تباريح

الكاتب: المدير -
تباريح
"تباريح

 

إنَّ مِنْ أَمْيَزِ مراحلِ العمرِ تلك التي تشهدُ فيها ذاتُك تحوُّلًا من الحَسَنِ إلى الأَحْسَنِ، من الفكرةِ والخيالِ إلى العملِ الدَّؤوب والواقعِ المعيشِ، من الكسلِ والخمولِ إلى الجد والاجتهادِ، من السَّطحيةِ والتِّلقائية، إلى التَّعمق وبُعدِ النظر؛ لذا فالسَّعيد من جعل من حياته مدرسةً يستفيدُ من أخطائه فيها، ويصحِّح مسارها، ويعيشها بإيجابية، متفائلًا بما يحمله الغد من خير وبشرى، باذلًا الأسبابَ متوكِّلًا على الله: ? وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ? [الطلاق: 3].

 

إنَّ من أسوأِ ما تركته الحداثةُ المعاصرةُ في النُّفوس هو نمذجة التقدم والرُّقي وفقَ قوالبَ محدَّدة، وما سِواها لا يعدو أن يكونَ ضربًا من ضروبِ التَّخلفِ والرَّجعيةِ، فتجد الموضات سرعانَ ما تأخذُ طريقَها في حياة الشباب والنَّشء؛ ممَّا يستدعي تعميق المفاهيم الصَّحيحة، والتَّنشئة السَّليمة لهم منذ الصغر.

 

والمتأمل لحياة العظماء يجد أنها مليئة بالتَّضحية والمعاناة، والمشقَّة والابتلاءِ، والقاسمُ المشتركُ بينهم هو علو الهمَّةِ والعملُ الدؤوبُ، فهذا هو خير خلق الله أجمع، الحبيب عليه أفضل الصَّلاة وأتم التسليم، مع مغفرة الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر: ? إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ? [الفتح: 1، 2]، ومع هذا كان أكثرَ الخلقِ تعبدًا وعملًا لله جل وعلا، وحينما سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - وكان يقومُ من الليلِ حتى تتفطَّر قدماه -: لِمَ تصنع هذا يا رسولَ الله، وقد غفرَ اللهُ لك ما تقدَّمَ من ذنبك وما تأخرَ؟! فقال: ((أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟))، وصفحات السيرة مليئة بالمواقف العظيمة، والمحن الجسيمة التي تدلِّل على قوة العزيمة، وصدق الإرادة، وعلو الهمة لدى أولئك النفر الكرام، صحابة خير الخلق رضي الله عنهم أجمعين، فما أحوجَنَا في واقعنا المعاصر إلى هذه العِبر والعظات؛ لنجعلها نبراسًا وحاديًا لنا نحو طريق النصر والفلاح.

 

في ذي الحياةِ، تمر بالإنسانِ الكثيرُ من المنعطفاتِ والأزماتِ، والسعيدُ من وُفِّقَ في تحويلِ المحنةِ إلى منحةٍ، والنقمةِ إلى نعمةٍ؛ بالصبر على البلاءِ، وامتثالِ أمر الله، والأوبة والرجوع إليه.

 

أعرف أحد الأخوة فُصِلَ من عمله لأسبابٍ إدارية، فَوَلَجَ العملَ الخاصَّ، فحقق أضعافَ ما كان يَجْنِيهِ في الوظيفة العامة، وقبل هذا كله تحضرُنا قصةُ أم سلمة رضي الله عنها، إذ كان نتاجُ صبرِها واحتسابِها وفاةَ زوجِها أبي سلمة رضي الله عنه - أَنْ أبدَلَها اللهُ به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

 

لكل شيء هدفٌ وغايةٌ وُجِد من أجلِها، ومما لا ريب فيه أن الإنسان خُلِق لِغاية، وهي عبادة الله جل وعلا: ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ? [الذاريات: 56]، فالسعيد والناجح والموفَّق من وُفِّق في أن يجعل كلَّ حركاته وسكناته وأفعاله وأفكاره ومُنجزاته تدور حول هذا المعنى العظيم: عبوديَّة الله جل وعلا.

وَممَّا زادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا
وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تحتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي
وَأَنْ صَيَّرْتَ أحمدَ لِي نَبِيَّا

 

ختامًا:

الحياةُ أيامٌ معدودةٌ، وهي دارُ عملٍ وامتحانٍ، فتعاملْ معها على هذه الأُسسِ، وابذلْ ما بِوُسْعِكَ تحقيقَه من غاياتٍ وأهدافٍ، تخدمِ الأمةَ، وتحقِّقْ رفعتَها، وتُعجِّل نهضتَها.

وكُنْ رجلًا إنْ أَتَوْا بَعْدَهُ ??? يَقُولُونَ: مَرَّ، وَهَذَا الأَثَرْ


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook