تعرف على قصة تسويق “فرقنا”

الكاتب: وسام ونوس -
تعرف على قصة تسويق “فرقنا”

 

 

تعرف على قصة تسويق “فرقنا”

 

بقلم: د. فاروق الخطيب

كانت ربات البيوت في السابق يعرفن الكثير عن السلع، خاصة الجديدة، عن طريق مايعرف بفرقنا… وهو رجل يحمل بقجة كبيرة يضع في داخلها قطع قماش وملابس ومستلزمات أغلبها نسائية، ويحمل في يده الهندازة أو الياردة ليمتر فيها القماش الذي يبيعه. وكانت دورته أو جولته اليومية تبدأ في الغالب من نحو الساعة العاشرة صباحا حيث يدور أو يلف في الحواري والأحياء وهو ينادي بنغمة تقليدية معروفة عند أهالي هذه المناطق وهو يقول: فرقنا… فرقنا. وعندما ترغب إحداهن بالشراء تناديه… تعال يافرقنا… وعندما يصل عند الباب يسألوه السؤال التقليدي: إيش عندك من جديد؟ فيجيبهم بكل ذكاء وهو يناولهم الأقمشة والأشياء التي يحملها عندي أشياء حلوة تصلح للجميع كبار أو صغار… أو للعرايس… أو للمِلكات والأفراح والليالي الملاح… ويبدأ في عرض بضائعه… هذه من الصين… وهذه من فرنسا… وهذه أحدث شيء من لبنان ومن سورية… وهكذا يستمر الحال إلى أن يتم الانتهاء من جميع المزايا والصفات التسويقية التي تخص كل ما في البقجة! بعدها يتم الاختيار أو النقاوة ثم السؤال عن الأسعار ثم الفصال ثم الطلب منه بإحضار ألوان أخرى أو مقاسات أخرى أو مستلزمات الخياطة المناسبة مثل البطانة أو غيرها وغالبا ما يتحقق ذلك في اليوم التالي، وكن يتعاملن مع هذا الفرقنا بكل كرم خاصة بعدما يتم الشراء.. وذلك بإكرامه… بالماء البارد ليشربه أو الطعام ليأكله، حيث تسمع منهن: “استنى” يا فرقنا خذ شيئا بسيطا تسند فيه طولك.. هاتي يابنت تبسي فرقنا اللي عبيتيه..اكرميه؛ لأنه أكرمنا بالحاجات الحلوة اللي باعها لنا.

كان جميع التجار تقريبا يرسلون المنادين عند وصول بضائعهم المستوردة للإعلان عنها… حيث يمسك بعضهم بقطع منها للفرجة وهم ينادون بأن البضاعة وصلت وهي موجودة عند فلان التاجر اللي في المسعي أو المدعة أو البطحة أو العدامة أو الخاسكية وهي أحياء تجارية يعرفها معظم أبناء بلدي الكرام، وكان ذلك بمثابة الصفحة الأولى في أي إعلان تسويقي للسلعة. يلي ذلك مباشرة تحميل نفر أو كوكبة من الموظفين الشطار بالبقجة (بقجة فرقنا) وإرسالها معهم للبيوت الذين كانوا يمثلون نسبة كبيرة من عملائهم للبيع، وقد كان هو بيت القصيد، أما البيت الآخر فقد كان التسويق والإعلان عن قدوم السلعة… فقد كان فرقنا رجلا ذكيا؛ لأنه كان يركز على أن البضائع التي يعرضها دوبها واصلة… أو أنه لم يرها أحد… أو أن سيدات المجتمع كن دائما يطلبنها… وهكذا من الأساليب التسويقية التي كان نجاحها يعتمد على شطارته في الرد على الأسئلة والاستفسارات… مع شوية لغة إنجليزية دارجة… على شوية أدب زائد أو زائد جدا قد يدفع بالمشترية أن تشتري حتى تكرمه بالربح الذي يسعي إليه! وأهم ما في الموضوع هو تطبيق مبدأ إلى حين ميسرة! أي أنه ممكن البيع بالسلف إلى حين ميسرة أو بالتقسيط، وحتى لا نظلم بطلنا التسويقي “فرقنا” فقد كان يبيع بالتقسيط بدون فوائد، بعكس ما كان يحدث في دول أخرى أو أزمنة أخرى في العالم. وهناك مبدأ آخر له صلة بالموضوع وهو النصح والإرشاد للمشترين مثل تزويدهن بعنوان خياطة شاطرة أو نوعية الأزارير التي تمشي هي مخمل أو فضة أو لون الحشوة التي تناسب القماش زبدة وإلا بفتة وإلا حرير… إلى لون السستة في بعض الأحيان. فقد كان خبيرا بالمحال التي تجعل زبائنه أكثر استفادة من التعامل معه. وكان هناك بعض المروجات لبيع بضائع “فرقنا” وكن يتنافسن في تسمية الأقمشة الجديدة مثل: فخر الموجود، ملبوس السعادة، مكسوفة مكسوفة منك (قماش لفساتين المخطوبات) وآخرها مثل الرمش الطويل… حيث كن المشتريات يسألن عن هذه الأقمشة بالاسم، وإذا ما كانت عند عمنا فرقنا… فقل عليه السلام… .ما نبغي اليوم يا “فرقنا”.. مُرّ علينا بعدين.

وهكذا استمر الحال حتى آخذ “فرقنا” بالأوفول وذهبت به الرياح إلى عالم النسيان بعد أن تطورت الصحافة وظهور جرائد سعودية متميزة مثل “قريش” و”الندوة” و”البلاد” و”أم القرى” وغيرهم، حيث أسندت إليهم مهمة الإعلان بهدف التسويق وتنشيط المبيعات؛ وذلك بالكتابة عن البضائع أو وضع صورها أخيرا، وحتى أصبحت على ما هي عليه في الوقت الحاضر. وأصبح “فرقنا” لا يذكر إلا في المناسبات، وإليكم اثنين منها:

الأولى: كانت الأم تجهز بنتها المخطوبة وكانت تصر على أن يكون الجهاز كله فساتين مفصلة وليست جاهزة وكانت تدور وتلف لشراء الأفضل والأحلى فلم تجد، فذهبت إلى معرض أقمشة كبير وغال وأقمشته تصلح لحفلات رسمية وألوانها معظمها كلاسيكية ودكناء، وكذا إلى أن تعبت (علما بأن إيجار المحل قد يصل إلى مئات الألوف) فالتفتت إلى بنتها وقالت لها: ما لنا بخت اليوم؛ لأننا لم نعثر على أقمشة تناسبنا… حتى في هذه المعارض الفخمة أقمشتهم ما تعجب ولا تسر… والله إن بقجة “فرقنا” كان فيها أحلى من كده… وأرخص كمان!

الثانية: كنا في اجتماع مع مندوبي تسويق شركة إعلانات وتسويق رائدة من رواد الصحافة المكتوبة وهي وكيلة إعلانات نحو تسع صحف ومجلات وكان الاجتماع عن ضرورة تنشيط الإعلان في كل الصحف وليس بعضها من التي مرغوبة عند المعلنين (الزبائن)، وكان رئيس الشركة يتكلم بحرقة عن تركيز المندوبين على ثلاثة فقط وترك الباقي… إلى أن وصل في حديثة قائلا: أنا أبغي كل واحد فيكم يخش على الزبون ومعاه كل الصحف والمجلات اللي احنا وكلاؤها… ومعاه كروت الإعلان فيها… كده زي بقجة “فرقنا”… طبعا كلهم قالوا له: طيب وحاضر وإن شاء الله… وطبعا؛ لأن معظمهم كانوا غير سعوديين لم يعرفوا ما المقصود ببقجة “فرقنا”، فسألني أحدهم إيش المقصود بهذا الكلام؟ فقلت له ببساطة روح اشتر قطعة قماش مزركشة كبيرة وافرشها في الأرض وحط عليه كتالوجات الصحف والمجلات وأسعار وشروط الإعلان الخاصة بها واربطها وشلها على كتفك ودور فيها في الشوارع والحواري وزعق وقول “فرقنا”… “فرقنا”، وقال طيب فين ألاقي هادا القماش المزركش وإذا اشتريت قماش سادة أقدر أقول “فرقنا”… “فرقنا”… استحيت أرد عليه لأن صبري قد نفد.

 

شارك المقالة:
248 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook