تعرف على اللغة مرآة الشعوب .. اللغة التركية مثالاً

الكاتب: رامي -
تعرف على اللغة مرآة الشعوب .. اللغة التركية مثالاً
"

تعرف على اللغة مرآة الشعوب .. اللغة التركية مثالاً

لا تعدُّ اللغة وسيلة تواصل ومخاطبة بين البشر فحسب

بل هي انعكاسٌ لحال البشر في كل نواحي حياتهم، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية

وتقلباتِ أحوالهم وظروفِ معيشتهم وطريقة تفكيرهم، فتعطيك اللغة تصوراً شاملاً عن حياة ناطقيها

وسأورد اللغة التركية كمثالٍ أدلّلُ به على مرادي من المقال:

يُرجعُ علماء اللغة نشأةَ اللغة التركية إلى القرن السادس ميلادي، ثم تطورت اللغة التركية مع الزمن حسب تطور أحوال ""الترك"" وظروف معيشتهم، حتى قيام الخلافة العثمانية في القرن الخامس عشر ميلادي، حيث شهدت اللغة التركية نقلةً نوعية قفزت بها بعيداً،

فامبراطوريةٌ كالخلافة العثمانية تضم أراضٍ شاسعةً تحوي أطيافاً متنوعةَ الألسن والأعراق من مواطنيها، كان لابدّ لها من أن تتكيف وتتأقلم مع أهم لغتين منتشرتين في حدود سلطانها (العربية والفارسية)، فبدأت اللغة التركية بالتوسع لتضم كلماتٍ ومصطلحات جديدة إليها من اللغات المحلية الأخرى.


وبعد سقوط الخلافة العثمانية واستلام ""أتاتورك"" زمامَ السلطة في تركيا، وإعلان انفصالها عن باقي أجزاء الخلافة، واتجاه تركيا نحو النموذج الغربي، ومحاولة محاكاته، والجفاء الذي حدث بين الترك والعرب نتيجةً لأسباب عديدة (لا مجال لذكرها)، كل ذلك قاد نحو عصرٍ جديدٍ دخلته تركيا، وآثارُ هذا التحوّل أصاب اللغة التركية بكل تأكيد.

فتحولت الأحرف التي تُكتبُ بها اللغة التركية من الأحرف العربية إلى الأحرف اللاتينية، وتأسسَ ""مجمع اللغة التركية"" سنة 1932م وأهم أهدافه تخليص اللغة التركية من المفردات الأعجمية عنها، وكان نتيجة ذلك حذف آلاف الكلمات العربية والفارسية واستبدالها بأخرى تركية (تم اشتقاقها من مرادفات تركية أخرى) أو كلماتٍ إنجليزية أو فرنسية أو ألمانية.


وكان لهذا التحول الكبير آثارُه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية الكبيرة على تركيا وعلى مواطنيها، فالأتراك الذين تعودوا على لغتهم القديمة لم يستطيعوا التكيف على التغيير اللغوي الجديد، وخصوصاً أنهم لم يدخلوا المدارس أو أنهم تركوا التعليم من مدة طويلة، مما أثار انقساماً هائلاً بين جيلين بل شعبين بكل مافي الكلمة من معنى!

جيلٌ تعود على المفردات واللغة القديمة وجيلٌ يتلقى اللغة المعدلة في المدارس ويسمعها في الإذاعة ويقرؤها في الصحف، هذا الشرخ الهائل أثّر كثيراً على المجتمع التركي، وعلى طريقة تعاطيه مع الواقع، فالجيل الجديد يحمل لغةً جديدةً ذات ألفاظٍ جديدة تتضمن أفكاراً جديدة، مضمونها الانفتاح نحو الغرب ومحاولة تقمص تجربته ومحاكاة حياة أبناء تلك البقعة من العالم (المتقدم)، والابتعاد عن الشرق (العربي) وبناء جدار القطيعة والعزلة عنه وعن كل ما يمت له بصلة.


ومن خلال تجربتي الخاصة مع اللغة التركية، فحين تعلمي لها صادفتني الكثير من الكلمات ذات الأصل العربي لكني تفاجأت أنني حين أتكلمها لا يفهمني كل الأتراك، فغدوت أميّز طريقة تفكير من أحدّثُه وأسلوب تفكيره من مفرداته وألفاظه، فمحبو العربية والعرب تجدهم ينتقون المفردات والألفاظ ذات الأصل العربي وهم يحادثوك، وكأنهم يتوددون لك بذلك، ويجدون ذلك من باب القربى والطاعات، بينما تجد من يتقصد أن يتحدث بألفاظٍ أبعد ماتكون عن العربية (أو هو بطبيعته كذلك) يميل إلى اعتبارك أجنبياً في أرضه يجمعك به عملٌ أو مصلحة أو حتى انتظار الحافلة!


حتى صرّحَ مسؤول تركي منذ فترة أن الحكومة أصدرت قراراً بإعادة تعليم اللغة العثمانية في المدارس (اختيارياً) مبدياً تعجبه واستياءه أن أبناء هذا الجيل لا يستطيعون قراءة وفهم كتابٍ تم تأليفه منذ مائة عامٍ فقط!

البعض يعتبر ما حدث للغة التركية محاولة لتغريب الشعب التركي وفصله عن تراثه وقطع جذوره الإسلامية، بينما يراه البعض الآخر محاولة لنهضة جديدة وتأسيس ""دولة تركيا الحديثة""

لكن من المؤكّد أن اللغة كانت أهم المتأثرات وأعظم الأدوات والمؤثرات بين كل العوامل الأخرى.

"
شارك المقالة:
67 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook