النهضة السلفية بالجزائر

الكاتب: المدير -
النهضة السلفية بالجزائر
"النهضة السلفية بالجزائر




كانت من هدايا الأريحي الجواد الأستاذ الشيخ محمد نصيف علم السنة الخفاق في ثغر جُدة في العام الماضي (رسالة الشرك ومظاهره) تأليف الأستاذ السلفي المحقق مبارك بن محمد الميلي الجزائري.

 

ولقد ظهر من تصفح هذه الرسالة أن بالجزائر نهضة سلفية ودعوة إلى العمل بالكتاب والسنة جديرتين بكل تقدير وإعجاب، خصوصًا لأن القائمين بهذه الدعوة هم صفوة علماء هذا القطر الشقيق. وقد جاء في عرض هذه الرسالة - تنويهًا بمجهود القائمين بهذه الدعوة المباركة - ما نصه:

ولا تفتأ (جمعية العلماء) داعية إلى ما أمر الله أن يُدعى إليه من دينه ومن اتباع نبيه وإحياء سنته وإماتة ما أحدثه المحدثون تدريسًا وكتابة في الصحف ومذاكرة في كل مجلس حسن فيه الكلام عن نشر السنن حتى عمّت دعوة جمعية العلماء وبلغ صوتها إلى المستجيب أو غير المستجيب، وأصبحت دعوتها معروفة في القطر كله ولها أنصار ودعاة. وقد لاقت دعوتها في المجتمعات الإسلامية أكبر نجاح ونالت أكبر فوز إذ يستطيع العارف بالأمة الجزائرية أن يعد أكبر عدد منها هو الآن من أنصار جمعية العلماء ومن المنتمين إليها والمتبرئين من أعدائها، بل نستطيع أن نقول ولا نخشى مفندًا أنه لم يرفض دعوة الجمعية إلا طوائف معلومة في الجزائر يضر بها العمل بالدين الحق ويهدم بنيانها القائم على أساس العوائد التي ظهرت في المسلمين في العصور التي بُلى فيها العالم الإسلامي بزعماء جهلاء اغتصبوا هذه الزعامة من غير كفاءة علمية ولا هداية إسلامية!! الخ هذه المقدمة النفيسة.

 

ولقد قلنا ولا زلنا نقول أن النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم لا بد أن تأتي أولًا عن طريق العلماء وغيرهم في ذلك لهم تبع. ولا بد أن يكون أساسها الكتاب والسنة وما وافقهما أو شرحهما وبينهما من أقوال السلف كدأب أولئك العلماء العاملين في القطر الجزائري؛ فأين جمعية العلماء في مصر التي تدعي الزعامة الدينية على كافة البلاد الإسلامية لوجود الأزهر فيها؟

 

ما أكثر العلماء في مصر وما أشد تقصيرهم وأعظم مسؤوليتهم، وإلا فخبرني أين أثرهم وأين غناؤهم في الذود عن الملة والدعوة إلى الكتاب والسنة؛ أو لو أخلصوا لله ولم تفتنهم الدنيا كما فتنتهم وأجمعوا أمرهم على مطالبة أولي الأمر بالعمل بالكتاب والسنة أكان يقف في طريقهم عائق أو تقوم عقبة؟ أو لو ضحوا قليلًا في سبيل الله الذي رزقهم ما يرتعون فيه من خيرات وفيرة ومرتبات كبيرة وقالوا لن نهدأ حتى يحل القرآن محل هذه القوانين الوضعية الوضيعة التي تحمي الزاني والمقامر والخمّار أن دينه الرسمي الإسلام!!

 

نعم. أولو قال العلماء في هذا كلمتهم صريحة داوية في غير التواء ولا خشية مغبةً وقاموا هذا المقام المحمود وكلهم صفًا كأنهم بنيان مرصوص فهل تشك في أن الله تبارك وتعالى بنصرهم ويجعل على أيديهم كلمته العليا ويجعل كلمة المعوقين هي السفلى نعم إنهم قد يلاقون شيئًا من العنت في جهادهم هذا ولكن أي جهاد خلا من الشدة وهل الجهاد إلا تضحية وشدة فصبر فنصر.

 

ولكن كل ذلك على أساس أن يكون كتاب الله وسنة رسوله هما أساس الدعوة وعامودها الفقري. أما الدعوة إلى الله على غير أساس ما شرعه الله فلن يفلح قائم بها البتة، وشواهد التاريخ في ذلك وتجاربه أكثر من أن تدخل تحت حصر.

 

والرسالة التي نحن بصددها هي من ثمرات هذه النهضة المباركة التي قامت بها (جمعية العلماء) بالجزائر. والحق أنها على صغرها قد استوعبت أبواب الشرك وشرحتها شرحًا مستفيضًا وقسمتها تقسيمًا منظمًا وردت المشهور من اصطلاح الناس الخاطئ فيها إلى أصليه اللغوي والشرعي، فجاءت رسالة جامعة نافعة وكانت كمعجم لأبواب الشرك جمع من شتاتها ودل على عُزاها ولاتِها.

 

وتعريفًا بهذه الرسالة القيمة نذكر للقارئ الكريم فصلين قصيرين من فصولها فقد جاء فيها تحت عنوان الرجوع في بيان الشرك إلى الكتاب والسنة ما يأتي:

يدخل المرء في الإسلام بقوله لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ ومعنى الجملة الأولى أنه لا يعترف لغير الله بقوة غيبية تخضع لها روحه فلا يخضع لسواه ولا يعبد إلا إياه ومعنى الجملة الثانية أنه لا يعبد بهواه ولا بهوى أحد من أهل المنزلة والجاه، وإنما يعبده بما جاء به الرسول؛ فمحصل الجملتين ألا يُعبد إلا الله وألا يعبد إلا بما شرعه على لسان رسوله. وعلى هذين الأصلين انبنى الإسلام، وكل ما في الكتاب والسنة تفصيل لما تضمنه هذا الأصلان، وكل ما نافى هذين الأصلين فهو مناف للكتاب والسنة وأجنبي عن دين الإسلام!!

 

فالداعي إلى الكتاب والسنة وتفهمها إنما هو داع لتحقيق كلمتي الشهادة؛ ولهذا تجد فيهما وفي كلام سلف الأمة الحث على تعلمهما واتباعهما وتحكيمهما عند النزاع والتحذير من مخالفتهما وارتكاب ما أنكراه على من تقدمنا من مشركين وكتابيين.

 

وجاء في هذه الرسالة تحت عنوان أقسام الشرك وأحكامها ما يأتي:

وأقسام الشرك قد استوفتها آية سبأ، قال تعالى ? قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ? [سـبأ: 22-23]، فجعلت الآية أقسام الشرك أربعة ونفتها كلها. ولنضع لكل قسم اسمًا يمتاز به.

الأول شرك الاحتياز فنفى سبحانه وتعالى، يكون غير مالكًا لشيء يستقل به ولو كان في الحقارة مثقال ذرة في العالم العلوم أو في العالم السفلي.

والثاني شرك الشياع، فنفى سبحانه أن يكون لغيره نصيب يشاركه فيه كيفما كان هذا النصيب في المكان والمكانة.

الثالث شرك الإعانة، فنفى جل شأنه أن يكون له ظهير ومعين من غير أن يملك معه كما يعين أحدنا مالك متاع على حمله مثلًا.

الرابع شرك الشفاعة، فنفى تعالى أن يوجد من يتقدم بين يديه يدل بجاهه ليخلص أحدًا بشفاعة، فهو تعالى لم يقبل من أقسام الشركة حتى أضعفها وأخفاها وهي الشركة بالجاه في تحصيل السلامة والنجاة إلا بعد الإذن للشفيع وتعيين المشفوع له، وحينئذ لا تكون في الشفاعة رائحة الشركة، بل الشفاعة كغيرها من وجوه النفع هي لله وحده، ولم يخرج من الآية شيء من أقسام الشركة، لأن الشريك إما في الملك وإما في التصرف، والأول إما أن يختار قسطه وإما أن يكون على الشياع، والثاني إما أن يعين المالك وإما أن يعين أحدًا عند المالك، فتلك الأقسام الأربعة مرتبة ترتيبها في الآية، وتلك الأقسام على ظهورها من الآية لم أر من أعرب عنها هذا الإعراب.

 

حيا الله الداعين إلى العمل بالكتاب والسنة في مشارق الأرض ومغاربها، وأعانهم ووفقهم وأثابهم فتحهًا قريبًا.

 

وإنا نعترف أنا مقصرون في الاتصال بإخواننا في هذه الدعوة في بلاد المغرب وغيرها من البلاد الإسلامية التي لا نشك في وجود الكثير منهم فيها، وسنعمل إن شاء الله على تلافي ذلك بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها ويعود نظام البريد كما كان قبلها، فإن الاتصال بالإخوان وتعرف أحوالهم ومدى انتشار هذه الدعوة في بلادهم وتبادل الآراء والأفكار معهم مما يؤلف منهم كتلة واحدة وإن تناءت بهم الأوطان وفي ذلك من الخير والبركة ما فيه.

 

حقق الله آمالنا وأصلح أعمالنا وألف بين قلوبنا، ورزقنا الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد.

 

مجلة الهدي النبوي، المجلد الخامس - العدد 1 - أول محرم سنة 1360هـ


"
شارك المقالة:
23 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook