تعرف على طبيعة المناخ في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.
يعد المناخ من أهم العوامل التي لها دور مهم وحيوي في نمو الحضارات والدول، فعناصر المناخ من حرارة، ورطوبة، وأمطار، ورياح وغيرها تعد من أهم العوامل التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر في الأنشطة البشرية جميعها ولها دور مهم في مدى نجاحها، وتحدد توزيعها الزماني والمكاني. فمثلاً نوع النشاط الزراعي وتوزيعه الزماني والمكاني يعتمد اعتمادًا كبيرًا على عناصر المناخ وخصوصًا الأمطار والحرارة. ولكي يتحقق النجاح للنشاط الزراعي في أي بلد يجب أن يكون هناك فهم عميق لعناصر المناخ من حيث قيمها الرقمية وتذبذبها الزماني والمكاني . وكذلك الرعي الذي يعد من الأنشطة المهمة في المملكة، وغيره من الأنشطة البشرية الحديثة، مثل: الصناعة، كل ذلك يحتاج إلى فهم عميق للمناخ وعناصره في المنطقة التي تقام فيها تل الأنشطة؛ فمثلاً تحديد نوع النشاط الصناعي وتوزيعه الجغرافي في أي إقليم جغرافي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على المناخ السائد في ذلك الإقليم؛ لأن الأنشطة الصناعية تتأثر بعناصر المناخ، وخصوصًا الحرارة والأمطار والرياح. وكذلك الأنشطة الخدمية ومن أهمها السياحة التي تعتمد في نجاحها على مدى فهم المناخ ومدى أخذه في الحسبان عند القيام بالأنشطة السياحية؛ فالراحة المناخية البشرية من أهم العوامل التي تحدد نوع النشاط السياحي في أي بلد، وتحدد توزيعه الزماني والمكاني . ولا تقتصر أهمية المناخ على الأنشطة السابقة الذكر فحسب، بل تمتد لتشمل أغلب المجالات مثل: المجال التجاري، والعسكري ومجال الطيران، ومجال الرياضة؛ لذلك فإنه من المهم جدًا أن نفهم العوامل المؤثرة في مناخ منطقة الحدود الشمالية، ونفهم أهم خصائص عناصر المناخ فيها لكي يتحقق الاستثمار الأمثل للأنشطة البشرية في المنطقة.
العوامل المؤثرة في المناخ
يتأثر مناخ منطقة الحدود الشمالية بعدد من العوامل الجغرافية والطبيعية التي تشكل مناخ المنطقة، ويمكن تلخيص تلك العوامل على النحو الآتي:
أ - الموقع الفلكي:
منطقة الحدود الشمالية تغطي مساحة شاسعة، كما ذُكر في الفصل الأول من هذا الباب، إن ذلك الموقع الفلكي للمنطقة يجعلها واقعة في شمال المملكة التي تقع بالكامل ضمن نطاق الضغط المرتفع شبه المداري (Subtropical High Pressure System). ولهذا الموقع الفلكي عددًا من المؤثرات المناخية؛ فالمنطقة - إجمالاً - تقع ضمن حدود الجزء الهابط من دورة خلية هادلي (Haddely Cell) في نظام الدورة العامة للرياح في الكرة الأرضية (System Earth General Circulation). لذلك تتعرض المنطقة؛ وبخاصة في فصل الشتاء، لتأثير الضغط المرتفع المداري (Subtropical High Pressure System) الذي يؤدي إلى هبوب رياح شمالية شرقية تجارية جافة، مما يجعل أغلب أيام الشتاء في المنطقة ذات طقس مستقر بارد نسبيًا. لكن تأثر هذا النظام يضعف كثيرًا مع بداية فصل الربيع، ويتلاشى في فصل الصيف؛ ويعود ذلك إلى التزحزح العام لأنظمة الضغط شمالاً تبعًا لحركة الشمس الظاهرية السنوية التي تتجه شمالاً من فوق مدار الجدي بعد الانقلاب الشتوي في 21 ديسمبر، إلى أن تبلغ أبعد نقطة شمالاً في 23 يونيو عندما تتعامد الشمس على مدار السرطان عند دائرة عرض 50 َ 23 ْ شمالاً. يسمح هذا التزحزح بتقدم ما يسمى بمنطقة التقاء بين المدارين (Intertropical Convergence Zone ITCZ) يصاحبها نظام الضغط الجوي المنخفض الموسمي نحو المنطقة الذي يصاحبه في الغالب رياح جنوبية حارة.
كما أن الموقع الفلكي للمنطقة يجعلها تتأثر بامتداد المؤثرات المناخية فوق المدارية (Extra Tropical Climate System) التي تؤثر على العروض الوسطى من الكرة الأرضية؛ وبخاصة في فصل الشتاء. وتتمثل هذه المؤثرات في امتداد الأخدود الهوائي الجوي العلوي (Upper Air Trough) إلى المنطقة، خصوصًا الجزء الشمالي منها في بعض أيام الشتاء والربيع والخريف . ويصاحب هذا الأخدود العلوي تقدم منخفضات جوية حركية تتمركز غالبًا في شرق البحر المتوسط. ويؤدي تقدم هذا الأخدود العلوي، وتكون المنخفضات الجوية الحركية المصاحبة له إلى تقدم محور منخفض البحر الأحمر السطحي شمالاً، وتقدم رياح سطحية جنوبية غربية دافئة ورطبة تلتقي مع رياح شمالية باردة. قد تؤدي هذه الآلية أحيانًا إلى نشوء جبهات هوائية وأعاصير نشطة تعبر المنطقة مما يسمح بهطلان بعض الأمطار الشتوية.
ب - الموقع الجغرافي:
تقع منطقة الحدود الشمالية جغرافيًا شمال المملكة، والواقعة في جنوب غرب آسيا، (خريطة 1) ، لذلك فإنها محاطة بمساحات قارية ضخمة هي آسيا في الشمال والشرق وإفريقية غربًا؛ ما يجعل المنطقة تتأثر في أغلب أيام السنة بمناخ قاري. ويتضافر الموقع الجغرافي القاري مع الموقع الفلكي ليجعل منطقة الحدود الشمالية جافة في أغلب أيام السنة. فبحكم الموقع الفلكي تسود عليها الرياح الشمالية والشمالية الشرقية والشمالية الغربية، وبحكم الموقع الجغرافي فإن الرياح الأكثر تكرارًا هي الرياح الشمالية والشمالية الشرقية التي تكون جافة؛ لأنها قادمة من مصدر جاف. كما أن قارة إفريقية الضخمة تجعل معظم الرياح الغربية والجنوبية الغربية والشمالية الغربية في أكثر الأوقات جافة.
أما تأثير البحار المحيطة بالمملكة على مناخ المنطقة فإنه محدود؛ إذ إن البحر الأحمر بحر ضحل ضيق النطاق يمتد من الشمال إلى الجنوب وامتداده من الغرب إلى الشرق صغير . هذا يعني أن الرياح العابرة للبحر الأحمر المتجهة إلى هذه المنطقة لن تقطع مساحة مائية كبيرة، وبالتالي لا تكسب كمية كبيرة من البخار، حيث إنها عندما تصل إلى الأجزاء الوسطى من المملكة تصبح ضعيفة لا تساعد على هطلان كمية كبيرة من الأمطار في أكثر الأحيان.
أما بالنسبة إلى الخليج العربي فهو بحر ضحل أيضًا صغير المساحة يقع جنوب شرق منطقة الحدود الشمالية، فالرياح العابرة من الغرب إلى الشرق لا تعبر الخليج إلا بعد أن تجتاز المنطقة، وبذلك يكون أثرها في تنشيط أنظمة الطقس المؤثرة في منطقة الحدود الشمالية محدودًا.
ويقع بحر العرب جنوب هذه المنطقة وتفصل بينه وبينها مساحة قارية كبيرة والمرتفعات الجنوبية والجنوبية الغربية للجزيرة العربية. هذه العوامل بالإضافة إلى سيادة الرياح الشمالية والشمالية الشرقية تجعل التأثير البحري لبحر العرب على المنطقة محدودًا.
ولكن المنطقة - وبخاصة الأجزاء الغربية منها - تتأثر نسبيًا بالبحر المتوسط إلا أن تأثيره أيضًا محدود، لبعد المنطقة عن البحر من جانب، ومحدودية تأثير منخفضات البحر المتوسط العابرة من جانب آخر، ويتمثل تأثير البحر المتوسط في منطقة الحدود الشمالية في إمداد الأنظمة الطقسية العابرة بكميات من بخار الماء خصوصًا في فصل الشتاء.
ج - الإشعاع الشمسي:
يعد الإشعاع الشمسي من أهم العوامل المؤثرة في مناخ منطقة الحدود الشمالية؛ لأنه مصدر الطاقة الذي يجعل درجات الحرارة مرتفعة في المنطقة. وتعد درجات الحرارة المرتفعة من أهم العناصر التي تؤدي دورًا كبيرًا في تشكيل مناخ المنطقة، وبحكم موقعها الفلكي والجغرافي تتلقى المنطقة كمية كبيرة من الإشعاع الشمسي، وتعد المنطقة من أكثر مناطق العالم تلقيًا للإشعاع الشمسي. فأغلب أجزاء منطقة الحدود الشمالية تتعرض لتعامد أو شبه تعامد شمسي ولفترة طويلة خلال العام، حيث يمر مدار السرطان جنوب المنطقة خلال دائرة عرض 50 َ 23 ْ شمالاً. كما أن صفاء السماء وطول ساعات السطوع الشمسي اليومية وانخفاض الرطوبة النسبية في أغلب أيام السنة من العوامل العامة التي تزيد من فاعلية الإشعاع الشمسي الواصل إلى المنطقة. لذلك فإن كمية الإشعاع الشمسي الواصلة إلى المنطقة صيفًا تراوح بين 450 و 500 لانجلي / يوم . وعلى الرغم من أن فصل الشتاء في المنطقة بارد إلا أنها تستلم كمية كبيرة من الإشعاع الشمسي في ذلك الفصل تراوح بين 250 و 300 لانجلي / يوم . ينعكس أثر الفائض الكبير من الإشعاع الشمسي على مناخ المنطقة وخصوصًا على درجات الحرارة؛ وبخاصة في فصل الصيف حيث ترتفع درجة الحرارة إلى قيم عالية جدًا في جميع أجزاء المنطقة.
د - السطح:
يتشكل سطح منطقة الحدود الشمالية بشكل عام من سهول صحراوية شاسعة ليس فيها مرتفعات عالية تذكر. فارتفاع السطح في أغلب أجزاء المنطقة يراوح بين 250 و 300م. وأكثر أجزاء منطقة الحدود الشمالية ارتفاعًا قمم محدودة جدًا مكونة من نتوءات محدودة رسوبية. والمنطقة أيضًا محاطة من جميع الجهات بمساحات صحراوية شاسعة، لذلك فهي منطقة مفتوحة مما يجعلها تتأثر بشكل ملحوظ بالرياح الشمالية والشمالية الشرقية التي تهب بشكل عام، وتكون في أيام الشتاء باردة جافة، وفي أيام الصيف حارة جافة. فلا توجد جبال عالية شمال المنطقة تقوم بصد الرياح الشمالية الباردة وتحد من أثرها ولا توجد جبال عالية جنوب المنطقة تحد من أثر الرياح الجنوبية الحارة أو تؤدي إلى هطلان أمطار تضاريسية من خلال القيام بعمليات الرفع الميكانيكي للرياح الجنوبية الرطبة.
وهناك مرتفعات جبلية عالية بعيدة عن منطقة الحدود الشمالية إلا أن لها أثرًا سلبيًا على مناخ المنطقة، مثل: مرتفعات غرب إيران، ومرتفعات شمال شرق العراق، ومرتفعات الشام. فمرتفعات غرب إيران وشمال شرق العراق تجعل الرياح الشمالية الشرقية صيفًا أكثر حرارة؛ لأن تلك الرياح تهبط من تلك المرتفعات قبل أن تصل إلى هذه المنطقة وتتسخن ذاتيًا (Adiabatic Heating)؛ بسبب عملية الهبوط وبالتالي تصل إلى المنطقة وقد اكتسبت حرارة أكثر . وفي فصل الشتاء، تكون مرتفعات غرب إيران وشمال شرق العراق مغطاة بالثلوج مما يجعل الرياح الشمالية الشرقية تصل إلى المنطقة وقد اكتسبت برودة أكثر؛ بسبب مرورها بالغطاء الثلجي فوق تلك المرتفعات. أما مرتفعات الشام فتعمل على تقليل أثر البحر المتوسط ومنخفضاته العابرة، وذلك من خلال حجز تلك المؤثرات عن المنطقة في كثير من الأحيان.