تجربة حائل الإبداعية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تجربة حائل الإبداعية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

تجربة حائل الإبداعية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
تأتي تجربة حائل الإبداعية في سياق التجربة الثقافية والإبداعية في المملكة العربية السعودية إلا أنها تتميز بخصوصية تجعل التصدي لها مسؤولية كبيرة لعدد من الأسباب المؤثرة في تشكيل كل من الظاهرتين الشعرية والسردية بشكل خاص، والإبداعية بشكل عام، والظاهرة الثقافية بوجه أكثر عمومية وشمولاً، ومن المؤكد أن عددًا من العوامل أثر بشكل قوي في صياغة هذه التجربة، فلا يمكن تجاهلها في أية محاولة تستهدف تأريخ الإبداع والفكر في حائل، أو دراستهما نقديًا، ومن أهم هذه العوامل:
 
 الطبيعة الجغرافية والديموغرافية للمكان، وما تركته من أثر على سكانها.
 
خصوصية الواقع التاريخي والاجتماعي للمنطقة الناتج من متغيرات معقدة في تاريخ المنطقة الممتد عمقًا إلى آلاف السنين، والمتغيرات التاريخية الحديثة نسبيًا للمنطقة منذ بدء دخول الإسلام حتى توحيد المملكة.
 
 المتغيرات الاقتصادية، وتأثيرات الطفرة.
 
 إلا أن الدرس النقدي العلمي يواجه عددًا من المشكلات من أهمها:
 
 وجود جزء لا يستهان به من التجارب الإبداعية الشعرية خصوصًا باللهجة المحلية جزء كبير منه شفهي، يحتاج إلى أدوات نقدية تختلف عن تلك التي يُدرس بها الشعر العربي الفصيح.
 
 تراث شفهي سردي يضم عددًا كبيرًا من التجارب الإبداعية لم يتم جمعه حتى الآن.
 
 غياب التوثيق الدقيق لظواهر شعرية وسردية مؤثرة عبر مراحل تاريخية مهمة.
 
 عدم توافر الدراسات النقدية الموازية للظواهر الإبداعية في المراحل التاريخية المختلفة.
 
 قصور وسائل الطباعة والنشر في مراحل تاريخية سابقة جعل التوثيق قاصرًا على المخطوطات؛ ما أدى إلى توثيق أكثر الأعمال أهمية من وجهة نظر أصحابها؛ لصعوبة التوثيق وتكلفته المرتفعة، واختفاء أعمال سردية ونثرية كثيرة لعدم توثيقها نتيجة التشكيك في قيمتها.
 
أ - الإطار المكاني الإنساني للتجربة:
 
أثرت البيئة الجبلية، والوادي المحصور بين جبلين هما أجأ وسلمى على الوجدان الثقافي وأبعاده الإبداعية بلا شك، وجعلت هذا الوجدان أميل إلى العزلة. غير أن الارتباطات الوطنية والإقليمية والعالمية مع تطور الزمن، ووسائل الإعلام والاتصال ودورها في تطور الذائقة الإبداعية، إضافة إلى الارتباط التراثي بالموروث الإبداعي العربي؛ وبخاصة الشعري، كان لها دور مهم في تطور الذائقة الإبداعية، وخصوصًا مع انتقال أعداد لا بأس بها من أبناء المنطقة سواء للعمل في شركات النفط، أو في المناطق الأخرى، وما أدى إليه من دخول مؤثرات جديدة على الشخصية المكانية المتميزة بالاكتفاء بذاتها، والانكفاء عليها، فأصبحت أكثر انفتاحًا على الآخر وقبولاً له مع تطور الزمن.
 
ب - تأثير تاريخ المنطقة:
 
أكسب تاريخ المنطقة القديم الممتد إلى آلاف السنين أبناء حائل إحساسًا قويًا بالأصالة والاعتزاز بالنفس، والحرص على تأكيد الهوية، حيث يعيش ويتميز أبناء هذه المنطقة من مختلف القبائل العربية بنمط حياة يسودها التآلف والتكاتف، ويتصف غالبية السكان بالكرم الذي لم يقتصر على أوقات الرخاء، وإنما برز عندما كانت لقمة الطعام يعزُّ الحصول عليها، ويدخل تقديمها ضمن ظاهرة التنافس واكتساب الفخر، ويؤثر فيهم تاريخ أيام العرب، ويحتفظون في نفوسهم بآثار قوية ناتجة من معرفة عميقة بالتاريخين القريب والبعيد؛ ما يترك أثره في التجربة الإبداعية.
 
ج - تطور التجربة الإبداعية في منطقة حائل:
 
تتشابه التجربة الإبداعية خلال القرنين الأخيرين في حائل مع التجارب الإبداعية الشبيهة في الثقافة العربية حيث مرت بمراحل ثلاث رئيسة:
 
1 - المرحلة الأولى:
 
تمثلت في إحياء التراث الشعري العربي الكلاسيكي بإقرار هذا التراث، وإنتاج شعر مشابه له في الخصائص الفنية والتعبيرية، وتقرير القواعد المرعية في كتابته والالتزام بها؛ وبخاصة قواعد النظم المتعارف عليها، وأغلب شعر هذه المرحلة يعتمد على إظهار القيم الدينية والأخلاقية نتيجة انتشار الدعوة السلفية مع نهاية القرن الثاني عشر الهجري، حيث تركت هذه الدعوة أثرًا قويًا في الفكر والنثر والشعر على حد سواء، وكان انسجام اللفظ، والإيقاع العروضي، والاهتمام بالقافية بوصفه صنعة فنية أبرز ما يميز هذه المرحلة التي ساد فيها البديع مع تناول الأفكار والقيم بشكل يكاد يكون مباشرًا، وأخذت أشعار هذه المرحلة في الغالب شكل الإخوانيات، ونحا بعضها إلى التأمل؛ في حين اقتصر بعضها الآخر على الاستفادة من خصائص النظم للتعليم، وسبك بعض القضايا الشرعية نظمًا على نهج ألفية ابن مالك في نظم علوم اللغة   ولم تبرز في هذه المرحلة أعمال سردية يعول عليها، أو على الأقل لم تصل إلينا.
 
2 - المرحلة الثانية:
 
تمثلت في حالة من الانطلاق نحو ما يسميه أحد الباحثين (التجديد المحافظ)   الذي يتحرر من التقرير إلى فضاء التعبير الإبداعي لطرق أغراض شعرية جديدة مع الالتزام الواضح بحرفية الكتابة التقليدية للشعر في أسلوب عقلاني يشبه الكلاسيكية الجديدة في أشعار تمحور أغلبها حول القضايا الاجتماعية والثقافية والوطنية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مع ملاحظة قلة شعر الغزل والشعر العاطفي، ورغم احتمال وجود بعض الأعمال التي لم يحرص أصحابها على الترويج لها إلا أن هذه الظاهرة ربما تعكس الطبيعة المحافظة لأبناء هذه المنطقة، هذه الطبيعة التي تجعلهم يتحرجون من التعبير عن مشاعرهم، ويحرصون على إخفائها؛ باعتبارها نوعًا من أنواع الضعف البشري. ولم تصلنا من هذه المرحلة أيضًا أعمال سردية كثيرة، وإن كانت أعمال الأستاذ عاشق الهذال القصصية، وما تضمنته من تجارب تعكس تأثره بالبيئة الحجازية، وما تموج به من تحولات علامة مهمة على هذه المرحلة، كما تشكل همزة وصل تربط هذه المرحلة بالمرحلة التي تليها من جهة، بالإضافة إلى كونها من العلامات المهمة على تفاعل ثقافة البيئة النجدية بنظيرتها الحجازية.
 
3 - المرحلة الثالثة:
 
تعد هذه المرحلة من الإشكاليات الثقافية التي صاحبت إعادة تشكل الثقافة السعودية في نهايات القرن العشرين، وانفتاحه على تيارات العالم الثقافية الجديدة، وتأثر الشباب المبدعين بهذه التيارات مع ازدياد أعداد الذين احتكوا بالثقافات الأجنبية سواء المبعوثون إلى الخارج للدراسة، أو أولئك الذين حملتهم الدهشة والتأمل والرغبة في الاحتكاك بالآخر وتعرفه إلى عوالم الآخر الزاخرة بالمعرفي المدهش والمختلف، يضاف إلى ذلك تأثير وسائل الإعلام المتزايد، وانفتاح المجتمع السعودي بصفة عامة على الكتابات الغربية والعربية، ومشاركة أعداد متزايدة من العقول والأقلام السعودية فيها، وبدأت تظهر النـزعة الوجدانية تعبيرًا عن حضور الكاتب كذات متفردة تعبر عن وجودها وهمومها الإنسانية، كما حدث عند ظهور الحركة الرومانسية في الغرب، وظهرت أصوات مؤثرة في عالم السرد الحائلي يأتي في مقدمتها جار الله الحميد، وفهد السلمان، وسعود الجراد، وخالد البليهد، ثم جاءت بعدهم تجارب أخرى لفارس الهمزاني، وعبدالسلام الحميد، وخضير الشريهي، وفي الشعر كانت لجار الله الحميد تجارب مميزة إلا أنها لم تحظَ بالانتشار، وتجارب مميزة لسعد الهمزاني، وأخرى لمحمد الحمد، وشتيوي الغيثي.
 
وتميزت التجارب الإبداعية في هذه المرحلة التي ما زلنا نعايش نموها وتطورها بارتباطها بالحركة الإبداعية والثقافية على اتساع الكرة الأرضية، وتحرر المبدعين من القيود الأسلوبية واللغوية التقليدية، والضوابط المفروضة كشروط على الإبداع، والانطلاق نحو التجارب الإنسانية التي تتناول اليومي والعادي وتحوله إلى تجارب إبداعية، وتخوض في مغامرات الابتكار الفني، والارتكاز على المخزون الإنساني الفردي، وعدم التحرج من البوح بمكنونات النفس، واستحضار التراث الأدبي دون الخضوع له كثوابت أو مسلمات، والتعامل مع المدارس الفكرية والإبداعية العالمية بمزيد من التحرر والتوق المعرفي.
 
شارك المقالة:
48 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook