النباتات الطبيعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
النباتات الطبيعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

النباتات الطبيعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
- البان (اليسر، اليسار) (Moringa peregrina) من العائلة البانية (Moringaceae): 
 
شجرة دائمة الخضرة، جذعها أسطواني وأبيض اللون، وغالبًا ما تكون متعددة الجذوع، ويصل ارتفاعها إلى أكثر من 15م، وهي قوسية الأفرع، أوراقها المركبة تتدلى مثل سلاسل خضراء لامعة، وهي عديمة الوريقات. يكاد تاج هذه الشجرة الرائعة يتوارى في موسم الإزهار تحت ملاءة بيضاء مشربة باللون الزهري الزاهي والأصفر الفاقع، وتنظم نسيجها تجمعات أزهار رائعة قطر الواحدة منها نحو سنتيمترين، وبتلاتها مشربة باللون الوردي، ومراكزها مخضبة باللون الأصفر، ورائحتها عطرية زكية تشبه رائحة الورد. ولا تلبث هذه الأزهار أن تتكشف عن ثمار تشبه الثمار القرنية، وطولها نحو 35سم، وتحوي الواحدة منها في المتوسط 15 بذرة بحجم الفستقة، وتكون هذه الثمار في البداية خضراء، ثم تتحول إلى اللون البني الداكن عند النضج. وعلى كل حال فإن العرب قد وصفوا هذا النبات وصفًا دقيقًا من قبل، وقد تم تقديم معلومات ممتازة عن هذا النبات من حيث الوصف والخصائص والتاريخ  
 
العائلة البانية محدودة الانتشار؛ فهي تنتشر في الإقليم المداري وشبه المداري في شريط يمتد من إفريقية إلى غرب الهند مرورًا بجزيرة العرب، وهي عائلة صغيرة ليس لها إلا جنس واحد، ولها اثنا عشر نوعًا  ،  وجميعها أشجار. وهذه الأنواع لا ينتشر منها في جزيرة العرب بشكل طبيعي إلا نوع واحد هو البان، ويذكر العلماء أن شجرة البان استوائية الأصل، وفي المملكة العربية السعودية يعد هذا النبات واسع الانتشار، وتتشكل تجمعاته على السفوح والمنحدرات الوعرة التي يصعب الوصول إليها.
 
وتكثر هذه الشجرة في المناطق الشمالية الغربية، والغربية الوسطى من المملكة  .  تتكاثر هذه الشجرة بالبذور، والبذور ليس لها فترة كمون، فهي تنبت مباشرة بعد نضجها إذا تهيأت لها الظروف، ويتكون لهذه النبتة بادرة قوية شديدة المقاومة للظروف البيئية الصعبة وفي مقدمتها الجفاف، وتتحمل هذه البادرات الجفاف الشديد حتى 5% من الرطوبة في التربة. وشجرة البان بطيئة النمو تحت الظروف القاسية لكنها تتحمل وتنمو لتعمر عشرات السنين، ونموها سريع عند زراعتها تحت ظروف جيدة، وتنتج الثمار بعد زراعتها بثلاث سنوات، ولهذه الشجرة مجموع خضري كبير، لكنه يعد صغيرًا جدًا مقارنةً بمجموعها الجذري، ولهذا الجذر قدرة هائلة على تصديع الصخور وشق طريقه عبرها بحثًا عن الماء مهما كانت درجة صلابة هذه الصخور، وهو في ذلك يبتعد عن أصل الشجرة عشرات الأمتار.
 
تعد هذه الشجرة من الأشجار المهمة جدًا في البيئة المحلية والعالمية، فهي النوع الوحيد من عائلتها الممثل في بلادنا كلها، وهي ذات مدى جغرافي واسع محليًا؛ إذ تظهر ضمن المشهد النباتي على ارتفاعات تفوق 1900م فوق سطح البحر، وأحيانًا تظهر على ارتفاع لا يتعدى بضعة أمتار عن سطح البحر. وهذا يعطيها أهمية بيئية كبيرة، ويزيدها أهمية ما تتميز به من خصائص في مجموعها الخضري، وكذلك الجذري؛ فحجمها الكبير وعلوها يعد مسكنًا وملاذًا لعدد من أشكال الحياة البرية وفي مقدمتها الطيور، وأزهارها العطرية الجذابة تعد مزارًا ومصدر رزق لكثير من أشكال الحشرات، وفي مقدمتها النحل. كما أن أزهارها وثمارها  وأوراقها الغضة تجذب قطعان الجمال بشكل لافت للنظر، حتى إنها تتجشم الصعاب في سبيل الحصول عليها، كما أن المعز تهيم بأكل أغصان هذا النبات وأزهاره  ، ويقبل الأطفال بشغف على امتصاص الرحيق الذي له مذاق سكري عطري في الوقت ذاته. وجذور هذا النبات التي تفلق الصخر العنيد تجعله قابلاً لاحتضان ترسبات التربة التي لا تلبث أن تصبح بيئة إضافية للكائنات الحية، المجهرية منها أو الحشرية، حتى أنواع القوارض. ويشوي السكان المحليون هذه الجذور عندما تكون النبتة غضة في الشهرين الأولين من عمرها، فيجدون فيها مذاقًا حلوًا وغذاءً مفيدًا عند الحاجة. أما خشب هذه الشجرة فكان السكان المحليون قديمًا يستخدمونه في بناء بيوتهم التقليدية، وفي صناعة أدواتهم المنـزلية والزراعية، وذلك لمقاومة هذا الخشب للآفات الحشرية وبخاصة النمل الأبيض. وهذا الخشب إلى جانب ذلك يجمع بين الصلابة وخفة الوزن نظرًا إلى كثرة أليافه، ولغزارة تشابكها ولجمالها - لونًا ورقة أغصان - تأثير على الإنسان العربي، فبدا ذلك الأثر في كثير من موروثه الشعري، وفيه يشبه الغواني الحسان بهذه الشجرة أو أجزاء منها، ومن ذلك قول جميل بن معمر شاعر الحب العذري الذي نشأ بوادي القرى المسمى حاليًا بـ (وادي العلا) المشهور بكثرة أشجار البان فيه مادحًا محبوبته بثينة:
 
صيـود كـغصن البـان مـا فوق حقوها     ومــا  تحتــه منهــا نقًـا يتقصـف
ونستدل على الأهمية البالغة لهذه الشجرة من خلال عثور علماء الآثار على بذورها ضمن المقتنيات الثمينة التي حفظها الفراعنة في قبور موتاهم، واحتفاظ أولئك القوم ببذور هذه الشجرة يبرره ما بها من خصائص؛ فمحتواها من الزيت النباتي كبير جدًا، وقد تواترت التقارير من مختلف الباحثين بأن أكثر من نصف وزن بذرة النبات زيت   وقد عرف الفراعنة هذه البذور وأطلقوا عليها اسم (بيك)، وكان لها عندهم استخدامات طبية كثيرة  ،  واستخرجوا منها الزيت، واستخدموه في مستحضرات التجميل، والعطور، والحقن الشرجية، ويستخدم على شكل نقط في الأذن لتحسين السمع، كما استخدمه العرب في خلطات الطيب، ولا يزال الزيت المستخرج من هذه البذور الذي يسميه السكان المحليون (سمن البان) سلعة تجارية رائجة في الأجزاء الشمالية الغربية من المملكة منذ القدم وحتى يومنا هذا. ويستخدمه السكان المحليون في منطقة المدينة المنورة وبقية أجزاء المملكة الشمالية الغربية في غذائهم منفردًا أو مضافًا إلى الدقيق، فيصنع منه خبز خاص، أو يضاف إلى الأرز حين طهيه، وفي العصر الحديث يضاف إلى الفول وإلى خضار السلطات عوضًا عن زيت الزيتون. وبهذا الزيت يستطب الناس في بعض النواحي، فيدخلونه ضمن وصفات علاج الجرب في الحيوانات، ويعالجون به بعض أمراض الجلد، والروماتزم، وعرق النسا، ويستخدم مسهلاً، أما المتبقي من البذرة بعد استخلاص الزيت فيضاف إلى علف الحيوانات.
ولاستخلاص هذا الزيت طرق تقليدية وعلمية  .  وفي مناطق الشمال الغربي من المملكة - بما فيها منطقة المدينة المنورة - تقوم النساء باستخلاص الزيت من البذور المقشرة بغليها على نار هادئة في ماء عذب لفترة تراوح بين 8 و 10 ساعات، فينفصل الزيت عن بقية أجزاء البذرة، ثم يترك ليبرد؛ فيتجمع الزيت طافيًا على سطح الماء، ومن ثم يجمع يدويًا في إناء آخر، ويعبأ في زجاجات، ويحتفظ به في مكان مظلم لإطالة مدة خزنه.
 
وقد استحوذ هذا النبات على اهتمام الباحثين في العصر الحالي لما لمسوا من خيراته، حيث قاموا بدراسات تشريحية، وتحليلية، وصيدلانية، وكيميوحيوية على أجزاء من المجموع الخضري من نباتات البان النامية بجبل الرمث إلى الغرب من المدينة المنورة  
 
وفي دراسة مقارنة للخصائص الفيزيائية والوظيفية لكل من بروتينات البان وفول الصويا وُجد أن دقيق المورنقا أغنى بالبروتين من دقيق فول الصويا   وثبت أن زيت البان يفوق زيت فول الصويا من حيث القيمة الغذائية. هذا من الناحية الغذائية  ،  بيد أن كنوز هذه الشجرة لا تنتهي، فمجروش بذور البان يصفي المياه، ويزيل منها العكارة بسرعة مذهلة   ولهذا النبات فوائد أخرى، ومنها زراعته بوصفه مصدات للرياح، ونبات سياج وزينة في الحدائق، ونبات أزهار يربى عليه النحل، وينتج من بذوره زيت البان الذي بدوره يمكن أن يحسن وينتج بشكل تجاري على أنه زيت غذائي نباتي صحي، ويستخدم بمفرده أو في صناعة الأغذية، والأدوية، ومستحضرات العطور والتجميل، والمواد المنظفة، كما يمكن استغلال أخشاب البان في صناعة الأدوات المنـزلية والأثاث بشكل تجاري.
 
يعد إكثار هذا النبات من الضروريات البيئية قبل الاقتصادية، فهو على الرغم من أن مداه الجغرافي واسع في المملكة العربية السعودية، إلا أن أعداده قليلة، فقد دلت الدراسات أن أعداد أشجار البان في المملكة كلها لا تتعدى 120 ألف شجرة، 70% منها تنمو في الشمال الغربي من المملكة وفي الجنوب الغربي منها.
 
- البشام (بلسم) (Commiphora gileadensis) من العائلة البخورية (Burseraceae): 
 
هي شجيرة عطرية معمرة، ترتفع نحو ثلاثة أمتار تقريبًا، وتقف على ساق أملس يغلب عليه العوج، ولونه أصفر أو أبيض، وتكسوه أحيانًا قشور رقيقة شبه شفافة، وتكون أغصانها في السنة الأولى من نمائها أسطوانية مستقيمة ملساء، بنية محمرة اللون، وإذا تقادم عليها الزمن تثنت وأصبح لونها أصفر وبه خضرة.
 
أوراق البشام قصيرة مقوسة الأطراف، وتتكون من ثلاث إلى خمس وريقات أكبرها التي في الوسط، وأزهارها صغيرة متوجة بأربعة فصوص وردية أو مشربة بحمرة خفيفة، وقبل أن تذبل تصبح حمراء، وثمارها بيضوية بحجم حبة الحمص الصغير تقريبًا، وعند نضجها تتخذ اللون الأحمر الباهت أو الوردي، وعليها أربعة خطوط طولية بيضاء مصفرة، وعند النضج تنفلق إلى أربعة فصوص تتكشف عن بذرة واحدة بيضاء مغلفة بلب برتقالي اللون  . 
 
شجيرة البشام واسعة الانتشار في القطاع الغربي من المملكة، وعلى الأخص جبال الحجاز ومنطقة المدينة المنورة، كما أن بيئاتها المناسبة ترتفع حتى 1500م فوق سطح البحر، وأجود ما تكون بين 500 و 800م فوق سطح البحر، وتفضل سفوح الجبال والمنحدرات الصخرية، ولا تفضل بطون الأودية
 
تتكاثر هذه الشجرة بالبذور، وأعدادها متناسبة مع كمية بذورها في الطبيعة، وأجيالها الجديدة تلاحظ بشكل واضح. وقد تنتشر عن طريق تغذية الطير على ثمرتها، ومن ثم تنتقل البذرة في القناة الهضمية للطيور، وبعد إخراجها تكون جاهزة للإنبات، وهي تعمر طويلاً، وبالإمكان إكثارها عن طريق العقل من الأقلام الصغيرة المأخوذة من الأغصان الحديثة.
تكاد شجيرة البشام أن تكون عنوانًا لجبال السراة والحجاز، وعلى الأخص الجزء الخاص بمنطقة المدينة المنورة، وفي الحديث: "أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: يوشك أن يكون خير مال المسلم شاء بين مكة والمدينة ترعى فوق رؤوس الظراب، وتأكل من ورق القتاد والبشام"  .  وفي ذلك دلالة على أن هذين النباتين أشهر النباتات فيما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، فهي معلم بيئي لهذه الأصقاع. تقبل الطيور على أكل ثمارها وهي غضة، كما كان الرعاة يقبلون على أكلها، وربما مضغوها لإذهاب الشعور بالعطش، وفي جبل الفقرة يقبل النحل على أزهارها فيصح وينشط، وتشم رائحته العطرية في خلاياها. والبشام مرعى جيد ومحبب للأرانب، والوبارة البرية، والقطا، والحجل، والقهب، ويقوم أهل الفقرة بالقرب من المدينة المنورة بتجفيف هذه الثمار ثم تدق لتنعم، ويكتحل بمسحوقها فتجلي العين وتحد النظر، وأغصانها المستقيمة الطرية تتخذ سواكًا فتطهر الفم وتجلو الأسنان، ويطيب الماء وآنيته بوضع الأغصان الغضة المورقة بها، كما يطيب بها مشروب الشاي، فتكسبه نكهة خاصة، ويشرب مستخلصها ترياقًا سريعًا يبطل مفعول سموم الثعابين القاتلة، ويشرب لعلاج أمراض المعدة. وفي ناحية بدر والمسيجيد بمنطقة المدينة المنورة يقومون عند الظهيرة بإحداث جروح في سيقان وأفرع هذه الشجيرة فتفرز سائلاً شفافًا عبق الرائحة، ويجمعونه في زجاجات صغيرة، ويسمونه (البيلسان)، فيبيعونه بأثمان مجزية. وفي بعض نواحي منطقة المدينة المنورة يصنع من لحائها مشروب يشبه الشاي في اللون والطعم، كما أنهم يخلطون مسحوق هذا اللحاء مع مسحوق لحاء السدر، ويتم عجنهما، ودهن بطون خلايا النحل فيبث رائحة عطرية جميلة تجذب النحل ليستوطن هذه الخلايا. كما كانوا يصنعون من أعواد البشام الكبيرة الأقداح، والأصواع، والملاعق، وكؤوس الحجامة، والهاون الخشبي (الميجن)، وذلك لقوة عوده وخفة وزنه. وفي وقت المجاعات يأكل الناس أوراق هذه الشجيرة، "وأن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق البشام، حتى قرحت أشداقنا"  
 
ولهذا النبات ومنتجاته الطبيعية استعمالات أخرى كثيرة عند سكان المناطق الأخرى غير منطقة المدينة المنورة؛ ففي منطقة الباحة يستخدمون مغلي أعواد البشام لمعالجة الربو، وربما أفرزت الشجيرة سائلاً لزجًا وشفافًا من تلقاء نفسها، ويتجمع متجمدًا بعد خروجه، فيتخذه الناس لبانًا يستحسنون مضغه، وبخورًا لملابسهم ومنازلهم كما في تهامة خثعم بمنطقة عسير، وفي نواح من تهامة عسير وبني عمر يجعلون أعواده بين طبقات اللحم المحنوذ فيطيب طعمها ويمنعها من الالتصاق، وفي جبل شدا بمنطقة الباحة يبخرون آنية اللبن بأعواد البشام القديمة فيضفي على اللبن طعمًا ونكهة. وفي جبل فيفا بمنطقة جازان، وبناحية رجال ألمع بمنطقة عسير، يجرس زهره نحل العسل، وينتج منه عسلاً خفيفًا خاصًا، وفي نواحي سراة بني عمر بمنطقة عسير، تبخر خلايا النحل بأعواد البشام فيطهرها ويقتل قرادة النحل الضارة ويصح عليه النحل. وعلى العموم فهذا النبات جدير بالدراسة والاهتمام، والكشف عن كنوزه، كما أنه نبات سياج ممتاز ونبات زينة، وصيدلية نباتية يمكن للإنسان اقتناؤها في حديقة منـزله أو في حدائق مدينته، ولقدرته الممتازة على مقاومة الآفات واحتياجاته المائية القليلة، فهو نبات اقتصادي ومريح في صيانته وبخاصة في بلاد مثل بلادنا مواردها المائية شحيحة، وبيئتها قاسية
 
- الجعدة (Teucrium polium) من العائلة الشفوية (Labiatae): 
 
الجعدة شجيرة معمرة وصغيرة، وكثيفة الأغصان والأوراق، ولونها أخضر رمادي، وترتفع حتى 45سم، وأزهارها صغيرة، صفراء فاقعة اللون، وطولها 4مم، محمولة على رؤوس قصيرة ومفلطحة، وتتخذ شكلاً مخروطيًّا مع التقدم في الفصل، ورائحتها مثل غيرها من الشفويات عطرية لكنها قوية، وتزهر في فصل الصيف  
 
تنتشر هذه النبتة في الأجزاء الشمالية من مرتفعات الدرع العربي غرب المملكة بداية بمنطقة تبوك حتى ميسان بالحارث، على بعد نحو 100كم جنوبي الطائف، وهي واسعة الانتشار في منطقة المدينة المنورة، في جبلي الفقرة وورقان وجبل قدس وصبح على ارتفاعات تنحصر بين 900 و 1800م فوق سطح البحر  .  وتفضل الأرض الحصوية والصخرية حيث تكون بين شقوقها.
تتكاثر هذه النبتة عن طريق البذور، وهي سريعة النمو، خصوصًا عندما تكون الظروف مناسبة، وتسهم الطيور في نقل بذورها، وكذلك الرياح والمياه الجارية.
 
الجعدة - بكل أنواعها - مثل غيرها من أنواع العائلة الشفوية من معطرات الطبيعة والسفوح التي تنمو عليها؛ لكثرة الزيوت العطرية وطبيعتها التي تفرزها من جميع أجزائها. وكان الناس بمنطقة المدينة المنورة يشربون مغلي الجعدة لمعالجة أمراض الصدر، وللتخلص من المغص في البطن ومن الصداع، كما تستخدم بطريقة الغرغرة عند التهاب الحلق، ويضيفونها للشاي فتكسبه طعمًا خاصًا. وتقبل على أزهارها الحشرات وفي مقدمتها النحل، وتتغذى عليها حيوانات المرعى فتفيدها غذائيًا وصحيًا، وتحشى بها الوسائد لطيب رائحتها، وتوضع مع الثياب والأقمشة لحمايتها من العث، وتفترش، وتبخر بها البيوت لتطييبها  .  وتستخدم أيضًا نبتة زينة في الحدائق العامة والخاصة، بالإضافة إلى أنها نبتة طبية واقتصادية يحسن تنميتها واستغلالها مع المحافظة عليها.
 
- الجليل (الضرم الثمام) (Panicum turgidum) من العائلة النجيلية (Gramineae): 
 
الجليل عشبة معمرة ارتفاعها 100سم، متزاحمة الأعواد، وأعوادها أسطوانية ملساء مفرغة، ومستدقة عند قممها، وبها عقد غليظة، ولها ريزومات جارية تحت التربة تنبت باستمرار مجموعًا خضريًا، وبذلك تتسع المساحة التي يشغلها النبات باستمرار. وأوراقها مثل أوراق الحنطة لكنها أطول وأثخن وأخشن، كما أن لها سنابل مدلاة تشبه سنابل الدخن البري، وتظهر الحبوب متفرقة على هذه السنابل، ولونها بني يميل إلى السواد، وهي أكبر قليلاً من حبوب الدخن، أما جذور الجليل فهي إسفنجية تختزن الماء لوقت الحاجة  
 
عشبة الجليل شائعة في أنحاء كثيرة من المملكة، وهي توجد حتى على ارتفاع 1500م فوق سطح البحر، وهي مألوفة في جبال السراة والحجاز، وتنمو على السفوح وبالذات الرطبة منها وبالقرب من منابع وجداول المياه، وعلى حواف الغدران والعيون، ومن أشهر تجمعاتها تلك التي بوادي خيطان من روافد وادي قنونا في تهامة عسير، وتنتشر بمنطقة المدينة المنورة في الفقرة وجبال جهينة.
 
تتكاثر بالبذور والريزومات، ويسهل نقلها كاملة مع مجموعها الجذري وإعادة زراعتها، وتنتقل بذورها عن طريق الحشرات التي تتغذى عليها وتجمعها كالنمل، والطيور. ونمو هذه العشبة سريع، وتعمر لفترات طويلة، وتظل مستعمراتها في ازدياد عندما تكون الظروف مناسبة، كما أنها تصبر على الجفاف أكثر من غيرها من الأعشاب بما تتميز به من قلة نتحها للماء، وطبيعة جذورها التي تعد خازنة له.
 
تشكل عشبة الجليل عنصرًا بيئيًا نباتيًا مهمًا من عناصر البيئة؛ فهي مثبتة جيدة للتربة نظرًا لطبيعة نمو مجموعها الجذري والخضري، وهي مأوى للحيوانات البرية، مثل: الأرانب، والوبارة البرية، وأشكال أخرى من القوارض والطيور، وعدد من الزواحف والحشرات، وتقتات أشكال من النمل والطيور على بذورها. وفي منطقة المدينة المنورة يمضغ الناس من أهل الفقرة وجهينة جذور الجليل المكتنـزة، أو يشربون نقيعها طلبًا للشفاء من مرض يسمونه (خلف الطعام)، وهو ألم وحرقة في المعدة، فينتهي الألم بسرعة، ويعرف الجليل في هذه الأنحاء بـ (بالضَّرَم) بفتح الضاد مع تشديدها وفتح الراء، ولعل ذلك نابع من أنهم يستخدمون الجاف منه في إضرام النار، ولا يعرفونها بغير هذا الاسم. وللجليل استخدامات أخرى في أمكنة وجوده، ففي الجزء الجنوبي من جبال السراة وتهامة يستخدم الجليل مكونًا من مكونات أسقف
البيوت التقليدية-
 
الجميز (Ficus sycomorus) من العائلة التوتية (Moraceae): 
 
شجرة الجميزة كبيرة ومعمرة ودائمة الخضرة، ويصل ارتفاعها من 23 - 30م، وتقوم على ساق بيضاء ملساء، وأوراقها كثيفة خضراء كبيرة بمساحة راحة اليد، وتشبه في شكلها ورقة التوت، كما أن ثمرتها أكبر من ثمرة الحماط البري بقليل، وتخرج في تجمعات كثيفة على الساق والأفرع القديمة، تحملها سيقان صغيرة طولها أربعة سنتيمترات، ويتحول لونها إلى الوردي الفاتح إذا نضجت، وربما أفرزت هذه الثمار الدبس في السنوات كثيرة الماء، أما الأغصان إذا جرح عود منها أفرزت سائلاً لبنيًا غزيرًا، لا يلبث أن يجف 
 
تنتشر هذه الشجرة عند الارتفاعات المحصورة بين 600 و 1500م فوق سطح البحر في تهائم جبال السراة والحجاز وأصدارها، وفي بطون الأودية وحوافها، وبالقرب من الينابيع ومجاريها، والمياه الجوفية القريبة من السطح. وأعدادها تزيد كلما اتجهنا جنوبًا في هذه الجبال، وتنتشر إلى الغرب من المدينة المنورة، في المواقع البيئية المناسبة لها.
 
تتكاثر هذه الشجرة بالبذور، وعلى الرغم من الإنتاج الهائل من الثمار الذي تطرحه هذه الأشجار إلا أن جميع الأشجار التي شوهدت كبيرة جدًا وقديمة العهد، وقلما تجد شجرة منها يافعة، وتظل تزيد في الحجم حتى تبلغ أحجامًا هائلة، وتمتد أفرعها الكبيرة أفقيًا ورأسيًا، حتى تشكل الواحدة منها دوحة نباتية عظيمة، وتعمر مئات السنين.
 
تشكل هذه الشجرة كغيرها من الأشجار النادرة أهمية بيئية مميزة، لخصوصيتها وخصوصية بيئاتها، فهي دليل على وجود الماء بالمكان، وشامة خضراء جميلة وعظيمة على خد الصحراء، حجمها وظلها وعمرها المديد وثمارها الكثيرة تعد بيئة كاملة للحيوانات الفطرية؛ ففيها السكن وفيها الحماية من عوادي الطبيعة وهجير الشمس وفيها الغذاء، فتقبل أنواع من الطيور والقوارض وحتى الأغنام بنهم شديد على أكل ثمارها، فيما أن الناس كانوا في وقت المحل (الجدب) يأكلون ثمارها وربما تسابقوا عليها  ،  كما روي أن بعض أهل جهينة من منطقة المدينة المنورة يسمون هذه الثمار (العجر). ويشكل ظلها الوارف محطة استراحة وملجأ للإنسان من هجير الشمس، وقد يستظل مئتا شخص بظل شجرة واحدة من أشجار الجميز، لذلك كان الناس يتابعون بادرات هذه الشجرة ثم يقتلعونها ليستزرعوها على أطراف مزارعهم وأفنية بيوتهم.
 
- الخزم (Dracaena ombet) من العائلة الدراسينية (Dracaenaceae): 
 
الخزم شجرة معمرة مظلية الشكل، ارتفاعها خمسة أمتار، وعرض تاجها ستة أمتار، ساقها أملس رمادي اللون ثخين ليفي ومتشعب إلى عدد من الفروع، وأوراقها سيفية مستقيمة طولها متر واحد، وعرضها نحو 5سم، تنبعث في شكل شعاعي مشكلة رأسًا شعاعي الشكل، والحديثة منها تكون منتصبة إلى أعلى، والقديمة تتدلى إلى أسفل، وتصفر ثم تجف، وتبقى معلقة بالشجرة زمنًا طويلاً، وينبعث من وسط هذا الرأس شمراخ كبير يصل طوله إلى 1.5م، ويتفرع إلى فروع كثيرة تحمل الأزهار. والأزهار وردية فاتحة عرض الواحدة منها 6مم، ولها رائحة زكية وخفيفة، تتفتح في أوائل فصل الصيف خلال النهار. والثمار كروية بحجم الحمصة الصغيرة، تتخذ عددًا من الألوان أثناء مراحل نضوجها، فتكون خضراء، فصفراء، فبرتقالية غامقة أو حمراء، فبنية ثم سوداء، عندها تنفلق الثمرة عن بذرة أو اثنتين أو ثلاث  
تعد شجرة الخزم من حيث نموها في مناطق متعددة من المملكة واسعة الانتشار، لكنها في الحقيقة توجد في كل منطقة في تجمعات قليلة ومحدودة، وربما كان للقطع الجائر دور في تدهور تجمعاتها، بل واختفائها من كثير من بيئاتها الطبيعية بالمملكة؛ ما جعلها ضمن الأشجار النادرة محليًا. ومن أهم مناطق انتشارها جبال السراة والحجاز على ارتفاع ينحصر بين 1100 و 1800م فوق سطح البحر، ومنابتها المفضلة حاليًا السفوح الصخرية الجرداء. ولقد اشتهرت الجبال الواقعة جنوب غرب وغرب منطقة المدينة المنورة بأنها منابت لشجرة الخزم، ويذكر كبار السن أن هذه الشجرة كانت تشكل أجمات كبيرة وكثيفة تغيب فيها الأغنام والجمال، ولربما فتكت بها الضواري دون علمهم. والآن توجد أشتات منها بجبل ورقان، وقدس، والأجرد، وديار بني كلب من جهينة
 
تتكاثر هذه الشجرة المعمرة جدًا عن طريق البذور، ومع الأسف فالأجيال الجديدة منها نادرة، والمشاهد منها معمر، وقلما تجد نبتة حديثة العمر نموها بطيء جدًا، ويروي الكبار في السن بنواح من منطقة المدينة المنورة أن أشجارًا من هذا النبات لم يزد النمو فيها على الشبر الواحد منذ سبعين عامًا، وهذا يدل على أن هذه الشجرة كي تصل إلى كامل حجمها تحتاج إلى مئات السنين، وهي متحملة للجفاف بشكل ممتاز. وتعد شجرة الخزم من نباتات الزينة الطبيعية، تزين السفوح التي تنمو عليها، سواء بشكلها العجيب، أو بشمراخها الزهري المتفرع الذي يسمو عاليًا حاملاً جواهره الوردية الجميلة، التي تتنقل في الدرجات اللونية فترة طويلة من السنة، وهي - إلى جانب ذلك - أحد أعلام البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية في بلادنا، كما أن النحل ينتج من أزهار الخزم عسلاً كثيرًا أبيض اللون. وتشكل بذورها غذاءً لعدد من أنواع الطيور مثل: الحَجَل والغربان والقهب واليحموم والضوعي، ويأكل الرعاة أصول الأوراق الحديثة، وفي منطقة المدينة المنورة يأكلون الشمراخ الزهري وهو في شهره الأول، ويسميه أهل ورقان وقدس والأجرد (العرموز) والثمار الخضراء عندهم تعد غذاءً جيدًا للجمال لكنها تضر بالأغنام، ولكثرة الألياف في هذه الأوراق يصنعون منها الحبال، وتجوف الجذوع فتكون خلايا نحل ممتازة، ويصنعون منها كذلك المقاعد والمتاكي، ولا يزالون يستخدمونها حتى اليوم  
 
الخزم نادر ومهدد بالانقراض، وقد انقرض تمامًا من جبال الفقرة بالقرب من المدينة المنورة، وكذلك من كثير من المواقع في جبال بواط، والكويرة، والأجرد بديار جهينة، بعد أن كان يسير الرجل في ظله بين جبلي الصميمة والأجرد نحو يوم كامل لا تبدو عليه الشمس إلا نادرًا. ويقولون إن الخزم عندهم كان عظيمًا في حجمه وظله، وإن الواحدة منها كانت تظل نحو مئتي رأس من الغنم، لكن مرضًا شبيهًا بسوسة النخيل أهلك الغالبية العظمى من هذه الأشجار، وكان ذلك في عام 1395هـ / 1975م  .  وفي مواقع أخرى حيث توجد القرود نجد أن هذه الشجرة تواجه خطرًا من نوع آخر، فلكثرة هذه القرود بشكل غير طبيعي، ولندرة الغذاء الطبيعي لها في مواطن هذه الشجرة نجدها تنبش الطبقات الخارجية لجذع هذه الشجرة لتصل إلى لبها وهو جمار يشبه جمار النخلة وتتغذى عليه بشراهة؛ ما يؤدي إلى موت الشجرة  
 
شارك المقالة:
310 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook