تبت إلى الله تعالى

الكاتب: المدير -
تبت إلى الله تعالى
"تبتُ إلى الله تعالى

 

كلمات رائعة بكل ما فيها، روحها، النقلة التي تقوم بها في حياة الإنسان، ثقلها في ميزان العبد.

 

كثير من الناس نقلتهم هذه الجملة - عندما صَدَقُوا في قولها - من حال إلى حال، ونحن أيضًا أمامنا فرصة التوبة إلى الله تعالى، والنطق بصدق تبت إلى الله تعالى، مهما كان الذنب صغيرًا أو كبيرًا؛ لأن لنا ربًّا كريمًا، توابًا حليمًا، عفوًّا غفورًا، يحب توبة عبده، ويفرح بها، ويقبلها منه، لكن المهم أن يكون عندنا عزيمة من حديد، ونتوب ولا نضعف.

 

رمضان فرصة للتوبة، فيا باغي الخير أقبل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدَت الشياطين ومَرَدَة الجِن، وغُلِّقَت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصِر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة))؛ [رواه الترمذي]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين، فقيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: (آمين، آمين، آمين)؟ فقال: إنَّ جبرائيلَ عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهرَ رمضانَ فلم يُغفَرْ له فدخل النارَ فأبعدَه اللهُ، قل: آمين، فقلتُ: آمين))؛ [صحيح الترغيب].

 

أقبل رمضان، فأقبِلْ على ربك – الذي عصيته – متضرعًا خاشعًا نادمًا باكيًا، وقل:

يا إله الكون إني راجع

ويا واهبَ الخيرات هبْ لي هداية

فما عند فقدان الهداية نافع

أقل عثرتي عفوًا ولطفًا ورحمة

فما لجميل الصفح غيرك صانع

 

إذا لم نَتُبْ في رمضان، فمتى نتوب؟ إذا لم تذرف عيوننا الدمع في رمضان، فمتى نبكي ندمًا على المعصية؟ إذا لم تخضع قلوبنا لخالقها في رمضان، فمتى ترجع إليه؟ يعاتبنا ربنا سبحانه وتعالى فيقول: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]، ما الذي غرك بربك حتى تجرأت على معصيته وتعديت حدوده؟

 

ولنضع هاتين الجملتين دائمًا أمام أعيننا:

• لا تنظر إلى صغر الخطيئة ... ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

• لا تجعل الله أهون الناظرين إليك.

 

أما زلتم مترددين؟

 

إذا هيا نرى هذه البشرى؛ فهي بشرى من ربك تعالى: ? قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [الزمر: 53]، وأيضًا يقول الله تعالى في سورة الفرقان: ? وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ? [الفرقان: 68 - 70].

 

هل هناك فضل أو كرم أعظم من هذا؟ بالتأكيد لا يفرط فيه إلا جاهل أو زاهد في الفضل!

 

ولنستمع إلى ما قاله حبيبنا صلى الله عليه وسلم تشجيعًا لعلى التوبة: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ))؛ [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ، إِنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كان منكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدمَ، لو بلغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السماءِ ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولَا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ، لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثُمَّ لقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً))؛ [صحيح الجامع]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليلِ والنهارِ وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا فاستغفِروني أغفرْ لكم))؛ [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا))؛ [رواه مسلم].

 

الله أكبر ... هل بعد كل هذا الفضل نتقاعس عن التوبة؟! هل بعد هذا الجود نُسوِّف في التوبة؟!

 

قبل أن يُغلَق الباب أمامنا فرصة عظيمة للتوبة، قبل طلوع الروح من الجسد أو طلوع الشمس من مغربها، أمامنا فرصة عظيمة للتوبة والشياطين مصفَّدة في هذا الشهر الكريم، بل أمامنا فرصة للتوبة ما دامت الروح لم تخرج من الجسد – حتى بعد رمضان – وربنا سيعيننا ويتقبل منا ما دام عندنا رغبة صادقة في التوبة، وسيبدل سيئاتنا لحسنات.

 

كل شيء يعيننا على المعصية فلنتخلص منه ولنبتعد عنه، لن ينفعنا منها شيء، وكلها سيتبرأ منا، وسيشهد علينا حتى سمعنا وأبصارنا وجلودنا يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

ولنعلم أن للتوبة شروطًا؛ وهي:

1- الندم على ما فات من الذنوب.

 

2- الإقلاع عن الذنب.

 

3- العزم على عدم الرجوع، لكن إذا رجعنا فلنَتُبْ من جديد، ولنصدق في عزيمتنا، ولتكن عزيمتا أقوى.

 

4- أن تكون التوبة قبل الغرغرة وقبل خروج الشمس من مغربها.

اللهم ارزقنا توبة صادقة.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وكل حب يقربنا إلى حبك.

 

 


"
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook