اليمامة في عهد الخوارج النجدات في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
اليمامة في عهد الخوارج النجدات في المملكة العربية السعودية

اليمامة في عهد الخوارج النجدات في المملكة العربية السعودية.

 
في غمرة الخلافات التي سادت بلاد الخلافة الإسلامية بعد وفاة يزيد بن معاوية، ظهرت حركة نجدة بن عامر الحنفي في إقليم اليمامة، وهو نجدة بن عامر بن عبدالله بن سيار بن المطروح الحنفي. وكان في أول أمره قائدًا يعمل تحت قيادة أبي طالوت الحنفي، وكلاهما يعدُّ من الخوارج الأزارقة الذين اتجهوا أولاً إلى مكة للدفاع عنها بالمشاركة مع قوات عبدالله بن الزبير التي كانت تواجه قوات الأمويين قبيل وفاة يزيد بن معاوية. ثم اكتشف هؤلاء القوم وجود فجوة بينهم وبين ابن الزبير  ،  في بعض الآراء والمسائل، ولهذا اتجه جزء من هؤلاء الخوارج، وهم المنتمون إلى بكر بن وائل إلى اليمامة، فاستولى أبو طالوت على الخضرمة   (الخرج الآن)، ثم بويع لنجدة ابن عامر بالإمارة وهو ابن ثلاثين عامًا في سنة 66هـ / 686م إذ رأى قادة تلك الحركة أن نجدة يتفوق على أبي طالوت في بعض المهارات القيادية. اتخذ نجدة بن عامر من أباض في أعلى وادي حنيفة جنوب شرق سدوس قاعدة له  ،  ثم اتسع نفوذه في نجد وامتد ذلك النفوذ إلى البحرين وانقاد له أهل الطائف وجبى عمّاله زكاة صنعاء وحضرموت، وحج سنة 68هـ / 687م فوقف بأصحابه في عرفات  .  لقد واجه نجدة قوى محلية في المنطقة، ودخل في صراع معها لعل من أبرزها بني عامر في المجازة (شرقي حوطة بني تميم) إذ قتلهم قتلاً ذريعًا 
 
إن أهم نقاط الضعف في حركة نجدة هو الارتباط بفكر الخوارج. ومهما كانت درجة ذلك الارتباط، فالغالب على ذلك الفكر تطرفه الشديد، وعدم اهتمامه بتأليف قلوب السكان، وعدم قبوله بالحلول الوسطية، بالإضافة إلى الدموية والعنف اللذين اتسمت بهما مسلكيات هؤلاء الخوارج في العراق والبحرين واليمامة. ولئن كان كثير من الدراسات يركز على البعد المذهبي لهذه الحركة بوصفه عاملاً محركًا لها، فإن هناك عوامل كثيرة لها أثرها الواضح في ظهور نجدة وأتباعه، ومنها عوامل سياسية واجتماعية. فبالإضافة إلى الفراغ الأمني والسياسي الذي كانت تعاني منه المنطقة، فإن القبائل البكرية عامة تستبطن شعورًا بالتهميش والإقصاء من جانب الأمويين، ولذلك فلا غرابة أن تستقطب حركات الخوارج زعماء طامحين وأفرادًا عاديين ممن ينتمون إلى تلك القبائل، ومثل ذلك يقال عن مجموعة القبائل التميمية. يضاف إلى ذلك أن سكان الأقاليم الأصليين أضحوا متبرمين من السياسات الأموية في الجباية
 
لقد أبدى نجدة بن عامر مرونة تجاه بعض المسائل بناء على مقتضيات الإقليم ومصلحته متجاوزًا بذلك قصر النظر الذي عرف عن الخوارج. فمن ذلك أنه رأى ألا يسبي عبيد الخضرمة الذين وطنهم معاوية بن أبي سفيان، وأن يعودوا إلى فلاحة الأرض؛ للحاجة إليهم  .  وثمة بعض المؤشرات التي تدل على أن نجدة بن عامر كان على صلة ببعض المراجع العلمية في الحجاز ومنهم ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما، اللذان ربما كانا يحاولان التخفيف من غلواء الفكر والفقه الذي يتبناه. وقد أخرج مسلم   وغيره أن ابن عباس كان يرد على مكاتباته ومسائله، وروي عنه قوله: لولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه  .  وروي أيضًا أنه قال: والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين. ويذكر ابن تيمية   أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وغيره من الصحابة كانوا يصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم، وكان عبدالله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل، وحديثه في البخاري. وقد ذكر ابن الأثير أن نجدة قطع الميرة عن أهل الحرمين من اليمامة، فكتب إليه ابن عباس، أن ثمامة بن أثال لما أسلم قطع الميرة عن أهل مكة وهم مشركون، فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم إن أهل مكة أهل الله، فلا تمنعهم الميرة، فجعلها لهم، وإنك قطعت عنا الميرة ونحن مسلمون، فجعلها نجدة لهم 
 
حاول عبدالملك بن مروان استقطاب نجدة بن عامر وهو في حال صراع مع ابن الزبير بمكة، فكتب إليه يدعوه إلى طاعته ويوليه اليمامة ويهدر ما أصاب من الأموال والدماء، مما أسخط فئة من الخوارج في اليمامة، فإنهم قالوا ما كتبه إلا حينما علم منه دهانًا في الدين. ثم إن هؤلاء الخوارج أخذوا في الانتقاص من نجدة وعدُّوا عليه بعض المآخذ، من وجهة نظرهم، منها أنه لا يرضى بقتل من أجاب تقية. وقد انتهى أمر نجدة بن عامر بوصفه حاكمًا بأن خلع وولي أبو فديك، أحد بني قيس بن ثعلبة. أما نجدة فقد تخفى في إحدى قرى حجر ثم قتل بعد ذلك سنة 72هـ / 691م  
 
خلف أبو فديك (عبدالله بن ثور) نجدة بن عامر في الإمارة باليمامة، ثم تحول إلى البحرين. وقد نجح في هزيمة جيش أرسله مصعب بن الزبير لحربه من العراق. ولما استقر الأمر لعبدالملك بن مروان واجه أبو فديك حملة بقيادة أمية بن عبدالله فهزمها، فأرسل عبدالملك بن مروان لحربه عمر بن عبيد الله بن معمر الذي نجح في القضاء على أبي فديك في المشقر بهجر (الأحساء)  .  وبمقتله انهارت حركة النجدات التي يطلق عليها بعض المؤلفين اسم الدولة   ليعود إقليم اليمامة مشمولاً بولاية الحجاج الذي أصبح والي الدولة الأموية على الحجاز واليمامة وغيرهما
 
شارك المقالة:
123 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook