المنطقة بعد عهد الإمام فيصل بن تركي في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المنطقة بعد عهد الإمام فيصل بن تركي في المملكة العربية السعودية

المنطقة بعد عهد الإمام فيصل بن تركي في المملكة العربية السعودية.

 

توفي الإمام فيصل بن تركي في الحادي والعشرين من رجب سنة 1282هـ / 1865م، وقد ترك من الأولاد الذكور أربعة وهم: عبدالله، ومحمد، وسعود، وعبدالرحمن، وكان الإمام فيصل بن تركي في أواخر عمره قد عهد إلى ابنه الأكبر عبدالله بتدبير كثير من أمور الدولة مما هيأه لتلك المهمة، ولذلك بويع بالإمامة بعد وفاة والده، "وبايع المسلمون بعده ولي عهده ابنه عبدالله، فضبط الأمور، وساس الملك أتمَّ سياسة،... ولكن لم تتم له الولاية، فإنه نازعه أخوه سعود بن فيصل... "  
 
وتختلف المصادر حول أسباب خروج سعود على أخيه الإمام عبدالله، فمنها ما يعزو ذلك إلى طموحه في الحكم، ومنها ما يعيد ذلك إلى ما قبل وفاة الإمام فيصل؛ وبخاصة الفترة الطويلة التي قضاها سعود أميرًا للخرج وأثر علاقته مع البادية طوال تلك المدة  .  ويبدو أن العاملين السابقين أسهما في دفع سعود إلى منافسة أخيه عبدالله، فما هي إلا عدة أشهر من تولي عبدالله الإمامة أو الحكم، حتى ثار عليه أخوه سعود، وعندما لم يجد تأييدًا في منطقة الرياض غادرها إلى عسير طالبًا العون من أميرها محمد بن عائض. أقام سعود هناك مدة من الزمن، وعندما علم الإمام عبدالله بذلك بعث وفدًا يحمل هديةً ورسالة إلى ابن عائض يشرح فيها أسباب خروج أخيه عليه، كما كتب إلى أخيه سعود محاولاً استمالته وإقناعه بالعودة إلى الرياض.
 
لم تنجح مهمة سعود عند ابن عائض الذي حاول إقناعه بالتصالح مع أخيه، لذا ترك عسير واتجه إلى نجران، إذ حصل هناك على المساعدة التي يريدها، وكذلك من بعض القبائل، مثل: آل مرة وآل شامر، ثم سار سعود من نجران بما تجمع لديه من قوات قاصدًا وادي الدواسر التي وجد بها تأييدًا كبيرًا، كان الإمام عبدالله بن فيصل على علم بهذه التحركات، فجهز جيشًا كبيرًا أسند قيادته إلى أخيه محمد، وسار إلى هناك حيث تقابل الجيشان في معركة قوية سنة 1283هـ / 1866م، سميت بمعركة المعتلا نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه، انهزمت فيه قوات سعود بن فيصل، وقتل كثير من أنصاره، وجرح سعود في هذه المعركة عدة جروح، ونجا بنفسه فارًا مع آل مرة وأقام عندهم حتى برئت جراحه ثم ذهب إلى جهات عُمان  
 
قام الإمام عبدالله بن فيصل، بعد انتصاره على أخيه في المعتلا، ببعض الإجراءات التأديبية ضد من تعاون مع أخيه داخل منطقة الرياض وخارجها، ففي عام 1284هـ / 1867م أرسل عمه عبدالله بن تركي إلى بادية العجمان في الأحساء، ثم سار هو بنفسه، في العام التالي، على رأس جيش إلى وادي الدواسر وأقام مدة هناك عاقب خلالها العناصر التي أيدت أخاه سعود  
 
أما سعود بن فيصل فقد مكث بعض الوقت في عُمان، ثم سار إلى البحرين ليواصل حملته ضد أخيه، وليكون على مقربة من أنصاره في منطقة الأحساء، تمكن سعود من حشد أنصاره واستولى على ميناء العقير، وزاد عدد أنصاره من البادية فتقدم إلى الهفوف وحاصرها، وحين علم الإمام عبدالله بن فيصل بهذه التطورات في الجزء الشرقي من دولته، جهَّز جيشًا بقيادة أخيه محمد وأرسله لفكِّ الحصار عن الهفوف، ولكن سعود اختار أن يفك الحصار ويقابل جيش أخيه قبل أن يصل إليها، وهكذا التقى الجيشان في جودة، أي في منتصف الطريق تقريبًا بين الهفوف والرياض، وجرت بينهما معركة حاسمة سنة 1287هـ / 1870م، انتصرت فيها قوات سعود وأُسر محمد بن فيصل  
 
كان لمعركة جودة نتائج متعددة ومصيرية على مستقبل الدولة السعودية الثانية، وهو ما يمكن النظر إليه على أنه بداية النهاية لتلك الدولة، عاد سعود بعد انتصاره في تلك المعركة إلى الأحساء فاستولى عليها بسهولة، أما الإمام عبدالله فقد اهتزت أركان دولته بشكل كبير، فخرج من الرياض متجهًا إلى جبل شمر طلبًا للمساعدة، ولكنه توقف قبل أن يصل إليها عندما خاب أمله في الحصول على مساعدة، رأى الإمام عبدالله أن يستنجد بمدحت باشا، الوالي العثماني في بغداد، فأرسل مندوبه إلى هناك  ،  فوافق ذلك هوىً في نفوس العثمانيين الذين كانوا يتطلعون إلى العودة والسيطرة على الأحساء.
 
وفي هذه الأثناء انضمَّ رئيس قبيلة قحطان، محمد بن هادي بن قرملة، إلى صف الإمام عبدالله بن فيصل، مما شجعه على العودة إلى الرياض، فعاد إليها، أما سعود بن فيصل فبعد أن أكمل سيطرته على الأحساء تقدم صوب الرياض فخرج منها عبدالله ليقيم مع بادية قحطان، وبهذا تمكن سعود بن فيصل من دخول العاصمة سنة 1288هـ / 1871م، وأخذ البيعة من سكانها، وقام أتباعه من البادية بأعمال سلب ونهب في الرياض وفي الجبيلة  
 
وعلى الرغم من نجاح سعود بن فيصل في الاستيلاء على الرياض، ومن ثَمَّ هزيمة أخيه عبدالله في معركة البرة، إلا أنه خسر الأحساء بعد أن أرسل العثمانيون حملة استولت عليها واستدعوا الإمام عبدالله فقدم عليهم هناك، من ناحية أخرى تشجع أنصار عبدالله في الرياض، فثاروا ضد سعود وأخرجوه منها، هذا في الوقت الذي فرَّ فيه عبدالله من الأحساء عندما أُنذر بأن قائد القوات العثمانية ينوي تسفيره إلى بغداد. سار عبدالله إلى الرياض ليتسلم مقاليد الحكم، لكن أخاه سعود جمع أنصاره واتجه إلى جنوب نجد، ثم تقدم ليلتقي بجيش أخيه في الدلم حيث رجحت كفته، واصل سعود تقدمه بعد تلك المعركة ليتقابل مع أخيه عبدالله ويهزمه في الجزعة، ثم دخل العاصمة سنة 1290هـ / 1873م وتولى الحكم فيها مرة أخرى  
 
لم يهنأ سعود بن فيصل بالحكم طويلاً، إذ توفي في أواخر سنة 1291هـ / 1874م، فخلفه أخوه الأصغر عبدالرحمن الذي عاد لتوه من العراق، وجد عبدالله بن فيصل في وفاة أخيه سعود أملاً في استعادة الحكم، خصوصًا بعد هزيمة الحاكم الجديد في الدوادمي، وما أعقب ذلك من خلاف بينه وبين أبناء أخيه سعود، ولهذا حشد عبدالله أنصاره واتجه إلى الرياض، ونظرًا إلى ضعف موقف عبدالرحمن واقتناعه برأي أبداه رئيس العلماء الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن أشار فيه إلى أن عبدالله أحق بالبيعة لسابق ولايته، لذلك تنازل لأخيه عبدالله عن الحكم سنة 1293هـ / 1877م.
 
فازداد التنافس على الحكم وكثرت الخلافات وضربت الفوضى أطنابها وأخذت الدولة في الانكماش شيئًا فشيئًا، هذا في الوقت الذي أخذت إمارة آل رشيد في جبل شمَّر تقوى وتتوسع، كان وصول محمد بن عبدالله بن رشيد إلى الإمارة سنة 1289هـ / 1872م، في وقت اشتد فيه الخلاف بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، لذا استغل تلك الظروف لتنفيذ طموحه في حكم نجد، استمر محمد بن رشيد في الحكم مدة تقارب ربع قرن، تمكن خلالها من توسيع إمارة حائل فشملت الجوف ووادي السرحان في الشمال، وأخذ يتدخل في شؤون منطقتي القصيم وسدير، شجَّعت هذه التطورات أهل المجمعة  على الانفصال عن حكم الإمام عبدالله بن فيصل، وعندما أراد إضفاء حكمه عليها وحاصرها سنة 1299هـ / 1882م، جاء ابن رشيد لنجدتها ودخل البلدة وعيَّن عليها أميرًا من قبله، وبعد عامين حاول الإمام عبدالله إضفاء حكمه على المجمعة، لكن ابن رشيد قدم على رأس جيش ووقعت بين الطرفين معركة في أم العصافير فانتصر فيها، ما زاد من نفوذه في إقليمي سدير والوشم  
 
ازدادت الأمور تعقيدًا، ومما سارع في انحدار الدولة نحو نهايتها هجوم أبناء الإمام سعود بن فيصل على الرياض سنة 1305هـ / 1887م وألقوا القبض على عمهم الإمام عبدالله الذي لم يرَ بدًا من الاستعانة بأمير حائل، جاء محمد بن رشيد مسرعًا إلى الرياض وبعد مفاوضات مع بعض من زعمائها، تم الاتفاق على أن يخرج أبناء الإمام سعود إلى الخرج، ودخل المدينة وعين عليها سالم بن سبهان حاكمًا من قبله، ثم عاد إلى حائل مصطحبًا الإمام عبدالله بن فيصل وأخاه عبدالرحمن، وبعد سنتين أذن محمد بن رشيد لعبدالله بن فيصل وأخيه عبدالرحمن بالعودة إلى الرياض، وكان عبدالله مريضًا فتوفي بعد وصوله إليها بيوم واحد  ،  وكان سالم بن سبهان قد تخلص من أبناء سعود بن فيصل الذين يشكلون خطرًا على حكمه للعارض.
 
وفي هذه الأثناء حصلت بعض التطورات في علاقة محمد بن رشيد بأمير بريدة، حسن بن مهنا، ما أدى إلى خروجه عن التحالف الذي كان بينهما، من ناحية أخرى، قبض الإمام عبدالرحمن بن فيصل على عامل ابن رشيد في الرياض، وظل أسيرًا حتى جاء ابن رشيد إلى الرياض في مستهل عام 1308هـ / 1890م، دارت بينه وبين أهل المدينة بعض المناوشات وحاصرها أربعين يومًا، قبل أن يتم الاتفاق على أن يكون عبدالرحمن بن فيصل إمامًا للعارض والخرج، وأن يرحل ابن رشيد إلى حائل ويُطْلَق سراح عامله على الرياض 
 
أدرك ابن رشيد أنه لا يقف في وجه طموحه للاستيلاء على نجد إلا القصيم، لذا فبعد أن عاد إلى حائل حشد قواته واتجه إلى تلك المنطقة ودارت بين الطرفين معركة المليداء الشهيرة التي انتصر فيها انتصارًا حاسمًا وفرض سيطرته على القصيم، كان الإمام عبدالرحمن قد جهَّز جيشًا لمساعدة أهل القصيم، ولكنه عندما سمع بأخبار الهزيمة عاد إلى الرياض، وبعد عدة أيام أدرك حرج موقفه العسكري، فخرج منها مع أسرته وذهب إلى قبيلة العجمان، وفي العام التالي شجع بعض الناقمين على ابن الرشيد الإمام عبدالرحمن على العودة إلى نجد فجمع قواته وأنصاره وهاجم بلدة الدلم واستولى عليها ثم سار إلى الرياض ودخلها دون قتال، وعندما علم ابن رشيد بهذه التطورات قدم إلى منطقة الرياض، ودارت بين الطرفين سنة 1309هـ / 1891م معركة في حريملاء التي أسدلت الستار على ما عرف في التاريخ الحديث بالدولة السعودية الثانية، إذ هزم الإمام عبدالرحمن ومن معه، وعاد ليقيم مع قبيلة العجمان 
 
شارك المقالة:
94 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook