بلدة المجمعة بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
بلدة المجمعة بالرياض في المملكة العربية السعودية

بلدة المجمعة بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
تمثل البلدة نقطة إستراتيجية على ملتقى عدة أودية؛ ولذا أطلق عليها اسم المجمعة؛ أي المكان الذي تجتمع فيه الأودية وتلتقي. إن استيطان المكان يعود إلى إستراتيجيته المكانية وخصوبة أرضه ووفرة مياهه؛ حيث إنه تلتقي عنده سيول عدد من الأودية، من أهمها وادي المشقر ووادي الكلب.
 
وتقوم بلدة المجمعة في موقع إستراتيجي؛ فهي تتحكم في نقطة التقاء عدد من الأودية. ويُذكر أن وادي المشقر ينحدر من مرتفعات طويق (مجزل)، وبعد 60كم من نقطة انحداره يلتقي عددًا من الروافد أهمها الجادة والخيس والحمادة ووشي والحسيان وأبو هلال، ويطلق عليه اسم آخر هو وادي النمل. ويلتقي كل من وادي وشي ووادي الحسيان مع وادي المشقر عند منطقة السد غربي المجمعة بنحو 6كم، ويُكون تلاقي هذه الأودية ما يشبه البحيرة ثم تجتمع في وادٍ واحد قبل إنشاء السد، وبعد 6كم يصل إلى مدينة المجمعة.
 
والمجمعة من البلدات المهمة التي أدّت أدوارًا في التاريخ المعاصر، ويروى أن تاريخ نشأتها يعود إلى القرن التاسع الهجري، وتحديدًا إلى عام 820هـ / 1417م، وقد استوطنها عبد الله الشمري عام 830هـ / 1427 وبنى فيها حصنًا يسمى حصن منيخ. ويذكر ابن خميس أن الحصن لا يزال بارزًا، ويروي أنها سميت المجمعة لتجمُّع الأسر فيها بعد أن استوطن فيها عبد الله الشمري. وهناك من يرى أن الاسم جاء بسبب وقوعها على نقطة التقاء عدد من الأودية، وهذا هو الراجح والأقرب إلى الصواب 
 
وعندما يبحث الإنسان في ما كُتب عن آثار بلدة المجمعة فإنه لا يجد ما يمكن أن يعطي صورة واضحة عن آثار بلدة تقع في موقع تجمّع عدد من الأودية، ذلك الموقع الذي ربما يؤيد استقرار الإنسان فيها منذ عصور قديمة؛ فلا يمكن أن يقبل الإنسان إعطاء تواريخ محددة وأسماء معينة، كما يرد في بعض المصادر المحلية، لإنشاء بلدات ذات مواقع إستراتيجية كبلدة المجمعة، ولكن قد يقبل أن يُذكر أن فلانًا من الناس قام بإحياء موقع بعد هجره أو تردي استيطانه وتدهوره.
 
وعند التمعن في آثار بلدة المجمعة فإنها لا توجد إلا الآثار الثابتة التي تحدث عنها مَنْ كتب عن المجمعة، وهي ما سوف يُتطرق إليه، وهو أمر ناتج عن ندرة العمل الآثاري الميداني.
 
وباستثناء ذكر موقعين في المجمعة بوساطة فريق المسح الآثاري عام 1396هـ / 1976م الذي كان يومها مكلفًا بمسح المنطقة الشمالية إلا أنه مر بالمجمعة وذكر وجود الموقعين  ،  باستثناء ذلك لم تتعرض بلدة المجمعة وما حولها إلى أعمال آثارية إلا في الآونة الأخيرة عندما تم مسحها من قِبل وكالة الآثار والمتاحف عام 1416 - 1417هـ / 1995 - 1996م. ولم يكن المسح مقصورًا على بلدة المجمعة، بل شمل الكثير من المراكز التابعة لها  .  وأتبع ذلك المسح بمسح آخر عام 1420هـ / 1999م شمل محافظة المجمعة ممثلة في مدينة المجمعة وبعض المراكز التابعة لها، وهي: الأرطاوية، وأمشاش عوض، والقاعية، والشحمة، وجراب، وأم الجماجم، وجبل خزة، وثنيّة ضاحك، ثم ما حول مدينة المجمعة ذاتها، بالإضافة إلى محافظة الغاط وموقع ضرية في منطقة القصيم 
 
أما بالنسبة إلى الرحالة الأجانب الذين مروا بالمجمعة فإن أقدمهم هو وليم جيفورد بالجريف الذي يذكر عام 1282هـ / 1865م أنه بعد أن خرج من الغاط وصل إلى المجمعة التي قدر عدد سكانها - آنذاك - بما بين عشرة إلى اثني عشر ألف نسمة، ويذكر بالجريف أن المدينة تقع على مرتفع صغير وسط وادٍ ضحل واسع تحيط به البساتين والأشجار التي قال عنها إنها تتفوق على كل ما شاهد في قرى سدير. ويذكر أن أسوار البلدة عالية جدًا تصل إلى ثلاثين قدمًا، ويوجد في وسط المدينة قلعة مربعة الشكل تتحكم في المدينة وفي المناطق الريفية المحيطة بها، وأفاد بأن هناك تضاريس وحصونًا خارجية يحيط بها خندق عميق جدًا يكاد يكون مملوءًا بالماء، أما المزارع في بلدة المجمعة فكانت بلا أسوار 
 
ويذكر الرحالة باركلي رونكيير الذي زار المجمعة عام 1330هـ / 1912م؛ أي بعد زيارة بالجريف بخمسين عامًا، أنها تقوم في بطن وادٍ، وهي واحة واسعة، وأن المدينة محاطة بأسوار وأبراج مقامة على تل صخري يشرف على الجانب الجنوبي من الوادي، ويذكر أن منـزل الأمير قريب من السور 
 
وقال لوريمر عن المجمعة:
 
" هي المدينة الرئيسة ومركز الإدارة الطبيعي لمنطقة سدير في نجد، وتقع على الطريق الشرقي المؤدي من بريدة إلى الرياض بين الغاط والتويم على بُعد نحو 25 ميلاً شرق الجنوب الشرقي من الأولى و 34 ميلاً شمال الشمال الغربي من الثانية. وتقع المجمعة على الجانب الأيسر لوادٍ ضحل ينحدر من المشقر في جبل طويق وهي مدينة مسورة، بها حصن مربع كبير في الوسط، ويوجد حولها بساتين وحدائق للنخيل واسعة وبها نحو 650 منـزلاً ومزرعة 
إلى أن يقول: " والسكان جميعهم يقدرون بنحو 3500 نسمة، ويقال إنه كان يوجد سابقًا ما يقارب ستين ألف نخلة، ولكن كثيرًا منها اندثر بسبب القحط في السنوات الأخيرة "، إلى أن قال: " وتوصف المياه بأنها ضئيلة غير ثابتة "
 
وذكر أنه توجد بئر واحدة فقط لزراعة النخيل غرب المدينة يمكن أن يعتمد عليها مع أن استعمال البئر في فصول الجفاف تقيده السلطات. وأشجار الفاكهة الوحيدة - باستثناء التمر - التي استطاعت مقاومة الجفاف بنجاح هي الكروم. ويزرع كذلك الحبوب والبرسيم والبطيخ في قرى أخرى في منطقة سدير ويراوح عمق الآبار بين 6 و 12 قامة تبعًا لهطلان الأمطار، كما تقدر الحيوانات الخاصة بالمدينة بنحو 20 حصانًا و 60 جملاً و 200 حمار و 400 رأس من الماشية، إلى جانب الأغنام والمعز. ويوجد بها سوق تتكون من نحو 500 حانوت تباع فيها بعض البضائع مثل: البن والأقمشة والأسلحة والذخيرة، إلى آخره؛ ثم قال: " والعلاقات التجارية هي أساسًا مع الكويت، ولكن التجار المحليين يتعاملون مع عنيزة وبريدة في القصيم ". ويوجد طريق مباشر (طريق وبرة) الذي يصل المجمعة بمدينة الكويت 
 
وللبلدة القديمة سور تشهد بقاياه أنه كان مكونًا من جدارين مشيدين بالحجارة  ، وترك بينهما فراغ مملوء بالطين والحجارة الصغيرة. ويحتوي ذلك السور على عدة أبراج للمراقبة والدفاع، ويبلغ ارتفاع ما تبقى من جدرانه 3.60م تقريبًا، بينما يبلغ سمك الجدار 1.90م  .  ويُذكر أن لسور المجمعة تسع بوابات، هي: حويزة، والبر، والقنطرة، والنقبة، والجديد، والرملية، والهمال، والهلالية، والأمراء 
 
وتوجد بقايا سوق البلدة القديمة الذي كان مكونًا من عدد من الدكاكين استخدمت مادة الحجارة والطين في بنائها  ، والجص في ملاطها. أما الأبواب فقد صنعت من خشب الأثل، ومن الأثل أيضًا قطعت العوارض التي تحمل سقف السوق، ويوجد أمام الدكاكين عريش مسقوف   وتباع في ساحته البضائع، التي تنشط حركة بيعها بعد صلاة الجمعة  
ومن الآثار المتبقية في بلدة المجمعة قصر يعرف باسم (قصر الإمارة)  . أما فيما يخص تأسيس القصر فيذكر أنه كان عام 670هـ / 1272م  
 
والقصر المذكور مشيد بمادة بناء محلية مكونة من الحجارة للأساسات، والأعمدة والطين للجدران، والجص لملاط الأعمدة وإنجاز الزخارف، وخشب الأثل والجريد وسعف النخيل للأسقف، كما نحتت الأبواب والنوافذ والمرازيم من خشب الأثل  .  ولقد تهدمت في الوقت الحاضر معظم أجزاء القصر وهجر  .  ويتبع نمط القصر التخطيط النجدي المعروف الذي يتكون من وحدات سكنية، وأفنية وليوانات مكشوفة وأحواش ومصابيح.
 
ويبدو أن بلدة المجمعة كانت معتمدة، إلى حدٍّ ما، على مياه الأمطار التي تجرُّها السيول، ومن أجلها شيّد السكان السدود، وأهمها سد قراشة الذي يقع في بطن وادي المشقر شرق المجمعة  ، ويتكون سدّ قراشة من جدارين متعامدين يشكلان زاوية قائمة طول أحدهما 119م من الشرق إلى الغرب بانحراف نحو الجنوب، أما الجدار الآخر فيمتد من الجنوب إلى الشمال مع ميل بسيط إلى الجنوب الغربي بطول قدره 86م. وقد بُني السد بالحجارة المحلية التي رصّت على شكل مداميك، وتوجد فتحتان عند النهاية الشمالية للجدار الممتد من الجنوب إلى الشمال، ويبلغ ارتفاع ما تبقى من الجدران ثلاثة أمتار، والعرض يبلغ مترًا وثلث المتر  . 
وعثر على بقايا سد آخر اسمه مدرج العتيقي يقع شرق بلدة المجمعة في أحد فروع وادي المشقر  
 
ويوجد داخل سور البلدة مدرسة عمرها أكثر من 90 عامًا، يُظن أنها أنشئت عام 1336هـ / 1918م، وتعرف باسم مدرسة الصانع، وهي تقع ملاصقة لسور البلدة. وتتكون تلك المدرسة في الأصل من دورين تهدم الدور العلوي منهما وبقي الدور السفلي، وهو مؤلف من ساحات مكشوفة وأروقة تقوم سقوفها على أعمدة منضودة من خرز حجري بشكل أسطواني ومبطنة بالجص، وللأعمدة أقواس وعقود. كما يوجد في فناء المدرسة الداخلي دكّات ربما كانت تستخدم لجلوس الطلبة، ويوجد في الجدران عدد من المشكاوات، وقد استخدم خشب الأثل في حمل السقف المغطى بجريد النخل وسعفه ثم الطين  
 
وحول بلدة المجمعة وإلى جنوب شرق البلدة يقع مرقب المجمعة على مرتفع جبلي يرتفع عن سطح البحر نحو 750م  ،  ويتكون المرقب من برجين أحدهما داخل الآخر وبينهما رديم يرتفع حتى نهاية أساس البرج الخارجي الذي يبلغ 2.60م بسمك 60سم. وتم تشييد البرجين بمادة الطين، ويضيق المبنى كلما ارتفع إلى الأعلى ليظهر بشكل أسطواني. كما يتكون البرج الداخلي من غرفتين، السفلية شكلها دائري، والعلوية شكلها مخروطي، وللبرج نوافذ وخرمات وفتحات مختلفة الأشكال والأحجام  ، ربما استخدمت للدفاع عن النفس، ويوجد درج يربط بين الجزء السفلي من البرج بالجزء العلوي، ويظن أن تاريخ هذا البرج يعود إلى ما قبل مئتي عام  
وحول المجمعة يوجد عدد من الآبار التي ساعدت في توفير مياه الشرب، ومن هذه الآبار ما يعرف باسم (آبار حطابة) على ارتفاع نحو 570م عن سطح البحر، ولها فوهة سعتها 1×1م. وعلى مسافة 20م توجد بئر غير عميقة، وبالقرب منها توجد بئر ثالثة 
 
وهناك معالم قديمة تقع بالقرب من بلدة المجمعة منها مسجد القشخا، ومرقب مزرعة العولة  ،  ومقابر ومساكن تنسب إلى بني هلال على ارتفاع 690م عن سطح البحر ممتدة في وسط وادٍ وعر ومحاطة بالمرتفعات. ويحتوي هذا الموقع على عدد من المنشآت المائية المتمثلة في الآبار والقنوات المائية. ويوجد في الموقع بقايا أساسات لوحدات معمارية  ووجد في الموقع معثورات آثارية مثل: كِسر الأواني الفخارية المزججة، والعادية، وكِسر أواني الحجر الصابوني، وكِسر المشغولات الزجاجية 
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook