تطور السياحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تطور السياحة في المملكة العربية السعودية

تطور السياحة في المملكة العربية السعودية.

 
 
المملكة دولة مترامية الأطراف، يميزها المناخ الصحراوي الذي أدى إلى تناثر الاستيطان فيها منذ القِدَم، وذلك حسب توافر أسباب الحياة التي تتباين وتتعدد مصادرها بين أجزائها المختلفة. وقد أدى النمط الاستيطاني المتناثر إلى زيادة السفر بين أجزائها الداخلية عبر الطرق البرية قديمًا، وبمختلف وسائل السفر حديثًا، فقد كان السفر معتادًا منذ القِدَم، فضلاً عن أن غالب سكان الجزيرة العربية قديمًا كانوا رحلاً يتنقلون ويسافرون كثيرًا بحثًا عن الكلأ. وعلى سواحلها نشأت موانئ تصلها بالعالم القديم لا سيما القريب منه، وازدهرت موانئ مثل جدة والجار وينبع بعد ظهور الإسلام وتزايُد وفود الحجيج والمعتمرين، وسافر عبرها عدد من سكان الجزيرة العربية إلى أقطار شتى. وعلى الرغم من أن معظم الأسفار كانت لأغراض غير سياحية إلا أن نـزعة السفر كانت متنامية، وربما سافر بعضهم لأغراض يمكن عدُّها سياحية، أو أن السياحة أصبحت جزءًا منها.لم يكن السفر في الماضي أمرًا سهلاً، فهو غالبًا رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر، قلَّ من يقوم به بغير ضرورة قصوى. وقد يكون السفر لأغراض سياحية أمرًا قليل الحدوث في الماضي، إلا أنه يمكن تتبُّع عدد من الأنماط القديمة التي تندرج تحت المفهوم الحديث للسياحة، ومنها رحلات الصيد البرية، حين كانت الجزيرة العربية كثيرة الطرائد، ومثلها النـزهات البرية في أوقات الربيع، ولعل هذه الرحلات وأشباهها كانت ذات طابع محلي؛ بحيث لا يخرج المرء من إقليمه؛ لأن الأرض كانت على طبيعتها والصيد وفير لا يبعد كثيرًا عن مراكز الاستقرار. غير أنه وُجدت مناسبات تجذب الناس من أمكنة بعيدة مثل سباقات الخيل التي سجلها التاريخ، والأسواق التجارية الثقافية، وأشهرها سوق عكاظ. ومن أهم الأنماط السياحية التي سُجِّلت في الماضي أيضًا سياحة المناخ الجيد التي مارسها سكان مكة بالسفر صيفًا إلى الطائف المنتجع الجبلي القريب منها  . وبظهور الإسلام وانتشاره خارج الجزيرة العربية حدثت تحولات مهمة في مجال السفر؛ بسبب عدد من العوامل، من أهمها الاستقرار والأمن اللذان شجعا الناس على الحركة بحرِّية داخل الجزيرة العربية وخارجها، كما فرض الله الحج إلى الديار المقدسة؛ لكونه الركن الخامس من أركان الإسلام، فرحلة الحج الأولى ركن من الأركان، واجب الأداء على المستطيعين من المسلمين، والرحلات التي تليها من قبيل التطوع، ولا شك أن الراحة والطمأنينة والرضا عن النفس من أهم الآثار التي تشجع المسلم على القيام بها بوصفها سياحة لأغراض دينية، بل إن هذه الأمكنة أصبحت مدنًا مهمة من الناحيتين الدينية والثقافيةعلى أن الوضع الاقتصادي المحدود نسبيًا للمملكة سابقًا - فيما عدا الموانئ الرئيسة والمدن المقدسة - جعل غالب الناس مشغولين عن السفر بمتطلبات الحياة اليومية، إذ يستمر العمل من شروق الشمس إلى غروبها، ومع ذلك حياتهم لم تكن تخلو من الترفيه، مثل: رواية الشعر والحكايات، وبعض الألعاب التقليدية، والصيد، والسباق، والمصارعة، والعرضة التي يمارسونها من وقت إلى آخر، وتتأكد في المناسبات مثل: العيدين، وقدوم الضيوف، والمناسبات الاجتماعية.ومثل بقية العالم فإن النمو الكبير للسياحة في المملكة وبروزها بوصفها قطاعًا اقتصاديًا كان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ نتيجةً للأمن والاستقرار بعد توحيدها على يد الملك عبدالعزيز، والتحسن الاقتصادي بعد ظهور البترول، والتطور والتحديث التدريجي، ولا يغفل التطور الهائل في وسائل النقل والمواصلات التي تُعد العمود الفقري للسياحة، فقد اختصرت الوقت، وقللت من التكلفة لدرجة مكنت شريحة واسعة من الناس من اعتماد السفر والسياحة نمطًا من أنماط الترويح عن النفس؛ كل هذه الأمور كانت عوامل لنمو السياحة وتطورها في المملكة.
 

الاستثمار السياحي

 
تبعًا للحالة الثقافية والدينية والسياسية، والوضع الاقتصادي الجيد الناتج من اكتشاف البترول وإنتاجه؛ فإن السياحة لم يُنظر إليها على أن لها أولوية بوصفها قطاعًا اقتصاديًا مدة من الزمن، إلا أنه مع التطور الحضاري للمملكة، وتزايد الرحلات السياحية الداخلية والخارجية على أرض الواقع، ولتقوية الاقتصاد السعودي بتنويع مصادره وأنشطته؛ اهتمت خطط التنمية الخمسية للمملكة بتأكيد أهمية تطوير هذا القطاع على مستوى السياحة الداخلية. وفي البداية أُوكلت مهمات تتصل بالسياحة والترويح إلى الجهات الحكومية ذات العلاقة لتحسين الخدمات وتطوير جوانب من البنية السياحية كلٌّ فيما يخصه، مثل: وزارة الثقافة والإعلام، والتربية والتعليم، والشؤون البلدية والقروية، والتجارة، والنقل، والزراعة، وإمارات المناطق التي تولت الاهتمام بتطوير السياحة الداخلية عبر جهود متفرقة، وكان من أبرزها إنشاء إدارة التطوير السياحي بإمارة عسير، وإنشاء المتاحف من قِبَل وزارة التربية والتعليم، وإدارة الفنادق بوزارة التجارة، بالإضافة إلى جهود وزارة الشؤون البلدية والقروية في تنسيق الأمكنة المفتوحة بالمناطق الحضرية وتطويرها.وتبعًا لكون السياحة نشاطًا يعتمد على معطيات مكانية كثيرة وخدمات مختلفة؛ فإن النمو الحضاري الشامل أسهم في تطوير السياحة بصورة غير مباشرة، فقد استفاد القطاع السياحي من التطور السريع للبنية التحتية والفوقية، إذ تم ربط المملكة بشبكة حديثة من الطرق البرية والخطوط الجوية والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتوفير الكهرباء والماء والخدمات الأخرى في مختلف المستوطنات الصغيرة والكبيرة، ورافق ذلك اهتمام من القطاع الخاص بفرص الاستثمار في مجال الترفيه والسياحة، فظهرت مؤسسات متخصصة في ذلك تستفيد من قدرة الإنفاق المتزايدة للشعب السعودي، واستغلال أوقات الإجازات الأسبوعية والموسمية والسنوية التي كفلها النظام الوظيفي للعاملين.وضمن عدد من سمات الدخول التي تُمنح لزائري المملكة؛ يوجد عدد من التأشيرات التي يتحول بعض المستفيدين منها إلى سياح حال إنهاء الغرض الأساسي الذي قدموا من أجله، فينخرطون في أنشطة سياحية وترويحية كثيرة، ومن هذه التأشيرات: تأشيرة الحج والعمرة، وتأشيرة رجال الأعمال، وتأشيرة زيارة العمل ممن ليس لهم صفة تجارية، مثل: أساتذة الجامعات، والأطباء، والمهندسين، وتأشيرات القادمين لغرض المشاركة في المعارض المقامة في المملكة، وتأشيرة القادمين لغرض العلاج في المستشفيات الخاصة، وتأشيرة المرور برًا، وتأشيرة المرور جوًا لمن تزيد مدة انتظارهم للرحلة التالية على اثنتي عشرة ساعة.وفي إطار التطوير في مجال زيادة السياحة إلى المملكة تم السماح لبعض الجهات باستقدام وفود سياحية من الخارج، مثل: الخطوط الجوية العربية السعودية، وتم منح تأشيرات سياحية وفق نظام محدد يتيح لمنظمي السياحة استقدام الوفود السياحية، إذ يكون قدوم السائحين وإقامتهم تحت رعاية جهات داخلية مرخَّص لها بمزاولة خدمة السائحين واستقبالهم في ضيافتها  .  ويستطيع من يرغب في القدوم إلى المملكة لغرض السياحة الحصول على معلومات عن الشركات السعودية المرخَّص لها عن طريق موقع المملكة السياحي على (الإنترنت)  ،  أو عن طريق الاتصال بالخطوط الجوية العربية السعودية، أو أحد مكاتبها في الخارج بالاستفادة من برنامج (اكتشف المملكة).
 
 

دور القطاع الخاص في السياحة

 
تعتمد السياحة على جهود القطاع الخاص في تطوير البنية الفوقية لها، وبخاصة في قطاعات النقل، والإيواء، والإعاشة، والترفيه، وتنظيم الرحلات. وقد بدأ ذلك منذ وقت مبكر متماشيًا مع تطور الحركة السياحية الداخلية، فتم إنشاء الفنادق، والمجمعات السكنية المفروشة، والقرى السياحية  ، ومدن الألعاب، والمطاعم، مع التركيز على المدن الكبرى وبالمواقع السياحية الرئيسة، مثل: المرتفعات الجنوبية الغربية والسواحل. وأُنشئ عدد من الشركات المتخصصة في خدمات الترفيه والسياحة والإيواء، وبعضها شركات مساهمة.
 
وعلى الرغم من أن انتشار وكالات السياحة والسفر في المملكة قد بدأ منذ وقت مبكر، إلا أن غالبيتها تكتفي ببيع تذاكر السفر وتنظيم الرحلات الدولية، في حين تأخر العمل في تنظيم الرحلات السياحية المتكاملة إلى المقاصد السياحية في الداخل، ولعل ذلك يعود إلى تفضيل الناس القيام برحلات ينظمونها بأنفسهم دون الارتباط بالوفود السياحية، إلا أنه توجد رغبة ملحوظة من قِبَل وكالات السفر والسياحة لدخول هذه السوق، بتنظيم رحلات الحج والعمرة، وجلب الوفود السياحية من بعض الدول، ومن ذلك برنامج (اكتشف المملكة) الذي تنظمه الخطوط الجوية العربية السعودية بالتنسيق مع بعض مكاتب السياحة والسفر.ويمثل قطاع السياحة والترفيه أحد أهم القطاعات التي تُعنى بها الغرف التجارية الصناعية في المملكة؛ ومن أجل هذا تم إنشاء لجنة وطنية للسياحة تحت مظلة مجلس الغرف التجارية الصناعية بالمملكة، أُوكلت إليها مهمة دراسة تطوير هذا القطاع، وتذليل بعض العقبات، ونقل وجهات نظر رجال الأعمال إلى الجهات المختصة، والتنسيق معها فيما يخدم تطوير قطاع السياحة. ومما عزز دور القطاع الخاص في السياحة إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ لكون القطاع الخاص شريكًا رئيسًا في تنمية السياحة، وقد تم في هذا المجال اتخاذ عدد من الخطوات التنظيمية ومذكرات التفاهم مع ممثلي هذا القطاع والغرف التجارية.
 

الهيئة العامة للسياحة والآثار 

 
يعد إنشاء الهيئة العليا للسياحة والآثار خطوة مهمة نحو تطوير السياحة في المملكة وتنميتها؛ فقد تم إنشاؤها والموافقة على مهماتها وتنظيمها الأساسي بقرار مجلس الوزراء رقم 9 في 12 / 1 / 1421هـ الموافق 17 / 2 / 2000م  ،  ثم صدر تعديل المسمى إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار في عام 1429هـ / 2008م.وقد حددت هذه الهيئة رؤية السياحة في المملكة فيما يأتي: "تسعى المملكة العربية السعودية - وهي مهد الإسلام - إلى تنمية سياحية قيمـة ومميـزة، ذات منافـع اجتماعية، وثقافية، وبيئية، واقتصادية، انطلاقًا من قيمها الإسلامية، وأصالة تُراثها العريق وضيافتها التقليدية"  ،  فهي تنطلق من ثقافتها متماشيةً مع قيم الإسلام وتراثها العربي العريق الذي سيكون سمة سياحية لها. وقد حددت الهيئة دورها بوصفها مركزًا للتحفيز والتميز السياحي، والعمل - من خلال شراكة وثيقة مع الأطراف والشركاء المعنيين - لتحقيق رؤية السياحة ومهمتها في المملكة، ولتكون الداعم الأساسي لإحداث التنمية السياحية المستديمة التي تتماشى مع الثوابت الإسلامية، والقيم الاجتماعية والثقافية والبيئية السائدة في المملكة  . وحرصت الهيئة الناشئة على البدء بدراسات مكثفة لتطوير السياحة ونظام إدارتها، وعلاقتها بالجهات الرسمية وغير الرسمية، ودورها في تنشيط الإمكانات والفعاليات السياحية وتطويرها عبر توفير البيئة المناسبة، وأنشأت جهات معنية محلية بالتعاون مع إمارات المناطق الثلاث عشرة، وبدأ التنفيذ الفعلي لما خططت له الهيئة بدءًا من دعم الفعاليات السياحية.
 
 
شارك المقالة:
442 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook