باخع..

الكاتب: المدير -
باخع..
"باخع..

 

أبصرت في نفسي، فوجدتها تتألم لأحداث الواقع ومجريات التغيير، وبعيدًا عن التواضع، وقريبًا من نفسي التي أعرف: ? بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ? [القيامة: 14].

 

أجد الألم، فأحمد الله تعالى؛ لأنه ألم يدل على حياة قلب، ألم يفت الفؤاد، ويضيق به الصدر، مع أن بضاعة إيماني مزجاة، فمقدار الألم بمقدار الإيمان وحياة القلب، سألت نفسي: هذا ألمك، فكيف ألم العلماء والعباد الذين يخشون ربهم ويخافون يوم التناد؟!

 

فقالت: بل كيف ألم من قال عن نفسه: (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)[1]، صلى الله عليه وسلم؟! وصف الله حاله، فقال: ? وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ? [آل عمران: 176]، وقال سبحانه: ? قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ? [الأنعام: 33].

 

لم يكن حزنًا فحسب، بل بلغ الأمر به كما قال عز وجل: ? فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ? [الكهف: 6]، أتدري ما باخع؛ أي: مهلك نفسك وقاتلها، فـ(البخاع): عرق مستبطن في القفا، فإذا بلغ الذابح البخاع، فذلك أعمق الذبح.

 

حتى قال له ربُّه لَمَّا رأى حزنَه وأسفَه على عدم إيمانهم: ? فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ? [فاطر: 8].

 

(لأن تلف النفس يكون عند تعاقُب الحسرات الواحدة تلو الأخرى لدوام المتحسر منه، فكل تحسُّر يترك حزازة وكمدًا في النفس حتى يبلغ إلى الحد الذي لا تطيقه النفس، فينفطر له القلب، فإنه قد عُلم في الطب أن الموت من شدة الألم - كالضرب المبرح، وقطع الأعضاء - سببه اختلال حركة القلب من توارد الآلام عليه)[2].

 

تذكرت سؤال أمِّنا عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحد؟

قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبدياليل بن عبدكلال، فلم يجبني إلى ما أردتُ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب[3]! أيُّ همٍّ وحزن ووجع بلغ به ما بلغ؟!

 

ألم نابع من الحب وصدق القلب: ? عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ? [التوبة: 128]، فاللهم لا تطفئ في قلوبنا جذوة ألم حب الخير للناس والحرص عليهم.




[1] رواه البخاري ومسلم.

[2] ابن عاشور.

[3] رواه البخاري ومسلم.


"
شارك المقالة:
22 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook