النفاس والتعامل مع النفساء

الكاتب: د. ايمان شبارة -
النفاس والتعامل مع النفساء.

النفاس والتعامل مع النفساء.

الأصل في تعريف النفاس puerperium أنه فترة الولادة وما بعدها مباشرةً، لكن من الشائع إطلاق النفاس على الأسابيع التالية للولادة التي تستعيد فيها القناة التناسلية حالتها الطبيعية التي كانت عليها قبل الحمل. وتحدد هذه الفترة بالأسابيع الستة الأولى بعد الولادة. ومع الوقت تعود القناة التناسلية تشريحياً إلى حالة ما قبل الحمل بحدوث تغيرات بنيوية دائمة في عنق الرحم والمهبل والعجان كانت قد حدثت فيها نتيجة المخاض والولادة، وبعد 6 أسابيع من الولادة أو أكثر بقليل فإن معظم الأمهات واللواتي لا يرضعن إرضاعاً طبيعياً يستعدن التوافق المبيضي النخامي المناسب للإباضة.

انطمار involution السبيل البولي التناسلي

انطمار جسم الرحم: تنقبض الرحم انقباضاً شديداً بعد انقذاف المشيمة مباشرةً ويشعر بها بجس البطن بشكل كرة صلبة (تسمى كرة الأمان) قعرها في منتصف المسافة بين السرة وارتفاق العانة أو أعلى بقليل. ويكون جسم الرحم عندها مؤلفاً بصفة رئيسة من عضلة الرحم مغطاة بالمصلية ومبطنة بالغشاء الساقط القاعدي basal decidua، وتكون الجدر الأمامية والخلفية في وضع قريب من التراكب وتقيس ثخانة كلٍّ منهما 4 ـ5 سم.

وتنزل الرحم في أسبوعين إلى جوف الحوض الحقيقي فلا يشعر بها فوق ارتفاق العانة، ويعود حجمها إلى ما كان عليه قبل الحمل في نحو 4 أسابيع.

تزن الرحم عند الولادة نحو 1كغ، وبعد أسبوع من الولادة ونتيجة لحادثة الانطمار فإن الرحم تزن نحو 500غ، ويتناقص الوزن إلى نحو 300غ في نهاية الأسبوع الثاني من الولادة ثم بعد ذلك إلى 100غرام أو أقل. ولا يتناقص العدد الكلي للخلايا العضلية.

أما غشاء باطن الرحم الذي استحال في أثناء الحمل استحالة ساقطية فيعود في دور النفاس تدريجياً إلى ما كان عليه قبل الحمل، فتتموت طبقته السطحية وتنقذف مع الهلابة وتعود طبقته العميقة لتستر باطن الرحم بالغشاء المخاطي الحاوي الأرتاج الغدية، ويتم ذلك بعد نحو أسبوعين من الولادة عدا مكان ارتكاز المشيمة الذي لا يعود إلى طبيعته قبل ستة أسابيع؛ ما يفسر النزف الذي يحدث أحياناً في هذه الفترة.

المظاهر السريرية للنفاس

1 ـ الحرارة: يُعتقد أن احتقان الثدي engorgement الشائع الحدوث باليوم الثالث أو الرابع للنفاس هو سبب الحرارة. وقيل إن ما يُسمى حمى الحليب هي فيزيولوجية، وربما كان الاحتقان اللمفاوي أو الوعائي ناجماً عن الحمى ولكنه لا يستمر هنا أكثر من 24 ساعة على الأغلب. ويشير أي ارتفاع بدرجة الحرارة في فترة النفاس إلى خمج وخاصةً في مكانٍ ما من السبيل البولي التناسلي.

2 ـ الخوالف afterpains: تميل الرحم في طور النفاس في الخروسات إلى البقاء بحالة تقلص مقوِّ ما لم تبقَ خثرات دموية أو قطع مشيمية أو أجسام أجنبية أخرى في جوف الرحم مما يسبب تقلصات مفرطة المقوية في محاولة لطردها. أما في عديدات الولادة فإن الرحم غالباً ما تتقلص بقوة وبشكل فواصل مما يزيد الإحساس بالألم وهذا ما يُعرَف بالخوالف وقد تكون من القوة بحيث تستدعي تناول المسكنات. وقد تستمر في بعض الأمهات أياماً عديدة وتلاحظ خاصة عندما يرضع الوليد وقد يكون ذلك بسبب تحرر الأوكسيتوسين. وعادةً تنقص شدتها وتصبح معتدلة في اليوم الثالث بعد الولادة.

3 ـ الهلابة (السائل النفاسي) lochiaيحدث في المراحل الباكرة من النفاس طرح مستمر للنسيج الساقطي مما يسبب تدفقاً مهبلياً بكميات مختلفة وهذا ما يدعى بالهلابة التي تتألف مجهرياً من كريات حمر وقطع من الغشاء الساقطي وخلايا ظهارية وجراثيم. توجد العضويات الدقيقة في الهلابة المجموعة من المهبل كما توجد في معظم الحالات حتى في المادة المتدفقة من جوف الرحم، ويكون محتوى الهلابة من الدم في الأيام القلائل الأولى التالية للولادة كافياً لتلوينه بالأحمر بما يدعى الهلابة الحمراء lochia rubra وبعد ثلاثة إلى أربعة أيام تصبح الهلابة أكثر شحوباً تدريجياً وتدعى الهلابة المصلية lochia serosa، وبعد اليوم العاشر وبسبب الاختلاط الواضح بالكريات البيض ونقص المحتوى من السوائل تبدو الهلابة بلون أبيض إلى أبيض مصفر وتدعى الهلابة البيضاء lochia alba وتوحي الهلابة كريهة الرائحة بخمج ولكن لم يثبت ذلك.

قد يبقى اللون الأحمر للهلابة فترة أطول، وعندما يبقى أكثر من أسبوعين فإنه يشير إلى احتباس أجزاء صغيرة من المشيمة أو انطمار غير تام للارتكاز الرحمي للمشيمة أو كليهما.

4 ـ البول: يحدث الإدرار على نحو نظامي بين اليوم الثاني واليوم الخامس حتى لو لم تُعطَ السوائل الوريدية في أثناء المخاض والولادة بكمية كبيرة. ويرافق الحمل الطبيعي زيادة كمية الماء خارج الكلوي، وعلى العكس من ذلك يحدث الإدرار في طور النفاس بسبب زوال الآلية الحابسة للسوائل سواء بزوال فرط الإستروجين المحدث بالحمل أو زوال الضغط في النصف السفلي للجسم.

5 ـ نقص الوزن: هناك نقص أكثر بوزن الجسم عموماً في أثناء النفاس يحدث بصفة رئيسة بسبب فقدان السوائل بعملية التبول كما وُصف آنفاً.

العناية بالأم في أثناء النفاس

1 ـ الانتباه المباشر بعد المخاض: بعد ولادة المشيمة يكون قعر الرحم تحت السرة تماماً ومادامت الرحم بهذه الحالة فإنه لا يوجد خطر من حدوث نزف تالٍ للولادة نتيجة فقدان مقوية الرحم uterine atony، وللتأكد من حدوث هذا الأمر ينبغي أن تجسّ الرحم عبر جدار البطن وبفواصل زمنية على نحو متكرر وذلك بعد تمام المرحلة الثالثة من المخاض. وإذا تبين وجود ارتخاء بالرحم يجب تمسيدها من خلال جدار البطن كي تبقى منقبضةً. قد يتراكم الدم داخل الرحم من دون دليل خارجي على النزف، ويمكن كشف هذه الحالة باكراً بتحديد ضخامة الرحم بالجسّ المتكرر لقعر الرحم في أثناء الساعات القليلة التالية للولادة ومراقبة الضغط والنبض. وبما أن احتمال حدوث نزف مهم يبقى قائماً إلى حدٍّ كبير خاصةً عقب الولادة مباشرةً؛ فإنه يجب الإبقاء على العناية الموجهة للأم حتى في الأحوال الطبيعية وذلك في الساعة الأولى التالية للمرحلة الثالثة للمخاض على الأقل.

2 ـ العناية بالفرج: بعد تمام المرحلة الثالثة من المخاض والإصلاح العجاني ينتبه لعدم وجود نزف زائد أو أي سبب آخر يستوجب إبقاء الأم على «طاولة» الولادة ويتم غسل الأليتين والأعضاء التناسلية الخارجية بالماء والصابون بحيث يتدفق السائل من الفرج والعجان نحو الأسفل فوق الشرج وذلك أفضل من أن يتم التدفق بالاتجاه المعاكس، ثم يطبق ضماد عقيم على الأعضاء التناسلية يستبدل به ضماد آخر كلما اقتضت الحاجة.

كذلك يجب  تنظيف الأعضاء التناسلية الخارجية بصورة مشابهة بعد كل تغوط وقبل أي علاج موضعي أو فحص.

3 ـ الاكتئاب المعتدل: من الشائع أن تُبدي الأم درجة قليلة من الاكتئاب في الأيام التالية للولادة ويُدعى الاكتئاب العابر أو الكآبة بعد الولادة postpartum blues التي من المرجح أن تكون نتيجة للعديد من العوامل غير معروفة المنشأ.

4 ـ التجول الباكر: تغادر المرأة سريرها في الـ 24 ساعة بعد الولادة المهبلية، وقد أثبتت عدة دراسات فوائد عديدة للتجول الباكر والموجه بعناية، إذ إن النساء يشعرن بأنهن أقوى وأفضل بالتجول الباكر. ويقلل تواتر حدوث المضاعفات المثانية والإمساك، كما يقلل التجول الباكر أيضاً من تواتر حدوث التخثر والصمة الرئوية في النفاس.

5 ـ ارتخاء جدار البطن: إن استعمال الرباط البطني غير ضروري على الرغم من أنه كان يُعتقَد سابقاً أنه يساعد على انطمار الرحم وحفاظ الأم على شكلها؛ والإجماع السائد الآن أنه ليس للرباط أي تأثير في الانطمار. أما إذا كان البطن مترهلاً أو متدلياً بشكل غير عادي فيمكن القول: إن استعمال المشد العادي girdle أكثر فائدة من الرباط البطني. يمكن البدء بالتمارين المساعدة على إعادة المقوية لجدار البطن بأي وقت بعد الولادة المهبلية، وحالما ينقص إيلام البطن بعد العملية القيصرية.

6 ـ الغذاء: إذا لم تحدث مضاعفات تحتاج إلى مخدر ينبغي أن تُعطى المريضة شيئاً للشرب إذا كانت عطشى أو شيئاً للأكل إذا كانت جائعة وذلك بنهاية الساعتين الأوليين بعد الولادة المهبلية.

7 ـ وظيفة المثانة: إذا لم تبول المرأة في 4 ساعات بعد الولادة فمن المرجح أنها لا تستطيع ذلك وعندها يجب أن تحاول السير قبل اللجوء إلى القثطرة، والمرأة التي تعاني مشكلة بدئية بالتبول فغالباً ما تحدث لها مشكلة أبعد من ذلك. وأحياناً قد يكون من الضروري استعمال قثطرة دائمة.

8 ـ وظيفة الأمعاء: تنقص حركية الأمعاء نتيجةً للحقن المطهرة الفعالة المطبقة قبل 4 ساعات من الولادة وقلة الطعام المتناول فيما بعد.

9 ـ العناية بالثديين والحلمتين: تتطلب الحلمتان في فترة النفاس بعض العناية إضافةً إلى النظافة والانتباه للشقوق، فمن المحتمل أن يتراكم الحليب الجاف ويخرّش الحلمتين لذلك يجب تنظيف هالة الثدي بالماء والصابون المعتدل وذلك قبل الإرضاع وبعده.

عودة الطمث والإباضة

غالباً ما يعود الطمث في 6 إلى 8 أسابيع بعد الولادة في النساء غير المرضعات. ومن الصعب سريرياً في بعض الأحيان تحديد تاريخ دقيق للدورة الطمثية الأولى بعد الولادة، إذ إن بعض النساء ينزفن كميات ضئيلة أو معتدلة وعلى نحو متقطع بعد الولادة مباشرةً. أما في المرضعات فقد لا تتأخر الطموث كثيراً ولكن تلاحظ تباينات كبيرة فتظهر الدورة الأولى في بعض النساء منذ الشهر التالي للولادة أو تتأخر حتى الشهر /18/ بعد الولادة.

تبين منذ فترة طويلة أن الإباضة تتم بتواتر أقل في النساء اللواتي يرضعن من أثدائهن بالمقارنة بغير المرضعات ومع ذلك فقد يحدث حمل في أثناء الإرضاع.

العناية اللاحقة

بإمكان الأم بعد خروجها من المستشفى بعد ولادة مهبلية وفترة نفاس طبيعية القيام بمعظم الفعاليات اليومية العادية. وقد اعتاد المولدون التوصية بألاّ تستأنف الأم وظيفتها لعدة أسابيع، ولا يوجد دليل أن فعل ذلك باكراً يسبب أذية جسدية.

النزوف في أثناء النفاس

1 ـ الأورام الدموية النفاسية: يمكن أن يتسرب الدم إلى النسيج الضام الواقع تحت الجلد المغلِّف للأعضاء التناسلية الظاهرة، أو الواقع تحت مخاطية المهبل، ليشكّل بذلك أوراماً دموية فرجية ومهبلية.

2 ـ الأورام الدموية في الفرج: تتصف الأورام الدموية الفرجية  ـ وخاصةً منها التي تتكون سريعاً ـ بأنها قد تُحدِث ألماً مبرحاً وقد يكون أول عرَض ملحوظ في معظم الأحوال. والأورام الدموية ذات الحجم المعتدل قد ترتشف تلقائياً. والإنذار عادةً جيد.

النزف المتأخر ما بعد الوضع

قد يحدث أحياناً نزف رحمي غزير في الجزء الأخير من الأسبوع الأول أو حتى بعد ذلك في زمن النفاس، وينجم غالباً عن انطمار غير طبيعي في منطقة ارتكاز المشيمة، لكنه قد يكون ناجماً عن احتباس جزء من المشيمة.

ويجب أولاً محاولة ضبط النزف بإعطاء مقبضات العضلة الرحمية، فإن تراجع النزف بعد ذلك يعتنى بالمرأة اعتناء عادياً، أما إذا استمر النزف الغزير أو عاود الظهور بعد توقفه فلابد من إجراء التجريف.

شارك المقالة:
171 مشاهدة
المراجع +

arab-ency.com.sy

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook