يقوم أي نظام اقتصادي على الاستهلاك؛ إذ هو يسعى إلى إشباع حاجات الأفراد من السلع والخدمات التي تعمل على رفع مستوى معيشتهم، وتحقيق نوع من الرفاه الاقتصادي لهم، وهو الأمر الذي يعني أن تخطيط الاستهلاك ونجاحه هو الضمان لنجاح النظام الاقتصادي برمته.
وخضع موضوع الاستهلاك والنزعة الاستهلاكية لدى إنسان العصر الحديث إلى الكثير من البحوث والاستقصاءات، حتى لقد ذهب البعض إلى أن السمة الأساسية للإنسان الحديث هي الاستهلاك.
وهذا بالطبع أحد جوانب الذم، ليس للإنسان الذي أمسى مستهلكًا فحسب، وإنما للظروف والشروط الاقتصادية التي دفعت به إلى هذا الاتجاه، وعلى كل حال، وبعيدًا عن كل هذه التنظيرات الاقتصادية/الاجتماعية حول النزعة الاستهلاكية الحديثة، فإن ما يعنينا هنا هو لفت الانتباه إلى أهمية تخطيط الاستهلاك والعوامل المؤثرة فيه، وهو ما سنحاول بيانه عبر الأسطر التالية.
يُعرف الشيء من عدمه، فمثلاً ينتج عن غياب التخطيط الدقيق والواضح للاستهلاك الكثير من المشكلات، من أبرزها ظهور الفجوة التضخمية وارتفاع الأسعار، أو انخفاض الأسعار وحدوث حالة من الانكماش والكساد.
وقد يؤدي غياب هذا النوع من التخطيط إلى حدوث خلل ليس في النظام الاقتصادي ككل، وإنما في بعض القطاعات الاقتصادية الفرعية. إن التخطيط للاستهلاك أشبه بالعملية الجراحية الدقيقة؛ إذ ينبغي أن تكون القوة الشرائية متناغمة مع حجم وكميات السلع المعروضة؛ لأن حدوث خلل في أحد هذين المتغيرين سيقود حتمًا إلى حدوث كارثة اقتصادية، وإن على المدى البعيد.
إن حدوث خلل/ خطأ في التخطيط للاستهلاك قد يؤدي إلى تآكل القدرة على الادخار لدى أفراد المجتمع، بمعنى أن زيادة معدلات الاستهلاك تقود مباشرة في اتجاه الإتيان على كل ما في جيوب أفراد المجتمع وحساباتهم البنكية، وبالتالي سيكون هذا المجتمع برمته في مهب الريح.
يتأثر الاستهلاك بعدة عوامل، سنحاول فيما يلي الإشارة إلى بعض منها:
1-الأسعار: من المتعارف عليه أن هناك علاقة عكسية بين الأسعار ومعدلات الاستهلاك؛ فكلما ارتفعت الأسعار قلت معدلات الاستهلاك والعكس.
2- الدخل: عامل الدخل، ومقدار ما يتقضاه المرء شهريًا أحد أهم العوامل التي تؤثر في معدلات الاستهلاك؛ فبشكل عام يمكن القول إن ارتفاع الدخل يتناسب طرديًا مع ارتفاع معدلات الاستهلاك.
3- تغير أسعار السلع: إذا كان بعض الناس يستهلكون سلعة معينة وبقدر معين وتم رفع سعر هذه السلعة أو ذاك المنتج فإن المتوقع أن ينخفض معدل الطلب عليها، إذا كان يمكن الاستعاضة عن هذه السلعة وإذا كانت قدرة هؤلاء المستهلكين الشرائية لا تحتمل هذه الزيادة، والعكس كذلك صحيح.
4- أذواق المستهلكين: هذا العامل، رغم أهميته، لا يمكن قياسه بشكل مباشر، لكن أثره يظهر في معدلات الاستهلاك؛ فتغير أذواق المستهلكين تجاه سلعة من السلع سيرفع من معدلات استهلاكها أو سيؤدي إلى انخفاضها، وذلك وفقًا للاتجاه العام الذي تسير في هذا الأذواق استحسانًا ورفضًا.
5- التفاؤل بالدخل: هذه أحد الآثار النفسية لتفاؤل الناس بارتفاع دخلهم في المستقبل؛ فإذا توقع شخص ما أن مستوى دخله سيرتفع في المستقبل فإن رغبته في الادخار ستنحسر في الوقت الراهن، وسيكون أكثر استهلاكًا وأقل ادخارًا، والعكس كذلك صحيح.
بطبيعة الحال، ليست هذه العوامل وحدها هي التي تؤثر في معدلات الاستهلاك وإنما هذه بعض العوامل وربما أهمها، وهي نفسها العوامل التي يجب أن يتم أخذها في الاعتبار عند القيام بأي عملية متعلقة بتخطيط الاستهلاك.