المفاوضات بين الدولة العثمانية والملك عبد العزيز في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المفاوضات بين الدولة العثمانية والملك عبد العزيز في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

المفاوضات بين الدولة العثمانية والملك عبد العزيز في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
كان لمعركة الشنانة نتائج كبيرة على الصعيدين العسكري والسياسي، ففي الجانب العسكري كان لانتصار الملك عبد العزيز الحاسم صدى عظيم في مختلف بلدان منطقة القصيم، كما ارتفعت معنويات الجيش السعودي، واستفادوا من الغنائم في المعارك العسكرية في الجولات القادمة. وفي المقابل كانت هذه الهزيمة مدوية في جيش ابن رشيد وفي بلاد شمر عمومًا وبدت نهاية أسطورة ابن رشيد لدى أتباعه وغيرهم. وفي المجال السياسي بدأت الدولة العثمانية تغير لهجتها مع الملك عبد العزيز وتعامله معاملة الند للند. وفي هذا المجال أوعزت إلى الشيخ مبارك الصباح بالتوسط لدى الملك عبد العزيز لقبول عقد مؤتمر بينها وبينه لتسوية الخلافات مما يوحي بأنها لم تعد راغبة في الاستمرار في دعم ابن رشيد  ،  وعندما كتب المسؤولون العثمانيون في البصرة، لِكونهم المشرفين على الشؤون الإدارية والعسكرية لبلاد نجد، إلى الباب العالي جاءهم الرد بعد فترة من التردد بأن عليهم أن يدعو الفريقين إلى مؤتمر مشترك لمعالجة المشكلة وتسوية الخلاف بينهما  ،  ومن جانبه كتب الشيخ مبارك الصباح إلى الملك عبد العزيز برغبة الدولة العثمانية هذه مقترحًا عقد لقاء بين الإمام عبد الرحمن ووالي البصرة فخري باشا في بلدة الزبير، فوافق الملك عبد العزيز. كانت منطقة القصيم حاضرة في هذا المؤتمر نظرًا إلى وجود قوات عثمانية كبيرة هناك. وقد اقترح المندوب العثماني أن تتمحور المحادثات حول ثلاث نقاط هي: حياد منطقة القصيم بين الملك عبد العزيز وابن رشيد، وأن تقيم الدولة العثمانية حامية فيها لصيانة الأمن والنظام، وأن تعين الدولة العثمانية الملك عبد العزيز قائمقام في نجد وتعترف بسلطته على المناطق التي تحت سلطته في ذلك الوقت. لم يكن متوقعًا من الملك عبد العزيز أو أهل القصيم أن يوافقوا على هذه المقترحات بعد أن أصبحت الأمور تسير لصالحهم وأن النصر النهائي واستعادة كامل منطقة القصيم أصبح قاب قوسين أو أدنى، وبذلك فشل المؤتمر. اغتاظت الدولة العثمانية من رفض الوفد السعودي وهددت بتنفيذ المقترحات بالقوة من جانب واحد، وبالفعل أعدت حملتين عسكريتين خرجت الأولى من البصرة في أواخر سنة 1322هـ / يناير 1905م بقيادة المشير أحمد فيضي باشا قوامها ثلاثة آلاف جندي معهم خمسة أو ستة مدافع، في حين خرجت الثانية من المدينة المنورة بقيادة الفريق صدقي باشا قوامها سبعمئة وخمسون جنديًا معهم بطارية مدفع، وقد وصلت الحملة الأولى إلى بريدة في 1323هـ الموافق 15 إبريل 1905م والثانية إلى عنيزة بعدها بثلاثة أيام، ووضعت في كلا المكانين مركزًا عسكريًا يضم مئة جندي، ورفعت العلم العثماني وعزف السلام الحميدي (نسبة إلى السلطان عبد الحميد) ودعي للسلطان العثماني في صلاة الجمعة  ،  وعندما علم الملك عبد العزيز قام بحملة من الرياض إلى القصيم ونـزل في بلدة العمار. ولضمان نجاح الحملة عقد لقاء بين قائد الحملة أحمد فيضي وبين ابن رشيد بشأن التخطيط لمهاجمة الملك عبد العزيز، لكن هذا اللقاء لم يصل إلى قرار حاسم فعاد ابن رشيد إلى مقر إقامته في بلدة الكهفة، فأجرى أحمد فيضي اتصالات مع الملك عبد العزيز بشأن المقترحات الأولى، ولكنه بقي على موقفه. وبعد ذلك بعث أحمد فيضي مندوبين عنه إلى كل من أميري بريدة وعنيزة للتفاوض فأرسل الأول إليه عبد الله بن عمر ومحمد العبد الله أبا الخيل، وأرسل الثاني عبد الله القاضي، لكن الاجتماع لم يسفر عن نتيجة. وفي أول شهر صفر 1323هـ / 1905م نـزل أحمد فيضي قرب بريدة حيث خرج إليه أميرها صالح الحسن المهنا وتفاوض معه وأبدى استعداده لأن يستقل بالقصيم تابعًا للدولة العثمانية. أما أمير عنيزة عبد العزيز بن عبد الله السليم فقابل أحمد فيضي الذي وصل إلى عنيزة وأوضح له أن أمر الدولة العثمانية مطاع لكن لا بد من الرجوع إلى الملك عبد العزيز لتقرير مستقبل المنطقة  
 
أدرك المشير أحمد فيضي باشا أنه لا يمكن تخطي الملك عبد العزيز، خصوصًا إذا كان حريصًا على حفظ ماء وجه الدولة العثمانية وعلى سلامة قواته، فعرض على الملك عبد العزيز استئناف المفاوضات في عنيزة من أجل تسوية سلمية بين الطرفين، فاستجاب الملك عبد العزيز. وعقد المؤتمر برئاسة الإمام عبد الرحمن ممثلاً للجانب السعودي وأحمد فيضي ممثلاً للدولة العثمانية، وكرر المندوب العثماني مقترحاتهم السابقة وأعلنوا تمسكهم بها، وحرصًا على استمرار المؤتمر أظهر الوفد السعودي بعض الليونة بانتظار ما يستجد، وتم الاتفاق مبدئيًا على أن تكون القصيم منطقة محايدة، وأن يكون للدولة العثمانية مركزان عسكريان في بريدة وعنيزة للمحافظة على الأمن، وأن يكون ذلك مؤقتًا حتى تتم مفاوضات للصلح بين الملك عبد العزيز وبين ابن رشيد  ،  غضب ابن رشيد من تصرفات العثمانيين الذين قدموا بناء على دعوته ومساعدته في السيطرة على نجد، لكنهم اتخذوا من ذلك وسيلة لاحتلال القصيم وعقد مفاوضات مع الملك عبد العزيز للمقايضة على ذلك. اتصل ابن رشيد بالمشير أحمد فيضي محاولاً التأثير عليه لقتال ابن سعود، لكنه رفض بحكم أنه ينفذ تعليمات الدولة العثمانية. كان من الممكن لاتفاق عنيزة أن يرى النور لولا أن أحمد فيضي نُقل إلى اليمن قائدًا للحملة ضد الثورة التي قام بها الإمام يحيى حميد الدين وأتباعه من قبائل اليمن على عزت باشا والي العثمانيين هناك قبل توقيع اتفاق مؤتمر عنيزة، فأسرع بمغادرة القصيم في الثامن من شهر صفر وحل محله الفريق صدقي باشا الذي نقل معسكره إلى بلدة الشيحية وظل هناك دون تحركات. وبذلك توقفت المفاوضات، لكن مفرزة عثمانية صغيرة دخلت إلى كل من بريدة وعنيزة ورُفع العلم العثماني فيهما  
 
بدأت نذر الحرب تظهر في جو من عدم الثقة الذي بدا واضحًا بين ابن رشيد والعثمانيين. وعبثًا حاول ابن رشيد إقناع صدقي باشا بوجهة نظره بعد أن انتقلت قيادة القوات العثمانية إليه، لكن صدقي باشا أجابه بالرفض، فاشتد غضب ابن رشيد ما أثر في نفسيته ومعنوياته. ومن جانب آخر كان لمجريات المفاوضات في عنيزة تداعيات بين أهل القصيم فانقسموا إلى ثلاث فئات: فئة أعلنت ولاءها للملك عبد العزيز، وهم أغلب أعيان القصيم، وفئة أعلنت ولاءها لابن رشيد والتعاون معه، وهم بعض زعماء الرس بهدف العودة إلى إمارة بلدتهم، أما الفئة الثالثة فقد تمسكت باستقلال القصيم تحت حماية الدولة العثمانية وهم آل مهنا أمراء بريدة. وتلافيًا لمزيد من الانشقاق والخلافات أراد الملك عبد العزيز أن ينأى بنفسه عن هذه الخلافات وأن يترك أهل القصيم يواجهون مصيرهم بأنفسهم حتى يقتنعوا أن الدولة العثمانية لا تستطيع أن تحميهم وأن حكم ابن رشيد لا يناسبهم  
 
تشجع ابن رشيد بهذه التطورات التي اعتقد أنها في صالحه، وجمع فلوله في معسكره في الكهفة، ورصد العيون لمعرفة أخبار الملك عبد العزيز استعدادًا لمعركة فاصلة بينهما، وفي الوقت نفسه اتصل بالعثمانيين من جديد طالبًا منهم العون. وسرعان ما جاءته الأخبار بأن الملك عبد العزيز انسحب من القصيم ولم يتوجه إلى الرياض بل ذهب في مهمة عسكرية لمساعدة حاكم قطر قاسم آل ثاني في إخماد فتنة داخلية في بلاده  ،  استغل ابن رشيد هذه الظروف وأسرع إلى القصيم واحتله مستغلاً فرصة تغيب الملك عبد العزيز عنه، وقد انتقم من أهل القصيم مستخدمًا القوة والبطش لموالاتهم الملك عبد العزيز. وسرعان ما أدرك أهل القصيم بعد نظر الملك عبد العزيز فلا الدولة العثمانية استطاعت أن تحميهم ولا ابن رشيد عاملهم بالحسنى، فأرسلوا إلى الملك عبد العزيز وفدًا يناشدونه أن يعود إلى القصيم، وبعد عودته من قطر قابل وفد أهل القصيم واستجاب لطلبهم وزحف بقواته إلى القصيم  
 
شارك المقالة:
121 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook