أ - العبلاء:

 

موقع أثري قديم، لم تبقَ إلا أطلاله وبعض الشواهد الآثارية على سطحه، وهو على بُعد 60كم غرب بيشة، و 25كم شرق محافظة العقيق.

 

والعبلاء موقع قديم يتميز بوقوعه على مسيل عدد من الأودية وذي تربة جيدة ومراعٍ خصبة، وقد عاصر النشاط الاقتصادي لممالك جنوب الجزيرة العربية، فقد كان له أهميته خلال ازدهار تجارة قريش، ثم ضعفت مكانته وأهميته بعد ظهور الإسلام، وإن كان الاستيطان فيه لم ينقطع. وتكمن أهميته في مناجم الذهب والنحاس، ويجلب خام الذهب من مسافات ليست بعيدة من الموقع، ويراوح عمق الحفر لتتبع عروقه بين 3 و 25م، ويصل إلى 75م في بعضها، في حين يبلغ طول بعضها 150م  

وموقع العبلاء كبير ومتسع، ولا شك في أن المجهود الذي كان يُبذل في تتبُّع عروق خامَي الذهب والنحاس كان يتطلب عمالة كثيرة ذات مهارة عالية، وتدل المباني التي لاتزال أطلال جدرانها ماثلة للعيان على أن الموقع كان عامرًا طوال العام. وبالإمكان افتراض أنه كان يوجد عدد من الأحياء يرتبط كل حي بحرفة خاصة ترتبط بصناعة التعدين، مثل: الحدادة، والنجارة، وصناعة الفخار، بالإضافة إلى مهن مساندة، مثل: بناء الأفران وتزويدها بالوقود لإنجاز عمليات الصهر واستخلاص المعادن.

 

وتشير الدراسات الحديثة إلى وجود مكمن الفلورايت عند منجم النحاس القديم في العبلاء، حيث وجدت أعمال منجمية واسعة، يُستنتج من دلائلها أن القدماء قاموا بتعدين الفلورايت واستعماله في صهر المعادن  

 

ومن خلال المسح الأثري الذي قامت به وكالة الآثار والمتاحف سُجِّل موقع العبلاء رقم 210 - 92 بوصفه أحد مواقع التعدين القديمة، ويرجع تاريخه إلى عصر حضارة الممالك العربية القديمة، إذ عُثر على فخار متنوع ينتمي إلى تلك الحضارة التي يرجع تاريخها إلى النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد  

 

ويتميز الموقع بمبانٍ متلاصقة بشكل مجموعات تفصل بينها أزقة وممرات، استُخدم في بنائها حجر الديورايت، ولعل ما يميز الموقع كثرة أمكنة الصهر؛ وهي بقايا أفران يتم فيها صهر المواد الخام للمعدن  .

ومن السمات الأخرى المرتبطة بالمناجم مبانٍ مستطيلة الشكل، تظهر من بقايا مداميك جدرانها جودة بنائها، وتبلغ مساحة غرفها 3 × 4م، وتم حصر قرابة 300 وحدة من هذا النوع  . 

ومما تم العثور عليه: كِسَر من الفخار، وقطع من الزجاج القديم، ومطاحن، ومدقات حجرية. 

 

ومن المرجح - استنادًا إلى ما تم العثور عليه في العبلاء - أنها لم تكن منطقة ذات فعاليات تعدينية متنوعة فقط، وإنما كانت مركزًا اقتصاديًا مزدهرًا بمقوماته التجارية، والزراعية، والرعوية  

 

ب - تَبالة: 

 

بالفتح، تبعد عن بيشة نحو 60كم إلى الشمال الغربي (مسيرة يوم حسب رواية الحموي)، واختُلف في معنى اسمها، وهو - غالبًا - يُنسب إلى اسم امرأة ذات شهرة هي تبالة بنت مكنف من بني عمليق، أو تبالة بنت مدين بن إبراهيم. وهي بلدة ماؤها وفير، وتربتها خصبة، ومراعيها جيدة، ويمر بها طريق القوافل التجاري، وتُعَدُّ إحدى محطاته الرئيسة، وفيها سوق تُعَدُّ إحدى أسواق العرب القديمة ذات الشهرة الواسعة، وهو المسمى (رياض الخيل)  .

وتبالة في المصادر الإسلامية المبكرة من أعراض نجد، وإليها ينسب أحد الأودية المشهورة جنوب المملكة والمعروف بـ (وادي تبالة) الذي ينتهي إلى وادي بيشة. ولكثرة غيولها وغزارة أمطارها وُجدت فيها مواضع كثيرة اشتُهرت بغاباتها المتمثلة في أشجار الأثل والطلح والدوم؛ مما جعلها مستوطنة شبه دائمة لأنواع متعددة من الحيوانات المفترسة؛ ولا سيما الأسود.

يورد الهمداني ما يأتي: " البردان قليب بتبالة طيب الماء عذبه... وهي قرية فيها التجار، وإليها الجهاز، وكان فيها نخيل وغيل، وأكثر ساكنيها من قريش "  

 

وكانت تبالة أحد المراكز الدينية في فترة ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية، وكان بها ذو الخلصة؛ وهو صنم كانت تعظمه العرب. وقد حظيت تبالة - شأنها في ذلك شأن غيرها من المواقع ذات الأهمية التاريخية في المملكة العربية السعودية - بعناية الجهات الرسمية ذات العلاقة، وأُدرج اسمها ضمن المواضع التي أُعد لها برنامج لدراستها ميدانيًا، وقد شملها المسح الأثري لطريق التجارة القديم (منطقتَي عسير والباحة)، وسُجل من وثائق المسح برقم 217 - 20، ومن أهم معالمه الأثرية قصر قديم مربع الشكل لـه أربعة أبراج مشيدة بالحجر واللَّبِن، ويشتمل على غرف متوسطة على جهتيه الشرقية والشمالية. وقد مُيزت من بقايا عمارته القديمة أجزاء من السور أساساتها حجرية، يعلوها بناء من اللَّبِن.

 

ولا شك أن تبالة بقيت عامرة حتى ظهور الإسلام، وأنها تبوأت مكانة في تاريخ صدر الإسلام والخلافة الراشدة والعصرين الأموي والعباسي، إلا أن جذور تاريخها يرجع إلى عصر الممالك العربية القديمة، وقد أسهمت إسهامًا فاعلاً في مختلف الأنشطة الاجتماعية، والزراعية، والتجارية، وتبوأت مكانة بوصفها حاضرة ذات أهمية كبيرة خلال فترة ما قبل الإسلام، وبمعنى أدق: خلال الفترة الممتدة من القرن الأول الميلادي حتى ظهور الإسلام.

 

ج - تثليث:

 

تُعَدُّ جزءًا من منطقة عسير، وتمتد على مساحة واسعة، ويخترقها وادي تثليث الممتد من مرتفعات عسير متجهًا شمال شرق حتى يتصل بوادي الدواسر، وينتهي مجراه عند أطراف الربع الخالي بطول 325 ميلاً. وتبعد تثليث عن أبها نحو 235كم، وعن بيشة 260كم، ونحو 200كم عن الخماسين، وبذلك تكون محورًا يربط بين تلك الحواضر، وملتقىً للطرق البرية التي سلكتها القوافل التجارية قبل الإسلام. ومع أن تثليث اسم يطلق على مدينة بعينها في العصر الحديث، إلا أن اللفظ اسم لمنطقة جغرافية واسعة تمتد من جُرَش شرقًا إلى نجران جنوبًا  ،  وهي لمذحج متفرقةً في منازلها بتفرق بطونها، ولها سيادة على منطقة واسعة، ومعظمهم يسكن سرو مذحج الممتد من مدينة تثليث شمال نجران  .  ويضيف الشيخ حمد الجاسر أن كثيرًا من بطون مذحج سكنوا بجوار عنـز في سفوح السراة المعروفة بـ (سراة جنب)، ومنهم أيضًا زبيد، وقد انتشروا في أعالي الأودية التي تفيض في تثليث وما حوله  

لاتزال الدراسات الميدانية لآثار تثليث في بداياتها، ومع ذلك تقدم معلومات قَيِّمة عن مواقعها التاريخية، وكيفية الوصول إليها، والحالة التي يكون عليها الأثر (الموقع الأثري).

 

وجاء في حولية (أطلال) وصف مختصر لما تم حصره من آثار وادي تثليث الموقع 217 - 157، الذي سُجلت من آثاره أحواض للمياه، وأبنية مشيدة بألواح من حجر الجرانيت، بالإضافة إلى توثيق لركامات المقابر؛ فقد تم العثور على مجموعة من الركامات. أما المدافن فتضم غرفة مركزية مبنية من الألواح الحجرية يحيط ببعضها سور حلقي  .  ولعل أهم معالم آثار تثليث مجموعة من النقوش المنتشرة عند بئر مريغان  على بعد يقارب 20كم شرق المدينة، كُتبت تلك النقوش بالخط المسند الجنوبي، وتسجِّل أحداث الحملات التي قام بها أبرهة الأشرم عبر طريقه إلى مكة غازيًا فيما عُرف بعد ذلك بحملة أصحاب الفيل.

 

وأهم تلك النقوش نقش لأبرهة بالخط الحِمْيري المتأخر محفورًا على واجهة صخرة بارتفاع 7 أمتار عن الأرض، ويحتوي على معلومات اختُلف في تفسير مضمونها، إلا أنها تؤرِّخ للأحداث التي شهدتها الجزيرة العربية قبيل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم