تضاريس منطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تضاريس منطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

تضاريس منطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
أدى اتساع منطقة مكة المكرمة إلى تنوع تضاريس السطح فيها، فقد غطت حدود المنطقة مساحات من جبال السروات وجبال الحجاز  ، إضافة إلى عدد من الحرات البركانية، وقد نشأت فوقها شبكة من الأودية التي شقت مجاريها في اتجاهين متعاكسين غالبًا، إلى كل من الشرق والشمال الشرقي وإلى الغرب نحو البحر الأحمر، وهو ما أدى إلى وجود سهول مرتفعة كسهل ركبة، وسهول ساحلية على البحر الأحمر، وقد تنوعت أشكال الأراضي في المنطقة نتيجة لتداخل المؤثرات التضاريسية والجيولوجية مع عمليات التعرية وتغيرات مستوى سطح البحر، هو ما أدى إلى مرتفعات جبلية وأشكال بركانية وشبكات متطورة من المجاري المائية والمدرجات البحرية والنهرية، إضافة إلى وجود شعاب مرجانية وجزر شعابية وسباخ ساحلية، ووجود تشكيلات من الرمال الريحية في عدة مواقع؛ منها الساحلية ومنها الداخلية الواقعة إلى الشرق من سلاسل جبال السروات - الحجاز
 

المرتفعات

تتميز تضاريس المنطقة بتباين مناسيبها بشكل كبير، وذلك بين مستوى سطح البحر وما يزيد على 2500م، (خريطة 3) . وتعد هذه المرتفعات امتدادًا شماليًا لجبال السروات ومن ثم فهي تمتد من الجنوب إلى الشمال، ويمكن تقسيمها إلى قسمين مختلفين: قسم جنوبي يمتد من الحدود الإدارية لمنطقة مكة المكرمة مع منطقة الباحة مرورًا بسراة بني مالك وسراة بلحارث وسراة بني سعد وسراة ثقيف والشـفا والهـدا، حتى بلـدة السيل الكبير شمالاً،  وآخر شمالي يمتد من البلدة الأخيرة حتى التقاء حدود المنطقة مع منطقة المدينة المنورة، ويختلف كلا القسمين في الخصائص التضاريسية، فيتميز القسم الجنوبي بوجود أعلى القمم ارتفاعًا في منطقة مكة المكرمة، وبوجود ظاهرة مميزة وهي الجرف الصدعي الذي يستمر جنوبًا حتى نهاية جبال السروات وخارج المنطقة
ويتميز القسم الشمالي بانخفاضه نسبيًا عن القسم الجنوبي، كما يتلاشى الجرف الصدعي ويبرز بدلاً منه عدد من القمم الجبلية لا يتجاوز ارتفاعها 1500م، فقد تعرضت المنطقة الشمالية لتعرية مكثفة من قبل المجاري العليا لوادي فاطمة وهما واديا الشامية واليمانية، ويبدو أن المرجح في زوال الجرف الصدعي في هذا القسم يعود إلى قلة ارتفاعه الناجم أصلاً عن قلة مدى الصدع الرئيس للبحر الأحمر في هذا القسم أكثر منه بسبب تعرضه للتعرية، والدليل على ذلك استمراره وزيادة ارتفاعه في الجنوب على الرغم من وجود عمليات تعرية مكثفة  ،  وهذا ما يتفق مع ازدياد عمليات الرفع التكتوني لجبال السروات كلما اتجهنا جنوبًا
وكما أمكن تقسيم المرتفعات الجبلية في منطقة مكة المكرمة إلى قسمين شمالي وجنوبي، يمكن تقسيمها أيضًا من الشرق إلى الغرب إلى ثلاثة أقسام؛ وهي: خط الذرى والمرتفعات الوسطى والجبال التهامية
ويشكل خط الذرى (القمم) خط تقسيم المياه بين الأودية المتجهة شرقًا، وتلك المتجهة نحو البحر الأحمر، ويختلف منسوب خط الذرى بين الجنوب والشمال كما سبقت الإشارة
ولعل جبل الحدب في ميسان بلحارث هو الأكثر ارتفاعًا، يليه انخفاض تدريجي في جبل الطبقة في الدار الحمراء، ثم جبل دكا في الشفا  جنوب الطائف ثم الهدا  إلى الغرب من مدينة الطائف، وتراوح ارتفاعاتها بين 2000 و 2500م فوق مستوى سطح البحر، إلا أن خط الذرى ينخفض تدريجيًا إلى أقل من 1500م ليحل محله خط تقسيم مياه حرة رهاط حتى شمال بلدة الكامل إلى الجنوب الشرقي من رابغ، ويتصف القطاع العرضي لخط الذرى بانحداره الشديد نحو الغرب، فيما ينحدر تدريجيًا نحو الشرق والشمال الشرقي
ويفصل خط الذرى (خط تقسيم المياه) بين مجموعة من الأودية التي تصب في البحر الأحمر، وأهمها من الجنوب إلى الشمال: أودية الليث والسعدية ونعمان وفاطمة وعسفان وخليص ورابغ، وأودية تنحدر نحو الشرق والشمال الشرقي؛ وأهمها من الجنوب إلى الشمال: وادي تربة الذي ينتهي مع وادي الخرمة  وغيره إلى وادي الدواسر، وأودية أم السلم ولية ووج والعقيق التي تنتهي في سهل ركبة
أما المرتفعات الوسطى فهي تمتد عند أقدام الجرف الصدعي، ويراوح منسوبها - حسب تباين ارتفاع الجرف بين الجنوب والشمال - بين 1200 و 500م فوق مستوى سطح البحر، وعلى العكس من مرتفعات خط الذرى تتخذ المرتفعات الوسطى اتجاهًا متعامدًا عليه على الرغم من اتصالها به، وتفصل بينهما أودية خانقية عميقة تتجه نحو البحر الأحمر، وقد نشأت هذه المرتفعات نتيجة لصدوع سلّمية موازية للصدع الرئيس للبحر الأحمر الذي شكل الجرف الصدعي وخط الذرى
ولا تختلف مناسيب الجبال التهامية كثيرًا عن الجبال الوسطى، إلا أنها غالبًا ما تكون منعزلة بعضها عن بعض كما هو الحال في جبال مكة المكرمة سواء الواقعة إلى الشرق منها كجبل الطارقي 990م، والأحدب 866م، أو تلك الواقعة جنوبها كجبل ثور 755م، ويمكن اعتبار مدينة مكة المكرمة المنتشرة عمرانيًا بين مجموعة من الأودية والشعاب كأودية إبراهيم والزاهر ومحسر، مدينة جبلية المظهر، إذ تفصل مجموعة من الجبال بين أحواض أوديتها ومن أهمها جبال حراء وثبير وقعيقعان وأبوقبيس وأذاخر وغيرها، وتتلاشى هذه المرتفعات تدريجيًا نحو الغرب في اتجاه السهل الساحلي لتتحول إلى تلال منخفضة وسطوح بدمنت تغطيها طبقات رقيقة من الرواسب الفتاتية المكونة من الحصى والرمال والطين
 

الحرات

 
تشغل التضاريس البركانية مساحات شاسعة من منطقة مكة المكرمة، وتتمثل في عدد من الحرات، كما هو الحال في الثلث الجنوبي لحرة رهاط ومعظم حرة كشب، إضافة إلى حرتي حضن ومعظم حرة البقوم والنواصف، وكما سبقت الإشارة في التكوينات الجيولوجية، فإن أعمار هذه الحرات تراوح بين الزمنين الثالث والرابع، كما أن بعضها قد تدفق خلال العصور التاريخية
ويشكل البازلت الأوليفيني القلوي والانتقالي والهاواييت والباسانيت معظم تدفقات اللابة في هذه الحرات التي يعلوها عدد كبير من المخاريط البركانية وحقول من الرماد البركاني، وجميع هذه التكوينات تضفي لونًا داكنًا على تضاريس الحرات في المنطقة
 
أ- حرة رهاط:
يصل متوسط ارتفاعها إلى 1300م فوق مستوى سطح البحر إلا أنها تزيد في نقاط معينة على ذلك، أو تنخفض عن ذلك حسب ارتفاع المخاريط البركانية التي تعلو سطح الحرة، وتشكل حرة رهاط خط تقسيم المياه بين الأودية المنحدرة في اتجاه سهل ركبة وتلك المنحدرة نحو سهول تهامة على البحر الأحمر، ويمتد على الطرف الغربي للحرة الجرف الرئيس المشرف على تهامة من ارتفاع 1000م، بينما لا يزيد ارتفاع الحرة فوق المناطق الشرقية على 200م  .
وقد تدفقت حرة رهاط من خلال شقوق تمتد شمالاً وتشكل جزءًا من خط (مكة المكرمة - المدينة - النفود البركاني)، وقد تشكلت براكين المنطقة المركزية على طول هذا الخط، وهي تشكل المعالم الرئيسة على سطح الحرة، إلا أن هناك مخاريط أخرى قد انحرفت عن المحور الرئيس نحو شمال الشمال الغربي
وقد تشكل نحو 14 من البراكين الدرعية في جنوب حرة رهاط، إضافة إلى عدد من بقايا مخاريط الخبث البركاني التي زال معظمها بسبب قدم تعرضها للتعرية، كما أزالت التعرية فوهات جميع البراكين الدرعية الأكثر صلابة من مخاريط الخبث المذكورة، ومعروف أن هناك علاقة بين شدة التعرية في المناطق البركانية وبين عمرها الزمني، ولما كانت صخور بازلت شواحط وبازلت حمة من أقدم صخور بازلت حرة رهاط فقد تعرضت للتعرية فترة طويلة فزالت معظم المخاريط البركانية منها، كما أكسبتها ألوانًا فاتحة نسبيًا بالمقارنة مع التدفقات الحديثة
وقامت عمليات التعرية منذ العصر الثلاثي بتعرية الألسنة البازلتية المنحدرة من حرة رهاط في اتجاه السهل الساحلي وتخفيض أطرافها، وقد كانت تشكل بطون الأودية في السابق، لتصبح تضاريس مقلوبة تعلو السطح العام على شكل هضاب متطاولة في اتجاه خط الساحل
 
ب - حرة كشب: 
تقع حرة كشب إلى الشرق من حرة رهاط، وهي أكثر انخفاضًا منها، حيث لا يزيد ارتفاع أطرافها على 1000م فوق مستوى سطح البحر، إلا أنها تزيد في المنطقة المركزية لتصل إلى 1120م، كما ترتفع أحيانًا في بعض المخاريط البركانية إلى 1475م، كما هو الحال في جبل هيل الذي يشكل أعلى قمة فيها
وعلى الرغم من توزع أكثر من 188 مخروطًا بركانيًا في أنحاء الحرة إلا أن معظمها قد تأثر بالتعرية لدرجة كبيرة، وربما تكون المخاريط المركزية في وسط الحرة الأكثر وضوحًا، إذ تمتد سبعة مخاريط فتاتية على استقامة واحدة بطول 12كم من الشمال إلى الجنوب، أما أكثر الأشكال إثارة فهو فوهة الوعبة الانفجارية (مقلع طمية) التي تعد الأكثر شهرة أيضًا
وقد تدفقت البراكين من صدوع ذات اتجاهات متعددة وبخاصة في القسم الجنوبي للحرة، إلا أن امتداد المخاريط في اتجاه الشمال - الجنوب مع انحراف بسيط نحو الشمال الغربي يشير إلى وجود صدوع تتفق مع هذا الاتجاه، ويرى بعض الباحثين أن الصدوع الأخيرة تتفق مع صدوع حديثة، بينما نشأت البراكين المبعثرة من صدوع متعددة الاتجاهات
وعلى الرغم مما يراه بعض الباحثين من تشابه بين سهل ركبة الذي نشأت فوقه حرة كشب والبنية الأخدودية لحرة رهاط إلا أنه لا توجد أدلة تكفي لإثبات ذلك، ويصل متوسط سمك البازلت في الحرة إلى 100م
وكما هو الحال في التضاريس البركانية تتنوع أشكال الأرض في الحرات حسب تنوع مقذوفات البراكين فيها، وذلك تبعًا لتركيبها الكيميائي أو تركيبها الحجمي أو لكليهما معًا، وينطبق ذلك على حرة كشب التي تنتشر فيها مخاريط الخبث البركاني وحلقات الطوفة والمار والقباب بأنواعها وبراكين الفولكانو الدرعية وأنفاق اللابة
ويعد كل من مخروط جبل هيل وجبل عسلج أفضل الأمثلة وضوحًا على نمط براكين الخبث لحداثة تدفقهما الذي يمتد حتى العصر الحجري والعصور التاريخية، إذ تظهر اللابة بلون داكن أما حلقات الطوفة والمار فهناك ست منها في حرة كشب، أربع منها في المنطقة المركزية، وتشير درجة نحتها إلى نشأتها في فترة واحدة، وأخرى في شمال شرق الحرة تعرضت بشدة للتعرية، مما يشير إلى قدمها، أما السادسة فهي الوعبة (مقلع طمية) الذي سبقت الإشارة إليه وهي الأقل تعرضًا للنحت، كما أنها الوحيدة من نموذج فوهات الانفجار
أما القباب فلعل أشهرها قبة جبل شلمان في جنوب وسط الحرة كما أنها الأحدث عمرًا، مقارنة بالقباب الأخرى، حيث قبة جبل أبوحارث الأكثر تعرضًا للتعرية، أما القباب الأخرى وعددها سبع قباب فتتوزع في المنطقة المركزية، وقد تعمقت فيها التعرية بشكل كبير مما يشير إلى قدمها
ولعل براكين الفولكانو الدرعية أو نموذج الهاواي هو الأقل شيوعًا في حرة كشب لطبيعة اللابة المختلفة عن الحرات الأخرى، وباستثناء بركان جبل ياحي شرق الحرة وبركان جبل زوير من نموذج ظهر الحوت تخلو حرة كشب من هذه البراكين، كما تصاحب هذه البراكين مجموعة من أنفاق اللابة التي كثيرًا ما تنهار لتتشكل أخاديد تمتد بامتداد هذه الأنفاق
 
ج - حرة حضن: 
تقع إلى الجنوب مباشرة من حرة كشب، وهي أقل مساحة وامتدادًا منها، وعلى الرغم من سمك القطاع البازلتي في الحرة الذي يصل إلى 150م  ،  إلا أن سطحها لا يرتفع كثيرًا عن المستوى العام للمناطق المحيطة بها، ولقدم الحرة فقد أزالت التعرية معظم مخاريطها البركانية، وتظهر بقايا هذه المخاريط على أطراف الحرة الغربية والجنوبية والشمالية، وهي تعلو السطح العام للحرة على شكل تلال صغيرة منعزلة، وهو ما يشير إلى مواقع هذه المخاريط التي انبعثت منها مقذوفات الحرة
 
د - حرة النواصف (البقوم):
تقع إلى الجنوب مباشرة من حرة حضن، إلا أنها - على العكس من الأخيرة - تمتد من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي، كما أنها أكبر مساحة منها، وعلى الرغم من حداثة أعمار بعض التدفقات والمقذوفات البركانية التي تتزامن والعصر الحجري الحديث إلا أن سطحها شديد الاستواء باستثناء بعض المخاريط البركانية الحديثة
وتمتاز الحرة بامتداد لسانين بازلتيين منها: الأول في اتجاه مدينة ووادي رنية بطول 40كم، والآخر في اتجاه وادي تربة بطول 65كم
ويتوزع عدد من مخاريط الخبث البركانية في الجزء المركزي من الحرة إضافة إلى عدد من حلقات الطوفة والمار التي تمتد مع اتجاه امتداد الحرة، وتشير ندرة التعرية التي تعرضت لها هذه المخاريط البركانية إلى حداثتها زمنيًا إذا ما قورنت ببقية الأشكال الأخرى في الحرة الأقدم منها كثيرًا، وهو ما يشير إلى تجدد النشاط البركاني عند نهاية البلايستوسين أو أوائل الهولوسين
وبالإضافة إلى الحرات السابقة هناك عدة حرات صغيرة المساحة إلى الجنوب من مدينة جدة وأشهرها حرة إدام وحرة شامة (طفيل)، وقد تدفقت كلتا الحرتين نحو السهل الساحلي (تهامة) وترتفعان بين 100 و 110م فوق مستوى السهل الساحلي
 
شارك المقالة:
811 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook