تاريخ العمران في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تاريخ العمران في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

تاريخ العمران في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
تعد منطقة حائل من أغنى مناطق المملكة بالرسوم الصخرية والنقوش الأثرية التي تعود إلى ما قبل الميلاد، علاوة على عدد من المواقع والمراكز العمرانية والآثار التي تعود إلى صدر الإسلام، والعصور الإسلامية الأولى  ،  وتدل الشواهد العديدة والمتنوعة على قدم تاريخ العمران البشري في المنطقة، وأنها كانت على اتصال ببعض الحضارات المجاورة قبل الإسلام. كما تكرر ذكر أمكنة كثيرة من المنطقة في أشعار العرب وتاريخهم، وعلى أرضها دارت بعض أيام العرب، وفيها قصر حاتم الطائي المشهور بكرمه.
 
وموقع المنطقة الحيوي جعلها مركزًا وطريقًا مهمًا لتحركات القبائل منذ القدم، وأثرت وتأثرت بعدد من الأحداث التي مرت بالمنطقة منذ القدم. فهي تقع على أطراف صحراء النفود، وعلى أبعاد متساوية لعدد من حواضر العالم الإسلامي (مكة ودمشق وبغداد)، وقد أطلق عليها اسم مفتاح الصحراء؛ لكونها من أهم المعابر والمحطات للمتجهين شمالاً أو جنوبًا في شبه الجزيرة العربية.
 
ويعتقد أنه كان للمنطقة علاقة بالحضارات البابلية، والآشورية، وبدولة المناذرة في الحيرة، وبحضارات بلاد الشام. كما كانت معبرًا لجيوش المسلمين الذين اتجهوا شرقًا وشمالاً للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وممرًا لحجاج بيت الله الحرام القادمين من شمال شرق الجزيرة العربية والعراق وما وراءها، علاوة على صلاتها التجارية مع المناطق المجاورة لها، وخصوصًا القصيم، حيث كان يتوقف تجار القصيم (العقيلات) في مدينة حائل في رحلة الذهاب والعودة بين القصيم، وبلاد الشام، والعراق.
 
وقد عثر في عدد من المواقع بالمنطقة على شواهد وآثار عمرانية متنوعة تعود إلى عصور تاريخية مختلفة، مثل: النقوش، والرموز، والرسوم، والكتابات على واجهات الصخور والجبال، والمدافن والمقابر القديمة، وأطلال ومعالم لمبانٍ وبرك وعيون وحصون قديمة، وبعض هذه الشواهد الأثرية؛ وبخاصة النقوش والرسوم والكتابات يعود تاريخ أغلبها إلى عصر ما قبل الميلاد، وهناك من أرجعها إلى العصور الحجرية القديمة، وأنها تدل على أن بعض القبائل البائدة كعاد وثمود استوطنت المنطقة.
 
ومن أشهر المواقع في المنطقة التي تنتشر فيها النصوص، والنقوش، والرسوم الثمودية: جبل أم سنمان  بجبة شمال حائل، وجبال المسمى شمال غرب مدينة حائل، وجبال جلدية، وياطب، وجانين شرق مدينة حائل، وجبل سراء جنوب غرب حائل وغيرها، كما وجد في قرية توارن الواقعة بين ضفاف وادٍ في عمق السفح الشمالي الغربي من جبل أجا آثار حصن، وبجواره مقبرة صغيرة، يقال إنها ترجع إلى حاتم الطائي  . كما وجدت رسوم وكتابات ثمودية ومقابر ومدافن حجرية في موقعي السفن والماوية.
 
وهناك عدد من المواقع الأثرية المنتشرة في المنطقة يرجع تاريخ استيطانها إلى ما قبل الميلاد، وفيها آثار تعود إلى ما قبل الإسلام، وبعضها إلى صدر الإسلام، أشهرها الحائط (فدك - قديمًا)؛ وهي مدينة تاريخية قديمة بها سور كبير، وحصون تاريخية، وبعض الرسومات والنقوش القديمة، وإلى الجنوب منها بلدة تاريخية أخرى شهيرة هي الحويط  ، وللحائط والحويط شهرة واسعة في التاريخ العربي الإسلامي.
 
ويمثل درب زبيدة الذي يمتد من الكوفة بالعراق إلى مكة المكرمة مرورًا بمنطقة حائل، وما يحتويه من برك، وأحواض، وقصور، وقلاع، ومساجد، وآبار لاتزال معالم أغلبها موجودة، أبرزَ شواهد العمران في المنطقة خلال العصور الإسلامية الأولى، وتعد بلدة فيد من أشهر مراكز الاستقرار في المنطقة ومن أقدمها، وكانت محطة لتحركات القوافل والقبائل شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وواحدة من أشهر محطات طريق الحج الشهير درب زبيدة بين الكوفة ومكة المكرمة، وفيها كثير من البرك والآبار القديمة وقنوات الري، و قصر خراش الأثري  الذي يعود إلى ما قبل الإسلام. كما اشتهرت بحمى فيد وكان من أشهر الأحماء، يقال: إن أول من حماه عثمان بن عفان - رضي الله عنه.
 
كما توجد شواهد عمرانية، ومعالم أثرية أخرى في الغزالة وما حولها، وفي جبل حبشي، والعظيم، وسميراء جنوب وجنوب غرب حائل، وتوجد بعض الآثار، والنقوش، والكتابات على بعض الصخور في نطاقها، وكانت الغزالة إحدى محطات طرق الحج القديمة، وتوجد في قفار أيضًا قلاع ومبانٍ طينية أثرية.
 
وأسهم عدد من العوامل الطبيعية والبشرية في نشأة مراكز العمران، ونموها، ونمط توزيعها، وتحديد معالمها الرئيسة. فموقع المنطقة، وتنوع تضاريسها، وتباينها ما بين سهول، وتكوينات رملية، وجبال، وممرات، ووديان، وحرات، انعكس على تنوع مراكز العمران القديم والحديث، وعلى توزيعها، وانتشارها، وخصائصها. فالجزء الجنوبي الغربي من المنطقة يقع ضمن نطاق الدرع العربي، وتغطي الأجزاء الجنوبية الغربية من المنطقة حرة خيبر، وأهم المراكز العمرانية في حرة خيبر: بلدات الحائط، والحويط، وضرغط، وترتبط إداريًا بمحافظة الغزالة.
 
ومن أبرز معالم حائل السلاسل الجبلية الجرانيتية التي تمتد وسط المنطقة (أجا وسلمى ورمان  )، وتخترقها مسالك، ووديان، وممرات، ومنها تنحدر مجاري مياه وينابيع وعلى هذه الينابيع تنمو أشجار النخيل، وقامت عليها بعض القرى الزراعية منذ القدم، وقد مارست بعض قبائل المنطقة في الماضي نمطين من الحياة: حياة الترحال والتنقل في مواسم الربيع، وحياة الاستقرار في القرى الزراعية خلال فصل الصيف، وبعضهم يملكون مزارع نخيل مختصة بهم في الوديان وبين ريعان جبال أجا  وسلمى، وقد يوكلون أمر رعايتها إلى بعض المستقرين، كما أن بعضها ينمو بعليًا على ما يتسرب من مياه في الوديان. وعلى أطراف الجبال قامت أهم مراكز العمران في المنطقة وبعضها قديم العمارة.
 
وتتخلل جبال أجا شعاب وممرات (ريعان) كثيرة، فيها عيون وآبار، ومزارع للنخيل، وقرى صغيرة. كما تنحدر منها أودية، وشعاب كثيرة، ومن أشهر القرى داخل أجا: عقدة، وتوارن، ونقبين، وجو. أما أشهر الممرات (الريعان) فهو ريع السلف. وعلى أطراف أجا، وقرب سفوحها، وقرب الأودية المنحدرة منها نشأ عدد من المدن والقرى، ففي الجانب الجنوبي والجنوبي الشرقي هناك مدينة حائل، وقفار، وقصر العشروات، والنيصية، واللقيطة، والجثامية، وعلى مسافة غير بعيدة من سفوح أجا الشمالية والغربية، قامت: قناء، والحفير، وموقق.
 
ومن أشهر الممرات (الريعان) في جبال سلمى: ريع الشرى، وريع تقريب، وريع النعي، علاوة على مسالك أخرى للدواب، توصل إلى القرى ومزارع النخيل داخل الأودية، ومن أشهر القرى والبلدان داخل سلمى وعلى أطرافها: فيد، والشنان، والعدوة، والنعي، ورك، والسبعان، والحوراء، والمضيح، والمطرفية، وطابة، وأبضة، وجميعها ترتبط إداريًا بمحافظة الشنان، وتعد بلدة فيد الأشهر من الناحية التاريخية؛ إذ كان يمر بها طريق الحج الشهير (درب زبيدة) الذي يحف جبل سلمى من الجنوب الشرقي.
 
ومن أهم البلدان والقرى الواقعة في محيط جبل رمان: الغزالة، والروضة، والمستجدة، والمهاش، ووُسيطاء الحفن (الوسيطاء)، وغضوار (القصير)، وسراء، والعش، وبدائع العش وغيرها. وهناك عدد من الطرق تخترق جبل رمان، من أشهرها ريع البكر الذي يخترق الجبل من الشمال إلى الجنوب.
 
ويشكل وادي الأديرع   الوادي الرئيس في شمال شرق منطقة حائل، وبعض مراكز العمران القديمة، مثل بلدة قفار. وتمتد روافد وادي الشعبة أحد أكبر الروافد الشمالية لوادي الرمة، إلى الشمال من بلدة العقلة، جنوب غرب مدينة حائل، كما يمتد عدد آخر من روافد وادي الرمة في المنطقة، وغالبية مراكز العمران في جنوب غربي حائل تقع على أحد روافد وادي الرمة.
 
وتغطي الصخور الرسوبية الجزء الشرقي، والجنوبي الشرقي، والشمالي من المنطقة، وما بين نطاق الدرع العربي غربًا وجنوبًا، والكثبان الرملية شرقًا، وشمالاً توجد أراضٍ سهلية خصبة تتوافر فيها المياه الجوفية من الطبقات العميقة، وعليها قامت الزراعة الحديثة، خصوصًا على جانبي الطريق بين حائل وبريدة، وباتجاه محافظة بقعاء شرقًا.
 
ومع أن النفود الكبير تخلو من مراكز العمران الدائمة، يستثنى من ذلك بلدة (جبة)، إلا أن هناك عددًا من القرى والبلدان الواقعة على أطرافها أو قربها، من أهمها: بقعاء، وتربة، والخطة، والحيانية، وأم القلبان، وقناء، وطوية، والحفير. ومن موارد المياه: آبار الشقيق، والأطواء، والتيم، والشعيبة، والهاشمية، وزرود وغيرها. وعلى الرغم من صعوبة طبيعة النفود فإنه من أهم أمكنة الرعي في المملكة، حيث تنمو الأعشاب الفصلية في السنوات المطيرة، وكان سكان البادية ينتشرون في النفود وعلى أطرافها في فصل الشتاء، ويستقرون قرب موارد المياه في فصل الصيف، وتخترق النفود الكبير ونفود المظهور طرق النقل والحج في الماضي، وأشهرها: الطريق بين حائل والجوف، ودرب زبيدة.
 
ومن أبرز العوامل المؤثرة في نشأة مراكز العمران الحديثة ونمو المراكز القديمة، برنامج توطين سكان البادية، وشبكة الطرق الحديثة، وبرامج التنمية ومشروعاتها؛ وبخاصة التنمية الزراعية التي أسهمت في استقرار أبناء البادية، وتحولت بعض موارد المياه إلى قرى، كما أصبحت بعض القرى مدنًا على درجة من الأهمية 
 

مراكز العمران الريفي والحضري  

 
لقد شهدت منطقة حائل منذ توحيد المملكة تزايدًا مطردًا في عدد مراكز العمران. ففي عام 1394هــ / 1974م لم يكن في المنطقة سوى مدينة واحدة (مدينة حائل)، إلى جانب 18 مركزًا عمرانيًا ريفيًا، أما في عام 1413هــ / 1992م فقد ارتفع عدد مدن منطقة حائل إلى مدينتين، (مدينة حائل، ومدينة بقعاء) كان يقطنهما نحو 185 ألف نسمة، يمثلون 45% من سكان المنطقة، كما ارتفع عدد مراكز العمران الريفي إلى 63 مركزًا، ويعكس تزايد عدد مراكز العمران الريفي ونمو حجم مدينة حائل توجه سكان البادية في المنطقة إلى الاستقرار في المدن والهجر أو القرى، ذلك أن منطقة حائل، كما بينت نتائج تعداد 1394هــ / 1974م، كانت ثاني أعلى مناطق المملكة في نسبة سكان البادية الذين كانوا يمثلون آنذاك أكثر من نحو 54%، أي نصف سكان المنطقة  .  ويبين (الجدول 24) تطور عدد مراكز العمران الحضري والريفي، وعدد سكانها في منطقة حائل، بين عامي 1394 و 1425هــ / 1974 و 2004م.
 
وحسب نتائج تعداد السكان عام 1425هــ / 2004م يوجد في منطقة حائل أربع مدن يبلغ سكان كل واحدة منها خمسة آلاف نسمة فأكثر، وهناك 88 تجمعًا سكانيًا آخر، عدد السكان في كل منها أقل من خمسة آلاف نسمة. ويبلغ مجموع سكان المدن الأربع 291267 نسمة يمثلون نحو 55% من إجمالي سكان المنطقة، أما التجمعات الريفية فيبلغ عدد سكانها 235766 نسمة، ويبين (الجدول 25) توزيع مراكز العمران الحضري والريفي، وعدد سكانها ونسبتهم في منطقة حائل حسب المحافظات لعام 1425هــ / 2004م.
 
شارك المقالة:
63 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook