمعلم (91%)

3) المضامين القيمية للعلاقات الاجتماعية بين العاملين في المدرسة ونماذج القدوة التي تعكسها هذه العلاقات (88%)

4) عدم قدرة المعلم على الربط بين الحقائق العلمية في المقررات الدراسية وبين مضامينها في العقيدة الإسلامية (85%).[1]

 

ومن أهم المعوّقات المتعلقة بالمعلمة القائمة بالدعوة ما يأتي:

الخلل في مفهوم الدعوة إلى الله وضرورتها للطالبات وللمجتمع:

قد يقصر فهم المعلمة عن فهم معنى الدعوة إلى الله تعالى ومشروعيتها وحكمها، فلا تدرك أن دعوة الطالبة هي بذل النصيحة لها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وحثها على الاستقامة على شرع الله، حتى تتحقق لها سعادة الدارين، وقد لا تعلم أنها واجبة عليها كوجوبها على كل مسلم ينتمي إلى خير الأمم اتباعاً لأمره تعالى: ? وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [آل عمران: 104] [2]، (في الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة)[3]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها)[4]، وأن الدعوة إلى الله دعوة ربانية شاملة تشمل كل موقف وتعامل بينها وبين طالباتها، وأن أجرها من أعظم الأجور وقولها من أحسن الأقوال عند الله، كما قال تعالى: ? وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? [فصلت: 33] [5] فتدل الآية على فضل وعظم أجر الداعي إلى الله، حيث جاء في تفسيرها: (هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله)[6].

 

وحين تدرك المعلمة ضرورة الدعوة إلى الله وأهمية القيام بها والثمرات المأمول قطفها من ورائها؛ فإن هذا الفهم يمنحها تصورًا إيجابياً عنها، فتصبح شديدة الحرص على استثمار كل موقف ومناسبة لدعوة طالباتها وتوجيههنّ للخير والنفع لأنفسهنّ ولمجتمعهنّ.

 

وقد يطرأ على ذهن المعلمة شبهات ومفاهيم خاطئة حول الدعوة، فقد تظن أنها اعتداء على الحريات الشخصية للآخرين، أو أنها مهمة العلماء والرجال فقط دون النساء، أو أنها مهمة معلمات التربية الدينية فقط ولا يقع عليها من مسؤولياتها شيء إلى غير ذلك من الشبهات التي تصرف المعلمة عن الدعوة.

 

كما تخطئ المعلمة حين تحصر الدعوة في مهمة رسمية تُوكل إلى بعض المعلمات وتسقط عن الأخريات، أو تعتقد أن أداءها يقتصر على إلقاء بعض كلمات في اليوم على مسامع الطالبات، فلا تعطيها من وقتها إلا أقل القليل؛ لأن مفهوم الدعوة حينها يتقلص ويكون لذلك أكبر الأثر على فاعليتها في الدعوة، وقد أشارت نتائج إحدى الدراسات إلى أن مهمة ووظيفة الدعوة إلى الله وتنمية القيم الإيمانية في واقع المعلم المسلم في الوقت الحالي ليست ذات أولوية، بل حصلت على المرتبة الرابعة، أما المراتب الثلاث الأُول فقد كانت لنقل المعلومات وإكساب المعرفة العلمية، ثم المساعدة في الإدارة المدرسية والتنظيم والتخطيط، وتوجيه سلوك التلاميذ في ضوء توقعاته من القيم والمبادئ، ولا شك أنه لا يمكن الفصل بين وظيفة المعلمة المسلمة في الدعوة إلى الله وبين مهامها الوظيفية التي تضطلع بها في المدرسة، ولكن – يفترض - أن تأتي الدعوة في المقدمة، لأنها تعد بمثابة الإطار الفكري العام الذي يوجه أداء المعلمة في مدرستها وفي علاقتها بطالباتها[7].

 

ومن الخلل في المفاهيم الدعوية كذلك نظرة المعلمة الداعية لطالبة المرحلة الثانوية على أنها صغيرة في السن دون سن التوجيه والإرشاد، أو أنها مراهقة متمردة غير قابلة للتوجيه والإصلاح، (إن من أكبر المشكلات في عصرنا الحاضر - خصوصا في بلادنا العربية - ذلك التجاهل المتعمد وغير المتعمد لأوضاع الشباب، والنظرة الدونية لهم، أو النظر إلى معاناتهم وتصرفاتهم على أنها مؤقتة)[8].

 

كما أن هناك عددا من المفاهيم الخاطئة الناشئة عن نقص الفهم لحقيقة رسالة الإسلام وسوء تصور مهمة المسلم في محيطه، منها: الشعور بأن الدعوة عمل تفرغي، يُطل أصحابها على الحياة من خارجها، وأن العمل المعيشي إداريا أو تربويا أو غيرهما؛ عمل آلي وفق خططه التنظيمية، وأن العامل فيه ما دام يتقاضى عليه أجرا دنيويا فلا يسوغ أن يجعله مجالا للدعوة، ومنها تحول دلالة الفروض الكفائية – التي تعني أنه يطلب من الأمة جماعيا القيام ببعض الأعمال، وتسقط إذا تحققت عمن لم يقم بها خلافا للفروض العينية - إلى منهج اتكال وانتظار الآخرين ليقوموا بالدعوة نيابة، بينما الأصل في الفروض الكفائية أنها حافز إلى المبادرة وسبق الآخرين، لتبقى الأمة في حالة تنافس على الأعمال الجماعية[9].




[1] ينظر: منهج إعداد المعلم المسلم في الدعوة: د. عبدالودود مكروم ص 27.

[2] سورة آل عمران: آية 104.

[3] فتح القدير 1/ 369 .

[4] الحسبة في الإسلام ص 81، تحقيق: سيد بن محمد بن أبي سعدة، نشر وتوزيع مكتبة دار الأرقم، الكويت، ط:1، 1403هـ/ 1983م، وقد نقل العلماء وجوب الأمر ابلمعروف والنهي عن المنكر بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي2/ 22، والجامع لأحكام القرآن 4/ 48، والحسبة تعريفها ومشروعيتها ووجوبها: د. فضل إلهي من ص 43-67 إدارة ترجمان الإسلام باكستان، ط:2، 1413هـ/ 1993م.

[5] سورة فصلت: آية 33.

[6] الجامع لأحكام القرآن 15/ 360.

[7] ينظر: منهج المعلم المسلم في الدعوة إلى الله: د. عبد الودود مكروم ص 24-25.

[8] علم نفس المراحل العمرية: د. عمر المفدى ص 379.

[9] ينظر: العولمة الغربية والصحوة الإسلامية: د. عبد الرحمن الزنيدي ص 108، دار إشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، ط:1، 1421هـ/ 2000م.


"
شارك المقالة:
35 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook