بدايات الحركة الثقافية والفكرية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
بدايات الحركة الثقافية والفكرية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

بدايات الحركة الثقافية والفكرية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 

المكتبات

 
ومن أبرز مظاهر الحركة الثقافية والفكرية في المنطقة قبل اكتشاف البترول حرص الأهالي على اقتناء الكتب، وتنافس الأسر العلمية والدينية على جمع أمهات كتب الحديث والفقه والأدب، والاهتمام البالغ بمصادر التراث والنفيس من المخطوطات. وقد تمخض عن جمع هذه الثروة العلمية ظهور عدد من المكتبات الخاصة لعدد كبير من أسر المنطقة التي ما فتئ علماؤها وشيوخها يعملون على جمعها، وبذل الأموال في شرائها، وجلبها من الخارج في كثير من الأحيان، وحرص بعضهم على الاحتفاظ بهذه الثروة لأسرته عن طريق الوقف الشرعي لمكتباتهم، حيث لا يمكن للأجيال القادمة أن تتصرف بهذه الكتب في البيع والإهداء، أو التملك الشخصي لها؛ مما ضاعف من دورها في نشر العلم والمعرفة في محيط الأسرة بصورة خاصة، وفي المجتمع بصورة عامة لكون أغلبها مفتوحًا لقاصديها من أبناء المنطقة، وكأنها مكتبات عامة، إذ لا يقتصر نفعها على أصحابها وإنما يشمل كل أبناء المجتمع المترددين عليها، فالاطلاع والإعارة لم يكونا محصورين على مالكيها، إلا في حالات قليلة عند بعض الأسر.
وهناك بعض المكتبات مثل: مكتبة آل مبارك، ومكتبة آل عبدالقادر، ومكتبات آل الخنيزي وغيرها، وسيأتي الحديث عنها لاحقًا.
 

العلماء

 
ومن مظاهر الحركة الثقافية والفكرية في المنطقة الشرقية قبل اكتشاف النفط، ذلك العدد الكبير من العلماء والأدباء الذين أثروا الجانب الثقافي والفكري في المنطقة بمؤلفاتهم العلمية والأدبية، ومن أبرزهم - على سبيل المثال لا الحصر - الشيخ إبراهيم بن حسن المضري أحد أعلام القرن الحادي عشر الهجري وواحد من فقهاء الحنفية بالأحساء في عصره، له من المؤلفات: (شرح نظم الأجرُّومية في النحو)، و (المواضع التي تفتح وتكسر فيها همزة إن)، و (تنقيح العمل في حل أبيات الجمل)، و (رسالة دفع الأسى في أذكار الصباح والمسا)، وشرحها، و (منظومة في الأكل والشرب) شرحها حفيده الشيخ محمد بن عبدالرحيم وسمّاها (مفتاح القرب في آداب الأكل والشرب)  .  ومنهم الشيخ عبدالمحسن بن محمد بن مبارك اللويمي الأحسائي من فقهاء الإمامية بالأحساء في القرن الثالث عشر الهجري، له من المؤلفات: (شرح العوامل الجرجانية) و (كفاية الطلاب المودعة بدائع الإعراب) وثلاث رسائل في الصلاة ورسالة في التجويد، ورسالة (التحفة في تعزية أهل البيت)، ورسالتان في معرفة أحوال الرجال، و (بداية النهاية)، و (النهج القويم والسراط المستقيم)، و (رسالة جامع الأصول من أهل الوصول)، و (الإجازة الكبيرة)، ختمها بأربعين حديثًا، وهو ممن ينظمون الشعر  .  ومنهم الشيخ أحمد بن علي بن حسين بن مشرف الوهيبي التميمي الأحسائي، أحد أعلام القرن الثالث عشر الهجري (ت 1285هـ - 1868م)، وهو فقيه وأديب وشاعر، له ديوان شعر مطبوع سنة 1370هـ /1951م، في مطبعة السنة المحمدية، وله كتاب (مختصر صحيح الإمام مسلم)، و (الشهب المرمية على المعطلة والجهمية)، وله منظومة يحث فيها على اتباع الأدب والسلوك الحميد، بلغت أبياتها 675 بيتًا، سماها: (نغمة الأغاني في عشرة الإخوان)، كما أن له مدائح في الإمام فيصل بن تركي وابنه عبدالله  .  ومنهم كذلك الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن حسين العفالق، أحد أعلام القرن الثاني عشر الهجري وواحد من فقهاء الحنابلة المعروفين في المنطقة، وهو عالم في الفلك والنحو، ويُلمُّ بالحساب، ومن مؤلفاته: (سلم العروج في المنازل والبروج)، و (مد الشبك لصيد علم الفلك)، و (الخز والحرير)، و (شرح غاية المنتهى في الفقه الحنبلي)، و (تهكم المقلدين بمن ادعى تجديد الدين)، وله جدول فلكي أيضًا  .  ومنهم الشيخ علي بن أحمد بن حسين آل عبدالجبار القطيفي، من كبار فقهاء القطيف وأدبائها في القرن الثالث عشر الهجري، له من المؤلفات كتاب: (ثمرات لب الألباب في الرد على أهل الكتاب) وكذلك (مختصر كتاب المثالي) لابن بابويه القمي (ت 381هـ - 991م)، ورسالة في أصول الدين الخمسة، وكتاب (المبسوط) وديوان شعر، وكانت وفاته سنة 1287هـ / 1870م  . 
 
ومن أشهر شعراء المنطقة قبيل اكتشاف النفط من الأحساء والقطيف، الشاعر عبدالعزيز بن حمد المبارك 1279 - 1360هـ /1862 - 1941م، وهو شاعر أحسائي، أكثر من شعر المراسلات بينه وبين أقاربه من آل مبارك، وشعراء آل عبدالقادر بالمبرز من الأحساء، وبينه وبين آل خليفة حكام البحرين، وله شعر في المرأة والغزل، كما أن له شعرًا في مدح الأمراء والحكام وكذلك الأصدقاء والأقارب  .  والشاعر عبدالله بن عبدالقادر 1270 - 1343هـ /1854 - 1924م، من شعراء مدينة المبرز بالأحساء، خلف والده في القضاء، وكان ذا معرفة واسعة بالأدب والأخبار والشعر، ويتصدر الوصف طليعة الأغراض الشعرية في شعره، فقد وصف مجالس الأنس والنـزهات، ووصف الشاي، والقهوة، والساعة، ووصف العمامة، ووصف البرغوث، وكان معروفًا بقدرته على قول الشعر ارتجالاً، وجرب التشطير والتخميس والتعجيز (الإلغاز) والتضمين  
 
والشاعر عبدالعزيز العلجي من بني خالد القرشيين 1289 - 1362هـ /1872 - 1943م، نظم أربعة آلاف بيت من الشعر تناولت أحكام العبادات في فقه الإمام مالك، كما نظم (عزبة الزنجاني في الصرف) التي بلغت أربعمئة وخمسين بيتًا، وعرف العلجي بين الأحسائيين بجدِّيته في كل أموره، وهذه الصفة انعكست على شعره، فجاء معالجًا القضايا الأخلاقية، إذ حذر الشباب من المفاسد والعادات الذميمة، ويكثر في شعره الدعوة إلى الخلق الحميد، وامتلأ بالنصائح، وحارب كل الأمور الوافدة من الغرب، جملة وتفصيلاً، بخيرها وشرها، ونظم في هذا الإطار منظومة طويلة قسمها إلى فصول، حث فيها على الآداب، والعمل بالقرآن الكريم، وتناول فيها حق المسلم على المسلم، والدعوة إلى نبذ مبتدعات العصر، وله نونية مشهورة في الخلق الفاضل بلغت ثمانين بيتًا، وكثيرًا ما يحمل على دعاة الحضارة الجديدة في شعره، وهو بصورة عامة أكثر شعراء المنطقة اهتمامًا بالقضايا الإسلامية والخلقية والتربوية  
 
ومن أبرز شعراء القطيف في هذه الفترة الشاعر أحمد بن مهدي بن نصرالله، وكان قد ورث مكانة والده العلمية في القطيف، وقد ترك الشاعر ديوانًا ضخمًا في أربعة مجلدات، وكان شاعرًا مكثرًا، إذ تجاوزت بعض قصائده مئة وعشرين بيتًا، وجارى في بعضها المعلقات السبع. ويكثر في شعره من غريب الألفاظ، كما أنه عارض ابن أبي الحديد في قصائده (السبع العلويات) فنظم على منوالها في البحر والروي والغرض، وله أكثر من مئة قصيدة في رثاء آل البيت  .  والشاعر الشيخ علي الجشي 1299 - 1376هـ /1882 - 1957م، واحد من العلماء الكبار في القطيف، تولى القضاء فيها فترة من الزمن بطلب من أهلها، وهو من الشعراء المكثرين، له ديوان ضخم، خصص منه جزأين في مديح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته، وقد طبعا بعد وفاته تحت عنوان: (شعر الجشي)، كما صدرت له مجموعة شعرية بعنوان: (الشواهد المنبرية)  .  ومنهم الشاعر الفقيه الشيخ عبدالله بن معتوق بن درويش آل مرهون التاروتي 1274 - 1362هـ /1858 - 1943م، وللتاروتي إلى جانب مؤلفاته في الفقه، شعر كثير في أغراض متعددة، وقد كان ممن ولعوا بالزخرف والبديع في الشعر، نظم قصة مقتل الإمام الحسين، وفصلها فصولاً، ذاكرًا فيها سفره إلى العراق، واستشهاده في أرض كربلاء، وما جرى لأهله بعد مقتله ودفنه، وله ديوان مطبوع تحت اسم: (ديوان ابن معتوق)  .  وهناك عدد كبير من الشعراء الذين برزوا في تلك الفترة وتركوا آثارهم الأدبية التي صارت بمثابة البذور الأولى للشعراء المعاصرين ونواة للنهضة الأدبية الحديثة.
 
شهدت المنطقة الشرقية باكتشاف النفط فيها تطورًا سريعًا في شؤون الحياة كلها: اقتصاديًا، واجتماعيًا، وعمرانيًا، وتعليميًا، وفكريًا، وثقافيًا، فاكتشاف النفط يعد - بحق - أعظم حدث في تاريخ هذه المنطقة، إذ قفز بها إلى حضارة القرن العشرين، وظهرت الطباعة والصحافة، وتلك أمور لم تعهدها المنطقة قبل تفجر النفط في تلك الربوع. كما انتشر في أنحاء تلك المدن عدد من المكتبات، منها ما تكفلت الدولة بإنشائها لعموم القراء من المجتمع كافة، ومنها ما هو خاص يزود المجتمع بكل ما هو قديم من كتب التراث، أو جديد من مختلف العلوم والمعارف، وأغلبها يجلب من الخارج، ويوفر كل ما تنشره دور الطباعة والنشر من داخل المملكة، ليسهل على القراء والباحثين والمثقفين الحصول على ما يريدونه من مختلف المصادر والمراجع العربية، وهو في الوقت نفسه يعود عليها بالربح المرضي والكسب الحلال، بصفته عملاً تجاريًا مفيدًا للمجتمع من جهة، وللقائم على تسويقه من جهة أخرى.
 
لقد سهل ظهور الطباعة في المنطقة على الباحثين والأدباء نشر نتاجهم العلمي والأدبي، وصار حافزًا للكتّاب والمؤلفين على العطاء وتفعيل حركة التأليف والنشر في المنطقة بصورة لم تكن حاصلة لهم قبل اكتشاف النفط. وقد كان أهالي المنطقة يتكبدون العناء في السفر إلى الخارج من أجل البحث عن المطابع هناك لطبع مؤلفاتهم في مصر ولبنان وسورية والعراق، كما كانوا يتعرفون على ما يجري حولهم في هذا العالم الفسيح من قضايا سياسية واجتماعية وثقافية، عن طريق ما يصل إليهم من صحف ومجلات من البحرين ولبنان ومصر. ومن أشهر تلك المجلات التي تصل إليهم مجلة (صوت البحرين) من البحرين ومجلة (الحوادث) الأسبوعية، و (الأديب) و (الأمالي) و (العرفان) وجميعها من لبنان، و (الهلال) و (المصور) و (الكواكب) و (آخر ساعة) من مصر، كما كان الموظفون في الدوائر الحكومية يحصلون على صحيفتي (أم القرى) و (البلاد السعودية) من المنطقة الغربية بالمملكة، ومن خلالها يصل إليهم ما يستجد من أنظمة وأخبار عن المملكة من أدناها إلى أقصاها.
 
وبقيت المنطقة الشرقية حتى نهاية عام 1372هـ /1953م، دون نشاط صحفي فيما عدا مراسلات بعض المثقفين لعدد من المجلات والصحف خارج المنطقة وإمدادها بشيء من مشاركاتهم الأدبية والفكرية، حتى صدر العدد الأول من مجلة (قافلة الزيت) بتاريخ 1 /2 /1373هـ الموافق 1953م، عن شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)، فكان صدورها في ذلك الوقت إيذانًا بولادة أول عمل صحفي يصدر في المنطقة بشكل منتظم وهو عمل أعقبه عدد من الأعمال الصحفية المتنوعة في المنطقة.
 
 
شارك المقالة:
51 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook