تعرف على آثار ما قبل الإسلام بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تعرف على آثار ما قبل الإسلام بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

تعرف على آثار ما قبل الإسلام بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية.

 

عصور ما قبل الإسلام  

تُعد عصور ما قبل الإسلام أهم الفترات الحضارية التي شهدتها منطقة الجوف، وتمتد تلك العصور إلى فترة تزيد على ثلاثة آلاف عام من نهاية العصر الحجري الحديث حتى بداية العصر الإسلامي. وقد ظهرت خلال هذه الحقبة حضارات محلية ربما كانت توازي في فترتها وأهميتها تلك الحضارات التي شهدتها بلاد الشام ووادي الرافدين؛ ما يؤكد أن الحواضر في منطقة الجوف كانت على اتصال مع المراكز الحضارية المهمة في المناطق الواقعة إلى الشمال والشرق منها، ولا شك أن الموقع المتوسط لمنطقة الجوف، ومرور معظم طرق قوافل التجارة عبرها أسهم في ازدهار الحواضر والبلدات في مختلف عصور ما قبل الإسلام، فقد استطاعت تلك الحواضر والبلدات الاتصال بالعالم الخارجي من خلال سيطرتها على طرق التجارة وإسهامها في تنشيط حركة الاقتصاد في الأسواق المحلية؛ ما انعكس على المستوى الاقتصادي والمعيشي لسكان المنطقة 
 
طرق التجارة
 
أسهمت طرق التجارة التي تخترق أراضي الجزيرة العربية في تنمية المنطقة؛ وقد تمثل ذلك في نمو المراكز السكانية المختلفة، وتطورها، وتحريك اقتصاد تلك المراكز من خلال حركة اقتصادية متواصلة طوال العام عبر شبكة من طرق التجارة التي ربطت أجزاء الجزيرة العربية المختلفة بالمراكز الحضارية الكبرى في كل من وادي الرافدين، وبلاد الشام، ووادي النيل.
 
وعلى الرغم من صعوبة تحديد البدايات الحقيقية لحركة قوافل التجارة على وجه الدقة، إلا أن نشاط تجارة القوافل وضح خلال بداية الألف الأول قبل الميلاد، واستمرت هذه الحركة بين مد وجزر حتى بداية القرن الأول الميلادي الذي شهد تحولاً تمثل في اكتشاف الرومان سر حركة الرياح الموسمية الذي احتفظ به العرب قرونًا طويلة؛ ما مكّن السفن الرومانية من الإبحار عبر البحر الأحمر وبحر العرب باتجاه جزيرة سيلان والهند وما وراءهما. لذلك فقد خسر التجار العرب الذين احتفظوا باستيراد البضائع من الهند والمشرق، وإعادة تصديرها إلى المراكز التجارية في بلاد الشام ومصر، هذا الامتياز مكَّن سفن الرومان من الوصول إلى مصادر تلك التجارة، ونقلها مباشرة إلى موانئ مصر، ومنها إلى جزر البحر المتوسط  
 
لقد أسهم الموقع المتوسط لمنطقة الجوف الذي لا يبعد كثيرًا عن المراكز الحضارية في وادي الرافدين وبلاد الشام، في أن تصبح دومة الجندل حاضرة المنطقة مركزًا اقتصاديًا واجتماعيًا مهمًا جعل منها محطة رئيسة لعدد من طرق التجارة التي تربط جنوب الجزيرة العربية بالمراكز الحضارية إلى الشمال والشمال الشرقي منها، وكذلك تربط شرق الجزيرة العربية ببلاد الشام، ومن خلال تلك الطرق استطاعت دومة الجندل الاتصال المباشر بالحضارات في كل من بلاد الشام ووادي الرافدين، لذلك فقد أصبحت واحدة من أهم مدن القوافل في شمال الجزيرة العربية  ،  ويمكن الحديث عن ثلاثة طرق رئيسة تعبر دومة الجندل باتجاه بلاد الشام، ووادي الرافدين، وشرق الجزيرة العربية.
 
