المناخ بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المناخ بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية

المناخ بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية.

 
يؤدي المناخ منذ القدم دورًا مهمًا في قيام الحضارات والدول ونموها؛ فعناصره المختلفة تعد من أهم الظروف التي تؤثر بشكلين مباشر وغير مباشر في الأنشطة البشرية كافة وتؤدي دورًا مهمًا في نجاحها وتوزيعها الزماني والمكاني؛ فمثلاً يعتمد نوع النشاط الزراعي وتوزيعه الزماني والمكاني بشكل كبير على عناصر المناخ وخصوصًا الأمطار والحرارة؛ لذلك فإنه لكي ينجح النشاط الزراعي في أي بلد لا بد من الفهم العميق لعناصر المناخ وقيمها الرقمية وتذبذبها الزماني والمكاني  .  وما ينطبق على الزراعة ينطبق على الرعي وغيره من الأنشطة البشرية الأخرى مثل الصناعة والخدمات والتجارة والطيران  
يمتاز مناخ المنطقة الشرقية بتنوع نسبي؛ لأن بعض أجزائها ساحلية وأجزاء أخرى صحراوية داخلية حارة، وبعضها صحراوية داخلية تمتاز بالبرودة شتاءً، وذلك بلا شك يؤثر في الأنشطة البشرية فيها  
 

العوامل المؤثرة في المناخ

 
يعود التباين في مناخ المنطقة الشرقية إلى عدة عوامل يمكن إيرادها على النحو الآتي:
 
أ - الموقع الفلكي:
 
تغطي المنطقة الشرقية مساحة شاسعة، حيث تشغل الثلث الشرقي من المملكة الواقع كليًّا ضمن نطاق الضغط المرتفع المداري (Subtropical High Pressure System) وبالتحديد ضمن حدود الجزء الهابط من دورة خلية هادلي (Haddely Cell) في نظام الدورة العامة لرياح الكرة الأرضية (Earth General Circulation) وهذا الموقع يجعل المنطقة معرضة في فصل الشتاء لتأثير الضغط المرتفع شبه المداري (Subtropical High.Pressure) الذي يصاحبه هبوط هوائي وهبوب رياح شمالية شرقية تجارية جافة؛ لذلك تمتاز معظم أيام الشتاء في المنطقة بطقس مستقر بارد نسبيًّا مع وجود مؤثرات بحرية على أجزائها الساحلية تتمثل في الارتفاع الواضح في الرطوبة النسبية. يضعف تأثير نظام الضغط المرتفع كثيرًا مع بداية فصل الربيع، بل يكاد يتلاشى في فصل الصيف بخاصة في الأجزاء الجنوبية من المنطقة الشرقية. وينجم هذا الضعف في نظام الضغط المرتفع المداري عن التزحزح العام لأنظمة الضغط شمالاً تبعًا لحركة الشمس الظاهرية السنوية التي تتجه شمالاً بعد الانقلاب الشتوي في 21 ديسمبر إلى أن تبلغ أبعد نقطة شمالاً في 21 يونيو عندما تتعامد الشمس على مدار السرطان عند دائرة عرض 50 َ 23 ْ شمالاً. ونتيجة لذلك تتقدم نقطة الالتقاء المدارية (Intertropical Convergence Zone ITCZ) شمالاً؛ ما يؤدي إلى تقدم نظام الضغط الجوي المنخفض الموسمي نحو المنطقة خصوصًا أجزاءها الجنوبية وتصاحبه عادة رياح جنوبية حارة.
 
الموقع الفلكي للمنطقة يجعل وسطها وشمالها يتأثران بامتداد المؤثرات المناخية فوق المدارية (Extra Tropical Climate System) التي تؤثر في العروض الوسطى من الكرة الأرضية، وبخاصة في فصل الشتاء. وتتمثل هذه المؤثرات في امتداد أخدود هوائي جوي علوي (Upper Air trough) إلى وسط المنطقة وشمالها في بعض أيام الشتاء والربيع والخريف. ويصاحب هذه الأخاديد العلوية تقدم منخفضات جوية حركية يكون مركزها في الغالب شرق منطقة البحر المتوسط، ويؤدي تقدم هذه الأخاديد العلوية كذلك إلى تقدم محور منخفض البحر الأحمر السطحي شمالاً وتقدم رياح جنوبية غربية دافئة ورطبة تلتقي مع رياح شمالية باردة  .  وقد تؤدي هذه الآلية أحيانًا إلى نشوء جبهات هوائية نشطة تمر على المنطقة؛ ما يسمح بهطول بعض الأمطار الشتوية إذا توافرت الظروف المناخية الأخرى وخصوصًا الرطوبة الجوية الكافية.
 
إضافة إلى ذلك فإن الموقع الفلكي للمنطقة الشرقية يجعلها تتعرض خلال معظم أيام السنة إلى الرياح التجارية الشمالية الشرقية الجافة الهابة من حيز الضغط المرتفع المداري نحو حيز الضغط المنخفض الاستوائي. وتؤثر الرياح التجارية الجافة في مناخ المنطقة حيث يسودها الجفاف معظم أيام السنة، عدا الأجزاء الساحلية منها. وأحيانًا تتزود هذه الرياح ببخار الماء أثناء عبورها الخليج العربي فتزيد الرطوبة النسبية على الأجزاء الساحلية من المنطقة، وفي بعض الأحيان تتغذى المنخفضات الحركية العابرة بكميات من بخار الماء؛ ما يزيد فرصة سقوط الأمطار على المنطقة ولا سيما الأجزاء الشمالية والوسطى منها.
 
ب - الموقع الجغرافي:
 
تقع المنطقة جغرافيًّا في شرق المملكة الواقعة في جنوب غرب آسيا، محاطة بمسطحات قارية ضخمة هي آسيا في الشمال والشرق، وإفريقية غربًا؛ ما يجعل المنطقة الشرقية عمومًا متأثرة بمناخ قاري عدا الأجزاء الساحلية منها. ويتضافر الموقع الجغرافي القاري مع الموقع الفلكي فيجعل المنطقة الشرقية جافة في معظم أيام السنة مع ارتفاع في الرطوبة النسبية على الأجزاء الساحلية وتصبح الرياح الشمالية والشمالية الشرقية الجافة هي الرياح السائدة على المنطقة، كما تجعل قارة إفريقية الضخمة معظم الرياح الغربية والجنوبية الغربية والشمالية الغربية رياحًا جافة عندما تهب على المنطقة.
 
ج - المسطحات المائية:  
 
على الرغم من أن الخليج العربي يتاخم المنطقة الشرقية من جهة الشرق إلا أن تأثيره في مناخها ليس كبيرًا جدًّا؛ لأنه مسطح مائي ضحل وصغير المساحة. ونظرًا إلى وقوعه في شرقها فإن أنظمة الطقس المتحركة من الغرب إلى الشرق تعبره بعد أن تجتاز المنطقة الشرقية؛ وبذلك يكون أثره في تنشيط تلك الأنظمة محدودًا وأكثر وضوحًا في الأمكنة التي تقع شرق الخليج العربي. ولا يمكن إغفال تأثير الخليج العربي في مناخ المنطقة الذي يتمثل في الآتي:
 
زيادة الرطوبة النسبية على الأجزاء الساحلية من المنطقة.
 
تغذية المنخفضات الحركية العابرة للمنطقة أحيانًا بكميات من بخار الماء؛ ما يزيد فرصة سقوط الأمطار على المنطقة وخصوصًا الأجزاء الشمالية والوسطى منها في الفترة الممتدة من أكتوبر حتى أول مايو، وهذا يجعل الأجزاء الشمالية من المنطقة من أكثر مناطق المملكة مطرًا بعد المرتفعات الجنوبية الغربية حيث يبلغ معدل الأمطار السنوي على محطة القيصومة نحو 134مم.
 
ويعدّ تأثير البحر الأحمر وبحر العرب في المنطقة الشرقية محدودًا للأسباب الآتية:
 
البحر الأحمر بحر ضيق وضحل، يمتد من الشمال إلى الجنوب، وهذا يعني أن الأنظمة المناخية العابرة له والمتجهة إلى المنطقة الشرقية لا تقطع مسافة كبيرة من المسطحات المائية؛ لذلك لا تكسب كمية كبيرة من بخار الماء، ولا تسقط كمية كبيرة من الأمطار على المنطقة إلا في بعض الحالات عندما تتزود تلك المنخفضات الحركية بكميات إضافية من بخار الماء من الخليج العربي.
 
يقع بحر العرب جنوب المنطقة الشرقية وتفصله عنها مساحة قارية كبيرة نسبيًّا والمرتفعات الجنوبية والجنوبية الشرقية للجزيرة العربية، كما يتأثر البحر بتيار الصومال البحري البارد الذي يجعل المسطحات البحرية لبحر العرب المتاخمة للجزيرة العربية متأثرة بمرتفع جوي معظم أيام الفترة الممتدة من أكتوبر حتى أواخر إبريل. وتجعل هذه العوامل، مع ما ذُكر سابقًا، من سيادة الرياح الشمالية والشمالية الشرقية على المنطقة، التأثير البحري لبحر العرب على المنطقة الشرقية محدودًا ويقتصر أحيانًا على إمداد المنخفضات الجوية الحركية العابرة للمنطقة ببخار الماء في أيام محدودة من العام عندما تكون الرياح جنوبية نشطة ورطبة.
 
د - الإشعاع الشمسي:
 
تتعرض المنطقة الشرقية لكمية كبيرة من الإشعاع الشمسي، وخصوصًا الجزء الجنوبي منها. ويعد الإشعاع الشمسي من أهم العوامل المؤثرة في مناخ المنطقة؛ لأنه مصدر الطاقة الذي يجعل درجات الحرارة مرتفعة وهي تعد بدورها من أهم العناصر التي تؤدي دورًا كبيرًا في تشكيل مناخ المنطقة. وبحكم موقعي المنطقة الشرقية الفلكي والجغرافي فإنها معرضة لكمية كبيرة من الإشعاع الشمسي تجعلها من أكثر مناطق العالم تعرضًا له؛ فمعظم أجزائها تتعرض لتعامد أو شبه تعامد شمسي لفترة طويلة خلال العام حيث يمر مدار السرطان جنوبها عند دائرة عرض 50 23 شمالاً، كما أن طول ساعات الإشراق الشمسي اليومية في المنطقة وصفاء السماء في أغلب أيام السنة وانخفاض الرطوبة النسبية عوامل أخرى مهمة تزيد من فاعلية الإشعاع الشمسي الساقط على المنطقة؛ لذلك نجد أن معدل كمية الإشعاع الشمسي الساقطة على المنطقة صيفًا تراوح بين 400 لانجلي /يوم في شمال المنطقة و 550 لانجلي /يوم في جنوبها  .  وعلى الرغم من أن فصل الشتاء في المنطقة الشرقية بارد نسبيًّا إلا أن المنطقة تتعرض لكمية كبيرة من الإشعاع الشمسي في ذلك الفصل تراوح بين 250 لانجلي /يوم في شمال المنطقة و 400 لانجلي /يوم في جنوبها  .  ينعكس أثر هذا الفائض الكبير من الإشعاع الشمسي على مناخ المنطقة وخصوصًا على درجات الحرارة وزيادة الرطوبة النسبية، بخاصة في فصل الصيف؛ إذ ترتفع الحرارة إلى درجات عالية جدًّا في أجزاء المنطقة كلها، وترتفع الرطوبة في الأجزاء الساحلية منها.
 
هـ - السطح:
 
يتكون سطح المنطقة الشرقية بشكل عام من كثبان رملية وسهول صحراوية شاسعة ليس فيها مرتفعات عالية، وأيضًا تلك السهول محدودة من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية بمساحات صحراوية شاسعة؛ لذلك تعدّ المنطقة الشرقية منطقة مفتوحة، وهذا يجعل الأجزاء الشمالية والوسطى من المنطقة تتأثر بشكل ملحوظ بالرياح الشمالية والشمالية الشرقية التي تكون في أيام الشتاء باردة وجافة وفي أيام الصيف حارة وجافة. وهذا أيضًا يجعل الأجزاء الجنوبية من المنطقة تتأثر برياح جنوبية وجنوبية شرقية تكون دافئة شتاءً وحارة جدًّا صيفًا، فليس هناك جبال سواء جنوب المنطقة أو شمالها تقوم بصدّ تلك الرياح وتحدّ من أثرها أو تقوم بعمليات الرفع الميكانيكي للرياح الرطبة التي تهب أحيانًا على المنطقة.
 
أما المرتفعات الجبلية البعيدة عن المنطقة الشرقية وهي مرتفعات إيران وشمال شرق العراق وجبال السروات في جنوب غرب الجزيرة العربية ومرتفعات عمان جنوبًا فإن أثرها سلبي على المنطقة، فمرتفعات غرب إيران وشمال شرق العراق تجعل الرياح الشمالية الشرقية صيفًا أكثر حرارة؛ لأن تلك الرياح تهبط من تلك المرتفعات قبل أن تصل إلى المنطقة الشرقية وتتعرض للتسخين الذاتي (Adiabatic Heating)   بسبب عملية هبوط الهواء، وبالتالي تصل المنطقة، وقد اكتسبت حرارة أكثر. وفي فصل الشتاء تُغطى هذه المرتفعات بالثلوج؛ ما يجعل الرياح الشمالية الشرقية تصل المنطقة وقد اكتسبت برودة أكثر بسبب مرورها على ثلوج تلك المرتفعات. أما مرتفعات الجزيرة العربية الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية فأثرها السلبي في المنطقة يتمثل في أنها تحجب الرياح الجنوبية والجنوبية الغربية الرطبة عن المنطقة في كثير من الأحيان، وتكون تلك الرياح الجنوبية جافة عندما تصل المنطقة الشرقية وذلك بعد إسقاط ما فيها من رطوبة على تلك المرتفعات.
شارك المقالة:
201 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook