تطور خدمات الاتصالات بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 تطور خدمات الاتصالات بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

 تطور خدمات الاتصالات بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
كان الحجاز المصدر الأول لنشأة الاتصالات السعودية وتطورها، ومنها انطلقت تكنولوجيا الاتصال في عهد الملك عبدالعزيز لتعم سائر أنحاء المملكة، ولقد كان لخبرة الرجال الذين كانوا يعملون في هذا الاتجاه منذ حكم العثمانيين أكبر الأثر في إدارة أجهزة الاتصالات السعودية أيام الملك عبدالعزيز وتشغيلها وصيانتها، كما أسهم هؤلاء الرجال في تدريب وتأهيل المئات من الشباب السعودي  الذين تولوا مهمة إدارة شبكة الاتصالات السعودية وتشغيلها وصيانتها في عهدها الأول.
 
كان أول خط (تلغراف) عرفته الحجاز هو الذي أنشأته الدولة العثمانية أثناء حكم السلطان العثماني عبدالحميد الثاني1293 - 1327هـ / 1876 - 1909م، وقد استخدمت الأعمدة الخشبية لحمل أسلاك هذا الخط الذي أنشئ بمحاذاة (سكة حديد الحجاز) الممتدة من تركيا حتى المدينة المنورة مرورًا بسورية عبر مسافة تقدر بأكثر من 1300كم.
 
وفي سنة 1335هـ / 1917م - في الحكم العثماني - أسس الهاتف السلكي واشتغل على سنترال سعته 50 نمرة وكانت تستعمله القوات العسكرية فقط.
 
ومع بداية القرن العشرين ونظرًا للنجاح التاريخي الكبير الذي أحرزه المخترع الإيطالي (جوجليلمو ماركوني) عام 1319هـ / 1901م في إرسال أول إشارة لاسلكية والتقاطها عبر المحيط الأطلسي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة بدأت الدول في التخلص التدريجي من الأسلاك لتعتمد بدلاً منها على الاتصالات اللاسلكية. أدركت بريطانيا قيمة هذا الاكتشاف المهم الذي قدمه (ماركوني) للعالم، واعتمدته عام 1320هـ / 1902م نظامًا أساسيًا في أسطولها الملكي عبر البحار. كما لجأت الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى 1332 - 1336هـ / 1914 - 1918م إلى إقامة مركزين لاسلكيين كبيرين في كل من المدينة المنورة وجدة وذلك لسهولة تخريب الأسلاك المحمولة على الأعمدة أثناء هذه الحرب، مما سجل البداية التاريخية الحقيقية لدخول التلغراف اللاسلكي إلى شبه الجزيرة العربية. وبالفعل فقد تم تخريب هذه الأسلاك وأتلفت أجزاء كبيرة من سكة حديد الحجاز أثناء المناوشات التي كانت قائمة بين ما كان يسمى بجيش الثورة العربية والوجود العثماني في المنطقة. وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وخروج الأتراك نهائيًا من الحجاز انقطع الاتصال السلكي بين (إستانبول) والمدينة المنورة.. وظل الاتصال اللاسلكي مستمرًا
 
وإلى جانب المركزين اللاسلكيين اللذين كانت الدولة العثمانية قد أقامتهما في كل من المدينة المنورة وجدة، قامت أيضًا بوضع خط هاتفي بين كل من مكة المكرمة وجدة ما شكل أول شبكة للاتصالات السلكية واللاسلكية في الحجاز.
 
وبعد خروج العثمانيين من الحجاز عمل الأشراف بمساعدة بريطانيا على نشر المزيد من مراكز الاتصالات في المنطقة، وقد شملت هذه التوسعة كلاً من مدن الطائف والقنفذة وينبع وبعض المدن والمراكز المهمة في المنطقة  
 
وقد كان الهاتف في زمن (الحكومة العثمانية) لا يوجد إلا في أربعة مراكز: اثنان منها في دائرتي الملكية والعسكرية في مكة المكرمة  ، واثنان في دائرتي الملكية والعسكرية في جدة، فأصبحت الأسلاك الهاتفية ممتدة في مكة المكرمة بين مبنى الإمارة وقصر الحاكم ودار البلدية والثكنة العسكرية وإدارة صحيفة القبلة ومركز الهاتف العام. وهناك أيضًا مراكز الهاتف العام وهاتف لمخاطبات الأهالي والتجار. كل هذه المراكز متصلة بين المدينتين (مكة المكرمة وجدة) كما هي متصلة في المدينة الواحدة  
 
كانت دائرة البريد والبرق في جدة في زمن الحكومة العثمانية، تتمثل في غرفة صغيرة يقطعها حاجز خشبي بسيط يفصل بين عمال الدائرة وأصحاب المصالح. فلما منَّ الله على هذه الديار بنهضتها المباركة وبدأت الإصلاحات تتناول معاهدها ومرافقها بالتدرج نالت دائرة البريد والبرق في جدة قسطًا من ذلك لا يستهان به، حيث نقلت الحكومة السعودية تلك الدوائر من مكانها الأول التي كانت تقيم فيه بالأجرة واتخذت لها مكانًا خاصًا بها، وبلغ عدد الهواتف الموضوعة في الدوائر الرسمية بمكة المكرمة وجدة 42 هاتفًا، وقد كان عددها في الزمن السابق لا يتجاوز عدد أصابع اليد  
 
يتضح مما سبق أن الأتراك تم لهم تأسيس أول شبكة اتصالات سلكية ولاسلكية في كل من مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة؛ إذ تم إرسال ماكينتين (سيارتين) لاسلكيتين  ومأموري المخابرة وفني إلى ينبع وجدة ليؤسسوا هناك مركزين. ولا يخفى على المطلع ما ينجم عن هذا الفعل المصيب كتسريع المخابرات الرسمية وتسهيل مصالح العباد، لأن البرقيات التي تسحب من قبل التجار والأهالي من المحلين المذكورين إلى طيبة - زادها الله شرفًا وتكريمًا - كانت بأجور متهاودة  
وتم الشروع لاحقًا في تمديد الأسلاك البرقية بين مكة المكرمة والطائف على أن تعمم هذه الخدمة على المدن الحجازية جميعًا  
 
وبعد تولي الملك عبدالعزيز الحجاز تشكلت مديرية البرق والبريد وارتبطت بالنيابة العامة في الحجاز، وذلك وفقًا لما جاء في التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية، واستمرت المديرية في تطوير خدمات البرق والبريد والهاتف إلى أن تم إنشاء وزارة المواصلات بتاريخ 28 / 12 / 1372هـ الموافق 1953م وضُمَّ البرق والبريد والهاتف - بالإضافة إلى الطرق وسكة الحديد - إلى الوزارة الجديدة. وواصلت الوزارة تقديم خدمات البرق والبريد والهاتف وتطويرها إلى أن برزت الحاجة إلى التوسع في تقديم هذه الخدمات، فأنشئت وزارة البرق والبريد والهاتف في 8 / 10 / 1395هـ الموافق 1975م لتكون مسؤولة عن تقديم هذه الخدمة وتطويرها  
 
مر البريد خلال المرحلة الثانية من مراحل تأسيس الاتصالات السعودية وتطورها في عهدها الأول بعدة مراحل، فقد ذكر محمد سعيد عالم في (ذكرياته) أنه بعد عهد (الحمارة) و (الجمالة) و (شيخ المخرجين) بمكة المكرمة تأسست شركات وخصصت سيارات تحمل البريد والركاب إلى كل من جدة والمدينة المنورة والطائف والرياض، وسرعان ما اتسعت أعمال البريد خلال هذه المرحلة أو الفترة حتى شملت معظم مدن المملكة وقراها، وانتظمت خدمات البريد الخارجية حسبما نصت عليه الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها المملكة.. ويضيف السيد محمد سعيد عالم في ذكرياته عن تطور (إدارة البرق والبريد والهاتف) أن أعمال هذه الإدارة قد اتسعت والتحق بها موظفون سعوديون جدد، وعندما بدأت توسعة الشوارع وتوسعة الحرم المكي الشريف انتقلت هذه الإدارة من مقرها القديم بباب الوداع إلى بيت الجفالي بالغزة والمشهور - آنذاك - بالقصر المحروق  
 
وقد أورد السيد فؤاد حمزة في كتابه (البلاد العربية السعودية) تفصيلاً واسعًا مفيدًا عن مراكز البريد في هذه الفترة والأعمال التي تقوم بها لتأمين وصول البريد من وإلى معظم المدن والقرى والهجر السعودية، كما أشار في كتابه هذا إلى الإدارة العامة وتشكيلاتها الإدارية، مبينًا اختصاص كل قسم من أقسامها والأعمال التي يقوم بها. كما يشير أيضًا إلى أن عدد موظفي الإدارة العامة للبرق والبريد والهاتف قد بلغ خلال هذه الفترة 452 موظفًا  
 
وكما تطور (اللاسلكي والبريد) خلال هذه المرحلة، فإن الهاتف قد نال حظه من التوسع والتطوير أيضًا.. فبدلاً من أن تكون خدماته مقصورة ما بين مكة المكرمة وجدة والطائف وصلت هذه الخدمات إلى كل من المدينة المنورة والرياض، وبدلاً من 200 نمرة في المرحلة الأولى.. وصل في المرحلة الثانية إلى أكثر من 1000 نمرة. وقد أنشئت لهذه الخدمات شبكات خطوط هاتفية في كل من جدة ومكة المكرمة والطائف والرياض والمدينة المنورة، وأصبح الاتصال الآلي ممكنًا بين جدة ومكة المكرمة والطائف. كما أنشئ في كل من مكة المكرمة والطائف والرياض، علاوة على الهاتف العادي، هاتف أوتوماتيكي يستعمل ضمن دوائر آلية مخصوصة. وقد بلغ عدد الهواتف الأوتوماتيكية 50 في مكة المكرمة و 50 في الرياض و 25 في الطائف، وأصبح عدد المشتركين في الخدمات الهاتفية لا يقل عن 854 مشتركًا، منهم 754 من نصيب منطقة مكة المكرمة 
كذلك أوجدت مراكز هاتفية على الطريق ما بين مكة المكرمة وجدة في كل من (أم السلم) و (بحرة) و (الشميسي)، ويمكن للمسافرين أن يستفيدوا من خدماتها والاتصال بكل من جدة ومكة المكرمة والطائف  . 
 
واتسمت المرحلة الثالثة من مراحل تطور الاتصالات السعودية في عهدها الأول بنهاية الخمسينيات حتى عام 1373هـ / 1954م بالسمات الآتية:  
 
استقدام خبراء في الاتصالات من كل من مصر وفلسطين لدراسة وضع شبكة الهاتف وجميع وسائل الاتصالات القائمة آنذاك، بهدف تحسينها والرفع من مستوى خدماتها في المنطقة.
 
دخول آلات (تقنيات) فنية جديدة على أجهزة الاتصالات من نوع: (سيمنـز) الألمانية و (آر. سي. إي) الأمريكية للعمل إلى جانب أجهزة (ماركوني) البريطانية التي ظلت خلال هذه الفترة تمثل عصب الاتصالات اللاسلكية في المملكة العربية السعودية.
 
انتشار المدارس اللاسلكية في عدة أنحاء من المملكة، مما نتج عنه قيام (ثقافة) أو (لغة) جديدة هي لغة (مورس) أو (الطقطقة) التي أصبح يفهمها ويتعامل بها عدد من الشباب السعودي، خصوصًا من خريجي هذه المدارس اللاسلكية.
 
وأدت وسائل الاتصال الحديثة دورًا مهمًا في تثبيت الحكم للدولة السعودية ومن ثم توفير الأمن والاستقرار منذ فترة مبكرة، إذ وظف الملك عبدالعزيز البرق والبريد والهاتف في التعرف على أحوال الرعية، وأنشأ المديرية العامة للبرق والبريد والهاتف  في عام 1345هـ / 1926م إدراكًا منه للدور الفعال والأساسي الذي تلعبه وسائل الاتصال الحديثة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية كلها، وقد أعد - رحمه الله - لتحقيق ذلك الهدف خطة طموحة لتعميم الخدمة البرقية، إضافة إلى توفير الكوادر السعودية التي تقوم بتشغيل هذه الأجهزة وصيانتها  
 
وتم التوسع في بناء المحطات والشبكات السلكية واللاسلكية مع محاولة اقتناء أكثر المعدات والتجهيزات تطورًا، فبينما لم يزد عدد مراكز الاتصالات اللاسلكية على 8 مراكز عندما ضم الملك عبدالعزيز الحجاز وصل عددها إلى 29 مركزًا في عام 1355هـ / 1936م، منها 4 مراكز متحركة. وقد ساعدت الاتصالات اللاسلكية الحكومة في تصريف شؤون الرعية يوميًا وحل المشكلات أولاً بأول، هذا في الوقت الذي كان فيه البريد يأخذ شهرًا كاملاً أو أكثر ليصل إلى وجهته. وهكذا أسهمت الاتصالات اللاسلكية إسهامًا فعالاً في تمكين الملك عبدالعزيز والمسؤولين في الدولة من توطيد الأمن والاستقرار وتثبيت الحكم في أرجاء المملكة، فقد مكّن البرق من الربط بين مختلف مدن المملكة وقراها وهجرها بشبكة متطورة ومتنامية من الاتصالات الحديثة، استفاد منها المسؤولون ورجال الأعمال والمواطنون العاديون في قضاء أعمالهم وحاجاتهم وتواصلهم، ففي مجال التجارة ساعدت شبكة الاتصال على انتعاش الاقتصاد من خلال اتصال التجار ورجال الأعمال بالمؤسسات والبيوت التجارية في الداخل والخارج يوميًا بعد أن كانت تعتمد على الرسائل التي تحملها الإبل  
 
ولم تقتصر فوائد البرق على النواحي الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل إنها تعدتها إلى الأمور الشرعية؛ فعندما كان يُرى هلال رمضان في أي مكان من المملكة كانت ترسل برقية إلى الملك ليقوم بإرسال برقيات تؤكد رؤية الهلال إلى بقية الجهات ليبدأ شهر الصوم في وقت واحد في كل أرجاء المملكة، وهذه العملية في حد ذاتها أذكت شعور المواطنين بانتمائهم إلى قيادة واحدة ودولة واحدة. كما استطاع حجاج بيت الله الحرام أن يبرقوا لأهلهم وذويهم بسلامة الوصول إلى الأراضي المقدسة وقيامهم بالشعائر الدينية ووقت رجوعهم إلى أوطانهم. وقد استمر اهتمام المسؤولين بتطوير شبكات الاتصال، حيث صاحب التطور في شبكات الطرق والخطوط الجوية تطورات هائلة في نقل البريد، فحلت السيارة والطائرة محل الدواب، وكثرت مكاتب البريد في مدن المملكة وقراها مما أعطى دفعة جديدة لتحقيق وحدة الوطن والمواطنين وشجع الناس على تبادل الأخبار والمصالح فيما بينهم  
 
كانت مديرية أعمال البريد التابعة للمديرية العامة للبرق والبريد والهاتف تقوم بتأمين الأعمال البريدية في الداخل والخارج في المراسلات العادية والمسجلة، وتأمين نقل البريد فيما بين المراكز المختلفة في داخل المملكة بالطائرات السعودية والسيارات وخلافها، وإرسال البريد الخارجي مع الطائرات والبواخر، وتأمين إيصال الطوابع اللازمة لمكاتب البريد.
 
كما أدى التوسع الهائل في شبكات الهاتف في الوقت الحاضر إلى مزيد من الترابط داخليًا وخارجيًا، فغطت شبكة الهاتف الداخلية جميع مناطق المملكة، كما أمكن لمئات المدن والقرى الاتصال المباشر بأنحاء العالم، ودخلت المملكة عهد الاتصالات الحديثة عبر الأقمار الصناعية منذ عام 1387هـ / 1967م، عندما وقعت اتفاقية مع وزارة الاتصالات الفرنسية لبناء شبكة داخلية متكاملة للبرق والهاتف  
 
أولت الدولة الخدمة الهاتفية اهتمامًا واضحًا في مكة المكرمة، حيث مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين الذين يفدون إلى المدينة المقدسة في موسم الحج والعمرة، فعممت بها الخدمة الهاتفية وأنشأت مئات من هواتف العملة في المدينة المقدسة وفي المشاعر. كما أن الوزارة قد استحدثت خدمة (بريد الحج) في مكة المكرمة لتغطية الزيادة في الطلب على الإرساليات البريدية طوال موسم الحج. ويوجد بمكة المكرمة والمشاعر 41 شعبة بريدية لاستلام الرسائل البريدية وتسليمها  .  أما في جدة فقد توسعت الوزارة في فتح المزيد من مكاتب البريد وزادت أعداد خطوط الهاتف.
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook