تعرف على المملكة العربية السعودية في العصر الحديث

الكاتب: ولاء الحمود -
تعرف على المملكة العربية السعودية في العصر الحديث

تعرف على المملكة العربية السعودية في العصر الحديث.

 
أ - استرداد آل سعود الحكم في نجد:
 
اضطر الإمام عبدالرحمن بن فيصل آخر حكام الدولة السعودية الثانية، وابنه عبدالعزيز إلى مغادرة الرياض في عام 1309هـ / 1891م، أمام ازدياد قوة الأمير محمد بن رشيد وامتداد نفوذه إلى جنوبي نجد. وبعد نحو عشر سنوات من الإقامة في الكويت خرج الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع عدد قليل من أتباعه لاسترداد عاصمة أجداده، وقد تمكن من ذلك في شوال 1319هـ / يناير 1902م. وخلال السنتين التاليتين تمكن الأمير عبدالعزيز من ضم مناطق جنوبي نجد وأقاليم الوشم وسدير  .  وفي بداية عام 1322هـ / 1904م، بدأ محاولاته لاستخلاص إقليم القصيم من آل رشيد، وبعد عدد من المعارك في القصيم كان آخرها معركة روضة مهنا في عام 1324هـ / 1906م ضد ابن رشيد وحلفائه العثمانيين سيطر ابن سعود على ذلك الإقليم المهم  
 
تقدمت الإشارة إلى دخول زعماء آل رشيد في صراع على الحكم بعد مقتل الأمير عبدالعزيز بن رشيد في معركة روضة مهنا في عام 1324هـ / 1906م، وقد استغل الأمير عبدالعزيز بن سعود انشغال آل رشيد بنـزاعاتهم لتقوية نفوذه في مناطق نجد وقبائلها، ثم التفت في عام 1331هـ / 1913م، للاستيلاء على واحتي الأحساء والقطيف، واستردادهما من الدولة العثمانية. وبعد ذلك بدأ الأمير عبدالعزيز بن سعود في إنشاء الهجر في البادية وتوطين بعض القبائل الرحل فيها وهم الذين عرفوا فيما بعد بالإخوان الذين كان لهم دور مهم في إدخال الأقاليم البعيدة تحت نفوذه.
 
وقد توترت العلاقات بين الأمير عبدالعزيز والشريف حسين أمير مكة منذ عام 1336هـ / 1918م، وقد بلغ ذلك التوتر ذروته في موقعة تربة في العام التالي عندما ألحق الإخوان هزيمة ساحقة بجيش الأمير عبدالله بن الشريف حسين، وقد فطن الأمير عبدالعزيز بن سعود للتقارب بين آل رشيد والشريف حسين بعد تلك المعركة، فأخذ في تشديد الضغط على آل رشيد منذ عام 1338هـ / 1920م بإرسال فرق من الإخوان وغيرهم لمهاجمة آل رشيد، حتى تمكن من الاستيلاء على حائل في آخر شهر صفر 1340هـ / أكتوبر 1921م .
 
كان الأمير عبدالعزيز بن سعود قد وثَّق علاقته بسكان الجوف ووادي السرحان وقبائل تلك المنطقة في أثناء حروبه مع آل رشيد وقبل الاستيلاء على حائل، وكان هدفه إثارة أهل المنطقة ضد آل رشيد، وتشديد الضغط عليهم من الشمال أيضًا، حيث شجعهم على الاستقلال والتخلص من حكم آل رشيد. وعندما أعاد آل شعلان نفوذهم إلى الجوف ووادي السرحان قبل ضم الملك عبدالعزيز لحائل بفترة وجيزة حيث اتفق مع الشعلان على مهاجمة حائل من الشمال في الوقت الذي تتقدم فيه قواته ضد المدينة من الجنوب  
 
ب - ضم السلطان عبدالعزيز منطقة الجوف:
 
كان لضم الأمير عبدالعزيز بن سعود - الذي أصبح لقبه لاحقًا سلطان نجد وملحقاتها - حائل، ووفاة نواف الشعلان وتنصيب عبدالله بن الحسين أميرًا على شرق الأردن، وتنصيب فيصل بن الحسين ملكًا على العراق في غضون سنة واحدة 1339 - 1340هـ / 1921 - 1922م، أن أدت سرعة تتابع هذه الأحداث إلى حدوث تسابق بين السلطان عبدالعزيز بن سعود في نجد وبين الشريف حسين في الحجاز والأمير عبدالله بن الحسين في شرق الأردن والشيخ نوري الشعلان والبريطانيين للسيطرة على منطقة الجوف. وكان السلطان عبدالعزيز يرى أن الجوف ووادي السرحان والقريات تابعة له؛ بسبب تبعيتها للدولة السعودية الأولى في السابق، ثم تبعيتها لإمارة آل رشيد التي كانت تابعة للدولة السعودية الثانية التي استولى عليها فيما بعد، ولكون المنطقة في ذلك الوقت في يد آل شعلان الذين يعدهم من عشيرته وأتباعٍ له  .  كذلك كان السلطان عبدالعزيز متحرزًا من إحاطة الممالك الهاشمية به في كل من العراق وشرق الأردن والحجاز، وكان يريد أن يكون هناك منفذ لتجار بلاده إلى سورية التي ما زالوا يتاجرون معها منذ قرون، وأن يكون ذلك المنفذ عبر وادي السرحان فاصلاً ما بين العراق وشرق الأردن  
 
أما الشريف حسين فكان يعد الجوف ووادي السرحان والقريات تابعة للحجاز؛ لأنها كانت تدار من قِبل محافظ المدينة المنورة خلال الحكم العثماني. أما الأمير عبدالله بن الحسين ومن ورائه البريطانيون فكانوا يريدون إلحاق الجوف ووادي السرحان والقريات بشرق الأردن؛ بسبب قرب المنطقة من شرق الأردن، ولاعتقادهم أنها كانت قسمًا من ولاية سورية العثمانية، ولأن البريطانيين الذين أصبحوا يسيطرون على العراق وشرق الأردن وفلسطين ومصر كانوا يفكرون في إنشاء خط حديدي يربط بين جنوب العراق وساحل البحر المتوسط يمر عبر منطقة الجوف  
 
كان النفوذ في منطقة الجوف في عام 1340هـ / 1922م للشيخ نوري الشعلان، لكن الشيخ النوري كان أقل المتنافسين على المنطقة تحمسًا وحرصًا عليها، وكان يتصل ويتفاوض كعادته مع ابن سعود وأمير شرق الأردن والفرنسيين، ويقيم في دمشق  .  أما البريطانيون وأمير شرق الأردن فقد أرسلوا سانت جون فيلبي والميجور أ هولت (A. Holt) مع فرقة من رجال البادية بقيادة مثقال باشا وغالب باشا لإقناع سلطان الشعلان ومحسن الشعلان بانضمام الجوف ووادي السرحان إلى شرق الأردن، وإعداد تقرير عن إمكانية إنشاء خط حديدي من عمان إلى العراق عبر الجوف ووادي السرحان. وقد وصل الرجلان إلى كاف في رمضان 1340هـ / مايو 1922م، وقابلا محسن الشعلان في منوة وسلطان الشعلان في سكاكا  
 
كان السلطان عبدالعزيز متنبهًا لتحركات البريطانيين وأمير شرق الأردن في منطقة الجوف، وكان يراسل زعماء الجوف بمن فيهم آل شعلان، فخلال الشهر التالي لزيارة السيدين فيلبي وهولت ومرافقيهما للمنطقة ذو القعدة 1340هـ / يوليو 1922م أرسل السلطان عبدالعزيز فرقة صغيرة من الإخوان بقيادة عساف الحسين المنصور العساف لنجدة ابن مويشير وأتباعه الذين كانوا ثائرين ضد سلطان الشعلان في سكاكا، والذين طلبوا المساعدة من السلطان عبدالعزيز. وقد تسلم عساف الحسين المنصور العساف السلطة في الجوف، وانسحب سلطان الشعلان وأتباعه إلى قصر الشعلان في كاف  .  وبعد ذلك سارت فرقة من الإخوان إلى قريات الملح واشتبكت مع قوات سلطان الشعلان هناك  ،  ويؤكد لانكاستر أن سلطان الشعلان تمكن من هزيمة الإخوان في منوة؛ لكنه اضطر إلى التخلي عنها لابن سعود؛ لأنه شعر بعدم استطاعته الدفاع عنها  ،  على حين يشير وصفي زكريا إلى أن السلطان عبدالعزيز آل سعود طلب من آل شعلان التنازل عن الجوف ووادي السرحان بعد استيلائه على حائل ودخوله الحجاز فتخلوا له عنها  
 
حينما علم الأمير عبدالله بن الحسين بالاتفاق بين بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق وبين السلطان عبدالعزيز بن سعود على الحدود السعودية العراقية والسعودية الكويتية، وأن ابن سعود قد تخلى عن قبائل العمارات والظفير في مقابل التخلي له عن قبيلة الرولة والجوف ووادي السرحان قرر بموافقة من الشيخ نوري الشعلان، وبتشجيع من البريطانيين الاستيلاء على بلدة كاف ووادي السرحان، وقد استقرت القوات الأردنية في كاف وقلعة الصعيدي بقيادة عبدالمحسن الشريف، وبقيت هناك عددًا من الأشهر  
 
وقد غضب السلطان عبدالعزيز من هذا التصرف من قبل البريطانيين، وذلك التواطؤ من قِبل ابن شعلان، وهدد بمهاجمة القوات الأردنية وطردها من كاف، وأرسل رسالة إلى المندوب السامي البريطاني في العراق في 13 محرم 1341هـ / 1922م قال فيها: "إن الجوف مقاطعة لا نـزاع في ملكيتها لآل سعود من سنين طويلة، وعند انحطاطهم استولى عليها آل رشيد... وفي أثناء محاصرتنا لحائل أمرت ابن شعلان أن يتقدم إلى الجوف ويحافظ على أطرافها، وبعد استيلائنا على (حائل) أتانا ابن شعلان وعقد معنا محالفة و (خط) على نفسه صكًا، بأنه هو وتبعته من عشائر الرولة يكونون من رعايانا ومن تبعتنا، واعترف اعترافًا صريحًا بأن مقاطعة الجوف هي ملك شرعي لنا... وعند ذلك، تكرمًا منا نصبناه أميرًا عليها بشرط... ألا يتداخل مع أي حكومة عربية كانت أو شرقية (كذا) في أمور سياسية... هذا ولما رأينا عدم احترامه للعهود وتمادى بالمداخلات السياسية مع دول الغرب والحكومات العربية أرسلنا كتابًا لأميرها سلطان الشعلان أمرناه أن ينسحب منها، وأمرنا أحد خدامنا، عساف المنصور أن يتوجه إليها... ويتولى إمارتها بمئة نفر معه، ودخل هذا الجوف باستقبال عظيم من الأهالي... ومن أميرها المعزول، وهذه مكاتيب سلطان الشعلان بعد تسليمه زمام الإدارة لعساف يعبر فيها عن ارتياحه من هذه النتيجة"  
 
طلب البريطانيون من السلطان عبدالعزيز أن يتوقف عن الزحف ضد القوات الأردنية في القريات ووعدوه بأن يحلوا المسألة بالوسائل السلمية، وعقدوا مؤتمر الكويت في عام 1342هـ / 1923م، لحل هذه المسألة وغيرها من مسائل الحدود بين دول المنطقة: نجد والعراق وشرق الأردن والحجاز بوساطة البريطانيين. وطالت المناقشات بين الوفود، واحتج كل وفد بحججه التي تقدم ذكرها، ولم يتوصلوا إلى نتيجة  .  وحين يئس السلطان عبدالعزيز من حل المسألة بالمفاوضات، عيّن في رمضان 1342هـ / مايو 1924م عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي أميرًا للمنطقة الشمالية التي تشمل حائل والقصيم والقريات، ومنحه صلاحيات واسعة، كما عيَّن عبدالله بن محمد بن عقيل أميرًا للجوف ووادي السرحان، وبعث معه ما يلزمه من القوة  
 
وفي بداية عام 1343هـ / أغسطس 1924م، وقبل الزحف إلى الحجاز أرسل السلطان عبدالعزيز فرقة من الإخوان يراوح عددها بين ألفين وثلاثة آلاف بقيادة ندا بن نهير من أهل هجرة نفي إلى القريات، ولم يكتف الإخوان بطرد القوات الأردنية من كاف، بل قاموا باجتياز الحدود إلى داخل شرق الأردن، وهاجموا حامية قصر الأزرق، وتوغلوا غربًا إلى قرب عمان، واشتبكوا مع عربان الحويطات وبني صخر. وعند ذلك لم تقف بريطانيا مكتوفة الأيدي إزاء هذا الهجوم الخاطف؛ لأن شرق الأردن له أهمية كبيرة في الإستراتيجية البريطانية في المنطقة، ولذلك سمح المندوب السامي البريطاني في القدس للقوات البريطانية المعسكرة في المنطقة بمطاردة الإخوان، فأرسل قائد القوات الأردنية النظامية بيك باشا الطائرات والمصفحات إلى ميدان المعركة، فقتلت عددًا كبيرًا من الطرفين  
 
إن من اللافت للنظر تخلي النوري بن شعلان عن منطقة الجوف بسهولة ومن دون مقاومة كبيرة على الرغم من كونه هو المسيطر على المنطقة من بين المتنافسين عليها، وقد تقدمت الإشارة إلى معارضة الشيخ النوري طموحات ابنه نواف وحفيده سلطان في المنطقة، وقد توفي نواف عام 1340هـ / 1921م، ولم يتمكن سلطان من الاحتفاظ بالمنطقة من دون دعم قوي من جده. ثم توفي سلطان في عام 1342هـ / 1924م ودفن خارج قصر الشعلان في قرية كاف  .  ويرى لانكاستر أن النوري بن شعلان شعر بصعوبة الاحتفاظ بالمنطقة المحاطة بالانتداب البريطاني وأمير شرق الأردن من ناحية، وابن سعود وجماعات الإخوان من ناحية أخرى، وقد خشي أن احتفاظه بالمنطقة سيجره إلى الخضوع للحكومات التي تريد السيطرة عليها  
 
وعلى الرغم من سيطرة السلطان عبدالعزيز على الجوف ووادي السرحان، وتوغل الإخوان في الأراضي الأردنية، إلا أن الأمير عبدالله والبريطانيين لم يتخلوا عن أطماعهم في المنطقة، وفي الوقت نفسه أذهلهم دخول السلطان عبدالعزيز مكة المكرمة في عام 1343هـ / 1924م، ولذلك خافوا من تحول السلطان عبدالعزيز وأتباعه من الإخوان إلى الجبهة الأردنية بعد الحجاز، خصوصًا أن ابن سعود بدأ يطالب ببلدتي العقبة ومعان، على اعتبار أنهما كانتا تابعتين للحجاز  
 
حينما كان السلطان عبدالعزيز يحاصر جدة في ربيع الآخر 1344هـ / أكتوبر 1925م وصل السير جلبرت كلايتون (G. Clyaton) موفدًا من قِبل الحكومة البريطانية لتسوية الخلافات الحدودية بين نجد وكل من العراق وشرق الأردن. وكان كلايتون يحمل تعليمات بضم الجوف ووادي السرحان لشرق الأردن، وألا يفصل بين العراق وشرق الأردن، بمنطقة نجدية تتصل بسورية، وقد رفض السلطان عبدالعزيز بشدة التخلي عن الجوف ووادي السرحان واتصال الحدود العراقية - الأردنية وفصل نجد عن سورية، وقد تم الاتفاق في النهاية على ترك الجوف ووادي السرحان لسلطنة نجد بشرط عدم إنشاء مراكز عسكرية محصنة في المنطقة خصوصًا في كاف، وأيضًا سلامة شرق الأردن من هجمات الإخوان، كما تم الاتفاق على اتصال الحدود العراقية - الأردنية، مع ضمان حرية المرور لرعايا السلطان عبدالعزيز إلى سورية وإعفاء بضائعهم من الجمارك. وقد عرفت هذه الاتفاقية باتفاقية حدة (بالقرب من بحرة)  
 
ج - إمارة منطقة الجوف ووادي السرحان والقريات:  
 
تقدمت الإشارة إلى أن السلطان عبدالعزيز عين عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي أميرًا للمنطقة الشمالية وقاعدتها حائل في عام 1342هـ / 1924م، وأرسل عبدالله بن عقيل أميرًا للجوف ووادي السرحان في العام التالي وقد تسلمها من عساف الحسين العساف. وبعد أن سيطر ابن عقيل على الجوف أرسل أحد مساعديه ويدعى علي بن بطاح، ومعه عدد من الجنود إلى قريات الملح لتسلمها من محسن الشعلان  .  ولأن المنطقة حدودية، فقد أرسل أمير الجوف مع ابن بطاح قاضيًا يدعى صالح المزيني ومسؤولاً ماليًا يدعى ابن سيف. وأصبحت إمارة الجوف ووادي السرحان مسؤولة عن جميع المنطقة الحدودية بين سلطنة نجد وبين إمارة شرق الأردن الممتدة من شمال طريف إلى حقل على رأس خليج العقبة 
 
في آخر عام 1345هـ / يونيو 1927م عين الملك عبدالعزيز تركي بن أحمد السديري أميرًا لمنطقة الجوف ووادي السرحان، كما تم تعيين عبدالله الحواسي أميرًا لقريات الملح، وعلى حين لم يمكث السديري في إمارة الجوف سوى عام واحد، حيث خلفه فيها عبدالرحمن بن سعيد، ثم إبراهيم النشمي، استمر الحواسي في إمارة القريات إلى عام 1349هـ / 1930م  .  وقد تزامنت هذه الفترة مع ضم الحجاز وما تبعه من بداية التنظيمات الإدارية التي قام بها الملك عبدالعزيز لربط مختلف أقاليم المملكة بعضها ببعض والمحافظة على أمنها وحدودها، ومن ضمن ذلك تعيين مفتش عام للحدود الغربية للإشراف على طول الحدود الفاصلة بين مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها وبين إمارة شرق الأردن، وقد كلَّفَ الملك بمهمات هذه المفتشية عبدالعزيز بن زيد الذي كان معاونًا للأمير فيصل نائب الملك في الحجاز  
 
وكانت مفتشية الحدود الغربية قد أنشئت في هذا الوقت واختير الجوف مقرًا لها نتيجة لتزايد أهمية المنطقة بوصفها منطقة حدودية تتردد خلالها القبائل بين الجانبين من الحدود، كما تعبر من خلالها بضائع نظامية وغير نظامية، بالإضافة إلى عدم استقرار الأوضاع في هذه الفترة في سورية والأردن وفلسطين؛ بسبب مقاومة الاحتلال الفرنسي والإنجليزي واليهودي في المنطقة.
 
في أواخر عام 1349هـ، بداية عام 1931م أعاد الملك عبدالعزيز تركي بن أحمد السديري إلى إمارة الجوف ووادي السرحان، وكان أهم أعماله هو نقل قاعدة الإمارة من دومة الجندل إلى بلدة سكاكا  .  كما عين الملك أحد رجاله ويدعى صالح بن عبدالواحد أميرًا في قريات الملح، وقد أحب أهل القريات الأمير صالح لما كان يتصف به من العدل والتواضع؛ فقد منع عنهم تعديات البادية  .  وخلال هذه الفترة تم إنشاء محطتي إرسال واستقبال برقي في الجوف والقريات  .  وذلك لأهمية هذا الجهاز لمنطقة الجوف؛ بسبب بعدها الجغرافي ومسؤوليتها عن خط حدودي طويل مع شرق الأردن. وكان عبدالعزيز بن زيد في هذا الوقت لا يزال يشغل وظيفته مفتشًا للحدود الغربية، ثم إنه كلف بعد ذلك بإمارة القريات بالإضافة إلى وظيفته الأولى 
 
في عام 1351هـ / 1932م تم توحيد المقاطعات التي كانت تتألف منها مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها تحت اسم واحد هو المملكة العربية السعودية، وكانت هذه الخطوة المهمة إيذانًا بتكثيف العمل على ربط تلك المقاطعات وتقوية تماسكها ضمن نظام سياسي وإداري موحد، والاهتمام بالمقاطعات النائية منها، مثل: الجوف ووادي السرحان. ففي نهاية عام 1352هـ / بداية 1934م عين الملك عبدالعزيز عبدالعزيز بن أحمد السديري أميرًا لمنطقة الجوف  ،  وكان يتمتع بقدرات سياسية وإدارية جيدة وحماس واضح للإصلاح والتطوير، ولذلك رأى الملك في عام 1355هـ / 1936م فصل القريات والحدود الغربية عن إمارة المنطقة الشمالية في حائل، وجعلها إمارة مستقلة باسم إمارة القريات ومفتشية الحدود الغربية وربطها بالنيابة العامة في الحجاز، ونقل الأمير عبدالعزيز السديري إلى إمارتها في عام 1357هـ / 1938م  .  ويدل هذا التغيير الإداري على تزايد أهمية هذه المنطقة الحدودية ورغبة الملك عبدالعزيز في ضبط الحدود السعودية - الأردنية وتطوير هذه المنطقة النائية.
 
مكث الأمير عبدالعزيز السديري في إمارة القريات ومفتشية الحدود الغربية نحو عشرين سنة، شهدت المنطقة خلالها تطورًا ملحوظًا في النواحي الإدارية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والزراعية، وذلك بفضل نشاط الأمير عبدالعزيز السديري، وحرصه على مصلحة المنطقة، وعلاقته الجيدة بالملك عبدالعزيز والحكومة المركزية وبفضل زيادة موارد الدولة من عائدات النفط خلال هذه الفترة، وكان أهم الأعمال التي أنجزها في المنطقة؛ نقل الدوائر الحكومية من بلدة كاف إلى النَّبْك (القريات) وبناء مقار جديدة لها هناك، وإنشاء مخافر منظمة على طول الحدود السعودية - الأردنية، وافتتاح مدارس للبنين والبنات في المنطقة، وتأسيس بلدية وجمعيات خيرية فيها، والبدء بمشروعات لتوطين البادية  .  وعندما أعيد تشكيل وزارة الداخلية في عام 1370هـ / 1950م أصبح مرجع إمارة القريات ومفتشية الحدود الغربية الملك مباشرة حتى عام 1380هـ / 1960م حينما صدر أمر ملكي بأن يكون مرجع هذه الإمارة وغيرها وزارة الداخلية  
 
أسندت إمارة الجوف بعد نقل الأمير عبدالعزيز السديري إلى إمارة القريات في عام 1357هـ / 1938م إلى أخيه الأمير محمد بن أحمد السديري الذي شغلها إلى عام 1362هـ / 1943م حيث أسندت إلى أخيه الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري  ،  وقد ظل هذا الأمير يدير إمارة منطقة الجوف مدة ثمانية وأربعين عامًا، كان يعتمد في بدايتها على عدد قليل من الموظفين والخويا. وفي عام 1374هـ / 1954م وصل عدد موظفي الإمارة إلى أربعة عشر موظفًا. وفي عام 1386هـ / 1966م عين وكيل للإمارة وزيد عدد موظفيها ليصلوا إلى ثمانين موظفًا، وذلك نظرًا لتوسع العمل الإداري في المنطقة، واستحداث عدد من المراكز الإدارية فيها  .  وفي عام 1410هـ / 1990م وضع للمنطقة هيكل تنظيمي جديد بناءً على توصية اللجنة العليا للإصلاح الإداري في المملكة أسوة ببقية المناطق  
 
لقد شهدت منطقة الجوف خلال النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي) تطورات واسعة في النواحي الإدارية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية، حيث شملتها حركة التطوير والتحديث والتنمية التي شهدتها المملكة خلال هذه الفترة؛ نتيجة لتضاعف عوائد النفط خلال الفترة المذكورة  .  فقد ظهر خلال هذه الفترة عدد من المدن والقرى والهجر الجديدة في المنطقة، وتكاثر سكانها من الحضر والوافدين والرحل المستقرين، وخصوصًا من العشائر التي استقرت في القرى والهجر، كما شهدت مدن المنطقة وبلدانها افتتاح أفرع للوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية وغير الحكومية وأنشئ عدد من المشروعات الزراعية والصناعية؛ مما أدى إلى نهضة شاملة في مختلف المجالات  
 
من أبرز مظاهر التطور العمراني والتغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته المنطقة خلال هذه الفترة استقرار أعداد كبيرة من الرحل نتج منه ظهور مدن وقرى جديدة في المنطقة، أهمها: مدينة طبرجل في منتصف وادي السرحان، وقد نشأت هذه المدينة باستقرار جماعة من قبيلة الشرارات في الموقع منذ عام 1376هـ / 1957م، ثم أخذت في النمو والتوسع السريع حتى أصبحت رابع أكبر مدينة في منطقة الجوف، وقد ساعد على نمو مدينة طبرجل وتوسعها: توافر المياه الجوفية فيها، وخصوبة تربتها واستقرار أعداد كبيرة من السكان فيها، وافتتاح أفرع للمصالح والمؤسسات الحكومية في المدينة لخدمتهم  .  كما أسهمت في نمو مدينة طبرجل المشروعات الزراعية الواسعة  التي أقيمت في منطقة بسيطا الواقعة إلى الجنوب من المدينة  
وفي عام 1410هـ / 1990م عين سلطان بن عبدالرحمن السديري أميرًا لمنطقة الجوف خلفًا لوالده، وفي عام 1414هـ / 1994م صدر نظام المناطق الجديد الذي أعيدت بموجبه أغلب المدن والقرى والمراكز التي كانت تشكل منطقة القريات إلى منطقة الجوف، فأصبحت المنطقة تتكون من محافظتين رئيستين هما: القريات ودومة الجندل ومدينة سكاكا و 34 مركزًا إداريًا قاعدتها مدينة سكاكا  
 
- الأمراء الذين تولوا إمارة منطقة الجوف منذ عهد الملك عبدالعزيز وتواريخ توليهم:
 
1 - عساف بن حسين بن منصور العساف (1341هـ).
 
2 - عبدالله بن عقيل (1343هـ).
 
3 - تركي بن أحمد السديري (1345هـ).
 
4 - عبدالرحمن بن سعيد (1347هـ).
 
5 - إبراهيم النشمي (1348هـ).
 
6 - تركي بن أحمد السديري (1349هـ).
 
7 - عبدالعزيز بن أحمد السديري (1352هـ).
 
8 - محمد بن أحمد السديري (1357هـ).
 
9 - عبدالرحمن بن أحمد السديري (1362هـ).
 
10 - سلطان بن عبدالرحمن السديري (1 / 7 / 1410هـ).
 
11 - الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز آل سعود (12 / 5 / 1419هـ).  
 
12 - الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز آل سعود (24 / 8 / 1423هـ، وحتى تاريخه).  
 
شارك المقالة:
61 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook