بعض الحصاد في رحلة سلم السماء

الكاتب: المدير -
بعض الحصاد في رحلة سلم السماء
"بعض الحصاد في رحلة سلَّم السماء
(وقفة محارب)

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

القارئ الكريم، سلام من الله عليك ورحمة ربي وبركاته، وعساك كما نرجو لك ولأمثالك من كل شخص حريص على (الكلمة الهادفة) التي نسأل لأقلامنا منها أوفر النصيب.

 

سأجعل حديثي على شكل نقاط من باب التركيز، وأسأل ربي أن يجري الحقَّ على حرفي وفيه.

 

1) أنا - وأعوذ بخالقي من شرها - مثل كثيرات غيري، أنعم الله علينا بحب الدعوة والعلم الشرعي، عاطفة لم ندفع لأجلها مقابلًا، يوم كانت أرزاق كُثُر غيرنا هي حبُّ الفاحشة والفساد والإفساد، فاللهم ربنا لك الحمد.

 

2) اعترفت أن (حب الدعوة) هبة ربانية، فماذا فعلت لأجلها؟ ماذا قدمت لها؟ كيف صُنْتها؟ كيف استخدمتها؟ كيف نَمَّيتها وطوَّرتها؟ كيف منعت عنها القواطع والصوارف؟ هل لهجي باللسان فقط هو ضريبة هذه الهبة الربانية؟ اللهم لا واللهِ لا لا لا، سعيت وما زلت أن أجعل الشكر عملًا وديدنًا ونمط حياة، وخلال سطوري القادمات تدركون مُرادي.

 

3) بداية دعونا نُقرِّر أن (الرغبة) ليست كل شيء رغم كونها مُؤثِّرًا من الأهمية بمكان.

 

4) لن ننسى المقولة الخالدة لمحمد بن إسماعيل البخاري يوم تحدث مَنْ تحدَّث عن شدة حفظه، وتساءلوا أنَّى له به؟! وقالوا: لعلَّه له دواء يشربه سمَّوه بلاذر، فأختلى به أحدُهم سائله: يا إمام، أي دواء أنفع للحفظ؟ فقال: ما رأيت مثل (نهمة الرجل دواء أنفع للحفظ، ثم مداومته وعكوفه على النظر)، وصدَق وربي أيما صدق! أوتدرون معنى نهمة؟ إنها الرغبة من الأساس، وهي التي لا تُشترى والله، وكم أرى في دروسي هنا وهناك من يملكون كل المعينات؛ لكنهم زاهدون تمامًا عن العلم الشرعي حرمانًا وخِذْلانًا من كريم يعلم، ورأيت في المقابل مَنْ لا يملكون سوى العقبات والعثرات لكن شدة رغبتهم وقوتها، حطَّمت الصخور ودكَّتها دكًّا؛ بل حوَّلت المحن منحًا استخرجت من طيَّاتها لطائف المعارف، فاللهم شدة تعلق بك وتوكُّل عليك لا بسواك.

 

5) الرغبة والنهمة وشدة الإخلاص للأمر والرغبة في تحصيله، وقوة الإرادة في المضي والعزم، بحيث لا يكسرك شيء قطُّ، ولا يجعلك تتراجع؛ بل تزيدك الصدمات قوةً وإيمانًا، هذا هو ما يُسمَّى بالرغبة الحقيقية، وخلافها ادِّعاء والناس في البابين بين غالٍ وجافٍ ووسط.

 

6) أن تنسب النعم التي عندك لربِّك سبحانه هذا توحيد، وأن ترعى بقاءها بالشكر العملي هذا تشريع وتعبُّد؛ فعن عمر بن عبدالعزيز، يقول: قيِّدوا النعم بالشكر، وأحسن من ذلك قوله تعالى: ? وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ? [إبراهيم: 7]، تأمَّلُوا شطر الآية الأخير الذي نغفل عنه كثيرًا.

 

7) هل نحن نجري مثل هذه الحسابات أعلاه مع شخوصنا الغافلة؟ أم يستوي علينا الليل والنهار في جريانهما؟ هل نحاسبها أم نسلوا كما تسلوا البهائم؟ اللهم توبة نصوحًا قبل الصعقة.

 

8) الرغبة وحب الدعوة وشديد التعلق بالعلم الشرعي - أمور على أهميتها البالغة ليست هي ركائز النجاح الوحيدة في هذا الحقل.

 

9) ستسأل نفسك: ما حدود رغبتك وطاقاتك معًا؟ ما حدودها من كل اتجاه؟ المقدرة العقلية، المقدرة القلبية، المقدرة المالية، المقدرة الإدارية... إلخ؛ لتُقرِّر بعدها هل أنت رجل عامة؟ أم عليك نفسك؟ أم بين بين؟

 

10) كونك تتمتَّع بصفات قيادية جمَّة لا يعني تأهُّلَكَ الفوري لقيادة الآخرين، يحتاج الأمر دراسة، فليس بالحماس وحده نقود الناس، على أهمية الحماس يوم مات كُثُر وهم أحياء، ماتوا بالبرود والعاطفة الميتة تمامًا تجاه الإسلام وقضاياه، فلا تسأل أي دم يجري في عروقهم؟ نسأل ربنا العافية والسلامة.

 

11) عليك دراسة الأمر بتأنٍّ، وإلَّا جرَّك الشيطان لهاوية مهلك نفسه في نجاة غيره سفيه.

 

12) لعلي أنا كاتبة المقال يكاد الوصف أعلاه ينطبق عليَّ، إهلاكي لنفسي في إصلاح غيري حتى كاد رأس المال يضيع، فأي ربح حينها نتحدَّث عنه؟

 

13) الشيطان حريص جدًّا، ويعمل جاهدًا ساعيًا برغبة يُحْسَد عليها أن يُوقع كل الناس في حبائله، ولا يكاد ييئس قطُّ من مسلم.

 

14) بعد أن يقوم كل مسلم بالفرائض التي لا جدال حولها، ويترك المنهيات التي لا شك فيها، بعدها يتساءل ويبحث ويجرب (أي باب فتح له فيه؟)، أهو مزيد عبادة محضة؟ أم مزيد علم شرعي؟ أم مزيد علوم دنيا تنفع بني الإسلام؟ أم مزيد توسُّع في زينة الدنيا خاصتك؟

 

15) في المجتمعات النامية في كل شيء عبارة مثل: فراغك من الفريضة وتركك للمنهيات، قد تكون محض خدعة كبيرة؛ فغالب الناس هنا ما زالوا يحبُون حَبْوًا في الدرج الصاعد نحو السماء، ويعانون الأهوال كلها؛ كي يصلح أصل إسلامهم، ومع ذلك ليست هذه كارثة في حد ذاتها، فبعد الاعتراف والتشخيص الدقيق سيكون المربع ببساطة شديدة هو ما لا يسع المسلم جهله علمًا وعملًا، فهل رأيتم أروع وأرحم من الإسلام، وهو يجبُّ ما قبله كله، أيًّا كانت كارثية القبل هذا؟! ولعل مشروعي أنا الصغير كاتبة هذا المقال كان هو هذا المربع.

 

16) كيف هي عقيدتنا نحن معشر النساء بالذات؟ كيف هي عقيدتنا في بلاد عدد القباب والأضرحة فيها لا تُخطئه عين؟

 

17) كيف هي صلواتنا المفروضة؟ هل نحن نوقن أن الطمأنينة ركن بفواته تبطُل الصلاة؟ ما هي الطمأنينة أصلًا؟ أواه، هذا سؤال يردك من شخص يصلي منذ 50 عامًا!

 

18) كيف هو صيامنا؟ جوع وعطش فقط؟ نوم بالنهار كالجيف وسهر في المساء في القنوات!

 

19) كيف هو حجاب حواء؟ 3 شروط فقط كما يحكي حجاب لندن وباريس، ولا أدري ما علاقة فرنسا بالحجاب!

 

20) كيف هي تربية الأبناء وتبعُّل الأزواج، ذاك الرهان الذي أقعد كثيرات حتى عن طلب ما لا يسعْهُنَّ جهلُه بمسمَّى أنهن في عبادة وأي عبادة؟

 

21) أو تدرين بنات جنسي معنى العبادة، وشروطها وخوارمها؟ من أين لكنَّ أن الواجبات المنزلية على رهقها العنيف قد رفعت في صحائف الحسنات وليس السيئات؟

 

22) رب زوجة تُواجه نيران موقد الغاز وبخار السوائل الساخنة، وينال جسدها نصيبه من جهنم بزيت المقلاة الحارق، تفعل هذا كله ولا تنال في الآخرة حبَّة خردل من أجر هذا إن لم تكب في النار كبًّا! نسأل ربنا السلامة.

 

23) هل مقالتي أعلاه تيئيس وتقنيط؟ معاذ ربي، فلا ييئس من روحه ويقنط إلا الكافرون والكافرات، نسأله الإيمان والتوحيد؛ بل هي القاعدة (خوف هنا يعقبه أمنٌ هناك، هو سبيل العارفين، أما أمنٌ هنا وخوفٌ هناك، فهو سبيل الغافلين)، ولا يجمع عدل ربي خوفين في قلب ولا أمنين، والدنيا عمل شاقٌّ قبل الراحة في النعيم هناك، نسأل ربي أن نكون من أهله.

 

24) مقالتي هذه من الباب التالي يا كرام، وهو باب وأي باب؟ بل هو أعظم الأبواب لنتأمله معًا جليًّا.

 

25) ? وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ? [الفرقان: 23] هذا العمل موجود فلم صيَّره ربي هباءً منثورًا كالذرِّ بلا أدنى قيمة؟ لأن صاحبتنا أقضَّ مضجعها عدم الولد، فطفقت تقصد الأضرحة تسألهم رزقًا! هذا أول قادح وأكبره وأعظمه وهو الشرك، وهو الذي لا يغفره ربي قَطُّ، يغفر كل شيء عداه، أن تقتل وتسرق وتزني وتفعل الشر كله، ثم تأتيه لا تشرك به شيئًا يقبلك ويتوب عليك، وفي بلادي ترى النساء القتل كبيرة لا عَفْوَ معها، وتقصد الأضرحة قُرْبة ما بعدها قربة!

 

26) عن عدي بن حاتم قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبي كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل، فهل له في ذلك؟ يعني: من أجر، قال: ((إن أباك طلب شيئًا فأصابه))، وعن سهل بن سعد الساعدي أن عدي بن حاتم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أبي كان يصل القرابة، ويحمل الكل، ويطعم الطعام، قال: هل أدرك الإسلام؟ قال: لا، قال: ((إن أباك كان يحبُّ أن يذكر((، هذا هو القادح الثاني، وهو الرياء وعدم إخلاص العمل لرب البرايا؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟))، فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه))؛ رواه أحمد وابن ماجه.

 

27) عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه رأى رجلًا يُصلِّي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يُكثِر فيها الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، يعذِّبني الله على الصلاة؟! قال: لا؛ ولكن يُعذِّبك على خلاف السنة، وهذا هو القادح الثالث البدعة، وما أكثر البدع وإنَّ فُشوَّها ليُحيِّرك أيما حيرة! في حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))؛ أي: مردود، قال ابن دقيق العيد رحمه الله عند شرحه هذا الحديث: إنه صريح في ردِّ كل بدعة وكل مخترع يعني في الدين، وقال عن رواية مسلم التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ))، قال: إنها صريحة في ترك كل محدثة سواء أحدثها فاعلها أو سُبِق إليها.

 

28) ما سبق باختصار أن توحِّد ربك أولًا، ثم تخلص له العمل، وتُنقِّيه من البدع والشوائب، هذه رحلة تصحيح تنقضي دونها الأعمار، وتنصرم الجهود والمساعي من كل صنف ولون وشكل، فاللهم بداية صحيحة لنهايات أصحَّ.

 

29) ستتأمل ثوب الإسلام وتتفحَّص خروقه، وتسأل نفسك أي رقع يعنيك؟ يخصُّك؟ تقدر عليه؟ تبدأ به؟ هو الأهم؟ هو الجوهري؟ ما عداه ثانوي؟ لو فشل هو، فشِل سواه؟

 

أعيدوا قراءة المقال بتأنٍّ يا كرام، وتابعوا تكرُّمًا الجزء الثاني، نفع ربِّي بنا وبكم.


"
شارك المقالة:
32 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook