المحتوى

تجاوزات الشعراء في أشعارهم

الكاتب: يزن النابلسي -

تجاوزات الشعراء في أشعارهم

 

السؤال
 
تجري على ألسن الخاصة كلمات وأشعار فيها حكم حسنة، لكن قد يكون فيها ذمٌّ للدهر، أو نسبة ما لا يليق إليه، كقول الشاعر:
 
إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك    وَمَن يَضُرُّ نَفسَهُ لِيَنفَعَكْ
 
وَمَنْ إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك    شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمَعَكْ
 
وقول الآخر:      قال حِمَارُ الحكيم تُوما   لو أنصفَ الدَّهرُ كنتُ أَرْكَبْ
 
لأَنَّني جَاهلٌ بَسيطٌ     وصَاحبي جَاهلٌ مُركَّبْ
 
 فهل هذا من المغتفر في الشعر لأجل الحكمة؟ وهل يجوز لنا الاستشهاد بهذا الشعر وأمثاله؟
 
 
الجواب
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: 
فالدهر اسمٌ لجملة الزمان الذي أجزاؤه الليل والنهار والساعات، وهو ظرف لما يحدثه الله من الأحوال والأعمال التي سبق بها علم الله وكتابه، وتجري على وفق مشيئته تعالى وتقديره، وهذا شامل لك ما يقع من خير وشر؛ فالكل بقدر الله، ومن أصول الإيمان: الإيمانُ بالقدر خيره وشره وحلوه ومُرِّه من الله تعالى، خلقا وتقديرا ومشيئة، وأما الدهر فلا فعل له في خير ولا شر، فنقول: حدث كذا في يوم كذا أو ليلة كذا، وحدث في غابر الدهر كذا، ولا نقول: أحدث الدهر كذا، وفعل الدهر كذا، كما لا يقال: جمعَهم الدهر وفرقهم الدهر، أو أهلكنا الدهر، كما قال الكافرون: (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ)، ونسبة حوادث الشر إلى الدهر نوعٌ من سبه، وجاء في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار)، وعلى هذا فلا يجوز نسبة شيء من الحوادث إلى الدهر، لا خير ولا شر، واشتمال الكلام شعرا أو نثرا على معنى مذموم لا يسوغه اقترانه بمعنى ممدوح، بل يجب إعطاء كل معنى حكمه شرعا، وهذا هو العدل (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ)، فيقال فيما اشتمل على مثل هذا: فيه حق وباطل، وهذا النوع من الشعر المسؤول عنه لم يصدر ممن يعتد بقوله، ويستدل بتعبيره على جوازه، بل الغالب أن قائلي هذا الشعر جهالٌ بأحكام الشريعة، وأهم ما لديهم الإبداع في الألفاظ والمعاني، ولا يحترزون مما قد يدخل في كلامهم من المخالفات الشرعية، ولهذا ذمَّ الله الشعراء، فقال سبحانه: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)، واستثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقال سبحانه: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)، وبناء على ما تقدم؛ أقول: إن قول الشاعر: (وَمَنْ إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَّعَكْ) ليس فيه نسبة الفعل إلى الزمان، وإنما فيه إضافة الريب ـ وهي الحوادث ـ إلى الزمان، من إضافة الشيء إلى وقته، وهذا جائز، كقوله تعالى حكاية: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ). وأما قول الشاعر: (لو أنصفَ الدَّهرُ كنتُ أَرْكَبْ) فقد نسب الشاعر إلى الدهر أنه يُنصف ولا يُنصف، فإن كان يعتقد حقيقة هذا المعنى فهو على طريق أهل الجاهلية، وإلا كان خطأ في التعبير لاحتماله المعنى المذموم، والله أعلم. 
وصلى الله على نبينا محمد
أملاه عبد الرحمن بن ناصر البراك في 2جمادى الآخرة 1438هـ.
 
 
 
المرجع موقع المسلم
 
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook