بين التفكر وسبب الحزن

الكاتب: المدير -
بين التفكر وسبب الحزن
"بين التفكر وسبب الحزن




كنت أرى كلَّ شيء على حقيقته، أو أقول: أنظر إليه

بعين الحقيقة؛ فأرى كلَّ مشاكل الحياة أنها أمر طبيعيٌّ؛ لهذا أتينا وكان الحزن قَدَرًا كُتِب علينا، ولكنه لم ولن يدوم، سيزول إما بِهَمٍّ أقلَّ منه، أو بفَرَحٍ يعقبه هَمٌّ أيضًا، وأعلم أنَّ زوال الألم والحزن بزوالنا من الدنيا.




كنت أنظر لمَن يعظ الناس بسؤال: هل يعظ نفسه أولًا؟ وإن كان، فهل يستطيع أن يغلب نفسه، ويطبِّق هذا عليها؟ وإن كان، فهل هو سعيد؟ وإن كان، قلت: هذه السعادة في الظاهر، أمَّا لو اطَّلعت على باطنه، لكنتُ مشفقًا على حاله.




كنت أنظر لمن يسير بصحَّة جيدة، فأسأل نفسي: ماذا يعاني هذا إذا خلا بنفسه؟ وكيف حاله في بيته مع زوجته وأبنائه؟ وهل ستدوم صحتُه عليه؟




كنت أنظر إلى صاحب المال الكثير أنه سوف يترك ماله، ويتغيَّر حاله، وإلى التراب مآله، فأنظر لمن مات وترك مالًا، سبحان الله! كان يجمع لمَن؟ ولماذا لم يُحسن؟ وإن كان محسنًا لماذا لم يُكثِر؟




كنت أسمع أنَّ الشيخ فلانًا يأخذ على الإجازة كذا، فأنظر للشيخ الذي كان يأخذ مثله ثم مات، فأسأل: لماذا لم يأخذ هذا المالَ معه؟ ولمَن كان يجمع؟

ترك المال والعقار، وذهب إلى القويِّ الجبار.




كنت لا أحمل همَّ شيء أتمنَّاه وفاتني أو لم يُحقَّق؛ لأني أعلم أني أعيش في الدنيا فترةَ شقاء؛ نعم، تركت أمورًا كثيرةً كنت أحبُّها، ولكني كنت أصبر غيرَ مضطر.




كنت أنظر لكلِّ صاحبِ جاهٍ أو سلطان بعينِ الشفقة؛ نعم، سيترك هذا، وسيحاسَب على كل ما قدَّم أمام الملك الجبَّار، وأسأل: هل سيتبرَّأ منه محبُّوه وخَدَمُه إن غضب الله عليه غدًا؟ أم سوف يسيرون في ركابه إنْ كان من الفائزين؟




كنت أنظر لمن يجتمع مع أصدقائه على شقاء الناس، فأقول: كيف حالهم حين يلعن بعضهم بعضًا يوم القيامة؟ كما أخبر الله: ? ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ? [العنكبوت: 25].




كنت أرى كثيرًا ممن أحببتهم من الخطباء، وظننت أنهم علماء - يتاجرون بفكرتهم، ويشوِّهون بأفعالهم ما عَرَضوا على المنابر من بضاعتهم؛ فكلامهم معسول، وأفعالهم شرٌّ وقبح غيرُ مقبول!

كنت أنظر إلى الجاهلين نظرةَ المشفق عليهم والكاره لهم، فأراهم سبب الشقاء في كلِّ أُمَّة.




كنت أنظر إلى الفقراء وأقول: هل يستحقُّون هذا العيش؟ فإذا اقتربت منهم قلت: نعم، كثير منهم لا يستحقُّ إلا الشقاءَ والبؤس؛ لأنَّ أكثرهم كُسالى، وكثير منهم يعبدون مَن يحقرهم، ويذمُّون مَن يريد إكرامهم؛ فالمال همُّهم، والشكوى دأبهم، ونكران الجميل شأنهم ? وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ ?أَحَدًا ? [الكهف: 49].

 

كنت إذا نظرت إلى مكانٍ جميلٍ تزيَّن وظَهَرَ جماله، تذكَّرت الجنةَ، فقلَّ في نظري بهاؤه.

كنت إذا نظرت إلى غنيٍّ يتباهى بمالٍ أو جمالِ بناءٍ، تذكَّرت القبر، وسألت نفسي: أين دار بقائه؟

كنت إذا نظرت إلى باغٍ يفتري، تذكَّرتُ زبانيةَ جهنم وقوَّتَهم، ورأيته بين أيديهم، فكنت في نفسي أضحك مِن حاله، وإذا رأيت سفيهًا يتباهى بخطيئته، تذكَّرت يوم القيامة كأني أراه ينادي: يا حسرتي!




كنت أرى الهمَّ في الحياة هو الرفيق، والقبر أمامي هو نهاية الطريق، وحبَّ العلم هو أفضل مَن يُرتَجى مِن صَدِيق.




كنت أنظر لكلِّ فرد فَرِحًا كان أو حزينًا، كبيرًا كان أو صغيرًا، حقيرًا كان أو كبيرًا، خفيرًا كان أو وزيرًا، رئيسًا كان أو مرؤوسًا، مُنعَّمًا كان أو شقيًّا، طاغيًا كان أو ضعيفً - أنظر إليهم جميعًا أنهم سيموتون ويترُكون كلَّ هذا، فلم يخلَّد أهل الشقاء، ولم يخلَّد أهل البلاء.




كنت أنظر لمن يأكلون الحرام: أنهم لا يأتون بخيرٍ أبدًا.

كنت أنظر لكلِّ شيء أنه زائل لا محالة، فلِمَ الحزن؟ وأنا حزين لا أستطيع أنْ أُدرِك الفَرَح رغم أني أدركت الحقيقة، ثم علمت أنَّ سبب الحزن هو إدراك الحقيقة.


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook