اهتدى سكان الجزيرة العربية منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد إلى اختراع نظام للكتابة مكنهم من حفظ معاملاتهم الخاصة والعامة على هيئة وثائق كتبت على مواد مختلفة، من أبرزها ما كتب على الأحجار وقطع المعادن، ومنطقة المدينة المنورة بفضل موقعها المميز وسط التفاعلات الحضارية في جزيرة العرب، وبحكم اتصالها بالأمم والشعوب خارجها، كانت من بين المناطق التي انتشرت فيها الكتابة في وقت مبكر، ففي واحة دادان (العلا) كشف عن أقدم نماذج للكتابة في المنطقة، فقد عثر في أمكنة متفرقة من العلا والحجر (مدائن صالح) على مجموعات من النقوش بالخط الداداني. ومن أهم النقوش الدادانية المعروفة وأبرزها حتى الآن نقشان جاء فيهما ذكر لملكين من ملوك الدولة الدادانية، الأول عثر عليه مكتوبًا على صخور قمة جبل إثلب في الجهة الشرقية من مدائن صالح، ويتحدث عن الملك الداداني (متع إل)  ،  أما الثاني فقد كشف عنه وسط أنقاض عاصمة الدادانيين (الخريبة حاليًا)، وفيه إشارة إلى الملك الداداني (كبر إل بن متع إل)  

 

استمر سكان العلا في كتابة معاملاتهم الخاصة والعامة حتى بعد تغير التركيبة السياسية فيها، على إثر تمكن قبيلة لحيان من السيطرة على زمام الأمور في القرن الخامس قبل الميلاد وتأسيسها مملكة حملت اسمها، فقد واصل اللحيانيون الكتابة بالخط الداداني ولم يطرأ عليه أي تغير يذكر، خصوصًا خلال مراحله المبكرة. وإلى فترة السيادة اللحيانية يعود كثير من النقوش التي كشف عنها مؤخرًا في عدد من المواقع الأثرية في العلا، فقد كشف عن مجموعات من النقوش اللحيانية في جبل أم الدرج  ، دنن، وأبو عود   وجبل عكمة   الواقعة في الأجزاء الشمالية والشمالية الغربية من مدينة العلا. وتعد مجاميع النقوش المكتشفة في هذه المواقع أرشيفات مهمة للنقوش اللحيانية، حيث أماطت مضموناتها ومعطياتها الحضارية اللثام عن عدد من جوانب الحياة الاقتصادية والدينية في مملكة لحيان، وسلطت الضوء على نشاط بعض ملوكها، كما قدم بعض من هذه النقوش معلومات قيمة عن الحياة العامة لسكان دادان القديمة، وعلاقاتهم الخارجية مع جيرانهم آنذاك. فقد تكررت في النصوص إشارات إلى قيام اللحيانيين بتقديم قرابين وعشور عن نتاج زروعهم وأموالهم وممتلكاتهم كانت تؤدى من المتعبدين إلى معبد ذي غيبة في دادان  .  وقد أكدت هذه النقوش أن المؤسسة الدينية اللحيانية كانت تتبع نظامًا دقيقًا في إدارة ممتلكاتها، وجباية العشور من الشعب، وقد عينت أشخاصًا يطلق عليهم في النقوش اسم (سلح)، للرجل، أو (سلحت)   للمرأة، فيتعين عليه أو عليها مسؤولية جباية العشور والالتزامات الضريبية المفروضة من المعبد على الرعية تجاه المعبد، فضلاً عما ثبت فيها من وجود شعيرة الزيارات المقدسة لدى اللحيانيين، حيث يقصدون معابد أربابهم في مواسم محددة، ويتحلقون حولها في مظاهر من التعبد وأداء واجباتهم الدينية على هيئة طقوس محددة تجاه معبوداتهم الوثنية  ،  كما اتضح من خلالها كثير من الاتجاهات والممارسات الدينية والشعائرية الأخرى تجاه الأرباب المحلية والمعابد التي كانت تنتشر بكثرة إبان ازدهار مملكة لحيان.

 

انتشر فيها أيضًا - إضافة إلى انتشار الكتابة بالخط الداداني في أجزاء من المنطقة - استخدام الخط الثمودي   الذي كان أوسع انتشارًا من الخط الداداني، وتركز استخدامه في محيط واحة العلا، فقد عثر على نقوش ثمودية كثيرة في أرجاء متفرقة من المنطقة، أي في المدينة نفسها، وفي خيبر، والصويدرة والحناكية وينبع، وكذلك في العلا، وقد كان استخدام الخط الثمودي في المنطقة متزامنًا مع الخط الداداني في منطقة العلا، خصوصًا خلال المراحل المتأخرة من عمر الخط، ما يعني أن سكان المنطقة كتبوا بالخطين معًا خلال عصور ما قبل الإسلام، وإن كان الخط الداداني قد قلَّ استخدامه، وقد يكون انتهى، مع نهاية القرن الأول قبل الميلاد، أما الخط الثمودي فقد استمر أداة للتعبير عن ثقافة المنطقة حتى القرن الرابع الميلادي.

 

ومع تزايد النفوذ النبطي في شمال غرب الجزيرة العربية خلال القرنين الثاني والأول قبل الميلاد انتقل إلى المنطقة خط ثالث هو الخط النبطي الذي كشف عن نقوشه في عدد من المواقع الأثرية في المنطقة، وقد تركز استخدامه في الحجر (مدائن صالح)  .  كما عثر في العلا، على طول الطرق التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية عبر المنطقة، على مجموعات من النقوش المكتوبة بخط المسند الذي شاع استخدامه منذ القرن التاسع قبل الميلاد حتى القرن السادس الميلادي في مناطق جنوب الجزيرة العربية. ففي العلا عثر على مجموعات كثيرة من النقوش التي كتبها أفراد الجالية المعينية الذين دفعتهم أعمالهم التجارية إلى الاستيطان في دادان (العلا) خلال ازدهار مملكتهم في جنوب الجزيرة العربية