المواقع الأثرية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المواقع الأثرية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

المواقع الأثرية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 

الحِجْر (مدائن صالح)

 
تقع الحجر على مسافة 23كم شمالي العلا، وعرفت بهذا الاسم لأنها منطقة منخفضة وفسيحة تحيطها جبال من الحجر الرملي (الكوارتز)  ،  حتى إن الداخل إلى المنطقة ليجد نفسه وسط سلسلة من الجبال المتشابكة والمنفصلة والمنحدرات الصخرية  
 
وتعد الحجر (مدائن صالح) من أهم حواضر الأنباط بعد البتراء، ويعود أبرز أدوارها الحضارية إلى القرنين الأول قبل الميلاد والأول الميلادي، وذلك إبان ازدهار الدولة النبطية وقبل سقوطها على يد الإمبراطورية الرومانية عام 106م، ويجب التنويه إلى أن الحجر استمرت بعد هذا التاريخ مصدرًا للإشعاع الحضاري والتفاعل الفكري حتى القرن الرابع الميلادي على الأرجح.
 
وتوجد في الحجر (مدائن صالح) مجموعة من أهم آثار العالم القديم على الإطلاق، تلك هي مقابرها الصخرية الفريدة  ذات الواجهات المميزة التي يعود أغلبها إلى القرنين الأول قبل الميلاد والأول الميلادي  ،  وتعد نماذج رائعة للعمارة الصخرية، والفنون الزخرفية في آنٍ واحد. وتتجلى من خلال أنماط عمارتها أمثلة فريدة على التناسق، والمزج الفائق بين مختلف العناصر الزخرفية من هندسية وأسطورية وطبيعية وغيرها في انسجام وتوافق تام.
 
وإلى جانب هذه المقابر توجد في المنطقة بقايا معابد وكوات مقدسة  ،  تقع في جبل إثلب، أهمها الغرفة المنحوتة في الصخر المعروفة محليًّا باسم (الديوان)، فضلاً عن كوات ومحاريب أخرى في جبل إثلب نفسه وفي أمكنة أخرى من الواجهات الصخرية. كما كشف في السهل المنبسط وسط الموقع عن بقايا أساسات مستوطنات سكنية قديمة تحيط بها الأسوار  .  وقد يعود بعض هذه المنشآت السكنية إلى بضعة آلاف من السنين، وربما كانت تضم بينها بقايا مساكن الدادانيين والثموديين والأنباط وغيرهم من الأقوام الذين تعاقبوا على استيطان الموقع.
 
وتشتمل المنطقة على مجموعة من الآبار التي يصل عمق بعضها إلى نحو تسعة أمتار، كما عثر في وسط جبل إثلب على خزان صخري لحفظ مياه الأمطار  .  وتنتشر في الموقع كميات متنوعة من المخلفات الأثرية الأخرى، منها الفخار بأنواعه المختلفة والعملات والمسارج وبعض موائد القرابين، فضلاً عن بعض الأعمال الفنية والمنحوتات من التماثيل والأعمدة التاجية والأحواض ذات الأحجام المختلفة المصنوعة من الحجر الرملي أو الفخار  ،  بالإضافة إلى ساعة شمسية لا تزال محفوظة حتى اليوم في متحف الشرق القديم في إستانبول. وفي أرجاء متفرقة من الموقع كتب على الواجهات الصخرية مجموعة من النقوش بخطوط دادانية ولحيانية وثمودية ونبطية ويونانية ورومانية أيضًا.
 
كما توجد في منطقة الحجر (مدائن صالح) مجموعة كبيرة من المقابر المنحوتة في الجبال والتلال المحيطة بالمنخفض الأوسط للموقع، وتضاهي في مجموعها مقابر البتراء النبطية في الأردن، وتتشابه معها في كثير من الأطر العامة لأساليب التنفيذ وتصميمات الواجهات واستخدام بعض العناصر الزخرفية في تزيينها. ومن جانب آخر تختلف عنها من ناحية أن مقابر الحجر لا تحتوي غرف الدفن  فيها على منحوتات زخرفية  
 
ويبدو من طرز مقابر الحجر المتعددة انتماؤها إلى أكثر من فترة زمنية، فبعضها يعود إلى الفترة النبطية المبكرة، وبعضها الآخر مؤرخ من نهايات القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، في حين قد تؤرخ غالبيتها في القرن الثاني الميلادي؛ أي خلال الفترة التي انتهت فيها الدولة النبطية وفقدت سيادتها بوصفها حكومة مركزية على المنطقة. ويبلغ إجمالي عدد المقابر الصخرية في الحجر (مدائن صالح) نحو 131 مقبرة  ،  المؤرخ منها على وجه التحديد 33 مقبرة، وترجع حسب تأريخ جون هيلي إلى الفترة من العام الأول قبل الميلاد حتى عام 76م  .  ويخص عدد لا بأس به من هذه المقابر مجموعة من أصحاب المهن (الحرف) وكبار العسكريين والضباط الأنباط، من مراتب ومنازل مختلفة في سلم الوظائف العسكرية للجيش النبطي  
 
وتتوزع أغلب مقابر المنطقة، وآثار الحجر بعامة، في مواقع فرعية كبيرة وجانبية منفصلة تسمى بأسماء محلية على النحو الآتي: قصر البنت  ، وقصر الصانع، والخريمات، والصليمية، وجبل المحجر، وقصر العجوز، وقصر الفريد  ، والمدقة، والهاجري، ومربط الحصان، فضلاً عن منطقة الديوان أو مجلس السلطان في جبل إثلب  ،  والمناطق المرقمة من (أ - و)، إلى جانب القلعة الإسلامية في الجهة الجنوبية الشرقية من المنطقة بجوار محطة السكك الحديدية  .  بعض هذه المواقع لا يحتوي سوى على مقبرة واحدة، كقصر العجوز أو قصر الفريد مثلاً، في حين تحتوي مواقع أخرى على أعداد كبيرة منها، مثل موقع الخريمات الذي توجد به ثلاث وخمسون من مقابر الحجر الصخرية  ،  كما أن بعض هذه المقابر لم يكتمل العمل به، فظلت مجرد باب منحوت في الصخر يؤدي إلى غرفة الدفن، ويبدو أنه لم تنفذ لها واجهات مزخرفة حسب المتبع في أغلب مقابر المنطقة الأخرى  .  من جانب آخر ثَمَّ عدد قليل من المقابر لم يكتمل نحته كاملاً في واجهة الجبل؛ إذ يلاحظ أن النحات بدأ من القمة ولم يكمل بقية نحت المقبرة.
 
تُعّد مقابر الحِجْر حلقة متميزة ضمن حلقات تطور فن النحت الصخري في منطقة الشرق القديم بعامة. ثم جاءت مقابر العلا الدادانية والمعينية واللحيانية دليلاً على استمرار مهارة أهل المنطقة وخبرتهم في نحت الجبال، ثم أثبت الأنباط، سواء في بتراء الأردن أو في شمال غربي الجزيرة، في موقع البدع أو مغاير شعيب وفي الحجر نفسها، مقدرتهم الفائقة على نحت المقابر ذات الواجهات المزخرفة.
 
يبدأ العمل في نحت المقبرة في منطقة الحجر باختيار المكان المناسب من ناحية جودة الصخر وسلامة الكتلة الصخرية المختارة الخالية من الشقوق والتصدعات، كما أن تلك المقابر غير المكتملة في الموقع والتي لم ينفذ النحات سوى أجزائها العلوية في قمة الصخرة تشير إلى أن نحت المقبرة يبدأ من الأعلى إلى الأسفل، وليس العكس، وفي ذلك دلالة واضحة على التقدم الكبير للهندسة المعمارية لدى أهل الحجر من الأنباط؛ لأن البدء من أسفل يجعل واجهة الجبل متاحة لتنفيذ باقي أبعاد وتفاصيل أعلى الواجهة كيفما اتفق من دون قيود، أمّا البدء من أعلى فيعني تحديد نهاية الطريق قبل الشروع في بدايته، بما معناه التمكن الشديد من تنفيذ الأبعاد والعناصر بحسب تصميمات مسبقة ومحكمة، وإلا فشل العمل في الواجهة كلها، وظهر عدم اتساق الأبعاد وتوازنها.
 
يظهر من تناسق شطري أغلب مقابر مدائن صالح الصخرية، وتناسب أبعادها من الخط الهندسي لمنتصف المدخل؛ أي محور المقبرة، وكذلك التناسق الذي يميز عناصرها على كلا الجانبين، أن النحات استخدم تقنيات متطورة لضبط المسافات، وليس من المستبعد أن يكون الميزان المائي قد أسهم في دقة تحديد الأبعاد على واجهة القبر  .  وعلى ما يبدو فإن نحت هذه المقابر يتم من قِبل فرقة عمال متخصصة، تنقسم إلى جناحين متساويي العدد في كل جانب، أي ميمنة وميسرة، ثم يحدد لهم خط بداية في منتصف فتحة الباب، ويتولى عمال الميمنة العمل في الجانب الواقع أيمن هذا الخط، سواء في الداخل أو في الخارج، ويتولى عمال الميسرة العمل في الجهة المقابلة على النظام ذاته، ويقوم المعماريون المشرفون على العمل بمتابعة توافق وتناسب أبعاد وزوايا وزخارف كلا الجانبين المتناظرين، وتصحيح العيوب أو الفروق في القياسات والأبعاد أولاً بأول؛ لكي يمضي العمل من بدايته حتى نهايته متميزًا بالتناسق، والتماثل والتطابق في كلا الجانبين على يمين محور المقبرة الأوسط ويساره.
 
تتنوع طرز مقابر الحجر وأحجامها بحسب الوضع الاجتماعي لصاحب المقبرة، وبحسب طبيعة الصخر وإمكانات النحاتين الفنية، وكذلك الوقت المتاح لنحت المقبرة؛ فبعض هذه المقابر عبارة عن كوات، أو تجاويف دفن بسيطة وصغيرة   مقطوعة داخل الجبل، وبعضها الآخر مجرد حجرات منحوتة في الصخر دون أي زخرفة في الواجهات  ، وهذه الحجرات هي نفسها حجرات الدفن، على حين تحتوي مقابر أخرى على حجرات داخلية صغيرة، تنحت داخل أو خلف الحجرة الأولى، كما هي الحال في مقبرة قصر العجوز مثلاً، ويتم الدخول إلى مقابر الحجر بعامة من طريق فتحات أبواب مستطيلة الشكل في الغالب، وتكون أمكنة الدفن في المقابر الصغيرة منها فردية أو محدودة العدد، كما تشتمل بعض المقابر الكبرى على مساحات داخلية خاصة بالدفن ورحبة نسبيًّا.
 
ينقسم تصميم أمكنة الدفن في مقابر الحِجْر إلى أسلوبين: الأسلوب القديم، وهو قطع خندق أو حفرة مستطيلة في الأرضية بطول يزيد قليلاً على المترين وعرض يقل قليلاً عن المتر الواحد، أو قد تكون أكبر من ذلك لتتسع لأكثر من دفنة واحدة، ثم يوسد بها المتوفى ويردم عليه، أو تسقف الحجرة بعد إتمام الدفن بألواح حجرية رقيقة، قد تغطى بالتراب مباشرة، وتلصق قبل ذلك بعضها مع بعض بملاط من عجائن جصية. الأسلوب الآخر، الأكثر انتشارًا في هذه المرحلة التاريخية الذي عرفته المقابر الصخرية العائلية أو الجماعية في كثير من بلدان منطقة الشرق القديم، وخصوصًا منذ العصر الهلينستي؛ أي في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، فيتمثل في نحت فراغات جانبية في كل أو بعض الجوانب الصخرية للمقبرة أو حجرة الدفن لتتسع كل منها ليوسد فيها متوفى واحد. وتعرف هذه التجويفات التي تنحت على شكل متوازي مستطيلات مفتوح من أحد الجوانب باسم المقابر ذات العيون  ،  حيث تكون أبعاد كل عين منها نحو 200 - 240سم في الطول، و 100 - 110سم في العمق، و 85 - 95سم في الارتفاع؛ لتتسع للمتوفى موضوعًا على ظهره، وبعد إتمام الدفن تغلق العين أو التجويف على المتوفى بألواح حجرية رقيقة يثبت بعضها مع بعض بعجينة جصية، وقد تكون عيون المقبرة الواحدة في صف واحد، على مستوى واحد، كما قد تكون في عدد من الصفوف بعضها فوق بعض. وفي حالة دفن الأطفال يكون طول عيون الدفن في حدود 150سم، على حين يكون عرضها وعمقها في حدود نصف متر  
 
إن أبرز ما في المقابر الصخرية النبطية في كل من البتراء والحجر (مدائن صالح) واجهاتها الفريدة والمتميزة  التي يعد معظمها نماذج لعبقرية المزج بين التناسق المعماري من ناحية، والثراء الزخرفي في مختلف الأطر والعناصر من ناحية أخرى. فيما يأتي عرض للطراز العام لهذه الواجهات، وأهم التفاصيل المعمارية المحتوية عليها على وجه الإجمال، مع الوضع في الاعتبار التنوع الكبير في التفاصيل، والتباين الشديد بين كثير من واجهات هذه المقابر، فقد تحتوي إحداها على بعض هذه العناصر، على حين يحتوي غيرها على بعض آخر منها، والأمر نفسه ينطبق فيما يتعلق بمكونات زخارف الواجهات وتنسيقها والدلالات الفكرية والعقدية التي قد ترمز إليها.
 
يبدأ العمل في المقبرة بتسوية مسطح الواجهة في مستوى رأسي من جانب الجبل ليتناسب ارتفاع واجهة المقبرة المراد إنشاؤها مع عرضها، ثم تسوى رحبة أمام هذه الواجهة، ويتم إزالة الزوائد الحجرية الموجودة فيها، بعد ذلك يتم تحديد موضع باب المقبرة في منتصف عرض الواجهة تقريبًا، وفي كثير من الحالات تعلو مدخل المقبرة لوحة يذكر فيها صاحب أو أصحاب المقبرة وبعض التشريعات اللازمة لحماية المقبرة واسم مشيدها  ،  وقد يحيط بالباب من الجانبين عمودان نصفيان صغيران، كما قد يعلوه عتب بسيط أو جمالون مثلث على الطراز الإغريقي، بشكله التقليدي، أو قد يستبدل فيه شكل قوس بالمثلث العلوي في بعض الحالات  ،  ولم تظهر في واجهات مقابر الحجر الجمالونات المثلثة المنقسمة إلى قسمين على الجانبين، وهي التي عُرفت في بعض مقابر البتراء.
 
تملأ الفراغات في الواجهات المثلثة  ، وتقليدًا للمتبع في العمارة الإغريقية، بعناصر زخرفية متعددة ومتنوعة، على حين قد يخلو القليل منها من الزخارف  ،  وتعلو الجمالون أو تحوطه في الغالب بعض الزخارف العلوية والإطارية المتنوعة، وسيرد ذكرها في وصف العناصر الزخرفية الخاصة بواجهات مقابر الحجر.
 
تحدَّد النهايتان الطرفيتان للواجهة في مقابر الحجر الصخرية بنحت خطين رأسيين بكامل ارتفاع المقبرة، وذلك في حالة المقابر ذات الواجهة البسيطة الخالية من الأعمدة الجانبية، أو بنحت أعمدة نصفية البدن متصلة بالواجهة من الخلف، وتكون مقاطع هذه الأعمدة دائرية أو مربعة، وقد تعلو أبدان الأعمدة وسادات أو أقراص تحميل حجرية نصف أسطوانية أو مستطيلة الشكل، تحمل عليها تيجانها، وهي ذات تفاصيل زخرفية مختلفة، فقد تكون بسيطة ذات حواف مشطوفة  ،  أو من النوع المسمى طراز الأعمدة النبطية المقرّنة عند الأطراف، والتي يتوسطها بروز حجري، يرى فيه فهد السليم طرازًا محليًا صرفًا استوحى شكل الجزء العلوي من مجمرة حرق البخور الحالية  .  والواقع أن تيجان الأعمدة النبطية يمكن اعتبارها بشكل عام تحويرًا ذا طابع محلي، يدمج بين التفاصيل المحلية والعمود الأيوني الإغريقي، سواء في الأركان المقرّنة، أو في الأقواس الصغيرة أسفل التاج.
 
وتنحت فوق هذه الأعمدة دعامات أو أعتاب أفقية، قد تكون مستقيمة وبسيطة التكوين، أو قد تتبع التقسيمات المتبعة في الأعتاب العلوية للطراز الدوري الإغريقي الشهير، حيث تقسم العتب فيه إلى مجموعات منفصلة من عنصرين معماريين زخرفيين يثبتان معًا من أعلى، على التوالي بوحدات التثبيت البرونـزية، المشكلة من مثلثين يلتصقان مع بعضهما في منطقة الرأس، والمعروفة باسم (ذيل اليمامة)، وهما الترايجليفات والميتوبات، وقد توجد أعمدة نصفية إضافية قصيرة في أعلى سطح الواجهة، كما قد تضاف أنصاف أو أرباع أعمدة نصفية أخرى ضمن التكوين الزخرفي لبعض الواجهات الكبيرة  
 
تنحت فوق الدعامة التي تعلو الأعمدة الجانبية للواجهة مجموعة من الدعامات والعناصر المعمارية الزخرفية الأخرى، وذلك في توال أفقي، وتوجد هذه التفاصيل في المنطقة الوسطى من الواجهة، أو منطقة ما دون أعلى الواجهة، وتشتمل هذه المنطقة عادة على مجموعة متعاقبة بعضها فوق بعض من الحليات المعمارية المعروفة عربيًّا باسم (الطنف)، وعاميًّا باسم زخارف الكورنيشات. وهذه الحليات تكون قاعدتها أقل بروزًا من قممها، ويكون أوسطها على شكل القوس، وهي إمّا أن تكون بأقواس بسيطة من دون زخارف إضافية، وإما أن تكون أقواسها الوسطى مقسمة بوساطة عدد من أدوات الفصل الحجرية؛ فتعرف بالتالي بالكورنيش الإغريقي أو الكلاسيكي. وهناك إلى جانب ذلك الوحدات المتكررة الأخرى من الإطارات الزخرفية، الأفاريز، وهي الحليات المعمارية المنفذة على مستوى واحد، أو وحدات الفصل الممثلة في الحليات نصف الأسطوانية والمعروفة باسم الخيزران، أو مثيلاتها ذات الطابع الإغريقي المشكلة على هيئة أسطوانات حجرية تشبه الحبال.
 
تتعدد العناصر والمكونات الزخرفية التي تزين واجهات المقابر الصخرية في الحجر، ولا سيما حول منطقة الجمالون المثلث أو القوس أعلى باب المقبرة، أو في الفراغات الموجودة بداخلها، فقد تضم بينها رموزًا عربية محلية صرفة مثل المزهرية رمزًا للمعبودة (اللات)، أو أحد رموز المعبود (ذو الشرى)   الذي قد يصور بغطاء أو من دونه، بنسب عادية أو يشوبه بعض الانتفاخ في منتصف بدنه  
 
وثمة رموز أخرى نحتت على واجهة المقبرة لحماية المقبرة من السطو أو التدمير أو الاحتلال، مثل النسر الذي ينقش في الغالب في قمة مثلث جمالون الواجهة رمزًا للمعبود النبطي الرئيس (ذي الشرى) على الأرجح  ،  وقد تنوعت بعض أشكال النسور المنحوتة على واجهات مقابر الحجر، تبعًا للاختلاف في الأسلوب لدى بعض النحاتين المعروفين   الذين قاموا بتنفيذها، حيث صور بعضها بأجنحة مبسوطة وبعضها الآخر بأجنحة مقوسة إلى أعلى. كما وجدت ضمن العناصر الزخرفية لواجهات مقابر الحجر رموز يونانية صرفة مثل رأس المرأة التي شُكّل شعرها على هيئة الثعابين، وهو أحد رموز الحماية في المعتقدات اليونانية القديمة.
 
وقد يستبدل برأس الجورجون ميدوسا في بعض الأحوال شكل قناع بشري   مخيف غالبًا، مثلما في واجهة إحدى مقابر المجموعة (ج)؛ ما قد يربطه كذلك بالمفاهيم والمعتقدات حول حماية المقبرة، وفي مقبرة واحدة من مقابر الحجر صور في فراغ الواجهة المثلثة للمقبرة رأس بشري تحيط به الحيّات  ،  ويلاحظ أن التماثيل الآدمية الكاملة أو شبه الكاملة، والمصورة بثراء كبير في الملابس والحليات والرموز، سواء عبرت عن معبودات أم عن أفراد من الرجال أو النساء، ووجدت على واجهات المقابر النبطية في البتراء، لا توجد نظائر لها في واجهات مقابر الحجر  
أما عن العناصر المستوحاة من أشكال الحيوانات، فهي كثيرة ومتنوعة ضمن زخارف المقابر الصخرية النبطية بعامة، فمنها هيئات الأسود المستوحاة من الموروث الفني والفكر الديني لمعظم حضارات منطقة الشرق الأدنى القديم، بوصفها رمزًا يرتبط منذ القدم بشخصية الزعيم في فنون الشرق القديم، ثم تحول في العصور التاريخية اللاحقة فأصبح رمزًا مرتبطًا بالملكية، وزينة لعرش الملوك وحماية لبوابات القصور والمعابد، فضلاً عن صلته الكبيرة بعبادة الشمس، ودلالته القوية على مفاهيم الحماية والحراسة في بعض حضارات الشرق القديم عبر عصورها المختلفة، ومنها انتقل بمفاهيم مماثلة إلى حضارة بلاد الأناضول، حتى وصل إلى بلاد الإغريق أخيرًا محملاً بكثير من السمات الفنية والأطر العَقَدية الشرقية القديمة.
وإلى جانب الأسود زينت بعض المقابر والآثار النبطية في البتراء بأشكال تمثل رؤوس الثيران  ،  ولكن مثل هذا النوع من الزخارف الحيوانية لم يعثر عليه في واجهات مقابر الحجر.
 
وتحتوي إحدى واجهات المقابر على جانبي الباب على منحوتات لحيوانات أسطورية مركبة ومجنحة  ،  وهذه التصاوير المجنحة مستوحاة من فنون ومعتقدات بلاد الرافدين ومصر القديمة اللتين عرفتا هذا النوع من المنحوتات في تاريخ مبكر من عمر الحضارة في كلا الحضارتين. والملاحظ أن الحيوانين الأسطوريين على واجهة المقبرة يحيطان بالعنصر الزخرفي الهندسي الذي يجمع بين شكل الدائرة التي تحتوي في وسطها على بؤرة مركزية يحيط بها بتلات زهرة صورت في تناسق، وهي ما تعرف بالروزيتة التي وجدت أصولها الأولى في بعض العناصر الفنية الزخرفية لحضارة مصر القديمة منذ أقدم العصور  . 
 
واشتملت الحليات المعمارية لبعض واجهات مقابر البتراء على عناصر زخرفية لم يعثر على نظائر لها في واجهات مقابر الحجر، ومن أهمها المسلات بوصفها رمزًا بارزًا من رموز عبادة الشمس، ومعلمًا على الأمكنة المقدسة بعامة، وشواهد للقبور كذلك  .  ومن الزخارف التي لم يعثر على نظائر لها في الحجر - حتى الآن - تلك الزخارف المستوحاة من العناصر النباتية على واجهة مقبرة (الخزنة) الشهيرة بالبتراء، وكحالة نادرة كذلك في منطقة حوران  . 
 
تمثل شرفات السطح المدرجة بصورة عامة حليات أعالي الواجهات (Attic Storey)  في مقابر كل من البتراء والحجر (مدائن صالح) الصخرية، وقد شكل أغلب هذه الشرفات، إمّا على شكل مثلثات متماثلة الحجم، متساوية الضلعين ومدرجة من الجانبين (في حدود أربع أو خمس درجات تقريبًا)  ،  وذلك في حالة تكرار الشرفات فوق كامل مسطح العتب أو الكورنيش العلوي، فيما يعرف أحيانًا بخطوة الغراب  ،  وإما على شكل مثلثات كبيرة الحجم، قائمة الزاوية ومدرجة من الضلع الداخلي فقط، في حالة وجود اثنين فقط من هذه المثلثات المدرجة عند أقصى نهايتي الواجهة عند الطرفين.
 
وقد تأثر تنفيذ هذه الشرفات كثيرًا بالطابع المعماري الخاص بشرفات الأسطح وأعالي المباني الذي عرفه كثير من البلدان الواقعة في شرق الجزيرة العربية وشمالها، فلقد انتهجه الآشوريون في عصرهم الإمبراطوري في تشييد قصور ملوكهم وتحصيناتهم العسكرية، ثم استمر ذلك في شرفات بوابات بابل وأسوارها في العصر الكلداني  ،  ثم في قصور ملوك بلاد فارس الأخمينيين، في عاصمتهم (إصطخر) التي سماها الإغريق برسوبوليس.
 
شارك المقالة:
130 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook