تعرف على العمران في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.
تتميز منطقة الحدود الشمالية عن بقية مناطق المملكة بأن مراكز العمران الرئيسة فيها حديثة النشأة إلا أن ذلك لا يعني خلوها من معالم عمرانية وأمكنة تاريخية قديمة، بل يمكن وصفها بأنها من المناطق التي يوجد فيها أحدث مدن المملكة نشأة، كما توجد فيها بقايا وشواهد عمران قديمة، مثل: آبار لينة، وآثار ومعالم عمران تعود إلى العصور الإسلامية الأولى، مثل: درب الحج الشهير (درب زبيدة)، والبرك والقلاع والحصون الواقعة على هذا الطريق .
وفي المنطقة أمكنة كثيرة تكرر ذكرها في أشعار العرب والمعاجم القديمة، كما شهدت المنطقة عددًا من مواضع أيام العرب المعروفة في الجاهلية، مثل: يوم (زبالة)، ويوم (ذات الشقوق)، ويوم (أفاق)، ويوم (القاع)، ويوم (ذي الطلوح)، ويوم (فيحان).
وتنتشر في المنطقة شبكة كثيفة من الأودية والشعاب، حتى إن الجهة التي نشأت فيها مدينة عرعر - أكبر مدن المنطقة - عرفت واشتهرت بـ (الوديان) لكثرة الأودية فيها. وتمتد أراضي الوديان في المملكة في منطقتي الحدود الشمالية والجوف في شمال غرب الحجرة، وشرق سهل الحماد، وشمال النفود الكبير، في أراضٍ تتكون من الحجر الرملي تقطعها شبكة من الأودية والشعاب التي تتجه نحو الشمال الشرقي، وينتهي أكثرها في منخفضات صحراوية داخل الحدود العراقية. ويعد وادي عرعر من أكبر هذه الأودية، علاوة على أنه من أكبر أودية شمال المملكة وأشهرها.
وقد عثر في أمكنة قرب مدينة عرعر (في وادي بدنة، ووادي عرعر) على نقوش بالكتابة الصفوية والثمودية. وهناك بعض المؤشرات التي تدل على الاستيطان البشري في وادي عرعر خلال العصر الحجري المتأخر. كما عثر على فؤوس حجرية يرجح أنها ترجع إلى العصر الأشوالي الذي يمتد إلى ما قبل ستين ألف سنة تقريبًا. وعثر بعض الباحثين على ما يتوقع أن يكون معالم مدينة قديمة على بعد 30كم عن مدينة عرعر, 12كم جنوب وادي بدنة .
وقبل تأسيس المملكة، كانت أراضي الوديان، والحجرة، وسهل الحماد، شبه خالية من مراكز العمران، لكنها كانت من أهم أمكنة الرعي التي تنتشر فيها موارد المياه، ما جعلها موطنًا لعدد من القبائل العربية القديمة والحديثة التي تتنقل خلف الماء والكلأ. كما كانت تمثل منطقة عبور للقوافل المتجهة من الجوف إلى بلاد الرافدين، حيث قامت الحضارات القديمة. مثلما أصبحت فيما بعد منطقة عبور لطريق الحج (درب زبيدة)، وفي العصر الحديث صارت منطقة عبور لأحد أهم أنابيب نقل النفط في العالم، إلى جانب عبور المسافرين ووسائط نقل البضائع عبر الطريق البري المعبد المحاذي لخط أنابيب نقل النفط.
ويعد درب زبيدة الذي ينسب إلى زبيدة زوج الخليفة العباسي هارون الرشيد من أهم الآثار الإسلامية في شبه الجزيرة العربية وأشهر طرق الحج التي كان يسلكها الحجاج القادمون من العراق وبلاد فارس إلى مكة المكرمة، وتعد محافظة رفحاء بوابته الأولى في المملكة، حيث يقطع هذا الدرب أراضيها من الشمال إلى الجنوب. وفي أمكنة عدة على هذا الطريق هناك بقايا للبرك وبجانب بعضها قصور أو حصون للحراسة. وما بين حدود العراق مع المملكة حتى نهاية نطاق محافظة رفحاء الإداري جنوبًا، توجد آثار عدد من البرك هي: بركة الظفيري، وبركة العمياء، وبركة الهيتم (القاع)، وبركة الجميمة، وبركة زبالة، وبركة أم العصافير، وبركة الشيحيات، وبركة الحمراء، وبركة حمد، وبركة العشار، وبرك العرائش.
وتعد بركة زبالة الواقعة على مسافة 25كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة رفحاء أحد أشهر هذه المحطات وتكرر ذكرها في المعاجم القديمة. وقرب بركة زبالة قصر صغير يسمى (قصر زبالة).
وتمثل بلدة (لِيْنَة) أهم المراكز العمرانية القديمة وأشهرها في المنطقة، وقد اشتهرت بآبارها المحفورة في الصخر ، وتكرر ذكرها في الأخبار والأشعار والمعاجم وكتب البلدان. وقيل عن آبارها ومن قام بحفرها في الصخر قصص وحكايات وأقوال وخرافات كثيرة.
ولقد اكتسبت لينة أهميتها من كثرة آبارها ووقوعها قرب درب زبيدة على الطرف الجنوبي للحجرة والشمالي للدهناء، ولقربها من حدود المملكة مع العراق اتخذت بعد توحيد المملكة - قبل أن تنشأ مراكز جديدة إلى الشمال منها - مركزًا للحدود وشيد فيها قصر للإمارة، مما ساعد على نموها واستقرار سكان البادية فيها، لكنها فقدت تلك الأهمية في الفترة الأخيرة بعد تعبيد الطرق وتعدد القرى والبلدان والمراكز إلى الشمال منها، وبخاصة قرب خط التابلاين.
وقبل نشأة مدينة عرعر كانت لينة حاضرة منطقتها، وتقع على مسافة 108كم إلى الجنوب مع ميل قليل ناحية الشرق من مدينة رفحاء، يربط بينهما طريق مسفلت. ومن المعالم العمرانية في لينة (قصر الإمارة) الذي أنشئ عام 1355هـ / 1936م ليكون مقرًا لإمارة المنطقة في السابق وهو مبني من الطين والحجارة، ويتوسط البلدة، وفي زوايا القصر الأربعة توجد أبراج دائرية الشكل للحراسة والمراقبة. وكانت سوق لينة من الأسواق المشهور في المنطقة.
إلا أن التحول الجوهري في عمران منطقة الحدود الشمالية وفي حياة سكانها، بدأ مع الشروع في إنشاء خط (التابلاين) لنقل النفط الذي كان يربط مناطق إنتاجه في شرق المملكة بميناء صيدا اللبناني على ساحل البحر المتوسط، مرورًا بالأردن وسورية.
وقبل الشروع في تنفيذ (التابلاين) لم يكن هناك ما يوحي بقيام مراكز عمران من أي حجم في المنطقة فضلاً عن قيام عدد من المدن والقرى والهجر الحديثة، إذ كانت الغالبية العظمى من سكان هذه المنطقة أهل بادية يرعون مواشيهم ويتتبعون الكلأ وموارد المياه.
وبسبب طول مسار خط ضخ النفط تطلب الأمر إنشاء عدد من محطات تقوية الضخ، ثلاث منها هي: (رفحاء، وعرعر " بدنة "، وطريف) تقع ضمن الحدود الإدارية لمنطقة الحدود الشمالية. وبجانب خط أنابيب نقل النفط شيد طريق مسفلت يسير بموازاته. كما حفر عدد من آبار المياه لخدمة محطات الضخ وأنبوب النفط والطريق المحاذي له.
وكان لإنشاء طريق معبد بمحاذاة (التابلاين) عرف فيما بعد ب (طريق الشمال الدولي) الذي يصل إلى منفذ الحديثة في محافظة القريات في منطقة الجوف، ويربط برًا وسط المملكة وشرقها ودول مجلس التعاون ببلاد الشام وتركيا وأوروبا، دور كبير في قيام مراكز عمرانية ومراكز خدمات للطريق والعابرين له.
وعلى طول خط التابلاين نشأت مراكز عمرانية متنوعة الأحجام، ومن أهم البلدان والقرى في المنطقة الواقعة على خط التابلاين، مسلسلة من الجنوب الشرقي: الشعبة، وروضة هباس، ورفحاء، والتمياط، والمركوز، والعويقيلة، وأبا الرُّوَاث، وأم خنصر، وعرعر، وحزم الجلاميد، وطريف.
وشكَّل الموقع الحدودي للمنطقة أحد أبرز العوامل التي أسهمت في قيام ونمو مدن المنطقة ومراكز العمران الريفي وتوزيعها الجغرافي، حيث يقع فيها الجزء الأكبر من خط الحدود الدولية السعودية العراقية، وجزء مهم من خط الحدود الدولية السعودية الأردنية. ويمكن تصنيف عدد من مدن المنطقة بوصفها مدنًا حدودية، وهي أقرب التجمعات السكانية الحضرية إلى تلك الحدود، علاوة على أن إنشاء مراكز الحدود سواء منها المنافذ الحدودية أو المراكز المختصة بحرس الحدود، أسهم في جعلها مناطق جذب للسكان وقيام عدد من مراكز العمران الريفي.
وتمتاز المنطقة بوجود شبكة كثيفة من الأودية، وأمكنة تجمع مياه السيول - مثل: الرياض، والخباري، والفياض - وموارد المياه، ووفرة المراعي؛ حيث تنمو الأعشاب الفصلية في السنوات المطيرة مما جعلها من أهم مناطق الرعي وتربية الماشية في المملكة، ومصدرًا للثروة الحيوانية. وكان سكان البادية ينتشرون في المنطقة، وينـزلون قرب موارد المياه في فصل الصيف؛ لذا فإن من أبرز سمات مدن المنطقة الأسواق الخاصة بتأمين حاجات حياة البادية والرعاة، وأسواق بيع الأغنام والإبل.
ومن العوامل الأخرى المؤثرة في نشأة مراكز العمران ونموها: برنامج توطين سكان البادية، وشبكة الطرق الحديثة، وبرامج ومشروعات التنمية، وحفر آبار المياه، وتخصيص أمكنة لسقيا الماشية، وتوزيع الأراضي، مما شجع أبناء البادية على الاستقرار، وتحولت بعض موارد المياه إلى قرى، كما أصبحت بعض القرى والهجر مدنًا على درجة من الأهمية
لقد تحولت منطقة الحدود الشمالية من منطقة شبه خالية من مراكز العمران قبل عام 1370هـ / 1950م إلى منطقة تضم مجموعة من المدن ومراكز العمران الريفي من فئات وأحجام متنوعة؛ ففي عام 1394هـ / 1974م كان في المنطقة ثلاث مدن أكبرها لم يتجاوز عدد سكانها 21 ألف نسمة، إلى جانب 13 مركزًا ريفيًا. أما في عام 1413هـ / 1992م فقد ارتفع عدد مراكز العمران الريفي إلى 16 مركزًا، أما عدد المدن فبقي دون زيادة، لكن حصل ارتفاع ملموس في عدد سكانها، وأصبح فيها مدينة يتجاوز سكانها 100 ألف نسمة
ويعكس تزايد عدد مراكز العمران الريفي ونمو حجم مدن المنطقة - وخصوصًا مدينتي عرعر ورفحاء - توجه سكان البادية في المنطقة إلى الاستقرار في المدن؛ ذلك أن المنطقة كان فيها عام 1394هـ / 1974م أعلى نسبة من سكان البادية بين مناطق المملكة، وكانوا يمثلون أكثر من ثلثي سكان المنطقة آنذاك
وحسب نتائج تعداد السكان عام 1425هـ / 2004م يوجد في المنطقة أربع مدن يبلغ سكان كل منها خمسة آلاف نسمة فأكثر، وهناك 19 تجمعًا سكانيًا آخر أقل من خمسة آلاف نسمة. ويبلغ مجموع سكان التجمعات الحضرية 242.169 نسمة يمثلون نحو 87% من إجمالي سكان المنطقة، أما التجمعات الريفية فيبلغ عدد سكانها 37117 نسمة يمثلون نحو 13% من سكان المنطقة. ويبين (جدول 24) تطور عدد مراكز العمران الحضري والريفي وعدد سكانها في المنطقة، بين عامي 1394 و 1425هـ / 1974 و 2004م، أما (جدول 25) فيوضح توزيع مراكز العمران الحضري والريفي وعدد سكانها ونسبتهم في المنطقة حسب المحافظات لعام 1425هـ / 2004م.
مراكز العمران الريفي
بلغ عدد مراكز العمران الريفي حسب نتائج تعداد 1425هـ / 2004م 19 مركزًا، وكما في (جدول 26) يبلغ متوسط سكان المركز 1954 نسمة؛ ذلك أن غالبيتها من الحجم الصغير، فهناك 11 مركزًا عدد سكان كل منها أقل من 1000 نسمة، ومركزان يراوح سكان كل منهما بين 1000 وأقل من 2000 نسمة، ومركزان بين 3000 وأقل من 4000 نسمة، وأربعة مراكز أكثر من 4000 نسمة. وتتصف مراكز العمران في المنطقة بأنها حديثة النشأة قامت بعد توحيد المملكة ومد خط التابلاين والطريق المعبد الموازي له.
وتتوزع هذه المراكز على النحو الآتي:
أ - مدينة عرعر وتوابعها:
يوجد فيها أكبر عدد من مراكز العمران الريفي 8 مراكز، وهو نحو نصف عدد المراكز في المنطقة. ويبلغ مجموع سكانها 9285 نسمة يمثلون زهاء 6% من إجمالي سكان مدينة عرعر وتوابعها، وبمتوسط 1032 نسمة للمركز (جدول 26) . وكما يتبين فإن المراكز الريفية المرتبطة بمدينة عرعر صغيرة الحجم، وأكبرها (جديدة عرعر) وهي مركز مهم على حدود المملكة مع العراق، ويبلغ مجموع سكانها 4226 نسمة. ومن مراكز العمران الريفي الأخرى التابعة لمدينة عرعر: الدويد، وحزم الجلاميد، وأبا الرُّوَاث، والكاسب، وأم خنصر، والصحن. وتقع غالبية المراكز السابقة على طول امتداد طريق التابلاين الذي أسهم إنشاؤه في قيامها، وهناك مركزان يقعان على حدود المملكة مع العراق، وعلى العموم فإن مراكز العمران الريفي في مدينة عرعر وتوابعها تعد حديثة النشأة.
ب - محافظة رفحاء:
يوجد فيها 9 مراكز من مراكز العمران الريفي في المنطقة، يبلغ مجموع سكانها 27298 نسمة، يمثلون نحو 38% من سكان المحافظة، وبمتوسط 3412 نسمة للمركز (جدول 26) . والمراكز التابعة للمحافظة: ابن هباس، والتمياط، والشعبة، ونصاب، ولينة، والشريم، وأم رضمة، ولوقة. وعلى نمط مراكز العمران التابعة لمدينة عرعر (مقر إمارة المنطقة) تقع غالبية المراكز التابعة لمحافظة رفحاء على طول امتداد طريق التابلاين أو قريبًا منه. وماعدا بلدة لينة التي توصف بأنها قديمة جدًا، فإن بقية مراكز العمران في المحافظة حديثة النشأة، أسهم مد خط الأنابيب (التابلاين) في قيامها وتوسعها. وعلى العكس من مراكز العمران الريفي التابعة لمقر إمارة المنطقة أو لمحافظة طريف تتصف وتعد مراكز العمران الريفي التابعة لمحافظة رفحاء كبيرة الحجم نسبيًا؛ ففيها ثلاثة مراكز يتجاوز سكان كل منهما أربعة آلاف نسمة، ومركزان يتجاوز سكان كل منهما ثلاثة آلاف نسمة، وهذا على العكس من مراكز العمران الريفي التابعة لمقر إمارة المنطقة أو لمحافظة طريف.
ج - محافظة طريف:
يوجد في المحافظة مركزان من مراكز العمران الريفي، مجموع سكانهما 534 نسمة فقط، يمثلون 1.3% من إجمالي سكان المحافظة وبمتوسط 267. وكما يظهر فبالإضافة إلى قلة عدد المراكز فإنها صغيرة الحجم.