النشاط السياسي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
النشاط السياسي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

النشاط السياسي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
يبدو أن منطقة عسير كانت تخضع للظروف السياسية السائدة في ممالك الجنوب، ولِمَا كان يحدث بين تلك الممالك من حروب ومنازعات، وكان من آثار الصراع بين تلك الممالك المشار إليها، أن اتسعت مملكة سبأ حتى شملت - في القرن الثالث الميلادي - معظم أجزاء الجنوب الغربي وهي: نجران، وعسير، وحضرموت، وبلاد اليمن الحالية  .  ومن الواضح أن العلاقة بين سكان منطقة عسير وممالك الجنوب كانت بين مد وجزر، ولم تكن قاصرة على هذه الفترة، بل سبقتها بقرون، حيث أكدت الدراسات الأثرية التي أجريت في بعض المواقع الأثرية في منطقة عسير - ومنها موقع جرش الأثري - وجود عدد من فترات الاستيطان البشري لما قبل الإسلام، يعود أسبقها إلى القرن الأول الميلادي، وحدّد بعضها الآخر بالعام 280م، وبالعام 510م  
 
ومن المرجح أن منطقة عسير قد شهدت تكوينًا سياسيًا مستقلاً، أصبحت فيه القبيلة - إلى جانب وظيفتها الاجتماعية - وحدة سياسية تتصرف بوصفها كيانًا سياسيًا قائمًا بذاته، سواء في أمورها الداخلية أو في علاقاتها مع الكيانات السياسية أو التحالفات القبلية فقد وحدت القبائل بوصفها وحدات اجتماعية في كل أرجاء شبه الجزيرة العربية،. ويبدو أن ممالك الجنوب ظلت تتعامل مع القبائل الواقعة إلى الشمال منها - ومنها قبائل منطقة عسير - بسياسة القوة تارة، وسياسة اللين تارة أخرى. ففي بعض نقوش العصر السبئي الثالث   - أي عصر (مملكة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة)، إشارة إلى بعض قبائل عسير  ،  وإلى بعض المواضع والأمكنة التي تقع الآن في نطاق منطقة عسير  .  وقد ورد ذكرها في أثناء تسجيل ملوك سبأ انتصاراتهم على القبائل في تلك المناطق. وقد دأب ملوك اليمن في بعض الفترات التاريخية في تجنيد بعض القوات المساعدة لدى قبائل البادية لكي تسمح لهم بالتدخل في الصحراء ربما لتوسيع رقعة السيطرة السياسية أو تأمين قوافل التجارة وتأديب القبائل التي كانت تغير عليها. وقد آتت هذه السياسة ثمارها في منتصف القرن الخامس عندما مدت حِمْيرُ نفوذها على أرجاء جنوب الجزيرة العربية كلها  ،  واستمر ذلك حتى قضى الأحباش على استقلال حِمْير عام 525م  
 
ومن المؤكد أيضًا أن منطقة عسير كانت مسرحًا للتدخلات الأجنبية في المنطقة، ومنها: حملة (اليوس جاليوس) حاكم مصر من قِبل الرومان التي كانت في عام 24 أو 25 ق.م  ؛  من أجل السيطرة على التجارة العربية، وسارت الحملة حتى وصلت إلى نجران، ولكنها فشلت في تحقيق أهدافها؛ ما أدى إلى إبقاء السيطرة العربية على طرق التجارة البرية التي تربط بين الجنوب والشمال. ومن المؤكد أن هذه الحملة قد اصطدمت ببعض قبائل عسير آنذاك سواء في قدومها إلى جنوب الجزيرة، أو في أثناء عودتها، وهي تجر أذيال الفشل والهزيمة.
 
وتعرضت المنطقة لتدخل أجنبي آخر عن طريق الأحباش الذين قضوا على استقلال الدولة الحِمْيرية عام 525م. ومن المؤكد أنه قد جرى على أرض عسير بعض من معارك الأحباش في سبيل تدعيم سلطانهم في الجزيرة العربية؛ ففي منطقة تثليث وبالقرب من بئر (مريغان) سجل أبرهة نقشًا مؤرخًا في سنة 547م،  أشار فيه إلى ثلاث حملات قادها على بعض القبائل العدنانية وتحديدًا على قبيلتي معد وبني عامر. استخدم أبرهة في حروبه هذه بعض قبائل المنطقة، مثل: مراد، وسعد العشيرة، وعلي  .  وهذه القبائل جميعها كانت تسكن منطقة تثليث قبل ظهور الإسلام  .  ومن المعلوم أن تثليث وغيرها من بلاد عسير كانت مسرحًا لعدد من هجرات القبائل اليمنية التي خرجت باتجاه الشمال، خصوصًا بعد انهيار سد مأرب، وقد استقر بعض هذه القبائل في مناطق عسير، في حين واصل آخرون مسيرتهم إلى مناطق أخرى كثيرة من جزيرة العرب.
 
قبل ظهور الإسلام بفترة عانت قبائل عسير تدخل الأحباش في المنطقة، حيث كانت المنطقة مسرحًا لعمليات أبرهة الحربية في أثناء حملته المشؤومة على مكة المكرمة. وتشير الروايات العربية   عن هذه الحملة إلى أن أبرهة اصطدم ببعض قبائل المنطقة ومنها قبيلة خثعم بقيادة نفيل بن حبيب الخثعمي، إذ حاولت خثعم صد أبرهة عن الكعبة ولم تفلح محاولتها وهُزمت وأُسر زعيمها  .  ولا تزال آثار الطريق الذي سلكه أبرهة واضحة في أجزاء من منطقة عسير، وقد اشتهر بدرب الفيل  منذ ذلك الحين، واستخدم في العصر الإسلامي على نطاق واسع وكان يعرف بدرب الحاج اليمني  
 
ومن المظاهر السياسية لقبائل منطقة عسير في فترة ما قبل الإسلام: الأيام التي تعرف بأيام العرب في الجاهلية، فهذه الأيام أو الحروب توضح شيئًا من العلاقات التي كانت قائمة بين العرب وغيرهم من الأمم، مثل: الفرس والروم، وتروي لنا كثيرًا مما كان يقع بين القبائل العربية من نـزاع، وكيف أن نعرات تلك الأيام وضغائنها استمرت حتى بعد ظهور الإسلام  .  وقد وقع على أرض عسير كثير من الوقائع والأيام منها على سبيل المثال: يوم فيف الريح بين بني عامر وبين قبائل من بني الحارثة بقيادة الحصين بن يزيد الحارثي ومن تبعه من قبائل مذحج ومنها جعفي وزبيد، وسعد العشيرة، ومراد، وصداء، ونهد، كما استعانوا بقبائل خثعم بزعامة أنس بن مدركة  ومعظم هذه القبائل كانت تسكن منطقة عسير قبل الإسلام.
 
ومن أيامها أيضًا يوم تثليث بين قبيلة بني سليم بزعامة عباس بن مرداس وقبيلة بني زُبيد وكان رئيسها الصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب الزُّبيدي، وقد وقعت هذه الحادثة في تثليث فسُميت بيوم تثليث. وقد أنشد زعيم بني سُليم في ذلك اليوم قصيدته المشهورة، المعروفة بالمنصفة؛ لأنه أنصف فيها أعداءه، حيث قال في ذلك:
 
لأسماء رسم أصبح اليوم دارسَا     وأقفـر  منها رحرحان فراكسَا
إلى أن قال:
 
سـمونا  لهـم تسـعًا وعشرين ليلة     نجـوب  من الأعراض قفرًا بسابسَا
فلـم  أرَ  مثـلَ الحـيِّ حيًّا مصبحًا     ولا مثلنــا لمَّـا التقينـا فوارسَـا
أكــرَّ وأحــمى للحقيقـة منهـم     وأضربَ منَّـا بالسـيوف القوانسَـا
إذا  مـا شـددنا شـدةً نصبـوا لها     صدورَ  المذاكي والرِّماح المداعسَا  
 
وهناك أيام أخرى كثيرة بين قبائل عسير وبين بعض القبائل المجاورة، وقد استمرت تلك الأيام حتى صدر الإسلام، وصور ذلك عبدالله بن الدمينة الخثعمي في قصيدته المشهورة حيث أشار فيها إلى كثير من هذه الوقائع، ولعل أهمها يوم القاع، وفي ذلك يقول مفتخرًا بقومه خثعم، ومشيرًا إلى كثير من القبائل التي حاربوها:  
 
ويـومَ  القـاع مـن سـفَّان جاءتْ     بَكيـــلُ  وحاشـــدٌ مُتأَلّبينَــا
وجئنــا  فــي مُقدمـةٍ طحـونٍ     لهــا  زجــلٌ يصـمّ السَّـامعينَا
كــأنّ  هديــرَ حملتنـا عليهـم     هديــرُ  النـارِ أشـعلتِ العرينَـا
تَطـايَحُ هــامهم بـالبيض شـتَّى     ونتبعهـــنَّ حـــتى ينثنينَــا
بأســياف ســقتها الجـن ملسًـا     بأيديهـا  وأخــلصت المتونَــا  
 
شارك المقالة:
75 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook