تعرف على العمارة الإسلامية بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية.
1 - مسجد عمر بن الخطاب:
يقع مسجد عمر بن الخطاب في محافظة دومة الجندل بمنطقة الجوف، في وسط البلدة القديمة وإلى الشمال مباشرة من قلعة مارد. يتوسط المسجد المنطقة السكنية الرئيسة بدومة الجندل، وكان يقع إلى الجنوب الغربي منه سوق دومة الجندل القديم. ويعدُّ ذلك المسجد أهم الآثار المعمارية الإسلامية في منطقة الجوف وأبرزها، ومن أهم المساجد الإسلامية المبكرة في المملكة .
ينسب مسجد عمر إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلى الرغم من أن المصادر الإسلامية لم تؤكد هذه النسبة المتعارف عليها بين سكان الجوف، إلا أن دخول الجوف في حظيرة الدولة الإسلامية بعد فتح خالد بن الوليد رضي الله عنه دومة الجندل في بداية خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوحي بأن هناك احتمالاً ببناء مسجد في المدينة بعد ذلك التاريخ؛ وربما في بداية خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث إن دومة الجندل كانت مدينة مزدهرة وحاضرة مهمة تسكنها أعداد كبيرة من السكان دخلوا الإسلام جميعهم بعد فتح المدينة؛ ما يؤكد حاجتهم إلى مسجد جامع. أما نسبة المسجد إلى الخليفة عمر بن الخطاب فلا بد أنها لم تأتِ من فراغ، فقد زار الخليفة عمر بلاد الشام خلال خلافته أربع مرات كانت أولاًها زيارته خلال فتح بيت المقدس، لذا يُعتقد أن الخليفة عمر رضي الله عنه مرَّ على دومة الجندل خلال ذهابه أو إيابه من بلاد الشام، إذ كانت دومة الجندل في تلك المرحلة تمثل أهم المدن في شمال الجزيرة العربية؛ ما يرجح زيارة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لها؛ ولا يستبعد تبنيه تشييد مسجد جامع فيها
أ) أهمية المسجد:
يعدُّ مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أهم المساجد الأثرية في المملكة، فتخطيط ذلك المسجد، وعناصره المعمارية تمثل استمرارية لنمط المساجد الإسلامية الأولى، بل إن هذا التخطيط يعكس تخطيط المسجد الأول الذي شيده الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة في السنة الأولى من الهجرة، وقد حافظ المسجد على بساطة عمارته، وتخطيطه القديم الذي لم يتبدل مع الزمن؛ نظرًا لطبيعة مواد البناء الحجرية التي استخدمت في بنائه، وبخاصة مئذنته ودعاماته.
ب) تخطيط المسجد:
يأخذ مسقط المسجد شكلاً مستطيلاً طوله من الغرب إلى الشرق 32.5م وعرضه من الجنوب إلى الشمال 18م يتكون التخطيط من ثلاثة عناصر أولها رواق القبلة؛ وهو الجزء المغطى من المسجد الذي يوازي جدار القبلة، ويحتل ما نسبته ثلثي مساحة المسجد، والعنصر الثاني؛ هو صحن المسجد الذي يحتل ثلث المساحة الباقية، أما العنصر الثالث الذي يتداخل مع الصحن فهو المصلى الصغير الشمالي الذي يقع في الجزء الخلفي من الصحن
ج) رواق القبلة:
يعدُّ رواق القبلة أهم أجزاء المسجد، وأبرز مكوناته؛ وهو الجزء المغطى من المسجد أو الجامع. ويتكون رواق القبلة في مسجد عمر من ثلاثة صفوف من الدعامات الحجرية جميعها موازية لجدار القبلة، فيما يتكون الصف الأول من عشر دعامات، والصف الثاني الأوسط من تسع دعامات، إذ إن الدعامة الثالثة ملتصقة مع الدعامة الرابعة بجدار، أما الصف الثالث المطل على الصحن فيتكون من تسع دعامات. في حين كان الرواق الأصلي للمسجد يتكون أصلاً من الصفين الأول والثاني، وأما الصف الثالث فيعتقد أنه أضيف في مرحلة لاحقة؛ حيث يبلغ طول الصفين الأول والثاني 32.5م في حين يبلغ طول الصف الثالث 29.1م؛ إذ يبرز الصفان الأول والثاني باتجاه الشرق عن مستوى جدار الصحن والصف الثالث، بالإضافة إلى أن الدعامات الحجرية في الصف الثالث تختلف عن الصفين الأماميين؛ حيث استخدمت هنا بدلاً من السواكف الحجرية (الأعتاب العلوية) أخشاب الأثل . فقد تحدثت المصادر عن ترميم المسجد، وتجديده، وتوسعته خلال حكم الدولة السعودية الأولى لمنطقة الجوف، وذلك في سنة 1208هـ / 1794م؛ فقد ذكر جورج أوغست والين أن المسجد خضع للترميم والتوسعة في ذلك العام ، ويُعتقد أن المصلى الصغير الواقع في الجزء الشمالي من الصحن يعود إلى التاريخ نفسه
يتوسط جدار القبلة محراب ومنبر، ويتخلله كذلك عدد من التجاويف المربعة التي كانت تستخدم لحفظ نسخ القرآن الكريم والكتب الدينية، وقد غطيت الجدران الداخلية لرواق القبلة بطبقة من اللياسة الطينية، وطليت الأجزاء السفلية من الجدران بارتفاع نحو 1.5م بطبقة من الجص الأبيض
د) المحراب والمنبر:
يحتوي مسجد عمر على محراب ومنبر وهما: حنيتان متشابهتان تبرزان على امتداد الجدار الخارجي بشكل كتلة غير منتظمة، ويبلغ اتساع فتحة المحراب 80سم وعمقه 1.15م بينما يبلغ اتساع فتحة المنبر 65سم وعمقه 1م ويعلو كلاً منهما عقد مثلث. يتكون المنبر من تجويف تتخلله ثلاث درجات حجرية تمثل الثالثة منها مكان الجلوس، ويتصل المحراب بالمنبر عن طريق فتحة صغيرة ليس لها غرض وظيفي. وكما هو معروف فإن ظهور المحراب والمنبر في المساجد الجامعة لم ينتشر بصورة كبيرة إلا مع بداية العصر الأموي؛ حيث إن المحراب يمثل إضافة أموية على عمارة المسجد في حين ظهر المنبر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لذا يعد هذان العنصران من العناصر التي أضيفت إلى المسجد الأول خلال العصر الأموي، وليس كما أشار جفري كنج إلى أنهما يعودان إلى مرحلة التوسعة السعودية في عام 1208هـ / 1794م ؛ لأن أشكال المحاريب التي ارتبطت بتلك المرحلة ذات مقطع نصف دائري بارز عن مستوى جدار القبلة، كما هي الحال في حالة محراب المصلى الواقع في صحن مسجد عمر الذي يعتقد أنه يؤرخ لمرحلة الدولة السعودية الأولى.
هـ) صحن المسجد:
يقع صحن المسجد في الجزء الشمالي، ويبلغ طوله من الغرب إلى الشرق 30.9م فيما يبلغ أقصى عرض له من الجنوب إلى الشمال 8.4م، ويشكل الصحن ثلث مساحة المسجد الكلية تقريبًا، ويحتل المصلى الصغير ثلث مساحة الصحن. أرضية الصحن طينية مرصوصة إلا أنه تم رصف الصحن بألواح الحجارة في الترميم الذي نفذته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف
في الزاوية الشمالية الغربية من الصحن هناك سلم حجري يؤدي إلى سقف المصلى الصغير الذي كان يستخدم للصلاة، خصوصًا في صلاتي الظهر والعصر خلال فصل الشتاء، وصلاة الفجر والمغرب والعشاء في فصل الصيف . وقد عُثر خلال أعمال الترميم الأخيرة على بئر ماء تقع في الجزء الشرقي من الصحن
و) المئذنة:
تقع المئذنة عند زاوية المسجد الجنوبية الغربية بارزة عن مستوى جدار القبلة، وتنحرف قليلاً عن مستوى خط جدار القبلة، وهي ذات قاعدة مربعة طول ضلعها 3م، وتضيق جدرانها إلى الداخل كلما ارتفعت إلى الأعلى، وتنتهي قمتها في الأعلى على شكل شبه هرمي. يبلغ ارتفاع المئذنة الحالي من مستوى أرضية المسجد 12.7م وتتكون من خمسة مستويات، حيث يمثل المستوى الأرضي قاعدة المئذنة المصمتة التي يخترقها من المنتصف ممر معقود بسلسلة من الطنوف الحجرية التي تحمل ألواحًا حجرية كبيرة حملت الأجزاء العلوية، أما الممر الذي يخترق المئذنة فكان يتصل بممر صغير يربط حي الدرع أو المنطقة السكنية بالسوق والأجزاء الشرقية من البلدة القديمة، كذلك يرتبط المستوى الأرضي من المئذنة بسلم حجري يؤدي إلى مدخل المئذنة المؤدي إلى المستوى الثاني، في حين يرتفع مدخل المئذنة بمقدار 3.5م عن أرضية ممر المدخل، ويبلغ ارتفاع فتحة المدخل 1.5م وعرضها 58سم. يشكل المستوى الثاني مساحة مربعة طول ضلعها 1.7م، تتخلل جدرانها الجانبية نافذتان صغيرتان طول كل منهما 50سم وعرضها 38سم، وتقعان في الجدارين الجنوبي والشرقي، على حين يحتل الضلع الداخلي من حيز المستوى الثاني سلمًا حجريًا محمولاً على طنوف حجرية تبرز من الجدار الداخلي للمئذنة، ويؤدي السلَّم إلى المستوى الثالث. المستويات: الثالث والرابع والخامس تتخلل جدرانها الخارجية أربع نوافذ مساحتها 12×45سم في كل من جدرانها الأربعة، ويصعد إلى تلك المستويات عن طريق طنوف حجرية، صُفَّت على هيئة سلَّم حجري يتخلل الجدران الداخلية للمئذنة، حيث إن الحيز الداخلي للمئذنة يضيق كلما ارتفعت إلى أعلى؛ ما جعل من المستحيل بناء سلم حجري كامل، كما هي الحال في المستوى الثاني؛ لضيق المساحة المتاحة
تمثل مئذنة مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نمطًا معماريًا فريدًا، حيث لا تجد لها مثيلاً في جزيرة العرب، إلا أن تلك المئذنة لا شك في أنها تأثرت بالمآذن في بلاد الشام خلال العصر الأموي، خصوصًا في منطقة حوران التي تأثرت دومة الجندل بعمارتها بصورة واضحة.
ز) المدخل والسُلَّمانِ:
يقع المدخل الوحيد لمسجد عمر رضي الله عنه ملاصقًا للمئذنة من الجهة الشرقية، إلا أن الباب الحالي أصبح هو الآخر ملاصقًا للمئذنة من الجهة الغربية، وقد غير موقع المدخل في مرحلة الترميم الأخيرة، فأصبح يؤدي إلى دهليز مكشوف يقع في جانبه السُلّم الحجري المؤدي إلى المئذنة وسطح رواق القبلة. وينتهي دهليز المدخل برواق القبلة وصحن المسجد
يوجد في المسجد سُلَّمان حجريان أولهما في دهليز المدخل الذي يؤدي إلى المئذنة وسطح المسجد، وهو ملاصق لجدار رواق القبلة الغربي، ويتفرع منه سُلّم محمول على عوارض خشبية يؤدي إلى مدخل المئذنة في حين يرتبط السُلَّم الرئيس بسطح المسجد. أما السلم الحجري الثاني فيوجد في ركن الصحن الشمالي الغربي، ويلاصق جدار الصحن الغربي مؤديًا إلى سقف المصلى الصغير الذي يقع في نهاية الصحن الشمالية
ح) العناصر المعمارية:
يخلو مسجد عمر من أي عناصر زخرفية، حيث امتاز بالبساطة، وكذلك نجد أن العناصر المعمارية التي ظهرت في المبنى جميعها عناصر إنشائية ووظيفية؛ وهذا يعيدنا إلى المساجد الإسلامية المبكرة.
ط) الدعامات الحجرية:
تُعدُّ الدعامات الحجرية الضخمة أبرز ما يميز هذا المسجد، حيث استخدمت بكثرة في رواق القبلة، وهي عناصر إنشائية حاملة للسقف الخشبي الذي تغطيه طبقة من الطين. يحتوي رواق القبلة على 29 دعامة، بالإضافة إلى الدعامة رقم 30 التي تقع في نهاية دهليز مدخل المسجد باتجاه الصحن. شيدت الدعامات من ألواح حجرية متوسطة الحجم، واستخدم في بنائها المونة الطينية. مقطع الدعامات ذو شكل مستطيل ويراوح ارتفاعها بين 3م و 3.5م وتنتهي في أعلاها بسلسلة من الطنوف الحجرية المتدرجة التي عملت على تقليص المسافة بين كل دعامتين؛ لحمل سواكف حجرية في الصفين: الأول والثاني وسواكف خشبية في الصف الثالث الموالي لصحن المسجد. وقد غطيت الدعامات بطبقة من اللياسة الطينية، وطُليت أجزاؤها السفلية بطبقة من الجص الأبيض.
أثناء مرحلة الترميم الأخيرة التي أجرتها وزارة الشؤون الإسلامية تم استبدال السواكف الحجرية بالسواكف الخشبية التي كانت تعلو صفي الدعامات الأولى والثانية.
ي) الطنوف الحجرية:
الطنوف الحجرية هي عنصر معماري يتكون من أحجار تبرز عن مستوى الجزء العلوي من دعامة أو جدار؛ والغرض منه حمل الكتل الحجرية التي تعلو الدعامات أو المداخل والممرات، وقد استخدم هذا العنصر المعماري على نطاق واسع في عمارة المسجد؛ حيث ظهرت في أعلى الممر الذي يخترق المئذنة، وفي أعلى الدعامات الحجرية في رواق القبلة . ارتبط ظهور هذا العنصر في العمارة الحجرية واستخدامه، خصوصًا في جانب التغطيات، وقد انتشر هذا العنصر على نطاق واسع في جنوب سورية، وفي أجزاء كثيرة من الأردن، فضلاً عن مناطق وادي السرحان؛ وبخاصة إثرة ودومة الجندل.
ك) العقود المثلثة:
ظهر استخدام العقود المثلثة في محراب المسجد ومنبره، وقد شكلت تلك العقود التي تغطي الجزء العلوي من المحراب والمنبر، من خلال استخدام لوحين حجريين يستند أحدهما على الآخر؛ بحيث شكلا عقدًا مثلثًا بزاوية 60 ْ وهذا النمط من العقود يستخدم على نطاق ضيق، خصوصًا في المساحات الضيقة، كما هي الحال في محراب مسجد عمر ومنبره.
3 - قلعة زعبل:
تقع قلعة زعبل شمال مدينة سكاكا، حيث شيدت فوق جبل يطل على المدينة، وينفصل عن سلسلة الجبال التي تحيط بسكاكا من الجهتين: الشمالية والغربية. ترتفع قمة الجبل التي شيدت القلعة فوقها نحو 50م عن مستوى المدينة، وبخاصة المنطقة المحيطة به، وقد مهد هذا الارتفاع لجعل القلعة نقطة مراقبة مهمة أسهمت في حماية مدينة سكاكا في عصورها المختلفة، حيث أدى هذا الموقع المرتفع والمحصن للقلعة إلى أن تصبح مركز مراقبة مكَّن المدافعين عن المدينة من مراقبة محيط المدينة من الجهات جميعها وإلى مسافات بعيدة
أ) تاريخ القلعة:
إن تحديد تاريخ دقيق لبناء قلعة زعبل يعدَّ من القضايا الصعبة؛ نظرًا لعدم توافر نصوص تحدد تاريخ البناء، أو أدلة أثرية ثابتة؛ لذا تضاربت الآراء حول تاريخ المبنى، ومن تلك الآراء ذلك الرأي الذي طرح في كتاب (مقدمة عن آثار المملكة العربية السعودية) الذي نشرته وكالة الآثار والمتاحف؛ حيث يشير إلى أن تاريخ بناء القلعة يعود إلى 120 سنة مضت، ولم يحدد الكتاب الأدلة التي اعتمد عليها لتحديد ذلك التاريخ المتأخر، على الرغم من أن هناك إشارات في كتابات بعض الرحالة الذين زاروا المنطقة خلال منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تشير إلى وجود القلعة، أضف إلى ذلك أن 120 سنة ليست بالفترة الطويلة، إذ إن كثيرًا من كبار السن يرون أن المبنى قديم جدًا.
ذكر ياقوت الحموي في معجمه أن سكاكا إحدى مدن القريات التي فيها دومة الجندل وعليها سور لكن دومة الجندل أحصن . هذه المعلومة التي ذكرها ياقوت، وهو الذي عاش في القرن السابع الهجري، تؤكد أن مدينة سكاكا كانت محصنة في تلك المرحلة بأسوار، وربما كانت قلعة زعبل جزءًا من هذه التحصينات التي عُني بها السكان والسلطة المحلية لحماية المدينة.
عُثر في السفح الذي تقوم عليه القلعة أثناء الأعمال الأثرية التي جرت في المدينة عام 1406هـ / 1986م على مجموعة من الكسر الفخارية التي تعود إلى عصور مختلفة أقدمها من النوع المرسوم باللون البني الذي يعود إلى فترة القرن السادس - الخامس قبل الميلاد، ويؤرخ أحدث تلك الكسر المكتشفة لفترة العصر العباسي، حيث عثر على عينات من الفخار القلوي الأزرق الذي يعود إلى بداية العصر العباسي . وبالقرب من القلعة وإلى الغرب منها تحديدًا توجد بئر سيسرا المنحوتة في الصخر التي ترتبط بمركز حضاري وبنشاط سكاني كان قائمًا في هذا الجزء من المدينة خلال الفترة الواقعة بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي ، وبالإضافة إلى ذلك تم تسجيل مجموعة كبيرة من النقوش العربية القديمة في الجبال المحيطة بالقلعة من الغرب، وكذلك عدد من الكتابات العربية الإسلامية. كل تلك الأدلة التي سقناها تؤكد أن القلعة شيدت ضمن منشآت مدينة سكاكا القديمة، وأن تاريخ القلعة يعود في أصوله إلى قرون تسبق العصر الإسلامي، إلا أن هناك اعتقادًا مفاده أن مباني القلعة القائمة تعود إلى بدايات العصر الإسلامي.
ب) تخطيط القلعة:
شيدت القلعة فوق قمة الجبل الذي تقوم عليه، حيث أخذ مخططها العام الشكل الطبيعي لقمة الجبل غير المنتظم. يبلغ طول القلعة 50م وعرضها يراوح بين 17 و 20م. يتكون المخطط من ساحة يحيط بها سور تدعمه أربعة أبراج مستديرة في الزوايا الأربع. وفي منتصف الجزء الشمالي من ساحة القلعة توجد غرفة شيدت فوق مرتفع صخري، بحيث ارتفع مستوى الغرفة عن مستوى أبراج القلعة الأربعة؛ ما يشير إلى استخدام هذه الغرفة للمراقبة كذلك. يقع مدخل القلعة في الواجهة الجنوبية، وعلى يسار المدخل من الداخل توجد غرفة مستطيلة ملاصقة للجدار الجنوبي، هذه الغرفة، وتلك التي تقع في الجزء الشمالي من الساحة تمثلان الوحدات التي ربما استخدمت للسكن من قِبل الحراس الذين يتمركزون في القلعة.
ج) مدخل القلعة:
يقع مدخل القلعة الوحيد في منتصف الجدار الجنوبي ملاصقًا للبرج الغربي الذي يمثل أكبر أبراج القلعة، ويرتبط هذا المدخل بالممر المنحوت في واجهة الجبل الجنوبية الذي يمثل الطريق الوحيد الذي يمكن عبره الوصول إلى بوابة القلعة، وقد تمت إضافة درجات مشيدة بعد مرحلة الترميم الأخيرة التي تمت في عام 1409هـ / 1989م
د) أبراج القلعة:
دعمت أسوار القلعة الخارجية بأربعة أبراج مستديرة متساوية الحجم عدا البرج الجنوبي الغربي الملاصق للمدخل الذي يزيد حجمه على بقية المداخل، حيث يبلغ قطره 4م، في حين يبلغ قطر كل من الأبراج الثلاثة الأخرى 2م، ويبلغ ارتفاع الأبراج الأربعة 4.8م. شيدت أساسات الأبراج من الحجر بارتفاع متر واحد تقريبًا، وبنيت الأجزاء العلوية منها بالطوب اللبن، وغطيت جدرانها الخارجية والداخلية بلياسة طينية. يتكون كل برج من طابقين، حيث شكل الجزء السفلي من البرج حيزًا مغطى يفتح على ساحة القلعة عن طريق مدخل صغير، ارتفاعه متر واحد، وعرضه 70سم، يؤدي إلى الحيز الداخلي السفلي الذي يتصل بدوره بالجزء العلوي من البرج عن طريق قطع خشبية مثبتة في الجدار الداخلي تؤدي إلى الجزء العلوي من البرج الذي تتخلل جدرانه فتحات المراقبة والسقاطات التي تستخدم لصب الماء الحار أو الزيت على المهاجمين. وتعلو الجدران العلوية من الأبراج شرفات مسننة كما هي الحال بالنسبة إلى جدران القلعة الخارجية
هـ) مواد البناء:
استخدم في بناء القلعة نوعان من المواد: الحجر الرملي المحلي، والطوب اللبن، وقد شيدت أساسات القلعة وجدرانها بارتفاع متر واحد تقريبًا باستخدام الحجر الرملي المحلي المجلوب من محيط القلعة، حيث بنيت الجدران بأحجار مختلفة الأحجام غير مهذبة، ولم تحظَ عملية البناء بعناية كبيرة، وربما كان لموقع القلعة الحصين المرتفع دور في قلة العناية بجودة البناء كما هي الحال في مباني دومة الجندل. أما الأجزاء العلوية من أسوار القلعة وأبراجها وغرفها، فقد استخدم الطوب اللبن في استكمال الأجزاء العلوية منها. كذلك استخدم خشب الأثل، وسعف النخيل المحلي في تغطية سقوف الغرف والأبراج
4 - قصر مويسن:
يقع في منطقة مويسن التي تقع على مسافة 12كم تقريبًا إلى الشمال من دومة الجندل، وعلى مسافة 30كم إلى الغرب من مدينة سكاكا. في محيط صحراوي تحول في الوقت الحاضر إلى منطقة مزارع حديثة. وردت أولى الإشارات لهذا المبنى من خلال كتابات بعض الرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة خلال القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وكان أبرزهم: كابتن بتلر والويس موزل. وفي عام 1406هـ / 1986م أجرى العقيل دراسة للقلعة، تم خلالها حفر مجس اختباري داخل القلعة، ثم أجريت دراسة معمارية شاملة للمبنى، وعلاقته بما حوله من أدلة أثرية، وقد أثبتت نتائج الحفر التي تمت داخل المبنى أن أصوله ربما تعود إلى فترة تسبق الإسلام بعدة قرون، حيث عُثر في الطبقات الدنيا من الحفرية على كسر فخارية تؤرخ لفترة تسبق العصر الإسلامي، إلا أن مبنى القصر القائم لا يرقى إلى ذلك التاريخ المبكر؛ ما يشير إلى أن المكان ربما استمر استخدامه خلال عصور تاريخية مختلفة
لقد أظهرت المنطقة المحيطة بالقصر بقايا نشاط زراعي حديث وقديم، وظهرت في محيطه كذلك بقايا قنوات مائية، وآبار قديمة معطلة، وقد عثر في محيط تلك الظواهر الأثرية على مواد أثرية سطحية أبرزها: كسر فخارية تعود إلى عصور قديمة وإسلامية؛ كما أن وجود القصر في هذه المنطقة الصحراوية، وعلاقته ببقايا أنشطة زراعية أثار أسئلة حول وظيفة المبنى وطبيعته، ومنها: هل كان هذا المبنى يماثل ظاهرة القصور الصحراوية التي انتشرت في صحراء بلاد الشام خلال العصر الأموي، التي ارتبطت بطبقة الأمراء والحكام، وكانت تخدم أغراضًا ترفيهية، وأنشطة استثمارية زراعية، ويأتي الجواب: ربما يكون هذا القصر من أملاك حكام دومة الجندل الذين ربما استخدموه في فترات مختلفة للنـزهة
أ) تخطيط القصر:
مسقط القصر مستطيل الشكل، طوله 27م وعرضه 10م، يقع مدخله الوحيد في منتصف الجدار الجنوبي، ويتقدم هذا المدخل جدار ساتر غير منتظم شكّل ممرًا يوازي الجدار الجنوبي، كما أنه يعدُّ حماية لمدخل القصر. ويؤدي مدخل المبنى إلى دهليز عرضه 1.3م وطوله 3.8م، ويفضي هذا الدهليز إلى ساحة القصر. أما الحيز الداخلي للقصر فينقسم إلى قسمين منفصلين: القسم الغربي، ويتكون من ساحة كبيرة تفتح عليها ثلاث غرف، غرفتان منها تحتلان الواجهة الغربية من الساحة، أما الغرفة الثالثة فتقع في الجزء الجنوبي من الساحة الغربية. الغرفتان الواقعتان في الجزء الغربي مكتملتان، وتغطيهما أسقف من خشب الأثل، وسعف النخيل، في حين تبدو الثالثة مهدمة، ويظهر في الركام بقايا عقد نصف دائري؛ ربما يكون بقايا فرن كان يحتل هذه الغرفة
أما القسم الشرقي من القصر فتبلغ مساحته 12×10م؛ وهو أقل مساحة من القسم الغربي، وأما عن تخطيطه فهو يتكون من ساحة صغيرة تفتح عليها ثلاث غرف واضحة المعالم، اثنتان في الجهة الشمالية، والثالثة في الجهة الجنوبية؛ وهي أكبر غرف القصر، ويعتقد أنها كانت غرفة الاستقبال الرئيسة؛ ما يشير إلى أن القسم الشرقي ربما كان منطقة الاستقبال الرئيسة، في حين كان القسم الغربي خاصًا بالنساء والخادمات
ب) مواد البناء وطرقه:
استخدم في بناء القصر الحجر الجيري؛ وهو المادة الأساسية التي استخدمت في بناء أسواره الخارجية، إلا أن الأحجار الرملية والطوب اللبن استخدم في مراحل إعادة الترميم، والإضافة التي حدثت للمبنى خلال مراحل استخدامه المختلفة، ويلاحظ التفاوت الواضح بين الأجزاء السفلية الأساسية التي شيدت باستخدام الأحجار الجيرية المتناسقة، والحرص الشديد على متانة البناء ودقته، في حين أن الأجزاء العلوية من الأسوار الخارجية، والجدران الداخلية شيدت باستخدام الحجر الرملي الغشيم والطوب اللبن
5 - قصر قدير:
يقع على سفح مرتفع صخري في الطرف الغربي من مركز قارا على مسافة نحو 10كم إلى الجنوب من سكاكا. ويعود تاريخ بناء هذا القصر الصغير إلى الأول من شهر محرم من سنة 518هـ / 1124م كما ينص على ذلك نقش تأسيسي وجد بجانب المبنى. وعلى الرغم من أن مساحة المبنى صغيرة، وطبيعة بنائه بسيطة؛ إلا أن وجود هذا النقش أعطى المبنى بُعدًا تاريخيًا مهمًا، إذ إن فترة القرن السادس الهجري تعدُّ من الفترات الغامضة في تاريخ الجوف، ووجود مبنى مؤرخ يعطي دلالات تاريخية مهمة للمنطقة، وسكانها، وعلاقتها بالمناطق الأخرى. فإلى الشمال مباشرة من القصر عُثر على بقايا منشآت معمارية وبقايا بئر قديمة، وتنتشر فوق سطح الموقع مجموعات من الكسر الفخارية التي أمكن تحديد تاريخها بفترة العصر الأموي وبداية العصر العباسي؛ ما يؤكد أن تلك البقايا الأثرية تعود إلى مرحلة أسبق من مبنى القصر، وهذا ربما يعطي أهمية للموقع
أ) تخطيط المبنى:
يأخذ مسقط المبنى شكلاً غير منتظم طوله 7م وعرضه 6.5م. يقع مدخله في الجزء الجنوبي، ويرتبط المدخل بسلَّم حجري مرتفع يؤدي إلى قمة السفح الذي يقوم عليه المبنى، ويلاصق المدخل برج صغير شبه مربع، أما البرج الثاني الكبير فيقع في الجزء الغربي، ويحتل جزءًا كبيرًا من ساحة المبنى. يؤدي المدخل إلى ساحة تمثل مع البرجين الجزء الأساسي لتخطيط المبنى، ويقسم الساحة في المنتصف جدار غير مستقيم. هذا المخطط ربما يعكس طبيعة المبنى ووظيفته التي يظهر من خلال أبراجه أنها دفاعية، حيث إن اشتمال هذا المبنى الصغير على برجين، وعدم وجود وحدات داخلية للاستخدام السكني تؤكد الدور الدفاعي الذي كان يؤديه المبنى، وربما أقيم لحماية القرية الصغيرة التي لوحظت بقاياها أثناء دراسة الموقع عام 1406هـ / 1986م. وعلى الرغم من أن النقش يشير إلى أن حماد بن كعب قام بعمارة هذا البيت؛ إلا أن مسمى البيت يمكن أن يطلق كذلك على المباني الدفاعية
ب) مواد البناء:
شيد المبنى كما تظهر بقاياه من الأحجار الرملية (الغشيمية) واستخدم الطين في عملية الربط، ويلاحظ أن معظم الأحجار المستخدمة ذات حجم صغير وغير منتظمة.
6 - قصر كاف:
يقع عند الطرف الشرقي لبلدة كاف الواقعة في محافظة القريات، وقد شُيِّد من قِبل نواف الشعلان في 23 رجب سنة 1338هـ / 1920م بعد ضم وادي السرحان سنة 1327هـ / 1909م إلى إمارة الشعلان. وقد شيد نواف الشعلان هذا القصر ليكون مقرًا لسلطته على وادي السرحان، ويذكر كبار السن من أهل القريات أن نواف جلب الأخشاب والبنائين من سورية، وقطع الأحجار التي استخدمت في البناء من محيط القصر.
أ) تخطيط القصر:
يعتمد تخطيط المبنى على مسقط مربع يحيط به سور يرتبط في أركانه بأربعة أبراج مستديرة. أما الحيز الداخلي فتشغله ساحة تتوزع في داخلها مجموعة الوحدات المعمارية، وأبرزها: مبنى الضيافة، ومجلس الأمير، والمسجد، ومبنى السكن (المخصص للنساء)، وعدد من الغرف المنفصلة التي ربما استخدمت من قِبل الحاشية والحرس.
ب) مداخل القصر:
يحتوي المبنى على مدخلين، الأول يقع في واجهة المبنى الجنوبية؛ وهو المدخل الرئيس للقصر، ويوصف هذا المدخل بأنه مدخل منكسر تعلوه لوحة تأسيس القصر، المدخل كبير، يبلغ عرضه 1.71م وارتفاعه 3.15م، يؤدي هذا المدخل إلى غرفة مساحتها 6×3م هي غرفة حراسة المدخل والتحكم في الحركة، في حين تؤدي هذه الغرفة عن طريق باب في ضلعها الشمالي إلى ساحة القصر، ويقع على يمين هذه الغرفة مباشرة غرفة القهوة أو مجلس الضيوف. أما الباب الثاني فيقع في الجزء الشمالي من السور الشرق، ويعتقد أن هذا المدخل كان مدخلاً ثانويًا، أو ربما كان مدخلاً للخادمات وسكان القصر من النساء بعيدًا عن المدخل الرسمي الملاصق لوحدة الاستقبال
ج) وحدة الضيافة:
تقع وحدة الضيافة على يمين المدخل الرئيس؛ وهي غرفة كبيرة ذات مسقط مستطيل طولها 12م وعرضها 6م ذات سقف مربع يبلغ ارتفاعه 6م، وتتكون هذه الوحدة من غرفتين متداخلتين إحداهما كبيرة مساحتها 8×6م، والأخرى أصغر منها، ومساحتها 6×4م في حين يقع المدخل الرئيس في منتصف جدار الوحدة الشمالي، ويؤدي مباشرة إلى الغرفة الكبيرة، أما الغرفة الصغيرة فيتم الوصول إليها عن طريق الغرفة الكبيرة. وعلى جانبي المدخل توجد نافذتان كبيرتان، كما يوجد في الجزء العلوي من جدار الوحدة الشمالي ثلاث مجموعات من الفتحات كل منها تتكون من ثلاث فتحات مربعة. ومجموعة واحدة في كل من الجدارين الغربي والشرقي في حين نجد أن الجدار الجنوبي مصمت؛ لكونه جزءًا من سور القصر الخارجي.
د) مجلس الأمير:
يمثل هذا الجزء من القصر القسم الإداري؛ وهو يقع في الجهة الغربية من فناء القصر بالقرب من المسجد، وتتكون هذه الوحدة من خمس غرف تفتح على فناء أوسط، بالإضافة إلى غرفة جلوس كبيرة تقع في الجزء الشمالي من الوحدة، وقد شيدت هذه الوحدة فوق مرتفع صخري يرتفع عما حوله، ويشرف على القصر ومحيطه. أما مدخل هذه الوحدة فيقع في منتصف الواجهة الجنوبية، ويؤدي إلى فناء يتوسطه عمود يحمل عقدين.
تبلغ مساحة غرفة الجلوس 9 × 3م، ويرتفع سقفها بمقدار 5م، وتتخلل جدران الغرفة ست نوافذ، اثنتان في كل من الواجهات الجنوبية والغربية والشرقية
هـ المسجد:
يقع مسجد القصر إلى الجنوب من وحدة مجلس الأمير، ويفصله عنها فناء مكشوف أحيط بجدار قصير في جانبيه: الغربي والشرقي. أما عن تخطيط المسجد فهو يتكون من فناء خلفي يقع في مؤخرة المسجد الشمالية تبلغ مساحته 9.6×2.5م، أما الجزء المغطى من المسجد فتبلغ مساحته 9.6×2.7م؛ وهو غرفة مستطيلة، ويتوسط جدار القبلة محراب مجوف. استخدم في بناء المسجد الحجر (الغشيم) وخشب الأثل على عكس معظم القصور الأخرى التي بنيت باستخدام حجارة مهذبة متقنة القطع والبناء، وهذا ربما يشير إلى أن المسجد بني في مرحلة لاحقة لبناء وحدات القصر الأخرى.
و) وحدة السكن (سكن النساء):
تقع وحدة السكن في الجزء الشمالي من ساحة القصر إلى الشمال من وحدة مجلس الأمير، ويفصل هذه الوحدة عن بقية أجزاء القصر سور من الطوب اللبن ارتفاعه 2م أمَّن الخصوصية لهذا الجزء من القصر الذي خصص لصاحب القصر وعائلته.
تتكون هذه الوحدة من فناء داخلي تفتح عليه أربع غرف، غرفتان في كل جانب، مساحة كل منهما 4.2 × 4.2م، حيث تفتح الغرف الأربع على الفناء الأوسط. وإلى الشرق من هذه الوحدة الرئيسة يوجد فناء كبير يضم غرفة مشيدة من الطوب اللبن، يعتقد أنها استخدمت للطبخ. أما الفناء الواقع غرب الوحدة الرئيسة فيحوي دورات مياه
ز) الملاحق الأخرى في القصر:
توجد في القصر مجموعة من الوحدات المختلفة، منها: مستودع الذخيرة والأسلحة الذي يقع في الجانب الشرقي من فناء القصر؛ وهو غرفة كبيرة مستطيلة الحجم. أما غرفة (الخويا) فتقع مجاورة لمستودع الأسلحة؛ وهي أكبر مساحة من مستودع الأسلحة. وهناك غرفة أخرى تقع في الجزء الغربي ملاصقة للسور الغربي كانت مخصصة لاستخدام رجال القصر، أما السجن فإنه لا يعدو كونه حفرة عميقة ذات فوهة ضيقة، وجوف متسع تقع وسط الفناء أمام غرفة الضيوف، وتغلق هذه الحفرة بباب خشبي له قفل