تسلط الأهواء والشهوات وارتكاب المعاصي والذنوب

الكاتب: المدير -
تسلط الأهواء والشهوات وارتكاب المعاصي والذنوب
"تسلط الأهواء والشهوات وارتكاب المعاصي والذنوب

 

إن من البلايا التي انتشرت عند بعض المسلمين تسلط الأهواء والشهوات وارتكاب المعاصي والذنوب، بل يكون في غالب الأحيان المجاهرة بها دون حياء أو خجل من الله تعالى ولا من خلقه، ولا شك أن انتشار هذه الأمراض الخبيثة وتمكنها من جسد الأمة جعلها تعيش في حالة من التخلف والانحطاط المشوب بالضياع والبؤس والشقاء.

 

وعن خطورة الشهوة والهوى يقول الماوردي - رحمه الله - في كتابه أدب الدنيا والدين: وأما الهوى فهو عن الخير صادٌّ، وللعقل مضادٌّ، لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكاً ومدخل الشر مسلوكاً[1].

 

وقال عن الشهوة: والشهوة من دواعي الهوى، ونُقل عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله: إياكم وتحكيم الشهوات على أنفسكم، فإن عـاجلها ذميم، وآجالها وخيم، فإن لم تَرَها تنقاد بالتحذير والإرهاب، فسوّفها بالتأميل والإرغـاب[2]، فإن الرغبة والرهبة إذا اجتمعتا على النفس زَكَتْ لهمـا وانقـادت[3].

 

إن اتباع الهوى والشهوات وارتكاب المعاصي والذنوب مخالفات صريحة لتوجيهات الله تعالى، فقد رتب على هذه المخالفات نزول البلايا والمصائب إذا لم يتب الإنسان منها، فقال الله تعالى: ? وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ? [الشورى: 30][4].

 

قال ابن القيم - رحمه الله - عند حديثه عن خطورة المعاصي والذنوب، وهي نتائج طبيعية لإتباع الأهواء والشهوات: إن المعاصي والذنوب تُعمي بصيرة القلب، فلا يدرك الحقَّ كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه، بل قد تتوارد على القلب؛ حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره، فيدرك الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى الله والدار الآخرة إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت بها، وغفلت عن الله وآياته، وتركت الاستعداد للقائه، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلا هذه وحدها لكانت كافية داعية إلى تركها والبعد منها والله المستعان[5].

 

وإتباع الهوى والشهوات والمعاصي والذنوب شؤمها عظيم على الأفراد والجماعات والأمم، فالمسلم الذي يعرف حرمة التعدي على محارم الله تعالى يبتعد عن ارتكاب ما يغضبه ويجلب سخطه ومقته في الدنيا والآخرة، فيتوجه إلى طاعة ربه بعمل الطاعات، فيستنير قلبه ويصفو عقله وجوارحه، فيجتهد ويخترع ويبدع ويفكر، ومن ثم يحقق لأمته التفوق والتقدم والرقي، قال تعالى: ? وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ? [الأعراف: 96][6].

 

قال سيد طنطاوي -رحمه الله-: ولو أن أهل تلك القرى المهلكَةِ آمنوا بما جاء به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - واتقوا ما حرمه الله عليهم؛ لآتيناهم بالخير من كل وجه، ولوسَّعنا عليهم الرزق سعة عظيمة، ولعاشوا حياتهم عيشة رغدة لا يشوبها كدر، ولا يخالطها خوف[7].

 

لذلك ينبغي على المؤسسات التربوية والدعوية التحذير من الوقوع في المعاصي والذنوب، والابتعاد عن الوسائل التي تؤدي إليها، وبيان ما يترتب عليها من مضار ومفاسد عظيمة على الفرد والمجتمع والأمة.




[1] الماوردي، أدب الدنيا والدين، فصل في الهوى، ص 33.

[2] قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - السابق يوضح أسلوبين تربويين مهمين في تربية النفس الإنسانية، وهما: أسلوب الترهيب والترغيب.

[3] الماوردي، المرجع السابق، ص 36.

[4] سورة الشورى، الآية رقم: 30.

[5] ابن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 63.

[6] سورة الأعراف، الآية رقم: 96.

[7] طنطاوي، سيد، الوسيط، ج 1، 163.


"
شارك المقالة:
18 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook