تضاريس الحرات بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 تضاريس الحرات بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

 تضاريس الحرات بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
قد تكون الحرات البازلتية هي أكثر ما يرتبط بأذهان كثيرين عن تضاريس السطح في منطقة المدينة المنورة لأن المدينة تقع بين لابتيها، وتتوزع الحرات في منطقة المدينة المنورة في الجنوب والشمال والشمال الغربي والغرب والشرق، ففي الجنوب تضم منطقة المدينة المنورة ثلثي حرة رهاط من الشمال  ، كما تضم المنطقة ثلثي حرة خيبر من الجنوب  ، وفي الجنوب الشرقي توجد امتدادات لحرة كشب، وفي الشرق حرة واقم، أما في الشمال الغربي فتضم المنطقة حرة عويرض. كما تضم في الغرب حرة لنير. وتراوح أعمار البازلت في هذه الحرات بين الزمنين الجيولوجيين الثالث والرابع، إضافة إلى أن بعضها قد تدفق خلال العصور التاريخية.
 
وتتكون هذه الحرات من البازلت الأوليفيني القلوي والانتقالي والهاويت والباسانيت متمثلاً بشتى أنواع المقذوفات البركانية التي شكلت جميعها مجموعة متنوعة من المخاريط البركانية وحقول من الرماد البركاني التي أضفت لونًا داكنًا على تضاريس هذه الحرات، وأبرزها ما يأتي:
 
أ - حرة رهاط:
 
ينحدر سطح حرة رهاط من ارتفاعات تزيد على 1300م فوق مستوى سطح البحر؛ تزيد أحيانًا على أكثر من 1700م في الجنوب لتصل إلى ما يعلو قليلاً فوق مستوى سطح المدينة المنورة في الشمال 650م. وتشكل حرة رهاط خط تقسيم المياه بين الأودية المنحدرة في اتجاه سهل ركبة، وفي اتجاه وادي الرمة من جانب، والأودية المتجهة غربًا نحو السهول الساحلية على البحر الأحمر من جانب آخر. حيث يمتد على الطرف الغربي للحرة الجرف الرئيس المشرف على تهامة من ارتفاع 1000م، في حين لا يزيد ارتفاع الحرة فوق الأمكنة الشرقية على 200م  . 
 
وتشير الأدلة التي ذكرت في جيولوجية الحرات إلى أن بازلت حرة رهاط قد تدفق من شقوق تمتد شمالاً وتشكل جزءًا من نطاق مكة - المدينة - النفود البركاني. فقد تشكلت براكين الأمكنة المركزية على طول هذا الخط، ولا تزال تشكل هذه المخاريط المعالم الرئيسة على سطح الحرة، إلا أن هناك بعض البراكين التي انحرفت عن المحور الرئيس نحو شمال الشمال الغربي.
 
وتتعدد نماذج البراكين على سطح حرة رهاط ضمن منطقة المدينة المنورة؛ فالبراكين الدرعية تتوزع من أقصى جنوب الحرة عند جبل مغشية إلى أقصى شمالها الغربي جنوب شرق جبل عير، ويصل عددها إلى 22 بركانًا متفاوتة الأحجام والأبعاد. كما يوجد عدد من مخاريط الخبث البركاني. وباستثناء بركان جبل مغشية الدرعي في أقصى الجنوب الذي نشأ في بازلت شواحط، فإن 15 بركانًا قد أنشأها تدفق بازلت حمة وبقية البراكين الخمسة الأخرى شكلها تدفق بازلت المدينة. ومعظم البراكين الدرعية الواقعة إلى جنوب دائرة عرض 20 َ 23 ْ شمالاً قد فقدت فوهاتها نتيجة للتعرية التي تعرضت لها، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على براكين الخبث البركاني الأقل مقاومة، كما أن هناك علاقة بين شدة التعرية في المناطق البركانية وبين عمرها الزمني؛ لأن صخور بازلت شواحط وبازلت حمة من أقدم صخور بازلت حرة رهاط، فقد تعرضت منذ تدفقها - حتى الآن - لفترة طويلة من التعرية التي أعطتها أيضًا ألوانًا أفتح من التدفقات الحديثة. وعلى العكس من ذلك، بازلت المدينة الذي ينتشر في شمال الحرة يبدو بألوان شديدة السواد، وكأنها قد خمدت بالأمس. وكان آخر تدفق لبازلت المدينة المنورة قد حدث عام 654هـ / 1256م، ونجم عنه تشكيل سد الحبس الذي قطع الجريان في هذه الأمكنة الواقعة جنوب شرق مطار المدينة المنورة.
 
ب - حرتا خيبر والكرى:
 
تضم منطقة المدينة المنورة الإدارية معظم حرة خيبر باستثناء الزاوية الشمالية الشرقية منها والمتصلة بحرة اثنين، كما تضم الحرة امتدادًا جنوبيًا لها معروفًا باسم حرة الكرى. ويصعد سطح الحرة من الجنوب إلى الوسط حيث أكثر الأجزاء ارتفاعًا في جبل أبيض 2000م قرب الحدود بين منطقة المدينة المنورة ومنطقة تبوك، إلا أن سطح الحرة يستمر في الأجزاء الشمالية الغربية في الانخفاض مرة أخرى في الاتجاه نفسه. وتعد حرة خيبر امتدادًا للنطاق البركاني مكة - المدينة - النفود، حيث تدفق البازلت من براكين مركزية تمتد من الجنوب إلى الشمال وتتوافق مع صدوع متجهة نحو الشمال  . 
 
وتتعدد نماذج الأشكال البركانية على سطح الحرة، وتعد مخاريط الخبث البركاني الأكثر انتشارًا، ويقدر عددها في منطقة المدينة المنورة بنحو 250 مخروطًا، يليها نحو 36 بركانًا درعيًا و 39 تدفقًا بازلتيًا من نوع ظهر الحوت، ونحو 20 قبة بازلتية و 5 براكين رماد وبركان طباقي واحد. ومن الملاحظ أنه باستثناء تدفقات ظهر الحوت البازلتية وبعض البراكين الدرعية ومخاريط الخبث، فإن معظم الأشكال المشار إليها تتجمع في المنطقة المركزية للحرة.
 
وما تجدر الإشارة إليه أن معظم البراكين الدرعية الواقعة في غرب حرة خيبر المسمى بحرة الكرى، قد تعرضت لنحت شديد، والسبب في ذلك أنها من أقدم التدفقات البازلتية في الحرة، إذ تنتمي إلى عصر المايوسين. أما أكثر الأشكال البركانية اللافتة للنظر، فهي الأشكال التي كونتها التدفقات الحديثة الناجمة عن بازلت أبيض. وتتمتع حرة خيبر بأجمل ثلاثة براكين وأحدثها، وهذه البراكين هي مخروط الرماد البركاني لجبل أبيض الذي تمتد فوهته بقطر 1.5 كم، وقد نشأت بداخلها فوهتان أحدث عمرًا. يليه المخروط البركاني الطباقي لجبل قدر الواقع إلى الشمال منه، وقبة جبل أبيض المكونة من الأبسيدون الرمادي مع بلورات بيضاء من الكومنديت (Comendite). وتنتمي مقذوفات جبل قدر وبازلت أبيض وتدفقاتهما إلى العصور التاريخية.
 
ج - حرة العويرض:
 
تعد حرة العويرض امتدادًا جنوبيًا شرقيًا لحرة الرحا، وتقع هذه الحرة في أقصى شمال غرب منطقة المدينة المنورة. وكما هو الحال في الحرات الأخرى، يرتفع مركز المدينة في هذه الحرة عن الأطراف، إلا أن الارتفاع العام للسطح ينحدر من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي بارتفاع يقرب من 1800م إلى 700م قرب مدينة العلا، ومن الظاهرات اللافتة للنظر في هذه الحرة وجود منخفض على الطرف الغربي الأوسط لها، والمسمى بحلة البدر بجوار جبل تذرع في موقع الجو. ولأن هذا المنخفض قد تشكل ضمن صخور الحجر الرملي لتكوين رام وأم سهم، فمن المرجح ألا يكون هذا المنخفض قد تغطى بتدفقات البازلت لكونه مرتفعًا عند التدفق، إلا أن عمليات التعرية الكثيفة التي تظهر آثارها بوضوح على أطراف الحرة جميعها، قد نحتت هذا المرتفع الأقل مقاومة من البازلت المحيط به وحولته إلى منخفض بالشكل الحالي.
 
وتنحدر مجموعة أودية من مركز المدينة لحرة العويرض نحو الأطراف الشرقية والغربية لها، حيث تصب الأودية الشرقية في واديين رئيسين هما وادي مصول المتجه نحو شمال الشمال الغربي ووادي الحمضة المتجه جنوبًا إلى مدينة العلا، أما الأودية الغربية فهي جميعها روافد لوادي الجزل الرافد الرئيس لوادي الحمض.
 
وتنتمي تدفقات البازلت في حرة العويرض إلى ثلاث فترات زمنية؛ أقدمها عمرًا تنتمي إلى عصر المايوسين الثلاثي، حيث تغطي صخور الحجر الرملي لتكوين رام وأم سهم (أوائل الزمن الجيولوجي الأول). أما التدفق الأوسط فيرجع إلى الزمن الجيولوجي الرابع، والتدفق الثالث حدث في العصور التاريخية، إذ تفجر بركان تذرع وقضى على كثير من الرعاة في المنطقة  . 
 
د - حرة لُنَير 
 
تقع حرة لنير إلى شمال الشمال الغربي لمدينة ينبع البحر، على قمم جبال الحجاز الفاصلة بين حوض وادي الحمض والسهل الساحلي. وتشير ألسنة البازلت التي تدفقت في الاتجاهين الداخلي إلى مجرى وادي الحمض والساحلي إلى موقعين؛ أولهما في الجنوب إلى شرم الخور، وثانيهما نحو الغرب إلى حرة قليب شمال مدينة أملج. وقد وصلت التدفقات في كلا الموقعين إلى خط الساحل من ارتفاع يزيد على 1000م فوق مستوى سطح البحر.
 
وتشير مورفولوجية هذه الحرات وعلاقاتها الجيومورفولوجية بالمدرجات البحرية عند خط الساحل إلى أنها تنتمي إلى فترات زمنية وصلت حتى البلايستوسين الأعلى  ،  وربما حتى الهولوسين والعصور التاريخية  .  وتشير المخاريط المركزية في حرة لنير إلى أنها تتوافق مع صدوع ذات اتجاه شمالي جنوبي، حيث تتابع هذه المخاريط في الاتجاه نفسه
 
 
شارك المقالة:
156 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook