تذكر رحيلك من الدنيا برحيل رمضان

الكاتب: المدير -
تذكر رحيلك من الدنيا برحيل رمضان
"تذكر رحيلك من الدنيا برحيل رمضان




أيها المسلم الكريم: ها نَحن نعيش في آخر جمعة من شهر رمضان، وها هو شهر رمضان سيرحل عنا بنَهارِه الجميل ولياليه العطرة، فهنيئًا لمن وفقه الله لصيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، ويا خيبة من ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، وليس له من قيامه إلا السهر والتعب؛ وتعسا لكل من افطر في نهار رمضان وجاهر بإفطاره، وهنيئا للصائمين القائمين المقبولين، وجبر الله كسر المحرومين، وخَفَّفَ مصاب المغبونين.

 

أيها المسلم: هكذا سيرحل عنا شهر رمضان وستنقضي أيامه، وكأنها لم تكن إلاَّ عشيَّة أو ضحاها، وهكذا ستنقضي بعدها أيَّام شوَّال، وأيام ذي القَعْدة، وستنقضي الشهور والأعوام، وهكذا ستنقضي الحياة الدنيوية، وكلها أوقات من أعمارنا، وأنفاس معدودةٌ علينا، ماذا عَمِلنا في شهر رمضان؟ وماذا سنعمل في شهـر شوال؟ إنهما ملَكان عن اليمين وعن الشمال؛ قال تعالى: ? إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ?[1].

 

أنا أقف اليوم من خلال رحيل رمضان لأقول لكم: تذكروا رحيلكم من الدنيا برحيل رمضان، فكما أن رمضان أيام معدودات، فكذلك الدنيا أيام معدودات، فيامن عددت رمضان وستودعه ستعد أيام الدنيا وستودعها!!

 

فقل لي: إلى أين ستودع الدنيا؟ هل ستودع الدنيا إلى بيتك الجميل في شمال العراق؟ هل ستودع الدنيا إلى قصرك الجميل في باريس؟ هل ستودع الدنيا الى فلتك الجميلة في امريكا؟ إلى أين ستودع الدنيا؟




أنا أقول لك: ستودع الدنيا من أجل أن تلقى الله تعالى، فأسأل نفسك مَاذا قَدَّمْتَ لله؟ هل أنت مُستَعِد للقائه؟

 

أنا واثق أن كل واحد منكم لو وعد بلقاءٍ مع مسؤول أو صاحب منصب أو شيخ عشيرة له منزلته، أنه سيلقاه، والله لهيأ نفسه لهذا اللقاء.

 

فيا من ستلقون ربكم: ماذا هَيَّأَتم للقاء الله؟ أحسنات قدمتموها؟ أكرمة صنتموها؟ أدماء حفظتموها؟ أم ماذا يا مسلمون؟

 

أسال نفسك: هل انت راض عن نفسك في شهر رمضان؟ هل صمت وقمت رمضان ايمانا واحتسابا؟ هل بيتك يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل سلوكك على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل أمن جارك وزوجتك وأولادك من ظلمك؟ هل أطعت أمك وأباك؟ هل أعطيت حق اخوانك وأخواتك من الميراث؟ هل تصرفاتك مع الناس ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

 

إذن لنسأل أنفسنا جميعا: هل سيكون اللقاء مع الله لقاء سعادة أم لقاء خيبة؟ هل سيفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقائنا يوم القيامة؟ هل ستكون ووجوهنا بيضاء يوم تبيَـض وجوه وتسوَد وجوه؟

 

فيا مَن ستودع رمضان، تَذَكَّر أنَّك ستودع الدُّنيا، فهل ستبقى ثابتا على طاعتك، وعلى صلاتك في المساجد، وعلى تلاوتك للقرآن، وعلى قيامك لصلاة الليل، أم أنك ستودع الطاعة كما ستودع رمضان؟




هذا ابن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (( أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)) قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ (ومعنى الكيس: هو صاحب العقل)؟ قَالَ: (( أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ)[2].




وقال صلى الله عليه وسلم: (( الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ))[3]، وَمَعْنَى: (مَنْ دَانَ نَفْسَهُ) يعني حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ القِيَامَةِ.

 

وهذا سيدنا عُمَر بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، يقول: (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا)[4].

 

وَقَالَ أحد السلف: (مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ أُكْرِمَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَعْجِيلِ التَّوْبَةِ وَقَنَاعَةِ الْقَلْبِ وَنَشَاطِ الْعِبَادَةِ، وَمَنْ نَسِيَهُ عُوقِبَ بِثَلَاثٍ: تَسْوِيفِ التَّوْبَةِ وَتَرْكِ الرِّضَا بِالْكَفَافِ وَالتَّكَاسُلِ فِي الْعِبَادَةِ)[5].

 

وهذا رجل دخل على سيدنا أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، فَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ فِي بَيْتِهِ، فقال: يا أبا ذر، أَيْنَ مَتَاعُكُمْ؟ قال: إِنَّ لَنَا بَيْتًا نُوَجِّهُ إِلَيْهِ صالِحَ مَتاعنا، قال: إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مَتَاعٍ مَا دُمْتَ هَاهُنَا، قال: إِنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ لَا يَدَعُنَا فِيهِ[6].

 

فتأمَّل أخي في هذا الفقه النبيه؛ إذ قال أبو ذر: إن صاحبَ المنزل لا يدعنا فيه، فالمنزل للدنيا، وصاحبها هو الله، وقد قال الله تعالى: ? يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ? [7]، وهل يزين عاقل بيتا هو يدرك أنه عن قريب سيتركه؟!

 

وكَانَ سيدنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُـولُ: ( إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الْآخِـرَةَ قَدِ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنُـونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِـرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ)[8].

 

جاء في (مُكَاشَفَةُ الْقُلُوبِ) لأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيّ: كَانَ بَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ وَنَبِيِّ اللهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُؤَاخَاة، فَكَانَ إِذَا زَارَهُ يَقُولُ لَهُ نَبِيُّ اللهِ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: جِئْتَ زَائِرًَا أَمْ قَابِضًَا؟،فَكَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَقُولُ لَهُ: بَلْ زَائِرًا، فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللهِ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَاتَ يَوْم: لِي إِلَيْكَ حَاجَة؟، فَقَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْت: مَا حَاجَتُك؟، قَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَام: أَنْ تُرْسِلَ لِي قَبْلَ مَوْتِي رَسُولًا أَوْ رَسُولَيْن، قَالَ أَفْعَل، وَمَرَّتِ السِّنُون، وَحَانَ وَقتُ الْمَنُون؛ فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ قَابِضًا؛ فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللهِ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَاَم: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ أَرْسِلْ لِي قَبْلَ مَوْتِي رَسُولًا أَوْ رَسُولَيْنِ فَأَجَبْتَنِي؟!، قَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْت:أَرْسَلتُ لَكَ ثَلَاَثَة!!!، قَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَتَى?؟!، قَالَ مَلَكُ الْمَوْت: بَيَاضَ شَعْرِكَ بَعْدَ سَوَادِه، وَضَعْفَ بَدَنِكَ بَعْدَ قُوَّتِه، وَانحِنَاءَ ظَهْرِكَ بَعْدَ اسْتِقَامَتِه... أين نحن الآن من هذه الرسل؟!

 

كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم اذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ لعبادة الله تعالى، وكانوا يقولون إذا بلغ أحدهم الخمسين سنة نحن زرع قد دنا حصاده[9].

 

أما بعض الناس في دنيا اليوم عندما يبلغ الأربعين والخمسين والستين، تراه بدلًا من أن يتفرغ للعبادة، وطاعة الله، والاصلاح بين الناس، راح يتمسك بالدنيا أكثر، فتراه يأكل حق الاخرين، ويظلم اخوانه، ويأكل حق الميراث، ويتجاوز على جاره...ماذا تتنظر يأبن الخمسين والستين كم ستعيش بعد هذا العمر الطويل؟ أما آن أن تتوب؟ أما آن أن تعود الى الله بتوبة صادقة؟ أما آن أن ترجع الحقوق إلى أصحابها؟

 

والله كما ستودع شهر رمضان ستودع الدنيا، ويومها ستترك كل شيء وراك، فبأي شيء ستلقى الله؟




فإياكم ثم إياكم ان يضلكم الشيطان عن ذكر الله، واعلموا اننا عائدون إلى الله كما قال تعالى: ? وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ?[10].

 

فلنحاسب أنفسنا على كل شيء، ولنستعد ليوم الرحيل.. ولنستكثر من زاد الآخرة.. فإن اللقاء قريب، والحساب طويل!

 

اللهم بيض وجوهنا في الموقف العصيب، واجعلنا من الفائزين بجنتك يا رب العالمين.. آمين يا رب العالمين أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:

أيها المسلم الكريم: ما دمنا على أبواب العيد، احببت ان أنبه على مسألتين:

المسألة الأولى: على المسلم أن يترك السير وراء العادات والتقاليد الفاسدة التي اعتاد عليها الناس ويسير خلف تعاليم الإسلام ومن هذه العادات السيئة:

1- مصافحة الرجال للنساء يوم العيد لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ))[11].




2- خروج النساء أثناء زيارة الأقارب وهن كاشفات لزينتهن المأمورات شرعًا بتغطيتها.

 

3- خروج النساء إلى المقابر وإيقاد الشموع والبخور على القبور؛ فهذا لا يجوز، ولان في خروجهن فتنة.

 

المسألة الثانية: على المسلم أن يتمسك بإحياء السنن المحمدية في عيد الفطر المبارك، ومنها:

1- يسن أكل تمرات وترا قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر المبارك.

 

2- يستحب الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب.

 

3- يستحب الذهاب إلى المصلى ماشيا ويسن الذهاب من طريق والعودة من طريق آخر.

 

4- التكبير ويبدأ من غروب الشمس من ليلة العيد وينتهي بدخول الإمام في صلاة العيد.

 

5- التهنئة بالعيد بقولك (تقبل الله منا ومنك).

 

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمين آمين يارب العالمين.




[1] سورة ق: الآية (17 - 18).

[2] سنن ابن ماجه، أَبْوَابُ الزُّهْدِ- بَابُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ: (5/ 327)، برقم (4259)، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث حسن.

[3] سنن الترمذي، أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ-باب: (4/ 219)، برقم (2459)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

[4] سنن الترمذي، أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ-باب: (4/ 219)، برقم (2459)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

[5] القرطبي، التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: (ص: 126).

[6] ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم: (2/ 377).

[7] سورة غافر: الآية (39).

[8] أبو بكر الدينوري، المجالسة وجواهر العلم: (2/ 147).

[9] ابن رجب، لطائف المعارف: (ص: 303).

[10] سورة البقرة: الآية (281).

[11] سنن ابن ماجه، أَبْوَابُ الْجِهَادِ - بَابُ بَيْعَةِ النِّسَاءِ: (4/ 128)، برقم (2874)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.


"
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook