النفاق

الكاتب: مروى قويدر -
النفاق

النفاق.

 

 

هناك عدّة أقوالٍ في أصل كلمة النّفاق في اللّغة، ومنها أنّها مُشتقّةٌ من النّفق، وهو السّرب في الأرض، وقد أُطلق عليه هذا الاسم لأنّ المنافق يستر كفره ويُغيّبه، كالذي يدخل في النّفق ويستتر فيه، وقيل إنها مشتقّةٌ من نافقاء اليربوع، فهو يحفر جحره حتّى إذا اقترب من سطح الأرض ترك قشرةً رقيقةً، حتّى لا يُعرف أنّه مخرجٌ، فإذا رابه ريبٌ دفع تلك القشرة برأسه وخرج، فظاهر جحره ترابٌ كأنّه من الأرض، وباطنه حفرةٌ، وكذلك المنافق يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر، ويعرّف النّفاق شرعاً بأنّه إظهار الإيمان وإبطان الكفر، والنّفاق اسمٌ لم تعرفه العرب قبل الإسلام.

 

أنواع النّفاق:

 

كما أنّ للكفر والفسوق والشرك أنواعٌ ودرجاتٌ، فإنّ للنّفاق أيضاً أنواعٌ، منه ما يُخرج من ملّة الإسلام، ومنه ما لا يُخرج عنها، حيث بيّن العلماء أنواع النّفاق وفصّلوها، كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (النّفاق هو إظهار الخير وإسرار الشرّ، وهو أنواعٌ: اعتقاديٌ، وهو الذي يُخلّد صاحبه في النّار، وعمليّ وهو من أكبر الذّنوب)، وذكر الإمام الترمذي -رحمه الله- في شرحه لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أربعٌ من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلّةٌ منهنّ كانت فيه خلّةٌ من نفاقٍ حتى يدعَها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)، حيث بيّن أن المقصود من الحديث النفاق العملي، وأنّ نفاق التكذيب كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.


ونُقل عن الحسن البصري -رحمه الله- أنّه قال: (النّفاق نفاقان، نفاق عملٍ، ونفاق تكذيبٍ)، كما بيّن الإمام ابن القيم -رحمه الله- أنّ النّفاق نوعان أكبرٌ وأصغرٌ، وأنّ النّفاق الأكبر يُوجب الخلود في الدّرك الأسفل من النّار، وعُرّف النّفاق الأكبر بأنّه إظهار الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وإبطان عكس ذلك والانسلاخ منه، و فيما يأتي بيانٌ لأنواع النّفاق:

  • النّفاق الأصغر: ويُعرّف بالنّفاق العملي، وهو اختلاف السرّ عن العلانية في الواجبات، فالنّفاق الأصغر لا يُخرج فاعله من ملّة الإسلام، حيث لا ينتفي عنه الإيمان بشكلٍ مطلقٍ، ويبقى أصل الإيمان في قلبه، ولكنّه يستحقّ العذاب في النّار كسائر أصحاب المعاصي لقيامه ببعض أعمال المنافقين، كالكذب في الحديث، وخيانة الأمانة، وإخلاف العهد، والفجور عند الخصومة، والرّياء في الأعمال، وإظهار المحبّة والمودّة وإبطان عكس ذلك، ومع هذا العذاب إلا أنّ المنافق لا يُخلّد بالنّار، وتناله شفاعة الشافعين بإذن الله، ولكن ينبغي الحذر من النّفاق العملي لأنّه قد يؤدّي بصاحبه للنّفاق الأكبر.
  • النفاق الأكبر: وهو إظهار الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر باللّسان والجوارح، وإبطان الكفر في القلب، حيث يعتبر النّفاق الأكبر كالكفر الأكبر، فينتفي الإيمان عن فاعله ويُخرجه من ملّة الإسلام، ويُوجب خلوده في النّار، وقد توعّد الله -تعالى- فاعله بالدّرك الأسفل من النّار إذا مات عليه، فهو من أشدّ أنواع الكفر لأنّه ليس مجرّد كفرٍ صريحٍ، فهو كفرٌ، وكذبٌ، وخداعٌ، ومراوغةٌ للمؤمنين، ولذلك توعد الله مرتكبه بأشدّ العقوبات.
وبيّن الله في القرآن الكريم صفات المنافقين، حتّى لا ينخدع المؤمنون بهم، إلا أنّه يُعامل معاملة المسلمين في الدّنيا، وتجري عليه أحكام الإسلام، طالما أظهر الأعمال الظاهرة من الإسلام، ولم يُظهر ما في باطنه من الكفر والنّفاق، فالإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستوجب الإيمان الباطن، حيث إن الله -تعالى- لم يأمر عباده بالشّقّ عن ما في الصّدور، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ إطلاق لفظ النّفاق في القرآن الكريم يُقصد به النّفاق الأكبر، أمّا في السنّة فقد ورد النّفاق الأصغر.

 

علامات النفاق الأصغر:

 

على الرّغم من كثرة أعداء الإسلام وتعدّدهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم، إلاّ أنّ الله -تعالى- حصر العداوة في المنافقين، حيث قال: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّـهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، حيث بيّنت هذه الآية خطورة المنافقين على المجتمع الإسلامي، حيث إن أعداء الإسلام الخارجيين لا يخفى أمرهم على المسلمين، أمّا المنافقون فهم يعيشون بين المسلمين وفي ديارهم، وأمرهم يخفى على النّاس، فقد قال تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)، حيث بيّن الله تعالى ورسوله -عليه الصّلاة والسّلام- علامات النّفاق، وفيما يأتي بيانٌ لعلامات النّفاق العمليّ:

  • الكذب: فقد شهد الله -تعالى- أنّ المنافقين أكذب الخلق، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)، وبيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الكذب من صفات المنافق، حيث قال: (آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذبَ، وإذا وعدَ أخلفَ، وإذا ائتُمن خان).
  • إخلاف الوعد: بيّن الله -تعالى- في القرآن الكريم أنّ إخلاف الوعد من صفات المنافقين، حيث قال: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، ولذلك تجد المنافق لا يعرف طريقاً للوفاء، وغالباً ما يُخلف عهده من غير عُذرٍ.
  • خيانة الأمانة: أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ خيانة الأمانة من صفات المنافقين، مصداقاً لما ورد في الحديث الذي سبق ذكره.

 

علامات النفاق الأكبر:

 

وصف الله -تعالى- أهل النّفاق الأكبر في الكثير من مواضع القرآن الكريم، حتى لا يخفى أمرهم على عباده المؤمنين، ويمكن ذكر بعض صفاتهم كما يأتي:

  • تولّي أعداء الإسلام، ومظاهرتهم، ومناصرتهم على المسلمين.
  • الإعراض عن حكم الله -تعالى- وحكم رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
  • الكفر وعدم الإيمان، وعدم إخلاص العبوديّة لله تعالى.
  • الاستهزاء والسخرية من الشريعة الإسلامية، والسخرية من الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستهزاء بالصحابة الكرام، يقول الله -تعالى- واصفا المنافقين: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).
شارك المقالة:
79 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook