الناحية الدينية في عصور ما قبل الإسلام بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 الناحية الدينية في عصور ما قبل الإسلام بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية

 الناحية الدينية في عصور ما قبل الإسلام بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
كان الدين من مظاهر حضارة ما قبل الإسلام، وقد عرف العرب في جزيرتهم أغلب المعتقدات، وسيطر الدين الوثني على معظم نواحي الجزيرة العربية، كما عرف العرب قبل الإسلام الديانتين السماويتين المسيحية واليهودية   اللتين بدأتا تتغلغلان بالتدريج في أنحاء الجزيرة منذ النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي، وبدأت تظهر خلال عصر التبابعة في اليمن مؤشرات التحول في العقيدة الدينية اتسمت في البداية بمسحة توحيدية غامضة تبدو متذبذبة بين الديانتين السماويتين (اليهودية والمسيحية)، وربما كانت تعبيرًا عن مذهب توحيدي جديد شبيه بالحنيفية وإرهاصًا لها  .  ومن المرجح أن بعض مناطق عسير قد تأثرت بهذه الديانات.
 
أما الديانة الوثنية فتشير الشواهد الأثرية إلى انتشارها في المنطقة، ومنها بقايا معبد الصنم (ذي الخلصة)  وهو من محجات العرب في الجاهلية ومن بيوتها المعظمة  ،  ويقع في أعلى بلدة تبالة من جهة الغرب على قمة جبل يسمى (عرق الطاغوت)، ومن المحتمل أن لعرق الطاغوت نصيبًا من هذا الاسم. وكان المعبد المذكور قد هدم على يد الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي الذي أضرم فيه النار فاحترق  ،  وما تبقى من المعبد هو بقايا مبنى حجري بني بالحجر المصقول نوعًا ما، ولا تزال بعض جدرانه قائمة إلى الآن بارتفاع يصل إلى المترين تقريبًا. ومن أبرز البقايا المعمارية لذلك المعبد خمس حجرات متجاورات، مساحة كل واحدة نحو 4×3م تقريبًا، كما توجد بقايا بناء بعض الحجرات في الجهة الجنوبية وفي الجهة الغربية توجد بقايا بناء تبلغ مساحته نحو 7×4م، وبعض غرف البناء مربعة الشكل، ومن الواضح أنه كان للمعبد حرم محاط بسور دائري لا تزال آثاره ماثلة للعيان  
 
وتشير بعض المصادر إلى أن سكان جرش كانوا ممن عبدوا الأصنام، كما يذكر ابن الكلبي أن الصنم (يغوث) كان من بين الأصنام التي وزّعها عمرو بن لحي على من استجاب لدعوته من قبائل العرب في الجزيرة العربية  ،  ووفقًا لذلك فإن أحد الباحثين يذكر أن الصَّنمَ (يغوثَ) كان موجودًا في أرض اليمن، وكانت تعبده مذحج ومن والاها وأهل جرش  ،  وتصف بعض المصادر الصنم (يغوثَ) بأنه على صورة أسد  ،  ويرى ذلك الباحث أنه كان في جرش أو على مرتفع قريب من هذه المدينة، وأن سدنته كانوا من بني (أنعم) وكانوا في جرش.
 
وتشير بعض الدراسات الألمانية إلى أنه في نحو سنة 2هـ / 623م حدث نـزاع على سدانة (يغوثَ) بين قبيلة مراد وسدنته من بني أنعم، حيث أرادت مراد أن يكون الصنم بينهم وأن تكون لهم سدانته، في الوقت الذي رفض فيه بنو أنعم التنازل عن حقهم في سدانته، فحمل بنو أنعم معبودهم يغوثَ، وحاربوا قبيلة مراد مستمدّين (حسب زعمهم) منه العون والمدد، وفي ذلك أنشد شاعرهم قائلاً:
 
وسـار  بنـا يغـوثُ إلـى مـراد     فنَاجَزْنـــاهُمُ قبــل الصبــاحِ
 
ويقال بأن بني أنعم وسائر عبدة هذا الصنم كانوا يحملون معبودهم معهم في أثناء المعارك التي تنشأ بينهم وبين القبائل الأخرى  ؛  ومن المعروف أن حمل المعبودات في أثناء الحروب أمر شائع بين سكان الجزيرة العربية، وتشير المصادر الآشورية في معرض حديثها عن انتصارات ملوك آشور على الملوك العرب في شمال الجزيرة إلى أنه من بين الأسرى مجموعة من معبودات العرب التي اصطحبوها معهم في معاركهم  ،  كما حملت قريش بعض معبوداتها - ومنها هُبل - أثناء قتالهم المسلمين  
وقد عُثر إلى الشرق من جرش - على بُعد نحو 135كم - على تمثال من الحجر على صورة أسد، يعتقد أن له علاقة بـ (يغوثَ) معبود أهل جرش 
 
ومن المظاهر الحضارية المرتبطة بالناحية الدينية: عادات الدفن، وفي الواقع فإن المقابر (المدافن) تنتشر في كل أنحاء عسير بأنواع كثيرة، وأحجام متفاوتة، وأشكال إنشائية متباينة، وهذا التباين راجع إلى تنوع عادات الدفن، فضلاً عن التطور الزمني الذي مرت به هذه المنشآت الدينية.
 
ومن أبرز المدن التي تحتوي على المقابر: أبها والمراكز التابعة لها، ومحافظة خميس مشيط، ومحافظة بيشة، ومحافظة النماص، ومحافظة بلقرن، ومحافظة أحد رفيدة، ومحافظة سراة عبيدة، ومحافظة تثليث. وتتمثل هذه المقابر في مجموعتين: مقابر أرضية، ومقابر سطحية يتكون بعضها من طابق أو طابقين، وبعضها الآخر من ثلاثة أو أربعة طوابق. وقد شيدت هذه الأنواع من المقابر بالحجر المصقول وسقفت بألواح طويلة وبأحجام كبيرة، وزخرفت بحجر المرو كما طليت بمادة الجص. ومن أبرز أنواع هذه المقابر: تلك المقابر المكتشفة في وادي عياء، ومقابر وادي ترج،  ومقابر بادية آل جمعة في النماص  
 
شارك المقالة:
328 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook