تعرف على تاريخ اللغة التركية (2)

الكاتب: رامي -
تعرف على تاريخ اللغة التركية (2)
"

تعرف على تاريخ اللغة التركية (2)

ا

اللغة التركية في عهد الگوك ترك:

أقام الگوك ترك مع جيرانهم بالشرق والغرب العديد من العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية, وكانت النتيجة الطبيعية لتلك العلاقات دخول بعض العناصر الأجنبية إلى اللغة، ولكن هذه العناصر كانت عبارة عن بعض الألقاب والأسامي وكلمات تخص المناصب الإدارية. ونتيجة لذلك بقيت لغة الگوك ترك لغة خالصة وواضحة من حيث خصائص علم الأصوات والنحو والحاصلة اللغوية.

وهناك احتمال كبير أن اشتقاق الاسم قد نبع من العبارة التي يرددها "" Bilge Ka?an"" – مؤسس نقوش أورخون- والتي كان يقول فيها: "" أنا بلگه التركي الذي خُلق في السماء مثل إله السماء"". وهناك احتمال آخر أن يكون هذا الاسم لأحد عشائر ""أبناء إجينيا"" الذين أسسوا إمبراطورية الهون. وتعد الكتابات التي وصلت إلينا وترجع لحقبة الگوك ترك بوجه عام عبارة عن وثائق كُتب أغلبها فوق ألواح حجرية بمنطقة أورخون ويني سي وتسمى ""كتابات گوك ترك"" أو ""شواهد أورخون"". بالإضافة لشواهد أخرى كثيرة وذات أبعاد أصغر، يعتقد أنها ترجع للقرن السابع، وقد وجدت أيضاً بمنطقة يني سي.

وتعد أبجدية الگوك ترك أول أبجدية كُتبت للغة التركية. ولم يتم التوصل إلى نتيجة قاطعة وحاسمة بشأن نشأة أبجدية الگوك ترك المعروفة باسم "" الكتابة التركية الرونيكية القديمة"" وسبب إطلاق مسمى رونيك على هذه الكتابات هو التشابة بيها وبين الكتابة المسماة بــ"" الأبجدية الرونيكية"" التي استخدمت حروفها في كتابات اسكندينافيا القديمة. تُقيّم أبجدية الگوك ترك على أنها شكل أخذ الطابع التركي، بالإضافة إلى أن هناك وجهة نظر أخرى ترى أن كتابات گوك ترك ذات أصل آرامى وصبغوها الأتراك بالصبغة التركية. وما وصل منها عبارة عن نقوش على الحجر والخشب ومكتوب من اليمين إلى اليسار ومن أعلى إلى أسفل. وتتكون أبجدية الگوك ترك من 38 حرفاً، أربعة منهم صوائت والباقى عبارة عن صوامت وعلامات مقاطع صوتية.



اللغة التركية في عهد الأويغوريين:

ظهر الأويغوريون في الحياة السياسية بعد انهيار دولة الگوك ترك، وقد شكل أتراك الأيغور لغة مكتوبة على نطاق واسع من خلال الكتابة المعروفة بكتابة الأويغور. وقد كانت لغتهم منفتحة على التأثيرات الثقافية للأقوام الأخرى بسبب العلاقات الثقافية والتجارية التي أسسوها معهم. ولذلك اعتنق اتراك الأويغور ديانات مختلفة مثل البوذية وألمانية والبرهمية، كما أخذوا الكتابات والمصطلحات الخاصة بهذه الديانات وقاموا باستخدامها، بالإضافة إلى ذلك يوجد وثائق متنوعة أدبية وطبية. وقد دخلت الكثير من الكلمات المأخوذة من اللغة السنسكريتية والصينية إلى لغة الكتابة الأويغورية. وقد قام الأويغوريين باستخدام هذه الكلمات الأجنبية التي أخذوها من الثقافات التي ظلوا تحت تأثيرها ،إما بإيجاد مقابل تركي لهذه اللفظة الأجنبية ، وإما بإضافة مشتقات لها متوافقة مع البنية الصوتية للتلفظ التركي ، وبذلك أصبحت الخزينة اللغوية غنية بتلك المفردات الجديدة التي أدخلوها للغة. وقد استمرت لغة الكتابة الإويغورية حتى القرن الرابع عشر الميلادي.

وكانت الأبجدية الأويغورية أهم أبجدية استخدمت بعد أبجدية الگوك ترك وقبل الأبجدية العربية،"" وقد استخدم الأويغوريون العديد من الخطوط مثل الخط البراهيما والصغدي والماني، أما الخط الأويغوري أو الأبجدية الأيغورية فهي مشتقة من الخط الصغدي ولكنها أكثر تطوراً وسهولة منه. لم تكن الأبجدية الأويغورية صالحة للكتابة التركية لأنها لا تغطي احتياجات أصوات اللغة التركية، وبالرغم من ذلك فقد ظلت مستعملة من قبل الأتراك فترة طويلة. فمعظم المخطوطات الأوريغورية المتعلقة بالديانات البوذية التي انتشرت بين الأويغور في تركستان الشرقية- ولمدة أربعمائة سنة منذ منتصف القرن التاسع - كلها كانت مكتوبة بالخط الأويغوري. ""وبالإضافة إلى ذلك فلقد ظلت الكتابة الأويغورية محتفظة بأهميتها لسنوات طويلة حتى بعد دخول الاتراك الإسلام، كما كتبت بعض المؤلفات الإسلامية بهذه الكتابة ، كما استخدمت أيضا بين أتراك الأناضول ، إلا انها فقدت أهميتها أمام التأثير القوى للحضارة الإسلامية وحل محلها الأبجدية العربية.""



اللغة التركية الوسيطة:

وهي لغة الكتابة التركية التي توضح التطور في آسيا الوسطى فيما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر. وقد سميت اللغة التركية لهذه الفترة بـ "" تركية آسيا الوسطى المشتركة"" ، كما كان من نتاجها آثار مهمة مثل كتاب ""قوتادغو بيليگ"" وكتاب ""عتبة الحقائق.

واعتباراُ من القرن الثالث عشر بدأت تظهر لغة مكتوبة تبين الفروق الواضحة بين اللهجات المختلفة حيث قُسمت إلى اللغة التركية الشرقية، و اللغة التركية الغربية، و اللغة التركية الشمالية، و اللغة التركية الجنوبية.""

أهم ما يميز فترة اللغة التركية الوسيطة هي أنها تطورت في ظل حضارة جديدة، هي الحضارة الإسلامية حيث أحدث دخول الأتراك في الإسلام الكثير من التغيرات في أنماط الحياة، ونتيجة لذلك تولد نتاج حضاري مستقر، كما دخلت للغة مصطلحات جديدة كالجوامع والمساجد والمدارس الدينية، بالإضافة إلى ذلك حدثت تطورات مهمة في المفردات اللغوية للّغة التركية في هذه الفترة ، فبينما كانت اللغة التركية القديمة تستمد أغلب مفرداتها من لغة شعوب آسيا الوسطى والصينيين ، كانت اللغة التركية الوسيطة تستمد مفرداتها من اللغة العربية والفارسية، وأصبحت اللغة العربية لغة الدين واللغة الفارسية لغة الكتابة ، كما كان يتم تعليم هاتين اللغتين في المدارس، وكان العلماء والفنانون والكتاب يكتبون نتاجهم الأدبى باللغة العربية والفارسية.


اللغة التركية في العصر العثماني:

تعد مرحلة اللغة التركية العثمانية مرحلة مهمة في تاريخ تطور اللغة التركية ، فلقد كانت بدايتها من القرن الخامس عشر واستمرت حتى القرن العشرين محدثةً تطوراً ملحوظاً داخل حدود الإمبراطورية العثمانية، ولا يرتبط هذا التطور بالتأثر باللغات العربية والفارسية فقط، بل يجب تقييم هذا الوضع على انه نتيجة محاولة اللغة التركية توفير الأدوات اللغوية التي تنقصها من هذه اللغات حتى تتمكن من الاستفادة من إمكانيات اللغات الأخرى، ومن ذلك يتضح ان اللغة التركية العثمانية قد استخدمت مجموعة من الكلمات والتراكيب الخاصة بالحضارة الإسلامية المشتركة

كانت اللغة التركية العثمانية مليئة بكل أنواع الكلمات العربية والفارسية المستخدمة في جميع المجالات حيث استخدمت فيها أسماء الفاعل العربية وأشكال المبالغة والصفات واسماء المكان والزمان والآلة وأشكال التصغير، والمصادر بجميع أشكالها وليس أصل المصدر فقط ، بالإضافة إلى الأعداد والأرقام والتراكيب الإضافية الأسمية والوصفية وأشكال جمع الكلمات. وإلى جانب ذلك تم استخدام الأسماء والصفات الفارسية البسيطة والمركبة والتراكيب الإضافية الأسمية والوصفية. ولقد زادت هذه الكلمات الأجنبية مع الأوزان الثلاثية والرباعية من صعوبة اللغة التركية العثمانية ولا سيما في القرن السابع عشر، لدرجة ان بعض الأعمال الأدبية أصبح من المتعذر معرفة اللغة المكتوبة بها وخاصة في اللغة النثرية؛ ونتيجة لهذا الوضع أصبحت لغة الكتابة أكثر صعوبة وابتعدت بشكل واضح عن لغة الحديث،

""ولقد مرت اللغة التركية العثمانية بمراحل مختلفة من حيث نسبة استخدام العناصر العربية والفارسية حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل :

مرحلة بداية اللغة التركية العثمانية:

تمتد هذه المرحلة من النصف الثاني للقرن الخامس عشر وحتى القرن السادس عشر، وفي هذه الفترة اتسعت حدود الإمبراطورية العثمانية وتأسست وحدة سياسية بين دولها ومن ثم توحدت لغة الكتابة في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية. وبذلك أصبحت اللغة التركية اللغة الرسمية لهذه الامبراطورية العثمانية العظيمة بالإضافة إلى كونها لغة العلم والفن. ومثلما كانت الأماكن التي يوجد بها القصر التركي هي المراكز الثقافية في العصور السابقة ، كانت استانبول وبعض المناطق الأخرى أيضاً بمثابة المراكز الثقافية في هذا العصر. وقد اكتسبت اللغة العربية والفارسية أهميتها من جديد وتم تدريسها في المدارس من خلال نماذج الأعمال العربية والفارسية. ونال الشعراء الأجانب قيمة كبيرة من قبل القصر العثماني، مما تسبب في العديد من التغييرات في مسيرة لغة الكتابة التركية خلال فترة قصيرة، وبدأ الأقبال على استخدام الكلمات العربية والفارسية في لغة الأدب والعلم.


المرحلة الكلاسيكية للتركية العثمانية:

تبدأ هذه المرحلة من القرن السادس عشر وتمتد حتى منتصف القرن التاسع عشر، ولقد كانت الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر في أزهى عصورها، وتوسعت حدود الدولة وحظيت بالسيطرة العظمى والمهيمنة على قارات العالم الثلاثة. وكان هذا التطور الذي ظهر في جميع مؤسسات الإمبراطورية المادية والمعنوية انعكس بطبيعة الحال على اللغة والأدب. مما كان له كبير الأثر في تنشئة الكثير من الكتاب والمؤرخين والشعراء والمترجمين وغيرهم في جميع أنحاء الإمبراطورية. ووصلت اللغة التركية إلى مستوى يمكّنها من منافسة اللغة العربية والفارسية من حيث كونها لغة العلم والفن لإمبراطورية عظيمة.

لكن ازدياد هذه العناصر الأجنبية التي دخلت اللغة التركية في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر أحدث شرخا كبيرا لدرجة ان اللغة التركية أصبحت بلا قيمة. وانفصلت لغة الحديث عن لغة الكتابة تماماً،

مرحلة التجديد في التركية العثمانية:

تمتد هذه المرحلة من منتصف القرن التاسع عشر وتستمر حتى بدايات القرن العشرين، وتعد لغة هذه المرحلة لغة الأدب التركي الجديد الذي ظهر بعد التنظيمات عام 1893م. وفى هذه المرحلة خرج الأدب التركي من إطار أدب الديوان وتأثر بالأدب الغربي، حيث أدب التنظيمات قد أحدث تطوراً ملحوظاً في مجال الأدب، وشكل أول صفحة للأدب التركي الموجه للغرب. إن المجتمع التركي الذي ظل متأثراً بمحيط الثقافة الإسلامية ولغاتها لقرون طويلة ، اتجه مع أدب التنظيمات إلى التيارات الثقافية الموجودة بالعالم الغربي وتأثر بثقافتها.

وبعد أدباء التنظيمات ظهرت جماعة جديدة تسمى جماعة ""ثروت فنون"" ذات مفاهيم لغوية مختلفة عن أدباء التنظيمات. حيث اهتم أدباء ثروت فنون بالأدب الفرنسي الذي عرفوه عن قرب واستخدموا لغة تعكس كل أفكاره ومشاعره بكل تفاصيلها متخذين نتاج هذا الأدب نموذجاً يحتذى به.

وخلاصة القول، إن تيار التنظيمات كان يحاول إصلاح اللغة بشكل متوازٍ مع التغيرات التي تحدث في المجتمع وكان هدفه تبسيط اللغة التركية العثمانية حتى يُمكن فهمها، ولكنه لم يتمكن من إظهار تجديدات جذرية في بنية اللغة التركية. أما جماعة ثروت فنون فلم يرغبوا في تبسيط اللغة نظراً لأن الأدب الذي يتناولونه كان خاصة بالزمرة المثقفة في المجتمع التركي، ولذلك وقفوا ضد تيار التنظيمات الذي نادى ببساطة اللغة، ثم جاء بعدهم جماعة فجر آتي التي تمسكت باللغة المصطنعة.

وبذلك سجلت اللغة التركية العثمانية الكثير من الاختلافات بسبب تعدد التيارات التي مرت بها واتجاهاتها المختلفة.
"
شارك المقالة:
128 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook