المياه الجوفية قليلة العمق بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المياه الجوفية قليلة العمق بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

المياه الجوفية قليلة العمق بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تسمى التكوينات الجيولوجية التي لها نفاذية ومسامية تسمح بمرور الماء وخزنه في مسامات الصخور أو المواد الصخرية المفككة، وتسمح أيضًا بخروجه منها ودخوله إلى الآبار بكميات اقتصادية تسمى بخزانات المياه الجوفية (Aquifers). وقد تتكون خزانات المياه الجوفية من مواد صخرية مفككة مثل رواسب الأودية (الرواسب الفيضية) أو تتكون من صخور منفذة كالصخور الرملية أو صخور الجرانيت المجواة (Weathered). وتصنف خزانات المياه الجوفية إلى نوعين، هما: الخزانات الحرة (Unconfined) والخزانات المحصورة (Confined). ويكون الخزان من النوع الحر إذا كان التكوين الجيولوجي الخازن للماء منكشفًا على سطح الأرض، أو أن الطبقة الجيولوجية التي تعلوه تكون منفذة. في حين يكون الخزان من النوع المحصور إذا كان التكوين الجيولوجي الخازن للماء يقع بين تكوينين غير منفذين؛ أحدهما يعلوه والآخر إلى الأسفل منه. وإذا كانت الطبقة التي تعلو الخزان المحصور ذات نفاذية منخفضة جدًا، فإنه في هذه الحالة يسمى بالخزان شبه المحصور (Semi - Confined). وفي الغالب توجد خزانات المياه المحصورة بالمملكة في طبقات الصخور الرسوبية بالرف العربي. وأما تكون معظم خزانات المياه الجوفية بالدرع العربي فهو من النوع الحر. وتكون المياه غير عميقة ومتجددة في الخزانات الحرة، وعميقة وغير متجددة في الخزانات المحصورة.
 
تقع معظم منطقة المدينة المنورة ضمن الدرع العربي الذي يتكون من صخور نارية ومتحولة قديمة (ما قبل الكمبري عدا الجزء الواقع بالقرب من مدينة العلا). وتغطي الرواسب الفيضية في بعض الأمكنة هذه الصخور القديمة، كما تغطي أيضًا أجزاء كبيرة منها حقول اللابة البركانية (Lava Fields) (الحرات) الحديثة نسبيًا  .  وإن الجزء الواقع ضمن الدرع العربي من منطقة المدينة المنورة يحتوي على مياه جوفية قليلة العمق مخزونة؛ إما في الرواسب الفيضية بالأودية (Alluvial Aquifers) وما تحتها من صخور مجواة (Weathered) وشقوق وصدوع (Fractures)، أو في الحرات التي تتكون من صخور البازلت (Basalt Aquifers) التي تغطي أيضًا في بعض الأمكنة الرواسب الفيضية الأقدم منها.
 
تحتوي بطون الأودية على خليط من المواد الصخرية المفككة التي رسبتها المياه الجارية في العصر الرباعي. وتختلف سماكة هذه الرواسب وحجم حبيباتها من مكان إلى آخر. فسماكتها قد لا تتعدى عددًا قليلاً من الأمتار، ولكنها في بعض الأمكنة قد تصل إلى 100م، وحبيباتها في الغالب خليط من مواد تكون في حجم السلت (مواد الطمي الناعمة) والرمل والبطحاء والجلاميد. وتكون أقل سماكة وأكثر خشونة في الأجزاء العليا من الأودية، وتزداد سماكتها ونعومتها باتجاه الأجزاء السفلى من الأودية.
 
تغطي الحرات التي تتكون من صخور البازلت أجزاء واسعة من منطقة المدينة المنورة. ويمكن أن تكون صخور الحمم البركانية - مثل البازلت وغيرها من الصخور البركانية - خزانات جيدة للمياه الجوفية، إذا كانت فجواتها التي تكونت بعد تطاير الغازات متصلة أو متشققة بدرجة كافية. وتختلف خصائص الصخور في الحرات، ويتصف بعضها بكثرة الفجوات والشقوق الصغيرة (Vesicular)، وبعضها صماء غير منفذة. وصخور البازلت المنفذة في الحرات تسمح بتسرب مياه الأمطار وتعمل بوصفها خزانات للمياه الجوفية. وتشير البيانات الرسمية   إلى أن خزانات المياه الجوفية في الحرات أفضل ما تكون إذا حدث اتصال مائي (هيدروليكي) بين الرواسب الفيضية الحديثة وصخور البازلت المنفذة والرواسب الفيضية القديمة الواقعة إلى الأسفل منها، وعملت هذه الطبقات مجتمعة بوصفها خزانًا للمياه الجوفية. وتوجد مثل هذه الخزانات بالقرب من المدينة المنورة، وتتصف بأنها واسعة نسبيًا، وتحتوي على كميات جيدة من المياه. فصخور البازلت المنفذة في حرة رهاط جنوب المدينة المنورة تراوح سماكتها بين 40 و 70م، وتمتد على مساحة واسعة تقارب 18100كم  ، ويبلغ طولها نحو 310كم، ويقارب عرضها المتوسط 60كم. وتغطي صخور البازلت المنفذة في حرة رهاط الرواسب الفيضية القديمة لحوض العقيق الأعلى التي تعد خزانًا جيدًا للمياه الجوفية في المنطقة. إضافة إلى ذلك تشغل حرة خيبر والحرات المجاورة لها مثل حرة هتيم وحرة الكرى مساحة واسعة تقارب 21400كم  . وتصل سماكتها إلى 90م، وتغطي صخور البازلت أيضًا في بعض الأمكنة رواسب فيضية قديمة، والصخور الرملية لتكوين خيبر. وفي هذه المواقع، يكون خزان المياه محصورًا في الرواسب الفيضية القديمة والصخور الرملية. في حين يكون خزان المياه شبه محصور في الرواسب الفيضية الحديثة وفي صخور البازلت.
 
إن رواسب الأودية الحديثة والقديمة وصخور البازلت في الحرات تخزن كميات من المياه الجوفية المتجددة (أي التي تعتمد على مياه الأمطار والسيول في الوقت الحاضر) التي تعد المورد المائي الطبيعي الدائم في المنطقة. ولكن كميات المياه التي تخزنها الرواسب الفيضية وصخور البازلت في الحرات، ونوعيتها وعمقها تختلف من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر؛ لأنها تعتمد على عوامل كثيرة. وتعد الخصائص الجيولوجية في مقدمة العوامل المؤثرة خصوصًا حجم الفجوات والشقوق في صخور البازلت، ونوعية المعادن التي تتكون منها رواسب الأودية التي لها تأثير كبير على نوعية المياه، وتعتمد أيضًا على الخصائص الجيومورفولوجية ولا سيما سماكة الرواسب في الأودية، والمساحة التي تغطيها، وحجم حبيباتها، ومساحة حوض الوادي، ومعدلات الانحدار فيه، كما تتأثر أيضًا بالخصائص المناخية، خصوصًا كميات الأمطار الساقطة وغزارتها، وكميات مياه السيول ومعدلات التبخر.
 
تعتمد كميات المياه في خزانات المياه الجوفية وإمكانية استغلالها على الخصائص الهيدرولوكية (Hydraulic) لخزان المياه الجوفية وبخاصة الناقلية (Transmissivity) والمخزونية (Storativity)، إذ يعبّر عن المخزونية في الخزانات المحصورة بمعامل الخزن (Storage Coefficient)، وعن الخزانات الحرة بالقدرة الإنتاجية أو التصريف النوعي (Specific Yield)  ؛  فالناقلية تحكم بدرجة كبيرة حجم المياه الجوفية المتحركة نحو البئر، على حين يعتمد حجم المياه المخزونة على المخزونية. ومعامل التخزين والقدرة الإنتاجية ليست لها أبعاد، وأما الوحدات المستخدمة للتعبير عن الناقلية فهي (م  / يوم / م) وتختصر لتصبح (م  / يوم)  ؛  ففي دراسة   أجريت على وادي الصفراء بمنطقة المدينة المنورة وُجد أن الناقلية عالية في الأجزاء العليا من الوادي 0.71م  / دقيقة، والأجزاء السفلى منه 0.81م  / دقيقة، في حين كانت متوسطة في الأجزاء الوسطى من 0.14م  / دقيقة. كما وجدا أن معامل الخزن يساوي 0.1 في الأجزاء العليا، ويساوي 0.006 في الأجزاء الوسطى، و 0.01 في الأجزاء السفلى. وفي دراسة أخرى   على وادي العقيق تم الوصول إلى أن متوسط الناقلية يساوي 0.07م  / دقيقة، في حين يساوي متوسط معامل الخزن 0.004. من جهة أخرى، تشير وزارة المياه   إلى أن الرواسب الفيضية القديمة المغطاة بصخور البازلت الحديثة جيدة التخزين للماء، إذ يصل الإنتاج في بعض الآبار 28300م  / يوم.
 
تحتوي المياه الجوفية على قدر معين من الأملاح الذائبة، وتحدد درجة تركيز الأملاح في الماء مدى ملائمتها للشرب أو لري نوع معين من المحصولات الزراعية. ووفقًا لمواصفات منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب فإن الحد الأعلى المقبول (المرغوب) لتركيز المواد الصلبة الذائبة (الأملاح) يكون 500ملجم / لتر  ،  التوصيل الكهربائي نحو 770 ميكروموز / سم، في حين يكون الحد الأعلى المسموح 1500ملجم / لتر نحو 2300 ميكروموز /سم  .  وتختلف المحصولات الزراعية في قدرة تحملها للملوحة، إذ إن بعض النباتات حساسة للأملاح مثل البرتقال، في حين يتحمل النخيل والبرسيم التركيز العالي للأملاح.
 
يختلف تركيز الأملاح في المياه الجوفية باختلاف المواد الصخرية؛ إذ إن بعضها يتكون من معادن قابلة للذوبان، وبعضها يتكون من معادن غير قابلة للذوبان. ويتبين من (جدول 23) اختلاف نوعية المياه الجوفية في حوض وادي العقيق، ويتضح أن أقل قيمة لمجموع المواد الصلبة الذائبة تساوي 286ملجم / لتر، في حين أن أعلى قيمة تساوي 4812ملجم / لتر. وقد وجد أن نحو 42% من العينات يقل تركيز الأملاح فيها عن 1500ملجم / لتر، في حين وجد أن نحو 21% من العينات يزيد تركيز الأملاح فيها على 4000ملجم / لتر. ويتضح من (جدول 24) اختلاف تركيز الأملاح في حوض وادي الصفراء، إذ يراوح تركيز الأملاح بين 318 و 4676 جزء / مليون. إذًا تركيز الأملاح أقل في الأجزاء العليا من الوادي، ويزداد باتجاه الأجزاء السفلى.
 
يظهر التحليل الكيميائي لعينات المياه في حوض وادي الصفراء أن أيونات الكلوريد والكبريتات والصوديوم والكالسيوم موجودة بتركيز عالٍ، وخصوصًا في الأجزاء السفلى من الوادي، ما يحد من استخداماته للأغراض المنـزلية ولري النباتات قليلة ومتوسطة المقاومة للأملاح. تركيز الكلوريد في عينات الأجزاء السفلى من الوادي تراوح بين 723 و 1747 جزء / مليون. ويزيد تركيز الكلوريد في الأجزاء السفلى من الوادي على 1000 جزء / مليون ما عدا عينة واحدة. ومن المعروف أن نسبة ادمصاص الصوديوم (SAR) تعد من أهم الخواص الأيونية لمياه الري التي تحددها العلاقة بين أيونات الصوديوم والكالسيوم والمغنسيوم. وتزداد نسبة ادمصاص الصوديوم في حوض وادي الصفراء من 1.1 في الأجزاء العليا إلى 9.9 في الأجزاء السفلى من الحوض. وعلى الرغم من أن نسبة ادمصاص الصوديوم منخفضة نسبيًا إلا أنه لارتفاع تركيز الملوحة في الحوض، فإن درجة خطورة الصوديوم في وادي الصفراء تكون متوسطة إلى عالية. ويدل التركيز العالي للكالسيوم والمغنسيوم في معظم العينات على عسر الماء في الوادي؛ والمقصود بعسر الماء هو فقدان الماء لقدرته على إذابة الصابون. ويعد الماء عسرًا إذا زاد تركيز أملاح الكالسيوم والمغنسيوم على 150 جزء / مليون  
 
تستخرج المياه الجوفية في منطقة المدينة المنورة منذ القدم من خلال حفر آبار في الطبقات الخازنة للمياه. فقد تميزت المدينة المنورة وينبع والعلا وخيبر والعيص عبر التاريخ بكثافة الاستقرار السكاني وأهمية الأنشطة الزراعية والتجارية لسكانها تؤكدها الشواهد التاريخية والأدلة الأثرية. ولا تزال كثير من الآبار القديمة باقية في مواقعها، شاهدة على أهمية المياه الجوفية واستخدامها في سد احتياجات الإنسان من الماء لأغراض الشرب وري المزارع في ذلك الوقت. ويذكر ياقوت الحموي   عددًا من هذه الآبار؛ منها بئر أريس (الخاتم) وبئر بضاعة وبئر جمل وبئر ذروان وبئر رومة  وبئر عروة وغيرها. وتقع في الشمال الغربي من المدينة المنورة قرب وادي العقيق، وتبعد عن المسجد النبوي الشريف مسافة خمسة كيلومترات تقريبًا. وقد حض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على بذلها للمسلمين لسد حاجتهم من المياه. وقد اشتراها عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وجعلها في سبيل الله، وتسمى بئر عثمان، وبقيت عبر العصور الماضية معلمًا تاريخيًا. ويذكر الفيروزأبادي   المتوفى سنة 817هـ / 1414م أيضًا أن طول (عمق) بئر رومة 18 ذراعًا؛ أي نحو 9م. وتشير إمارة منطقة المدينة المنورة   في موقعها على الإنترنت إلى أن بئر أريس  من الآبار التي لها تاريخ مهم، إذ يذكر في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس على حافتها ودلى رجليه فيها، وتوضأ منها. ويقال أيضًا إن خاتم الخلافة سقط فيها من عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في السنة السادسة من خلافته، ولم يجدوه على الرغم من أن البحث عنه استمر ثلاثة أيام. وكان الخاتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حمله أبوبكر - رضي الله عنه - مدة خلافته، وكذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مدة خلافته، وانتقل إلى عثمان بانتقال الخلافة إليه.
 
شارك المقالة:
325 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook