ذكر الإمام البخاري في صحيحه سبب نزول سورة النّصر، من رواية الصحابيّ الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: (كانَ عمَرُ يُدْخِلُنِي معَ أشْيَاخِ بدرٍ، فكأَنَّ بعضَهُمْ وَجَدَ في نفْسِهِ، فقالَ: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنَا ولنَا أبناءٌ مثْلُهُ؟ فقالَ عمَرُ: إنَّهُ منْ حيثُ علِمتُمْ، فدَعاهُ ذاتَ يومٍ فأدْخَلَه معهم، فما رُئِيتُ أنَّهُ دعاني يومَئِذٍ إلا ليُرِيَهُم، قالَ: ما تقولونَ في قولِ اللهِ تعَالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ)، فقالَ بعْضُهُم: أمرنا نحمدَ اللهَ ونستَغفِرَهُ إذا نصرَنَا وفتحَ علينَا، وسكَتَ بعضُهُم فلمْ يَقُلْ شيئاً، فقالَ لي: أكَذَاكَ تقولُ يا ابنَ عباسٍ؟ فقلْتُ: لا، قالَ: فمَا تقولُ؟ قلتُ: هوَ أجلُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أعْلَمَهُ لهُ، قالَ: (فإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ)، وذلِكَ علامةُ أجلِكَ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)، فقالَ عمرُ: ما أعْلَمُ منهَا إلا مَا تقولُ)، أمّا وقت نزول سورة النّصر، فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين، بيانهما على النحو الآتي:
أخبر الله -سبحانه وتعالى- في نهاية سورة (الكافرون) التي تسبق سورة النّصر من حيث ترتيب سور القرآن الكريم في المصحف الشريف، بأنّ دين الإسلام الذي يدعو إليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يختلف عن دين الكفّار، وفي سورة النصر جاء الإخبار من الله -سبحانه وتعالى- لنبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ دين الكفّار زائل، وأنّ دين الإسلام سينتصر ويعلو عندما يأتي الفتح، وفي هذا بيان لفضل الله -سبحانه وتعالى- على نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بالنصر على الكافرين، وفتح مكّة، وانتشار دين الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وفيها إشارة إلى دُنوّ أجَل سيدنا محمّد صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما فسّره ابن عباس رضي الله عنهما.
تضمّنت سورة النّصر للعديد من الدروس والعِبر التي تظهر عن طريق تفسير آياتها، وبيان مقاصدها، ومن الدروس والعِبَر ما يأتي:
موسوعة موضوع