المعوقات المتعلقة بالعملية الدعوية في المدارس

الكاتب: المدير -
المعوقات المتعلقة بالعملية الدعوية في المدارس
"المعوقات المتعلقة بالعملية الدعوية في المدارس

 

تعد العملية الدعوية بما تحويه من موضوعات ومناهج وأساليب ووسائل وخطط وأهداف.. من أبرز ما يلفت أنظار الطالبات في المرحلة الثانوية ويلامس اهتماماتهنّ، مما يؤثر في دعوتها واستجابتها سلبا وإيجابا، والعملية الدعوية قد تواجه العديد من المعوّقات كما تواجهها القائمة بالدعوة والطالبة المدعوة، وهي معوّقات متنوعة في مصادرها، ومتفاوتة في تأثيرها، ومنها ما يأتي:

أولاً: انحصار الأنشطة الدعوية في مصلّى المدرسة:

يقتصر إقامة النشاط الديني التوعوي في بعض المدارس الثانوية على مصلّى المدرسة، وينحصر أثره على الطالبات المشاركات في أنشطة المصلّى، ويحرم منه بقية الطالبات، وهذا يقسم الطالبات إلى فئتين:

1- الفئة الأولى: تحضر الأنشطة والدروس العلمية دائماً.

2- الفئة الثانية: لا تحضر الأنشطة وتقاطع الدروس والبرامج المقامة.

 

ومع استمرار هذا الأمر تزيد الفجوة وتتسع بين الطالبات المنتظمات في الحضور وبين المقاطعات للمصلّى، ولا شك أن هناك بعض الأنشطة تحتاج في إقامتها إلى مصلّى المدرسة كحلقات تحفيظ القرآن وتجويده وبعض الدروس العلمية، وهناك أنشطة وبرامج أخرى يفضل إقامتها خارج المصلّى، حتى يكثر عدد الطالبات المستفيدات منها، خاصة عند مراعاة رغبة الطالبة وجاذبية الموضوع لهنّ.

 

ثانياً: اقتصار القيام بالدعوة على فئة معيّنة كالمعلمات فقط أو بعض الطالبات:

إن حصر القيام بالدعوة في شخصيات معيّنة محددة سلفاً، وعدم إتاحة الفرصة والمشاركة للأخريات يعيق الدعوة، فقد ينفرد بالدعوة في المدرسة معلمة أو معلمتين فقط، ولا يظهر أي جهد لبقية المعلمات، رغم توافر القدرة والكفاءة لديهنّ، أو يقتصر القيام بالأنشطة الدعوية على المعلمات ولا يسمح للطالبات بالمشاركة فيه رغم استعدادهنّ ورغبتهنّ في تنفيذ الأنشطة، ورغم الفوائد المرتجاة من استثمار طاقاتهنّ وتطويرها وتوجيه مواهبهنّ للوجهة الصالح، وهذا يوقعهنّ في الإحباط والفتور عن المشاركة والحضور والاستفادة.

 

إن هيمنة فئة قليلة من معلمات المدرسة أو طالباتها على الأنشطة الدعوية داخل المدرسة؛ يعيق انتشار الدعوة ويسبب إحجام بقية المعلمات والطالبات عن المشاركة الدعوية، إضافة إلى بقاء العبء بكامله على كاهل المعلمة الداعية دون تخفيف عنها.

 

ثالثاً: الجمود والبعد عن التجديد في العملية الدعوية:

إن اقتصار المعلمة في دعوتها على موضوعات محددة وعدم تجديدها في الخطاب الدعوي، بل تكرارها لموضوعات معيّنة باستمرار رغم احتياج الطالبات إلى موضوعات أخرى، واستخدامها لأساليب ووسائل معيّنة لا تفارقها لغيرها رغم توفر القدرة والإمكانات، أو تركيزها على إيصال المعلومات بأي شكل كان وإغفال المؤثرات في الطالبات؛ كل هذا يؤدي إلى الجمود في الدعوة وعدم تطويرها والارتقاء بها، حيث إن التكرار والإكثار من نوعية معيّنة من وسائل وأساليب الدعوة يصيب الطالبات بالملل، ومن المعروف أن النفوس تميل إلى الراحة والترويح بعد الجهد والنشاط، كما تميل إلى التجديد والتشويق بعد التكرار والملل، وهذا مما يحفظ للدعوة رونقها وأثرها في نفوس الطالبات، ويبقيهنّ متطلعات متشوقات إلى ما سيأتي.

 

وقلة التجديد والتنويع من معوّقات الدعوة في المرحلة الثانوية، حيث تفتقر في كثير من الأحيان إلى (أساليب التأثير، فأحياناً لا تعرض القصص، وأحيانا لا تثير الحوار، وفيها نقص في استخدام أساليب الترغيب، ونقص في التطبيق العملي، أو العرض لسيرة قدوة)[1]، وغير ذلك من الأساليب والمؤثرات الإقناعية التي إذا فُقدت؛ نقصت فاعلية الدعوة وتأثيرها وإقناعها للطالبات، ومن ثم ينحصر هدفها في إيصال المعلومات، ولا يعدو تأثيرها لحظاتها الوقتية ثم يزول، فعلى معلمة الداعية مراعاة أن الدعوة والتعليم (لا ينبغي أن يكون هدفه حشو المعلومات، وإنما ينبغي مراعاة تمثيل المعرفة في الذهن حتى تتحول إلى سلوك عملي فعلي، يتحقق منه الهدف المنشود)[2]، وتحقيق هذا الهدف يقتضي التجديد والتنويع والتشويق في الدعوة.

 

وقد تميل الداعية إلى استخدام الوسائل والأساليب الدعوية التي كانت تتأثر بها يوما ما، غافلة عن أن (لكل جيل عوامله وظروفه التي تجعل من بنائه النفسي وردّة فعله لما يقدم له يختلف من جيل إلى جيل، فمحدودية المجتمع بالنسبة للأجيال السابقة ومحدودية الاتصال، وتكاتف المجتمع، تختلف عن عصرنا الحاضر، عصر الأطباق الفضائية والإنترنت)[3].

 

رابعاً: عدم مراعاة حاجات الطالبات وميولهنّ في موضوعات الدعوة وأساليبها:

إن من أكبر معوّقات الدعوة عدم استجابة موضوعاتها وأساليبها ووسائلها لحاجات الطالبات، فالدعوة التي لا تساير ميول الطالبات ومستويات نضجهنّ وقدراتهنّ المختلفة، ولا تتصل ببيئاتهنّ وواقع حياتهنّ ومطالب حياتهنّ الحاضرة والمستقبلية، ولا تتصل بالمشكلات الحقيقية لمجتمعهنّ وأمتهنّ، ولا تقدم لهنّ الثقافة والمعلومات بطريقة جيدة مشوقة، ولا تجدد في أساليب عرضها ومحتوياتها وأنشطتها بحيث تربي فيهنّ الروح العلمية وروح الاستقلال والمبادرة، فإنها حينئذ تكون مما يفتر عزيمة الطالبة، ويعيقها عن التأثر بالهدى والاستجابة للخير[4].

 

إن من عوامل نجاح الدعوة في المرحلة الثانوية مراعاة ارتباط موضوعات الدعوة بحاجات الطالبات واهتماماتهنّ وميولهنّ، وملائمة الأساليب الدعوية لها، لأن ذلك يساعدهنّ على إدراك أهمية ما يقدم لهنّ، ويساعدهنّ على اكتشاف مشكلاتهنّ ومشكلات مجتمعهنّ، ومسؤوليتهنّ في حلها، كما أن ذلك يُكسب الدعوة الحيوية والفاعلية، لأنها تُشعر الطالبات بإشباع حاجتهنّ للمعرفة والتعلم من خلالها، كما أنهنّ يجدن أثرها في الارتقاء بإيمانهنّ وأخلاقهنّ وسلوكهنّ.

 

وحين تنطلق المعلمة الداعية في دعوتها من ميولها الخاصة ورغباتها وحاجاتها الذاتية، وتغفل عن الفروق الفردية والاختلافات النوعية بين طالباتها، فإنها تعيق الدعوة وتزهّد الطالبات فيما تقدمه لهنّ، فالطالبات يختلفن فيما يحببن ويكرهن، وعدم مراعاة المعلمة الداعية لهذه الحاجات النفسية والاجتماعية يؤثر سلبا على علاقة الطالبة بمعلماتها وبزميلاتها، فإذا لم تشعر بالانتماء لمن حولها، ولم تشعر بالأمان والقبول لها، فإنها تتقوقع على نفسها ولم تتقبل الدعوة وتستفيد مما يقدم في مدرستها.

 

خامساً: كثافة المادة العلمية المقدمة، وعدم مراعاتها للفروق الفردية بين الطالبات:

من معوّقات الدعوة: الغزارة والكثافة في المادة العلمية المقدمة للطالبات في الدروس والمحاضرات، وعدم ملاءمتها لمستواهنّ العقلي والثقافي، فالغزارة المفرطة في العلوم تشكّل عقبة أمام فهم الطالبات واستفادتهنّ منها واستيعابهنّ لها، لأن الغزارة لا تعطي فرصة كافية للطالبة للتأمل والتفكر، والحفظ والاستيعاب، كما أنها لا تعطي الوقت الكافي للإتقان والإجادة، إضافة إلى عدم مراعاتها للفروق الفردية، حيث إن الدعوة الناجحة تعطي لكل طالبة الفرصة الكافية للتعلم والتلقي حسب إمكانياتها وقدراتها العقلية، وذلك عن طريق عرض موضوعات تكون على درجات متنوعة من الصعوبة حيث تنتقي كل طالبة ما يناسب قدراتها، مع إتاحة الفرصة في تنوع الوسائل الدعوية وطرق العرض؛ مما يتيح استفادة عدد أكبر من الطالبات.

 

إن ملاءمة مستوى المعلومات وكميتها للطالبات يتيح لهنّ فرصة النجاح في تعلمها والعمل بها، وبالتالي يرتفع مستوى طموحها، مما يشعرها بنوع من الرضا عن ذاتها والثقة بقدراتها، وهذا له أثر كبير في استمرارها وعدم انقطاعها، وفي توجيه رغباتها ونوازع نفسها.




[1] الإقناع: سالم بن سعيد بن مسفر ص 143.

[2] المرجع السابق ص 156.

[3] علم نفس المراحل العمرية: د. عمر المفدى ص 397.

[4] ينظر: من أسس التربية: د. عمر الشيباني ص 426-427.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook