براءة

الكاتب: المدير -
براءة
"براءة

 

لكنَّنا سندخلُ الجنَّة.. هكذا قالت لي بكلّ براءة، وبيقينٍ بالغٍ أكّدت لي ذلك مرّةً واحدةً فحسب، ثم صمتت ولم تتكلّم بعدها.. لم تكن تنتظرُ جوابًا؛ حيث استدارت إلى الناحية الأخرى ووجّهت وجهها صوبَ السماء..

 

كان في عينيها بريقٌ بازغٌ يؤكّد لي صدقيّةَ ما تقوله وتؤمنُ به، وكأنّها كانت ترى شيئًا، أو تحملُ كتابها بيديها!.. لكنّ يدها كانت فارغة.. مع هذا، فهي لم تكن تكفُّ عن تأمّل تلك اليد الصغيرة بكلٍ صمتٍ وإجلال، وابتسامةٌ رائعة ساحرة كانت تجلّلُ وجهها المنيرَ الناعم وتزيدهُ ضياءً وبِشرا.

 

لبرهةٍ كدتُ أحسبُ أنّ الكلامَ سيخرجُ من باطنها حيًّا يتنفّس، خلتُ أني ألامسه!.. وكأنّه طيفٌ تجسّد، أو جسدٌ طافَ حول دائرةِ النشورِ وحلّت بهِ الروح...

 

لا، هي لم تكن تقولُ الكلام، بل الكلام كان هو الذي يقولها وينطق عنها. ثمّةَ شيء أكبر منها وأعظم من قامتها القصيرة تلك، جعلها تطلق تلك الكلماتِ الفريدةِ العملاقةِ من أعماقِها بكلّ ما أوتيَت من طمأنينةٍ وارتياح..

 

وتساءلتُ: من الذي حباها كلّ تلكَ الثقة؟ من الذي أكّد لها صحّةَ فرضيّتها التي وُلدَت حقيقةً كاملة من قبلِ حتّى أن تُصاغَ وأن تُجَرَّب، وهي البريئةُ الصغيرة التي لم تبلغ الخامسة من العمرِ بعد؟..

 

أخيرا قرّرتُ أن أسألها:

من قال لكِ هذا؟

قالت: أنا أعرف هذا وحدي.

قلتُ: كيف؟

فأجابتني إجابةً حاسمة لا رجعةَ فيها:

لأنّني أحبُّ الله.

 

هكذا إذًا؟.. هذا هو كلّ شيء.. هكذا ينبغي أن نكونَ بحسنِ ظنّنا بالله، تمامًا كما الأطفال؛ يثقون بالله وما عنده وينتظرون جزاءه بكامل الفرحة واليقين.. لكنّ هذا حتمًا لا يكفي، فنحنُ نحتاج ابتداءً لأعماقٍ نقيّةٍ باهرة تشبهُ أعماقهم.. أعماقٍ بهيّةٍ طاهرة تليقُ بحبّ الله.

 

علينا إذًا أن نتّخذَ لنا قلوبًا ناصعةً صافية كقلوبِ الأطفال، بيضاء بيضاء لا تشوبها شائبة، ولا شيء يقدرُ أن يغشّيها أو يردعها عن إبصارِ وعد الله، وتذوّقِ حبّهِ واستشعار معيّته في كلِّ آنٍ وحين...

 


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook