يُعرّف الصحابي بأنّه من لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسلماً ومات على ذلك، سواءً طالت مجالسته أو قصرت، حيث إن الله -تعالى- اصطفى الصحابة -رضي الله عنهم- لصحبة نبيّه عليه الصلاة والسلام، ولينقلوا الرسالة بعد وفاته إلى البشرية جمعاء، وقد أثنى عليهم في القرآن الكريم، وخصّهم بالعديد من الخصال والفضائل، وتواترت الأحاديث النبوية المؤكّدة على عِظم فضلهم، وعلوّ منزلتهم، وقد شهد الله -تعالى- لهم بطهارة القلوب، وصدق الإيمان، حيث قال: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)، وقد بيّن ابن كثيرٍ -رحمه الله- في تفسير القرآن العظيم أنّ المقصود بقوله تعالى: (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)، أي من الوفاء، والصدق، والسمع، والطاعة، وممّا يدلّ على عِظم فضل الصحابة -رضي الله عنهم- وعد الله -تعالى- للمهاجرين والأنصار بأن يحلّ عليهم رضوانه، ويجزيهم بالجنات والنعيم المقيم.
هو رجلٌ من كبار الصحابة رضي الله عنهم، ومن المهاجرين الأوّلين، وأحد العشرة المبشّرين بالجنة، اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبّة بن الحارث الفهريّ القرشيّ، كنيته أبو عبيدة، وقد اشتهر بها حتى غلبت على اسمه، ومن أوصافه الخَلقية أنّه كان طويل القامة، نحيل الجسم، خفيف اللحية، معروق الجبين، خفيف العارضين، أهتم الثنيتين، أمّا صفاته الخُلقية فمنها الحلم، والتواضع، وشدّة الحياء، وحسن الخُلق، وقد كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- من السبّاقين إلى الإسلام، حيث أسلم قبل دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى دار الأرقم، ثمّ هاجر الهجرتين، وشهد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- المشاهد كلها، وكان من أحبّ النّاس إليه، فقد رُوي أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- سُئلت عن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (أبو بكرٍ، قلتُ: ثمَّ من؟ قالت: ثمَّ عمرُ، قُلت: ثمَّ من؟ قالت: ثمَّ أبو عُبيدة بنُ الجرَّاح، قلتُ: ثمَّ من؟ فسكتت).
هو صحابيٌ جليلٌ، من السابقين الأوّلين إلى الإسلام، وقد وردت العديد من الأحاديث التي تبيّن عِظم فضله، ويمكن بيان بعض مناقبه فيما يأتي:
لمّا حل الطاعون في عمواس، وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، كان أبو عبيدة بن الجراح أمير الجند هناك، فخشي عليه الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الطاعون، فبعث إليه كتاباً قال فيه: "فإنِّي أعزم عليك، إن أتاك مصبحاً، لا تُمسي حتَّى تركب، وإن أتاك مُمسياً أن لا تُصبح حتَّى تركب إليَّ فقَد عرضت لي إليك حاجةٌ لا غنى بي عنك فيها"، وكان أبوعبيدة -رضي الله عنه- رجلاً شديد الذكاء، ففهم قصد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأنّه يريد إنقاذه من الطاعون، فكتب إليه متأدّباً معتذراً عن الحضور، وقال: (إنِّي في جندٍ من المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم، وقد عرفتُ حاجة أميرِ المؤمنين، فحللني من عزيمتك)، ولمّا وصلت الرسالة إلى أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- بكى، فسأله من حوله من الصحابة إن كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- قد توفّي، فقال: "كأن قد"، أي إن لم يكن قد مات فإنّه سيموت لا محالة، فلا سبيل لنجاته من الطاعون، وتوفي -رحمه الله- في العام الثامن عشرة للهجرة، وكان يبلغ من العمر ثمان وخمسين سنة.
موسوعة موضوع