يختلف عدد عيون العناكب من نوع إلى آخر، حيث يمتلك معظمها ثمانية عيون، والقليل منها يمتلك ستة عيون، أو أربعة عيون، أو زوجاً واحداً من العيون، ويوجد أيضاََ عناكب لا تمتلك عيوناً على الإطلاق، وهي العناكب التي تعيش في الكهوف والأماكن المظلمة التي لا يصل إليها الضوء، فهي بذلك لا تحتاج إلى الرؤية، وتصطاد فرائسها بالاعتماد على حاسة الشم والإحساس بالحركة والاهتزازات.
يُعدّ العنكبوت المعروف علمياً باسم (Sinopoda scurion) أول عنكبوت صيّاد تمّ اكتشافه في العالم يفتقر لوجود العيون، وقد عثر عليه أحد علماء معهد سينكنبرج للبحوث في فرانكفورت (بالإنجليزيّة: Senckenberg Research Institute) في أحد كهوف جمهوريّة لاوس، ويُشير العلماء إلى أنّ انحسار بصر هذا العنكبوت هو نوع من التّكيّف للعيش بشكل دائم في كهف لا يصله الضّوء نهائياََ.
تحتاج معظم العناكب إلى وجود العديد من العيون حول رأسها لتتمكّن من رؤية الأشياء المحيطة بها، فهي لا تمتلك رقبة؛ ممّا يعني أنّها غير قادرة على تحريك رأسها لتتمكّن من رؤية الأشياء الموجودة على جانبيّ الرّأس كما يفعل البشر، كما أنّ للعناكب أنواعاً مختلفة من العيون لكلّ منها وظيفة مختلفة؛ فمثلاً تُساعد العيون التي تُحيط برأس العناكب رامية الشباك (بالإنجليزيّة: net-casting spiders) على تحديد موقع الفريسة بسرعة لتتمكّن من الإمساك بها، وتُساعد العيون المركزيّة الكبيرة العناكب القافزة (بالإنجليزية: Jumping spider) على تمييز الأشكال، أمّا العيون الجانبيّة الصّغيرة فتُساعد على مراقبة الحيوانات المفترسة.
عند تفحّص العناكب التي تمتلك ثمانية عيون يُمكن ملاحظة أنّ هذه العيون تترتّب ضمن صفّين، صفّ أمامي وصفّ خلفي يحتوي كلّ منهما على أربعة عيون، وتُقسم العيون الثمانية إلى عيون أساسيّة وهي زوج العيون الذي يوجد في منتصف الصف الأمامي، وعيون ثانويّة وهي العيون الستة الباقية، وتتميز العيون الأساسية بأنها تحتوي على أصباغ حساسة للضوء في الأجزاء الطرفيّة منها والقريبة على عدسة العين، كما تختلف دقة الرّؤية في العيون الأساسيّة للعناكب من نوع إلى آخر، فعلى سبيل المثال تتميّز العيون الأساسيّة للعناكب القافزة باتساعها وقدرتها على الرّؤية بدقة عالية في الأماكن ذات الإضاءة القوية، أمّا العيون الأساسية للعناكب غازلة النسيج الدائري (بالإنجليزيّة: web-spinning spiders) والعناكب الأرضية (بالإنجليزيّة: ground-dwelling spiders) فتُمكّنها من الرؤية أيضاََ ولكن بدقة منخفضة.
تختلف عيون العناكب الثانويّة عن العيون الأساسيّة بأنّ الصبغة الحساسة للضوء تكون في الجزء الداخلي؛ أيّ بالقرب من العصب البصري، وتحتوي العيون الثانويّة على بساط شفاف أو بساط مشيمية (بالإنجليزيّة: Tapeta) شبيه بالمرآة يوجد خلف شبكيّة العين يُساعد على عكس الضوء من خلال المستقبلات الضّوئية، كما تتكيّف العيون الثانويّة لزيادة اتساع مدى الرؤية لرؤية الأجسام الموجودة في المحيط الجانبي للعنكبوت، كما أنّها تُساعد على رصد الأجسام المتحركة، وتحديد الاتجاهات اعتماداََ على الشمس أو غيرها من الأجرام السماويّة.
ظهرت أهمية العيون الجانبية الأمامية لدى العنكبوت عندما قام العالم دانيال زوريتش وعدد من العلماء الآخرين من جامعة ماكواري في أستراليا بإجراء دراسة على نوع من العناكب القافزة يُعرف علمياََ باسم (Servaea vestita)، بهدف دراسة دور زوج واحد من العيون - وهي العيون الجانبيّة الأماميّة - في تطوّر النّظام البصري للعناكب، ولتحقيق هذا الهدف غطّى العلماء عيون العنكبوت المركزيّة الأماميّة والعيون الخلفية، بعد ذلك أظهر العلماء للعنكبوت نقاطاََ متحركةً على شاشة تُحاكي حركة الذّباب؛ الغذاء المفضّل للعنكبوت، ورصدوا ردود فعل العنكبوت.
أظهرت التجربة أمراََ مدهشاََ؛ فقد تمكّن العنكبوت من اكتشاف، ومطاردة، ومهاجمة الهدف بالرّغم من استخدامه لزوج واحد من العيون، وقد كرّر العلماء التجربة 52 مرّةً باستخدام عنكبوت مختلف في كلّ مرّة، وقد أثبتت هذه التّجارب أنّ زوج العيون الجانبيّة الأماميّة - الذي لم يحظ سابقاََ بالتّقدير الكافي من العلماء - قد يكون العنصر الأكثر تفوّقاََ في النّظام البصري للعنكبوت الذي يُظهر تطوّراََ واضحاََ يُغطّي 360 درجةً تقريباََ بدرجة عالية من الدّقة، وقد خلص العلماء إلى أنّ العيون المختلفة للعنكبوت تتقاسم مهام بصريّةً مختلفةً، مثل: تحديد الحركة، وتحليل التّفاصيل التي تُحيط بالعنكبوت بدقة عالية.
تتصل كلّ من العيون الأساسية والثانوية بدماغ العنكبوت بطرق مختلفة؛ بحيث تسمح للمدخلات البصرية الواردة من كلا النوعين من العيون بالمرور إلى الدماغ عبر مراكز المعالجة البصرية الموجودة في رأس العنكبوت بهدف معالجتها، وتشكيل صورة متكاملة لدى العنكبوت، وتحقيق مدى رؤية دقيق وواسع.
تمكنّت العالمة إليزابيث جاكوب (Elizabeth Jacob) من الحصول على منحة في جامعة ماساتشوستس في أمهيرست لتطوير جهاز خاص لتتبّع عيون العناكب القافزة تحديداََ، ويُمكن من خلال هذا الجهاز تحديد موقع العين وحركتها بدقة أثناء تعقّبها للهدف البصري، ومعرفة كيفية معالجة الدماغ للمعلومات التي تصله من العين، ويُمكن تشبيه عمل هذا الجهاز كفتح نافذة في دماغ العنكبوت للتمكّن من تتبع آلية عمله في فحص الصّور المعقدة التي تصله من العين للحصول على المعلومات المحددّة التي يبحث عنها دون سواها.
توصّلت العالمة إليزابيث جاكوب خلال تجربتها إلى أنّ العناكب تتمكّن كغيرها من الكائنات الحيّة من رؤية الكثير من الأشياء التي تُحيط بها في لحظة معينة، إلّا أنّها بحاجة إلى تصنيف المعلومات البصريّة التي تتلقّاها لتركّز على المعلومات التي تهمّها فقط كوجود فريسة، أو عدو، أو شريك محتمل للتزاوج، وتتمكّن العناكب من تحقيق ذلك بفضل العيون الأساسيّة والثّانوية المتخصصة في الكشف عن معلومات مختلفة، حيث تتكيّف العيون الثّانويّة السّتة البسيطة إلى حدّ ما والمزوّدة بعدسة وشبكيّة ثابتة لرصد أيّ حركة حول العنكبوت.
أمّا العيون الأساسيّة فهي أكثر تعقيداََ؛ حيث تتكوّن من عدسة ثابتة تُشكّل جزءاََ من الهيكل الخارجي للعنكبوت، وشبكيّة داخل الرّأس في نهاية أنبوب العين تحتوي على الكثير من المستقبلات الضّوئيّة التي تُمكِّن العنكبوت من رؤية الأجسام بدقة عالية بالرّغم من أنّ مجال رؤيتها يكون ضيّقاََ لا يتجاوز عشر درجات بسبب صغر حجمها، إلّا أنّ هذا العائق يُمكن التغلّب عليه بفضل العضلات التي تتحكّم بأنبوب العين الذي يحمل الشبكيّة، والتي تُمكّن العنكبوت من توجيه أنبوب العين مثل إشعاعات المصابيح الكاشفة، ثمّ تنتقل المعلومات البصرية التي تتلقّاها عيون العنكبوت إلى الدّماغ الذي يُفسّر هذه الصور ويُمكّن العنكبوت من رؤية ما يُهمّه.
يوجد العديد من أنواع العناكب في العالم، لذلك فهي تمتلك أنظمةً بصريّةً متنوعةً للغاية، إذ تُظهر عيون العنكبوت الثمانية تبايناً كبيراََ في حجم العين، وموضعها، ومجال رؤيتها، اعتماداََ على نمط حياة العنكبوت وطريقة تغذيته، ويُمكن استعراض بعض الاختلافات في خصائص العيون في بعض الأنواع من العناكب كما يأتي:
يتمكّن العنكبوت القافز (بالإنجليزية: Jumping spider) من رصد فريسته وصيدها باستخدام ثلاث مجموعات مختلفة من العيون وفق الخطوات الآتية:
تنتمي العناكب إلى طائفة العنكبوتيات أو العنكبيات (بالإنجليزيّة: Arachnids) التي تنتمي إلى أكبر شعبة من شعب الحيوانات وهي شعبة المفصليات (بالإنجليزيّة: Arthropods)، ومن الجدير بالذّكر أنّ العناكب ليست من الحشرات كما يظن البعض، بل هي من الحيوانات التي تتغذى على الحشرات فتؤدّي دوراََ مهمّاً في تنظيم أعداد الحشرات على سطح الأرض، كما تتميز العنكبيات بوجود هيكل خارجي لها، وامتلاكها لثمانية أرجل، وعيون بسيطة، وفكوك قوية تُمكنّها من تمزيق فريستها.
تمكّن العلماء من التعرّف على أكثر من 45 ألف نوع من العناكب، أصغرها عنكبوت يُعرف باسم (Samoan moss spider) يبلغ طوله 0.28 ملم، وأكبرها العنكبوت آكل الطّير (بالإنجليزيّة: Goliath birdeater) الذي ينتمي إلى مجموعة الرّتيلاء (بالإنجليزيّة: Tarantula)، حيث تبلغ المسافة بين طرفيّ رجلَين متقابلتين من أرجله 30 سم تقريباََ، كما تضم العناكب القليل فقط من الأنواع السّامة التي قد تُشكّل خطراََ على حياة الإنسان، ومنها: الأرملة السّوداء (بالإنجليزيّة: Black widow)، وعنكبوت النّاسك البني (بالإنجليزيّة: brown recluse)