أ - الطريق الأول: جنوب الجزيرة العربية - دومة الجندل - بصرى:
 
يبدأ هذا الطريق في جنوب الجزيرة العربية، وتحديدًا في شبوة عاصمة حضرموت، ويتجه منها شمالاً نحو (تمنع) عاصمة قتبان، ثم يتجه نحو مأرب، ومنها شمالاً باتجاه نجران، ويسلك الطريق شمالاً إلى مكة ويثرب، ومن يثرب يتجه كذلك شمالاً إلى العلا ومدائن صالح، ومن ثَمَّ إلى تيماء التي يتجه الطريق الرئيس منها إلى البتراء عاصمة الأنباط، أما الفرع الآخر من الطريق فيتجه من تيماء إلى دومة الجندل، ومنها شمالاً عبر وادي السرحان باتجاه واحة الأزرق، ومن ثَمَّ إلى بصرى الشام المحطة النهائية لهذا الطريق  
 
لقد نشط هذا الطريق بشكل خاص خلال المرحلة المتأخرة من العصر النبطي، خصوصًا خلال القرن الأول للميلاد عندما أصبحت بصرى الشام المركز التجاري الأهم للأنباط؛ ما حملهم على تحويل قوافلهم التجارية عبر دومة الجندل ووادي السرحان مباشرة إلى بصرى من دون العبور ببعض الأراضي التي سيطر عليها الرومان في بعض مناطق بلاد الشام، لذلك فإن المخلفات الأثرية في منطقة الجوف تؤكد حضورًا نبطيًا واضحًا في المنطقة، واهتمامًا كبيرًا بتأمين طرق التجارة المختلفة  
 
ب - الطريق الثاني: شرق الجزيرة العربية - اليمامة - دومة الجندل - بصرى:
 
ينطلق هذا الطريق من مدينة الجرهاء على ساحل الخليج العربي، ويتجه عبر الأحساء واليمامة باتجاه دومة الجندل، ومنها يعبر وادي السرحان باتجاه بصرى الشام ودمشق  .  وقد نشط هذا الطريق خلال العصر النبطي، حيث كانت تنقل التجارة التي تصل ميناء الجرهاء من بلاد فارس والهند عبر الخليج العربي إلى المراكز التجارية النبطية في بلاد الشام، خصوصًا مدينة بصرى الشام، إذ عمل الأنباط خلال القرن الأول قبل الميلاد على نقل التجارة القادمة من جنوب الجزيرة العربية وشرقها مباشرة إلى بصرى الشام من دون ذهابها إلى البتراء خلافًا لما كان سائدًا في الفترات السابقة، وقد استطاع الأنباط من خلال هذا الطريق التواصل مع المراكز التجارية في بلاد فارس مباشرة  
 
وعلى الرغم من أن هذا الطريق يتجه مباشرة عبر وادي السرحان إلى بصرى الشام، إلا أن هناك احتمالاً بوجود فرع له يتجه صوب البتراء العاصمة النبطية، حيث يعتقد أن هذا الفرع يتجه من وادي السرحان إلى البتراء عبر موقع البيير وأم الجمال، ومن ثَمَّ يعبر منطقة جنوب شرق الأردن باتجاه منطقة وادي موسى، ومن ثَمَّ البتراء، ويُعتقد أن هذا الطريق سهّل وصول التجارة القادمة من شرق الجزيرة العربية إلى البتراء  
 
ج - الطريق الثالث: جنوب الجزيرة العربية - دومة الجندل - جنوب وادي الرافدين (طريق الحيرة):
 
يعد هذا الطريق فرعًا من طريق التجارة الرئيس الذي يربط جنوبي الجزيرة العربية ببلاد الشام، حيث يعتقد أن فرع طريق الجنوب يتجه من تيماء إلى دومة الجندل، ومنها باتجاه الشمال الشرقي نحو بادية السماوة، وينتهي بالحيرة  .  وقد استمر هذا الطريق خلال العصور الإسلامية الأولى، إذ كانت دومة الجندل على اتصال بمناطق جنوب العراق، كما كانت عليه الحال خلال العصور الآشورية والبابلية، فقد أكدت المصادر الآشورية هذا الاتصال من خلال الصراع العسكري الذي حدث بين القبائل العربية المتمركزة في محيط دومة الجندل والملوك الآشوريين ما أدى إلى احتلال دومة الجندل وتدميرها من قِبل عدد من ملوك آشور   
 
شارك المقالة:
200 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook