بناء المساكن والمواد المستخدمة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
بناء المساكن والمواد المستخدمة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

بناء المساكن والمواد المستخدمة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
لم يكن يُستخدَم المتر ومشتقاته للقياس، بل كانت مساحة الأرض تقاس بالمخزن؛ وهو وحدة قياسية للمساحة تساوي 42م  . فعلى سبيل المثال: الأرض التي مساحتها عشرة مخازن تساوي 10 × 42 = 420م  . وربما ذكر المعلم (رئيس البنائين) لصاحب المنـزل أن هذه المساحة تكفي لثماني أو تسع غرف أو مخازن.
 
فإذا اتفق صاحب المنـزل مع المعلم على المخططات الابتدائية مع التفصيلات الأخرى مثل عدد الرواشين و (البلكونات)، فإن المعلم يمكن أن يناقش مع المالك الميزانية المطلوبة والمدة اللازمة لبناء المنـزل تبعًا للمواصفات التي تم الاتفاق عليها، ويبقى الاتفاق على نظام الدفع فقط، ويجب أن يحضر عدد من الشهود أو أحد أعضاء رابطة البنائين في كلتا المرحلتين، ويمكن التغاضي عن بعض هذه الإجراءات إذا كان المالك جارًا للمعلم أو أحد أقربائه.
 
وقد كان الاتفاق على نظام الدفع يعد خاتمة الاتفاقات المبدئية في أعمال البناء، فيما كان هناك نظامان مميَّزان لدفع الأجرة هما: المقاولة (الجوادة أو المجاودة)، والأجرة اليومية (دفعات يومية)، ولا يقبل المعلمون الدائمون النظام الثاني للدفع؛ لكونه أقل مكانة   وربحًا.
 
وفي الواقع لم تكن خطوات البناء وأساليبه تأخذ التسلسل والترتيب نفسه عند إنشاء كل المساكن ولدى كل البنائين، إذ قد تختلف تبعًا لاختلاف خبرات المعلمين وقدرات أصحاب المنازل وحاجاتهم، ولكننا سوف نشير إلى أكثر الخطوات شيوعًا واستخدامًا لدى أهل المنطقة بشكل عام؛ إذ كانت عملية البناء تبدأ بحفر مواقع الأساسات بعمق مترين تقريبًا أو أقل أو أكثر تبعًا لطبيعة الأرض وارتفاع المبنى، وبعد عملية الحفر يبدأ وضع الأساس، وتعرف هذه العملية بـ (رصد السيسان) أي موازنة الأساس، إذ يصب الطمي وتوضع فوقه الحجارة،  وفي المناطق الجبلية لا تدعو الحاجة لعملية الحفر والتأسيس هذه.
 
وكان البناؤون هم الذين يقومون بالبناء الحجري أو الطيني أو بوساطة الطوب بطرقهم الفنية المستعملة في ذلك الوقت، كما كانوا يقومون بوضع بعض الأخشاب من الأثل أو السمر أو غيرها داخل الجدران ليتم التماسك بين أجزاء البناء، كما يقومون بتسقيف الغرف وغيرها بأعمدة الأثل أو جذوع النخل بعد تلوينها ورصفها على أسقف الغرف، ومن ثم وضع الجريد (جريد النخل)  بطرق معينة بين أعمدة السقف، ثم يغطى بالخصف أو الحصير المصنوع من خوص النخل أو غيره، وبعضهم يقوم بتلوينها قبل وضعها لتضفي جمالاً على منظر السقف، ثم يوضع عليها الطين، وتتم تسويته على سقف الغرفة.
 
وأكثر منازل المدينة المنورة - إن لم تكن جميعها - مبنية بالحجارة حتى نهاية الدور الأول أو أكثر، ويتم إكمال الباقي بالطوب الطيني (اللَّبِن)  أو طوب المصانع المحروق الأحمر، ويكون عرض الجدار في الدور الأول من 40 - 50سم أو أكثر، والأدوار العلوية يكون عرضها أقل من ذلك، وتبنى بالطين أو الطوب المحروق كما سبق. كما أن النجف (مداخل الغرف وغيرها) تسقف بخشب الأثل أو الصمل الأقل سماكة من خشب السقف؛ لأنه لم تكن هناك جسور أسمنتية ولا أسقف ولا أعمدة تقام عليها المنازل  
 
وقد كانت العادات المتبعة لدى أهل المدينة المنورة أن الأهل والأقارب والأصحاب يتعاونون مع من يعتزم بناء دار ليسكنها، ويقدمون له المعونة المادية والمعنوية كلٌّ حسب طاقته ووفقًا لدرجة قرابته ومودته، حتى لو اقتصر الأمر على مجرد الدعاء له بالتوفيق والبركة.
 
ويعد تسليم البيت لصاحبه مناسبة سعيدة للحيِّ؛ فبعد وقت طويل (من سنة إلى أربع سنوات) يأتي وقت تسليم البيت للعائلة، إذ يحرص الجميع على تسليمه قبل موسم الحج لأسباب كثيرة. وكان صاحب المنـزل يجمع عددًا من كبار السن في الحارة ليشهدوا عملية التمتير المبدئي وهي (القياس بالمتر) وهي قياس المنـزل والموافقة على المساحات، ويقوم المعلم وبعض مساعديه ومعهم المالك وبعض أفراد الحي (الحارة) بأخذ القياسات لمراجعتها ومعرفة مدى مطابقتها للاتفاق والعقد المبدئي الشفهي أو المكتوب بين المعلم وصاحب المنـزل  
 
ومن الجدير بالذكر أن فريق البناء التقليدي يتكون من (المعلم) وهو الذي يدعوه العمال (الريِّس) لأنه يرأس العمال، والنحات (وهو قاطع الحجر القراري) الذي يقوم بتكسير الحجر وفق طلب البنّاء ليكون الحجر ملائمًا للمكان الذي يوضع فيه من الجدار، وسمي قراريًا لأنه يشكل الحجر بمقدار موضعه وقراره في الجدار، و (المروج) وهو حامل الحجر، و (الطيّان) وهو حامل الطين، و (الخلاط) وهو عامل خلط الملاط، و (المناول) وهو عامل حمل الحجارة من أسفل إلى أعلى، و (الفلاتي) وهو مساعد البناء. وتحدد خبرة كل عامل وكفاءته حسب مكانته في الفريق ودرجة الاعتماد عليه.
 
وعلى الرغم من أن الأجر اليومي للتخصصات المختلفة من عمال طائفة البناء كان يحدده شيخ الطائفة، إلا أن معلم كل فريق كان له الحق في تغيير هذا الأجر حسبما يتراءى له من كفاءة العمال ومهاراتهم وخبراتهم وأقدميتهم  .  وتشارك في المراحل المتعددة لعمليات البناء طوائف أخرى من العمال والحرفيين مثل: النجارين، والحدادين، والنوارة، والحجارين، والدهانة وغيرهم، كلٌّ حسب اختصاصه وفي وقت الحاجة إليه.
 
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook