بلدة الغاط بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
بلدة الغاط بالرياض في المملكة العربية السعودية

بلدة الغاط بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
 
هي بلدة قديمة نشأتها سابقة لظهور الإسلام بقرون. وتقوم البلدة على أطراف وادي الغاط مستفيدة من المياه التي ينقلها ذلك الوادي، وهو بدوره يستفيد من مياه عدد من الشعاب المنحدرة صوبه من المرتفعات المجاورة المحيطة بمجراه  
 
وورد ذكر الغاط في كتاب (بلاد العرب) للأصفهاني  ،  كما جاء ذكرها عند ياقوت الحموي في معجمه حيث قال: لُغَاطُ: بالضم، وآخره طاء مهملة فُعال من اللغط وهو كثرة الحديث من غير فائدة.. وقال الليث: لغاط، بمعجمة، اسم جبل من منازل بني تميم، وقال أبو محمد الأسود: لغاط وادٍ لبني ضبة وذكر فيه شعرًا للهرار بن حكيم الربعي. وفي كتاب بني مازن بن عمرو بن تميم قال ابن حبيب: لغاط ماء لبني مازن بن عمرو بن تميم. وذكر شعرًا لعقبة بن قدامة الحبطي. وقال محمد بن إدريس بن أبي حفصة اليمامي: لغاط لبني مبذول وبني العنبر من أرض اليمامة. وذكر شعرًا لعمارة بن عقيل بن بلال بن جريد  .  وذكرها عدد من الشعراء ربما كان أقدمهم الحطيئة  
 
ومرّ بالغاط عدد من الرحالة الغربيين الذين كانوا في طريقهم إلى الرياض، وربما كان أقدمهم الرحالة وليم جيفورد بالجريف الذي مرّ بها عام 1278هـ / 1862م  ،  ثم باركلي رونكيير الذي مرّ بها عام 1330هـ / 1912م ولم يذكر سوى مقابلته أمير البلدة  ،  ثم الكابتن شكسبير الذي مرّ بها عام 1332هـ / 1914م الذي لم يذكر سوى مقابلته الأمير واستضافة الأمير له  .
أما العمل الآثاري الذي أنجز في المحافظة فيتمثل في مقالة نشرت وذكر فيها عدد من النقوش حول مدينة الغاط  ؛  ومسح قام به فريق من وكالة الآثار والمتاحف في 3 / 7 / 1420هـ الموافق 1999م، جاءت نتائجه في تقرير نشر عام 1423هـ / 2002م. وحسب ما ذكر الفريق، فقد تم تسجيل عدد من المواقع وتوثيقها  ؛  وهناك مقالة أخرى عام 1425هـ / 2004م ذكر فيها آثار محافظة الغاط  
 
ويذكر بالجريف أنه وصل إلى الغاط في أواخر فترة ما بعد الظهيرة (العصر)، وذهب هو ورفاقه إلى منـزل وجيه القرية الذي يقع على حافة الوادي، ومثله بقية منازل القرية، وذكر أنه يوجد أمام منـزل وجيه القرية ساحة، وبالقرب منه يوجد مسجد، كما ذكر أن وصولهم صادف نـزول الأمطار، فكانت الآبار تسيح في ما يشبه الأنهار القصيرة وأن السيل قد دمر بعض المنازل، وأن منازل القرية منضدة على الجبل بشكل تتابعي  .  وذكر أن المتنفذ في الغاط كان شابًا من أهل القرية دعاهم إلى منـزله واستضافهم بحضور أقربائه في قهوته، وكان أقرباؤه يتمنطقون بالسيوف ذات المقابض الفضية  .  وبعد تناول القهوة صعدوا إلى الطابق العلوي حيث توجد غرفة كبيرة لها شرفة مفتوحة وبقوا بها حتى جهزت وجبة العشاء  
 
ويذكر الكابتن شكسبير أنه وصل إلى الغاط من الزلفي، وأن أمير الغاط الذي ينعته أحيانًا " بالرئيس " استقبله وأكرمه غاية الإكرام. وبات في الغاط ليلة ثم واصل رحلته إلى المجمعة  ،  ولم يترك الكابتن شكسبير وصفًا للبلدة.
 
وتحدث عبد الله بن محمد بن خميس عن الغاط وأورد الأشعار التي قيلت فيها، ويبدو مما أورد أن الاستيطان في الغاط يعود إلى ما قبل الإسلام، وأنها من منازل تميم. ويذكر أن محدث التميمي أعاد إعمار الغاط في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي  
 
ووفقًا للعمل الآثاري فإن آثار الغاط تتمثل في الآتي: قصر الإمارة في البلدة القديمة، وبرج أو مرقب البلدة القديمة، وسور الصبيخية، والجادة القديمة (طريق الجمال)، وقصر خزام بمركز مليح (متهدم)، ومسجد العوشزة، وموقع بئر الحطيئة الآثاري، وعدد من المواقع الآثارية ومنها الدوائر الحجرية والنقوش 
 
يقع قصر أو مبنى الإمارة القديم في محافظة الغاط  ، وهو مبنى مستطيل الشكل يقع على ثلاث جهات بينما تجاور جهته الرابعة بعض المباني. وهو يمتد من الجنوب إلى الشمال، ويبلغ طول الجدار الشرقي له 100م تقريبًا، أما الجدار الجنوبي فطوله نحو 35م، والجدار الغربي غير مستقيم بل منحنٍ. ويوجد في ركن القصر الجنوبي الغربي مسجد خصص لمن يسكن القصر، وللقصر مدخل رئيس يقع في الجهة الجنوبية بعرض 3.35م.
 
شيد القصر بأساسات حجرية يعلوها البناء بمادة الطين المبطنة بمادة طينية أيضًا، وسقف سطحه من خشب الأثل، وقد وضع فوقه جريد النخل وسعفه، ثم الطين، وتحمل السقف أعمدة من الحجارة أسطوانية الشكل، المعروفة محليًا بالخرز المليسة بالطين ثم الجص وعليها تيجان.
 
ويتكون القصر من ثلاث وحدات سكنية، تتشابه في التصميم، إذ إن كلاً منها يتكون من الغرف ذات الأغراض المختلفة كالجلوس والتخزين والنوم والطبخ. وهناك عدد من الفراغات المعمارية والأفنية والأحواش والمصابيح بعضها يحيط بالغرف  ،  وتختلف الوحدات المعمارية الثلاث المكونة للقصر من حيث القدم، فالوحدة الجنوبية هي الأقدم، ثم الوحدة التي تليها من الشرق، ثم الوحدة السكنية المطلة على جهة الشرق، وجميع الوحدات مبنية من دورين  
 
ويشتمل القصر على نوعين من النوافذ؛ نوافذ خصصت للدور الأرضي وهي صغيرة تبلغ أبعادها 40×40سم، ونوافذ في الدور العلوي تأخذ شكل المستطيل بأبعاد هي 1.5م طولاً و 0.5م عرضًا. وبنيت للأسطح سترة تزيد على قامة الرجل متوسط الطول، وصرّف ماء السطح بميازيب منحوتة من خشب الأثل  . 
 
وبزيارة القصر يتضح أنه قصر حكم متكامل، فيه المدخل الرئيس، ثم صالة جميلة، فمجلس للرجال، فمخازن الغلال مثل التمر والحبوب بالإضافة إلى معاصر لاستخلاص الدبس من التمر وكبس التمر ذاته. واستخدم الطوب الطيني الممزوج بأعواد التبن في عمارة القصر وبطنت جدرانه بمادة الطين واستخدم الجص الأبيض في تبطين بعض الجدران الداخلية له، وبخاصة أجزاء الجدران الواقعة حول موقد النار في مجلس الرجال، كما استخدمت الأعمدة التي تحمل تيجانًا تقوم عليها سقوف الدهاليز والممرات، وبخاصة ممرات الصالات المفتوحة. واستخدمت العوارض الخشبية المقطوعة من شجر الأثل مع جريد النخل الذي ينضد على العوارض الخشبية. ويوجد في كل صالة درج يقود إلى الطابق العلوي حيث توجد غرف السكنى والنوم.
 
وللغاط برج مراقبة وهو من النوع المصمت المشيد بحجارة منتظمة ومرصوصة رصًا جيدًا  . ولم تستخدم المونة في ربط الحجارة بعضها ببعض، وإنما استعيض عن ذلك باتباع نظام هندسي يقتضي تداخل الحجارة، واستخدام الحجارة الصغيرة والكبيرة في عملية التعشيق وملء الفراغات. ويبلغ ارتفاع ما تبقى من البرج 3.30م، فيما يصل قطره الأعلى قرابة ستة أمتار  .
وتوجد في الجهة الشرقية بقايا سور البلدة القديمة  . واستخدمت الحجارة في أساسات السور فيما استخدمت العروق الطينية في بناء جدرانه، ويظن أن للسور أبراجًا، استدلالاً من العثور على بقايا متهدمة في طرفه الشرقي.
 
ونظرًا إلى أن موقع الغاط داخل ريع، وعلى حافة مجرى وادٍ، وفي جذع جبل طويق، فقد لزم أن يكون له طريق معبد يخترق الجبل إلى الهضبة حيث الطريق صوب الجنوب. وقد عثر فريق المسح التابع لوكالة الآثار والمتاحف على بقايا طريق يقع في الجهة الشرقية للبلدة. مُهدت هذه الطريق عبر الجبل وزُودت بجدران واقية في الأمكنة الخطرة، ويبلغ عرض الطريق نحو مترين 
 
ولبلدة الغاط القديمة مسجد يعرف باسم مسجد العوشزة؛ وتبلغ أبعاد المسجد 21×9.5م، واستخدمت الحجارة في بناء أساسات جدرانه واستكمل بناء الجدران بالطين المكسو بالطين الممزوج بالتبن لتقويته. وتقوم أسقفه على أعمدة أسطوانية الشكل مشكلة من خرز حجري مملط بمادة الجص، كما استخدم الجص في زخرفة جدرانه. وللمسجد مدخلان يقوم أحدهما في الجهة الشرقية، بينما يقوم الآخر في الجهة الجنوبية الشرقية. وبشكل عام يشتمل مخطط المسجد على بيت الصلاة، والسرحة، والخلوة، والسطح، والمئذنة، والميضأة 
 
وعليه يلاحظ أن بلدة الغاط القديمة التي تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، والمعروفة خلال العهد الإسلامي، تتكون من بلدة قامت في موقع جغرافي إستراتيجي من حيث السيطرة، ومن حيث وفرة المياه الجوفية، ومن حيث جودة المنتوج. وضمت البلدة الحي السكني، والقصر، والسور، والمسجد، وبرج المراقبة.
 
وبالنسبة إلى ما حول بلدة الغاط فتوجد بعض المواقع الآثارية القديمة على ضفاف وادي مرخ. ومن أهم تلك المواقع بئر الحطيئة المحفورة في الصخر ولها فوهة مرصوفة بالحجارة على شكل مداميك، لا يزال اثنا عشر مدماكًا منها قائمة في الجهة الشمالية من البئر، أما عمق البئر فهو 4م، وقطر فوهتها يصل إلى نحو 5.1م.
 
ويوجد على بُعد 150م إلى الغرب من البئر بقايا جدران يظن أنها بقايا سد ماء يبلغ طول ما تبقى منه 26م، وعرضه نحو 1.82م، وارتفاعه 90سم، وتوجد بالقرب منها آثار قبور.
 
وفي اتجاه آخر وعلى بعد 150م توجد بقايا دوائر حجرية إلى الجنوب من البئر تنتشر على الهضاب المطلة على الوادي  ، بالإضافة إلى مبنى على شكل مذيل مشيد من أحجار مختلفة الأحجام والأشكال يبلغ طوله 300م، وسمك جداره 70سم، وارتفاع ما تبقى منه 80سم.
 
وإلى الشمال الغربي من البئر بنحو 5كم توجد هضاب سوداء عثر فيها على كتابات قديمة ورسوم وعلامات  . وتوجد النقوش على قمم تلك الروابي المسطحة  ،  وتشتمل الرسوم على الحصان والجمل والوعل والنعام   وطبعات الأرجل والأيدي وقرص الشمس وأشكال أخرى.
 
شارك المقالة:
53 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook