المنشآت المعمارية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المنشآت المعمارية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

المنشآت المعمارية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تنوعت المنشآت المعمارية في منطقة مكة المكرمة بتنوع وظائفها، سواء المنشآت الدينية، أو المنشآت المدنية، أو المنشآت العسكرية، بالإضافة إلى ذلك يندرج تحت كل نوع من هذه الأنواع أنواع أخرى كثيرة
ومن الملاحظ أنه بقدر ما شهدت المنطقة من تطور عمراني كبير خلال العصر الإسلامي إلا أن كثيرًا من منشآت هذه الفترة لا أثر له اليوم، وبخاصة المنشآت التي أقيمت في المدن، وبالذات في مكة المكرمة، بسبب التوسعات الكبيرة التي أجريت في المسجد الحرام على مر القرون
كما يلاحظ أن معظم المنشآت المعمارية في المنطقة، وبخاصة ما كان منها على دروب الحج وحول القرى قد أصابها خراب كبير، إذ لم يتبق منها إلا أساساتها أو أجزاء من تلك المنشآت، وهذا ما سيتبين من خلال العرض الآتي للمنشآت المعمارية في المنطقة
 

المباني الدينية

من أهم هذه المباني: المساجد، والمقابر، والأربطة، والمدارس
 

 المساجد

 
أ) المسجد الحرام:  
لم يكن المسجد الحرام مبنيًا على النحو المشاهد حاليًا بعد، بل كان مساحة فضاء غير محاطة بجدران وتحيط بها البيوت الشارعة مباشرة على المكان  ،  وظل كذلك حتى عهد الخلفاء الراشدين، وتمت أول الأعمال المعمارية فيه في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أمر في عام 17هـ / 638م بإحاطة هذه المساحة بجدار من الحجرارتفاعه أقل من القامة بأبواب في أضلاعه الأربعة  ،  ثم في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه برزت الحاجة إلى إجراء توسعة للمسجد الحرام، بالنظر إلى ما نتج عن الفتوحات الإسلامية من عودة الفاتحين إلى مكة المكرمة، فضلاً عن ازدياد عدد الحجاج والمعتمرين القادمين من الأقاليم الإسلامية الأخرى، فأمر رضي الله عنه في عام 26هـ / 647م بهدم البيوت التي كانت شارعة على المسجد وأدخلها فيه
وفيما يتعلق بالعهد الأموي فقد أجريت للمسجد الحرام توسعتان مهمتان: أولاًهما تمت بأمر عبدالله بن الزبير رضي الله عنه عام 65هـ / 685م، إذ زيـد في المسجد من الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية  ،  أما التوسعة الأخرى فتمت سنة 91هـ / 710م، بأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، الذي نقض عمارة والده وأعاد عمارة المسجد مرة أخرى بأروقة جعل لها أعمدة من الرخام جلبها من الشام ومصر، حلاها بصفائح من الذهب، وسقفه بالخشب الساج المزخرف، كما ألبس نصف الجدران من الداخل من أسفل بالرخام، وجعل له شرافات، ومظلات
وقد شهد المسجد الحرام في العهد العباسي خمس توسعات مهمة، الأولى كانت في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور الذي شاهد في حـج 137هـ / 754م صغر مساحة المسجد الحرام، فأمر بتوسعته، كما أمر أيضًا ببناء مئذنة في الركن الغربي من الجدار الشمالي، وبلغت هذه الزيادة ضعف مساحة المسجد الحرام، كما كسا جدرانه من الداخل والخارج بالرخام، وأمر أيضًا بزخرفة قبابه من الداخل بالفسيفساء والذهب، وقد تم الانتهاء من هذه التوسعة عام 140هـ / 757م 
وقد سجلت هذه التوسعة في نقش كتابي فوق باب إبراهيم الذي كان يعرف باسم باب بني جمح ذكر نصه الأزرقي على النحو التالي: 
 
"بسم الله الرحمن الرحيم. محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا. ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين. أمر عبدالله أمير المؤمنين أكرمه الله بتوسعة المسجد الحرام وعمارته والزيادة فيه نظرًا منه للمسلمين واهتمامًا بأمورهم، وكان الذي زاد فيه الضعف عما كان عليه قبل، وأمر ببنيانه وتوسعته في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة، وفرغ منه ورفعت الأيدي عنه في ذي الحجة سنة أربعين ومائة بتيسير أمر الله، بأمر أمير المؤمنين ومعونة منه له عليه وكفاية منه له وكرامة أكرمه الله بها، فأعظم الله أجر المؤمنين فيما نوى من توسعة المسجد الحرام وأحسن ثوابه عليه، فجمع الله تعالى له به خير الدنيا والآخرة، وأعز نصره وأيده
ثم لما حج المهدي عام 160هـ / 776م زاد في مساحة المسجد من جهاته الشمالية والجنوبية والغربية، وبنى أروقة جديدة وسقفه بخشب الساج، واستحدث أبوابًا جديدة خمسة، هي: باب دار شيبة بن عثمان، وباب بني عبدشمس الذي عرف باسم باب بني شيبة، وباب دار القوارير، وباب النبي صلى الله عليه وسلم، وباب العباس بن عبدالمطلب، وتم الانتهاء من هذه التوسعة عام 164هـ / 780م
ولما حج الخليفة نفسه عام 164هـ / 780م شاهد أن مخطط المسجد الحرام غير مربع، وأن الكعبة لم تعد تقع في وسطه، بسبب عدم إجراء توسعة له من الجهة الجنوبية، فرأى ضرورة تعديل هذا الوضع بتوسعة المسجد الحرام من هذه الجهة، ولكن قيل له إن من هذه الجهة يمر وادي إبراهيم، ومن الصعب إدخال الوادي في المسجد دون تحويل مجرى السيل باتجاه الدور، فأمر بهدم الدور وتمت التوسعة  .  وقد تم الانتهاء منها عام 167هـ / 783م، كما في أربعة نقوش نفذت على بعض الأعمدة الرخامية بالرواق الجنوبي
وفيما يتعلق بالتوسعة الرابعة للمسجد الحرام في العهد العباسي فتمت في عهد الخليفة المعتضد بالله عام 281هـ / 894م، فأدخلت دار الندوة في المسجد الحرام، وكان محلها رحبة باب الزيادة في الجهة الشمالية من المسجد، فقد عمرها وجعل لها أساطين وطاقات وأروقة مسقوفة بالساج المزخرف، وفتح لها اثني عشر بابًا بستة عقود ضخمة بينها ستة عقود صغيرة، كما بنى فيها منارة، وقد تم الفراغ من هذه التوسعة عام 283هـ / 896م
أما التوسعة الخامسة والأخيرة للمسجد الحرام في العهد العباسي فكانت عام 306هـ / 918م في عهد الخليفة المقتدر بالله، فقد أمر بإدخال رحبة باب إبراهيم وما يتبعه من الأروقة في المسجد من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية لتشكل أروقة متساوية، فيما لم يتم عمل رواق من الجهة الغربية للزيادة، كما عملت للأروقة الثلاثة أساطين منحوتة من الحجر  .  ثم بعد هذا التاريخ لم تجر في المسجد الحرام أي توسعة، بل اقتصر الأمر على إصلاحات وترميمات تمت من قبل بني رسول في اليمن والمماليك في مصر
أما في الحكم العثماني فقد شهد المسجد الحرام أعظم عمارة، فقام السلطان العثماني سليم الثاني عام 979هـ / 1571م بإعادة عمارة المسجد الحرام وتوسعته، وتسقيفه بالقباب، وقد تم الانتهاء من هذه العمارة في أواخر عام 984هـ / 1576م  ،  وقد سجل تاريخ هذه العمارة في مجموعة من النقوش الكتابية في مواضع مختلفة من المسجد الحرام مع إبقاء العثمانيين على النصوص التأسيسية ونصوص التجديدات والترميمات والإصلاحات التي تمت قبل عهدهم في مواضعها بالمسجد
 
ب) مسجد البيعة: 
يقع مسجد البيعة في السفح الجنوبي لجبل ثبير المطل على منى من الناحية الشمالية في شعب عرفت باسم: (شعب الأنصار) أو (شعب البيعة)   أو شعب العقبة، إذ يشاهده الصاعد مما يلي مكة المكرمة باتجاه جمرة العقبة على يساره قبل وصوله الجمرة بنحو تسعمئة متر تقريبًا 
أنشئ هذا المسجد في عهد الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور سنة 144هـ / 761م، في الموضع الذي تمت فيه بيعة العقبة الثانية  ،  وذلك تخليدًا لذكرى هذه البيعة التي نتج عنها هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من مكة المكرمة إلى المدينة (يثرب)، وتأسيس الدولة الإسلامية، وانتشار الإسلام في أرجاء المعمورة
وقد سجل تاريخ إنشاء هذا المسجد وأسباب إنشائه في نصين تأسيسيين على الرخام، أحدهما في الجدار الغربي (القِبْلة)، على يمين الواقف أمام المحراب من الخارج، والآخر على يساره مؤرخ عام 144هـ / 761م، وفيما يتصـل بالنص التجديدي الذي يؤرخ لعمارة مسجد البيعة في عهد الخليفة العباسي المستنصر بالله سنة 629هـ / 1232م، أشار الفاسي إلى أنه كان ملقيًا حول المسجد وقد ثبت في الجدار الجنوبي
وقد وصف الفاسي مسجد البيعة في زمنه بقوله
"وصفة هذا المسجد رواقان كل منهما مسقوف بثلاث قبب على أربعة عقود وخلفها رحبة، وله بابان في الجهة الشامية وبابان في الجهة اليمانية، وطول الرواق المتقدم من الجهة الشامية إلى الجهة اليمانية ثلاث وعشرون ذراعًا، وعرضه أربع عشرة ذراعًا، والرواق الثاني نحو ذلك، وطول الرحبة من جدارها الشامي إلى اليماني أربع وعشرون ذراعًا ونصف ذراع، وعرضها ثلاث وعشرون ذراعًا ونصف ذراع، وطول المسجد من محرابه إلى آخر الرحبة ثمان وثلاثون ذراعًا وسدس ذراع، والجميع بذراع الحديد، وأبواب كل رواق - التي يدخل منها إلى الأرض - ثلاثة وأكثر، هذا المسجد الآن متخرب، وكان تحرير ما ذكرنا بحضوري
 
ج) مسجد بيعة الرضوان: 
اشتهر بمسجد الشجرة بالحديبية المعروفة اليوم بالشميسي  ،  وهي الشجرة التي تمت تحتها البيعة بين المؤمنين والرسول صلى الله عليه وسلم قبل إبرام صلح الحديبية مع قريش
لا يزال هذا المسجد قائمًا في موضعه، ولكنه في حالة سيئة، فإن آخر عمارة له كانت قبل ثلاثين سنة، وقد حالت بعض الظروف دون إتمام عمارته  ،  تهدم فناؤه، ورواق قبلته، وأجزاء من جدرانه الخارجية، ولم يتبق منه سوى جزء صغير
 
د) مسجد حَدَّاء: 
يقع هذا المسجد في حداء الواقعة في منتصف طريق مكة المكرمة - جدة القديم، مستطيل الشكل، أبعاده 50×40م تقريبًا، تهدمت أجزاء كثيرة منه، وعلى الرغم من ذلك فقد حافظ على تخطيطه العام، بني النصف الأمامي منه في منخفض من الأرض بحكم طبيعة الموقع الذي بني فيه؛ لذلك يلاحظ أن الجدران الخارجية لرواق القبلة أكثر ارتفاعًا من بقية الجدران، كما بنيت من أسفلها بشكل مائل لكي لا تنهار الجدران عند اندفاع السيول في هذا المنخفض، ولوحظ أيضًا أن المحراب المجوف الذي يتوسط جدار القبلة يبرز عن سمت الجدار المائل. وقد كان رواق القبلة مسقوفًا بقباب لم يبق منها إلا قبة واحدة، وفضلاً عن ذلك زينت الحافة العلوية لجدران المسجد بشرافات كل واحدة منها على شكل عقد مدبب مصمت. ويدخل إلى هذا المسجد من عدة مداخل، اثنان بكل من الجدارين الشمالي والجنوبي لرواق القبلة مما يلي جدار القبلة، ومدخل كبير في منتصف الجدار الغربي. ويلفت النظر في هذا المسجد أيضًا تجصيص ما بين الأحجار من الخارج، مما أكسبه مظهرًا جماليًا أخاذًا
 
هـ) مسجد الروضة: 
مسجد صغير الحجم، مستطيل الشكل، أبعاده 7.35×15.10م، وسمك جدرانه 85سم، لا يزال قائمًا في موضعه بالروضة في وادي فاطمة، وقد بني في أواخر الحكم العثماني بأحجار بازلتية غطيت بطبقة من الجص والنورة، طرازه المعماري يختلف عن طراز مساجد المنطقة، فقد سقف بأربعة سقوف نصف برميلية، كما لا توجد له مئذنة، وتبرز من جوانبه دعامات مستطيلة نهاياتها العلوية مائلة إلى الخارج ترتفع بارتفاع جدران المسجد، وبه محرابان معقودان، يبرزان إلى الخارج على شكل مستطيل المقطع أبعاده 1.35م×35سم يعلو كلاً منهما عقد مدبب. والمسجد له مدخلان معقودان بعقد في الجدار الشمالي مما يقابل المحرابين، أما النوافذ فعددها ثمانٍ؛ كل اثنتين مجاورتان لركن من أركان المسجد
 
و) مسجد الشافعي: 
يقع في حارة المظلوم بجدة، وكان يسمى الجامع العتيق، وهناك اختلاف في سنة بنائه  ،  فقيل: في عهد عمر بن الخطاب، وقيل في عهد السلطان المظفر يوسف الرسولي 647 - 694هـ / 1249 - 1295م صاحب اليمن، وقيل إنما أعاد عمارته، ثم جدد عمارته عام 944هـ / 1537م تاجر هنـدي اسمه الخواجة محمد علي عثمان  ،  ولعله من أقدم مساجد جدة وأجملها من حيث البناء، ويتكون هذا المسجد من رواقين، قبلة ومؤخرة وصحن مكشوف بينهما، ويدخل إليه من بوابة رئيسة في جداره الجنوبي الغربي، وبأسفل المسجد صهريج لحفظ المياه، كما أن له محرابًا ضخمًا، ومئذنة مضلعة على دورين كل منهما ينتهي بشرفة، سطح الشرفة العلوية على شكل قبة، تنتهي من أعلاها بشكل أسطواني تتخلله انبعاجات، أما نهايتها فعلى شكل قبة كروية مضلعة مثبت بأعلاها جوسق المئذنة النحاسي الذي ينتهي في أعلاه بشكل هلال. لا يزال هذا المسجد في حالة جيدة وإن أجريت فيه عدد من الترميمات في العهد السعودي
 
ز) مسجد المدهون: 
سمي بذلك نسبة للجبل الذي بني المسجد بأسفله، كما يعرف باسم مسجد القنطرة، لقنطرة كانت أمامه، ومسجد المحجوب، يقع بأسفل الجانب الشمالي الشرقي من الجبل. وهو مسجد متهدم، له محراب مجوف، يبدو من الخارج مستطيل الشكل وسقفه البارز عن سمت الجدار مائل إلى الأمام على غرار مسجد الموقف أو الكوع، بحيث تنساب مياه الأمطار على سطحه، ولا سيما أن الميزاب يقع بأعلى المحراب، أما مئذنته فتتميز بشكلها الأسطواني المتدرج، وتنتهي في أعلاها برقبة في رأسها قبة شبه بصلية الشكل مسلوبة ومضلعة من أعلاه، ويصعد إلى أعلى المئذنة عن طريق باب في الجهة الشمالية الشرقية، بوساطة درج حلزوني 
 
ح) مسجد عبدالله بن عباس: 
يقع أسفل جبل المدهون بالطائف، وقد بناه عبدالله بن عباس رضي الله عنه عند قدومه الطائف، أما بناؤه القائم حاليًا فيرجع إلى أواخر الحكم العثماني. وهو مربع الشكل تقريبًا، في مؤخرته فناء مستطيل الشكل، يدخل إليه من الطرف الجنوبي بالجدار الشرقي. أما المسجد فيدخل إليه من باب بمنتصف الجدار الشرقي للمسجد، يحف به نافذتان مستطيلتا الشكل، وينقسم المسجد إلى بائكتين بينهما جدار به ثلاث فتحات معقودة، ويقع المحراب في منتصف الجدار الغربي على محور باب المدخل، وهو مجوف الشكل، ومتوج بعقد مفصص، ويبرز عن سمت الجدار من الخارج بمقدار متر واحد، ومن الملاحظ تهدم الجدار الشمالي للمسجد ويقع قبر هذا الصحابي الجليل في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد
شارك المقالة:
54 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook