المحتوى

تطليق الزوجة إرضاء للوالد

الكاتب: يزن النابلسي -

تطليق الزوجة إرضاء للوالد

 

السؤال
 
الأمر أيها المشائخ الأفاضل: يتعلق بحياة زوجية إما أن تستمر وإما أن تنهى !
والدي لا يكلمني منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة تقريباً وقد حاولت مراراً أن أتقرب منه وأن استرضيه "وأنا لا أعلم سببا فعلته لئلا يكلمني" ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وتزوجت في عام 1420 هـ ولدي وطفلين وكررت المحاولة لاسترضائه ولكن فاجأني بقوله أنت تريد رضاي عليك فطلق زوجتك وأرض عنك !
علما أن والدة زوجتي تكون أخت لأمي وزوجها عديلا لوالدي.
أفتوني مأجورين هل أطلق زوجتي لأرضي والدي أم أبقيها ولا يكلمني والدي علماً بأنه لا يوجد مأخذاً شرعياً على زوجتي ولا على أهلها فهم أهل صلاح وعبادة أحسبهم كذلك والله حسيبهم.
 
 
الجواب
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لا شك أن الوالدين لهما حق عظيم وهما أحق الناس بالبر والطاعة والإحسان والمعاملة الحسنة ، وقد قرن الله سبحانه الأمر بالإحسان إليهما بعبادته حيث قال : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء/23 .( والقاعدة في ذلك أن طاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد ، أما ما لا منفعة لهما فيه وفيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص 114" : ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية ، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما ، ولا ضرر عليه " اهـ .
وإذا أمره والداه بطلاق زوجته فلايخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون الأمر لسبب شرعي يقره الشرع مثل كونها غير عفيفة أو فاسقة أو نحو ذلك من الاعتبارات الشرعية التي يخشى معه أن تؤثر على الولد في دينه أو في تربية ذريته فيشرع في هذه الحال طاعة الوالدين في هذا ، وخاصة إن لم يكن له منها ولد ما لم يترتب على الطلاق ضرر أكبر ، وعلى أصل المشروعية يدل فعل إبراهيم عليه السلام حينما أمر ابنه إسماعيل بطلاق زوجته التي شكت الحال كما ثبت في صحيح البخاري ، وعليه يحمل فعل عمر رضي الله عنه حينما أمر ابنه عبدالله بطلاق زوجته ، حيث أن عمر رضي الله عنه رجل ملهم ومحدث ويعرف مصلحة ابنه ولم يكن ليفعل ذلك تشهيا .
أما حكم طاعتهما في هذه الحال هل هي واجبة أو مستحبة أو مباحة ؟.فإنها تختلف بحسب المقتضي الشرعي فإن كان المقتضي يوجب ذلك وجب وإلا استحب أو أبيح ، ففي حال كونها غير عفيفة مثلاً يجب وهكذا .
الحالة الثانية : أن يكون طلب الوالدين للطلاق لغير سبب شرعي والزوجة لاتقصير منها ، فهنا لايشرع طاعتهما فيه وليس من البر ، وعليه أن يتطلف لهما ويحسن إليهما وأن يخبرهما بتلطف ولين في القول لقول الله تعالى : ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً )( الإسراء/23 .(
 
وأن يحاول أن يقنعهما ، مثل أن يبين أنه ليس من برهما شرعاً طلاق زوجته ، لما ثبت في الصحيح مرفوعاً (إنما الطاعة في المعروف ) ، أما في المنكر فلا طاعة ، ولاشك أن تشتيت أسرة وتفريق الشمل –وخاصة في هذا العصر المتفلت أخلاقياً – فيه فساد عظيم وضرر كبير على المرأة والأولاد وأهل الزوجة ، والضرر لايزال بالضرر ، فكيف ولم يثبت ضرر معتبر على الوالدين . ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم أبغض الحلال عند الله الطلاق. [ رواه أبو داود والحاكم وصححه السيوطي وضعفه الألباني] .
وبهذا لمعنى أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها ، فجاءه رجل فقال : إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي ، قال له الإمام أحمد : لا تطلقها ، قال : أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك ؟ قال : وهل أبوك مثل عمر ؟ .يعني أن عمر رجل ملهم محدث يعرف مصلحة ابنه ولايفعل ذلك تشهياً بدون سبب.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن مطالبة الوالدة من ابنها طلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها بل لحاجة شخصية فأجابت بما نصها : " إذا كان الواقع كما ذكر السائل من أن أحوال زوجته مستقيمة وأنه يحبها ، وغالية عنده ، وأنها لم تسئ إلى أمه وإنما كرهتها لحاجة شخصية ، وأمسك زوجته وأبقى على الحياة الزوجية معها ، فلا يلزمه طلاقها طاعة لأمه ، لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : " إنما الطاعة في المعروف " وعليه أن يبر أمه ويصلها بزيارتها والتلطف معها والإنفاق عليها ومواساتها بما تحتاجه وينشرح به صدرها ويرضيها بما يقوى عليه سوى طلاق زوجته " . فتاوى اللجنة الدائمة 20/29 .
قال في مطالب أولي النهى (5/320) : ( ولا تجب ) على ابن ( طاعة أبويه ولو ) كانا ( عدلين في طلاق ) زوجته ; لأنه ليس من البر) انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن : ( رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها ؟ الجواب : لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه ، وليس تطليق امرأته من برها والله أعلم ( اهـ الفتاوى الكبرى 3/331 ، ولابأس أن تستعين بكبار السن من أقاربك أو احد من العلماء لإقناع والدك بالعدول عن رأيه .والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
المرجع موقع المسلم
شارك المقالة:
22 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook